المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ (1) . {وَقَالُوا - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ النُّورِ

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(11) }

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(20) }

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(53) }

- ‌(54) }

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62) }

- ‌(64) }

- ‌ الْفُرْقَانِ

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌ 7

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(20) }

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(30)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(51)

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(68)

- ‌(72)

- ‌(75)

- ‌ الشُّعَرَاءِ

- ‌(1)

- ‌10

- ‌(20)

- ‌(23)

- ‌(29)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(60) }

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(78)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(90)

- ‌(105)

- ‌(111) }

- ‌(112)

- ‌(123)

- ‌(136) }

- ‌(137)

- ‌(141)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(181)

- ‌(184) }

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(196)

- ‌(207)

- ‌(210)

- ‌(221)

- ‌ النَّمْلِ

- ‌(1)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(63) }

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(76) }

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(1)

- ‌ الْقَصَصِ

- ‌(6) }

- ‌7]

- ‌(10)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌(36)

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(7) }

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(44)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌67]

- ‌ الرُّومِ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌ 11

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(54) }

- ‌(55)

- ‌ لُقْمَانَ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(34) }

- ‌ السَّجْدَةِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌ الْأَحْزَابِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(49) }

- ‌(50) }

- ‌(51) }

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(55) }

- ‌(56) }

- ‌(57)

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(69) }

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌ سَبأ

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(28)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(40)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌ فَاطِرٍ

- ‌(1) }

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(33)

- ‌(36)

- ‌(38) }

- ‌(39) }

- ‌(42)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌{يس

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(81)

الفصل: يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ (1) . {وَقَالُوا

يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ (1) .

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يَعْنُونَ: كُتُبَ الْأَوَائِلِ اسْتَنْسَخَهَا، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} أَيْ: تُقْرَأُ عَلَيْهِ {بُكْرَةً وَأَصِيلا} أَيْ: فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ -لِسَخَافَتِهِ وَكَذِبِهِ وبهْته مِنْهُمْ -كُلّ أَحَدٍ يَعْلَمُ (2) بُطْلَانَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلم بِالتَّوَاتُرِ وَبِالضَّرُورَةِ: أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يُعَانِي شَيْئًا مِنَ الْكِتَابَةِ، لَا فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ، وَقَدْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنْ أَوَّلِ مَوْلِدِهِ إِلَى أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُمْ يَعْرِفُونَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ، وَصِدْقَهُ، وَبِرَّهُ وَأَمَانَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ فِي صِغَرِهِ إِلَى أَنْ بُعِث (3) إِلَّا الْأَمِينَ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ صِدْقِهِ وَبِرِّهِ. فَلَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، نَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَرَموه بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ بَرَاءَتَهُ مِنْهَا، وَحَارُوا مَاذَا يَقْذِفُونَهُ بِهِ، فَتَارَةً مِنْ إِفْكِهِمْ يَقُولُونَ: سَاحِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: مَجْنُونٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: كَذَّابٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 48] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي جَوَابِ مَا عَانَدُوا هَاهُنَا وَافْتَرَوْا: {قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ إِخْبَارًا حقًّا صِدْقًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فِي الْخَارِجِ، مَاضِيًا وَمُسْتَقْبَلًا {أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} أي: الله الذي يعلم غيب السموات وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ السَّرَائِرَ كَعِلْمِهِ بِالظَّوَاهِرِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} : دُعَاءٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ رَحْمَتَهُ وَاسِعَةٌ، وَأَنَّ حِلْمَهُ عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ. فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ وَفُجُورِهِمْ وَبُهْتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ عَنِ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ مَا قَالُوا، يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْهُدَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:‌

‌ 7

3 -74] ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [الْبُرُوجِ: 10] . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ [سبحانه وتعالى](4) .

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) }

(1) في ف، أ:"زعموه".

(2)

في ف، أ:"بهته كل أحد منهم يعلم".

(3)

في أ: "بعثه".

(4)

زيادة من ف، أ.

ص: 94

{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ‌

(12)

وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) } .

ص: 94

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَعَنُّتِ الْكَفَّارِ وَعِنَادِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلْحَقِّ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا تَعَلَّلُوا بِقَوْلِهِمْ:{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} ، يَعْنُونَ: كَمَا نَأْكُلُهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَمَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، {وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ} أَيْ: يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَإِلَيْهَا طَلَبًا لِلتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَةِ، {لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} يَقُولُونَ (1) : هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَكُونَ لَهُ شَاهِدًا عَلَى صِدْق مَا يدَّعيه! وَهَذَا كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ:{فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزُّخْرُفِ: 53] . وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ عَلَى السَّوَاءِ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز} أَيْ: عِلْمُ كَنْزٍ [يَكُونُ](2) يُنْفِقُ مِنْهُ، {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} أَيْ: تَسِيرُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ. وَهَذَا كُلُّهُ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ، وَلَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ} أَيْ: جَاءُوا بِمَا يَقْذِفُونَكَ بِهِ وَيَكْذِبُونَ بِهِ عَلَيْكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ "سَاحِرٌ، مَسْحُورٌ، مَجْنُونٌ، كَذَّابٌ، شَاعِرٌ" وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ، كُلُّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَعَقْلٍ يَعْرِفُ كَذِبَهُمْ وَافْتِرَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{فَضَلُّوا} أَيْ: عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ ضَالٌّ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَمَنْهَجٌ مُتَّحِدٌ، يُصَدّق بَعْضُهُ بَعْضًا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا نَبِيَّهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَآتَاهُ خَيْرًا مِمَّا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا وَأَفْضَلَ وَأَحْسَنَ، فَقَالَ [تَعَالَى](3){تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} .

قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَقُرَيْشٌ يُسَمُّونَ كُلَّ بَيْتٍ مِنْ حِجَارَةٍ قَصْرًا، سَوَاءً كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا (4) .

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ خَيْثَمَة؛ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنْ شِئْتَ أَنْ نُعْطِيَكَ خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَمَفَاتِيحَهَا مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ قَبْلَكَ، وَلَا يُعطى أَحَدٌ مِنْ بَعْدِكَ، وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اجْمَعُوهَا لِي فِي الْآخِرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ:{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} (5) .

(1) في أ: "يقول".

(2)

زيادة من أ.

(3)

زيادة من أ.

(4)

في ف، أ:"صغيرا أو كبيرا".

(5)

رواه الطبري في تفسيره (18/140) من طريق سفيان به مرسلا.

ص: 95

وَقَوْلُهُ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} أَيْ: إِنَّمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ هَكَذَا تَكْذِيبًا وَعِنَادًا، لَا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَبَصُّرًا وَاسْتِرْشَادًا، بَلْ تَكْذِيبُهُمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى قَوْلِ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، {وَأَعْتَدْنَا} أَيْ: وَأَرْصَدْنَا {لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} أَيْ: عَذَابًا أَلِيمًا حارًّاً لَا يُطَاقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:"السَّعِير": وَادٍ مِنْ قَيْحِ جَهَنَّمَ.

وَقَوْلُهُ: {إِذَا رَأَتْهُمْ} أَيْ: جَهَنَّمُ {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} يَعْنِي: فِي مَقَامِ الْمَحْشَرِ. قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} أَيْ: حَنَقًا (1) عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الْمُلْكِ: 7،8] أَيْ: يَكَادُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؛ مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ الْأَخْيَفِ (2) الْوَاسِطِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيَّ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْك، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ وَالِدَيْهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ [مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلْيَتَبَوَّأْ] (3) بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ: "أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ يَقُولُ: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} الْآيَةَ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ (4) بْنِ خِدَاش، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ (5) الْوَاسِطِيِّ، بِهِ (6) .

وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ -وَمَعَنَا الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْم فَمَرُّوا عَلَى حَدَّادٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَى حَدِيدَةٍ فِي النَّارِ، وَنَظَرَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِلَيْهَا فَتَمَايَلَ لِيَسْقُطَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَتُونٍ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فِلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالنَّارُ تَلْتَهِبُ فِي جَوْفِهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} فَصُعِقَ -يَعْنِي: الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْم -فَحَمَلُوهُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ (7) وَرَابَطَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الظُّهر فَلَمْ يَفِقْ، رضي الله عنه.

وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لِيُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَتَشْهَقُ إِلَيْهِ شَهْقَةَ الْبَغْلَةِ إِلَى الشَّعِيرِ، ثُمَّ تَزْفَرُ زَفْرَةً لَا يبقى أحد إلا خاف.

(1) في أ: "خنقا".

(2)

في ف، أ:"الأحنف".

(3)

زيادة من ف، أ.

(4)

في ف: "محمود".

(5)

في أ: "زيد".

(6)

تفسير الطبري (18/140) .

(7)

في أ: "إلى أهله".

ص: 96

هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقي، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَتَنْزَوِي وَتَنْقَبِضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَقُولُ لَهَا الرَّحْمَنُ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَسْتَجِيرُ مِنِّي. فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا (1) عَبْدِي. وَإِنَّ الرَّجُلَ ليُجَرّ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا كَانَ هَذَا الظَّنُّ بِكَ؟ فَيَقُولُ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْ تَسَعني رَحْمَتُكَ. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النَّارِ، فَتَشْهَقُ إِلَيْهِ النَّارُ شُهُوقَ الْبَغْلَةِ إِلَى الشَّعِيرِ، وَتَزْفَرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا خَافَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيد بْنِ عُمَيْر فِي قَوْلِهِ:{سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} قَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ تَزْفَرُ زَفْرَةً، لَا يَبْقَى مَلِكٌ وَلَا نَبِيٌّ إِلَّا خَرّ تَرْعَد فَرَائِصُهُ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، لِيَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَقُولَ: رَبِّ، لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي (2) .

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} قَالَ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (3) بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مِثْلَ الزُّجِّ فِي الرُّمْحِ (4) أَيْ: مِنْ ضِيقِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ -يَرْفَعُ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ} قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ ليُسْتَكرهون فِي النَّارِ، كَمَا يُسْتَكْرَهُ الْوَتِدُ فِي الْحَائِطِ"(5) .

وَقَوْلُهُ {مُقَرَّنِينَ} قَالَ أَبُو صَالِحٍ: يَعْنِي مُكَتَّفِينَ: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} أَيْ: بِالْوَيْلِ وَالْحَسْرَةِ وَالْخَيْبَةِ. {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلَيِّ بْنِ زَيْدٍ (6) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَوَّلُ مَنْ يُكسَى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إِبْلِيسُ، فَيَضَعُهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ، وَيَسْحَبُهَا منْ خَلْفه، وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ يُنَادِي: يَا ثُبُورَاهُ، وَيُنَادُونَ: يَا ثُبُورَهُمْ. حَتَّى يَقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا ثُبُورَاهُ. وَيَقُولُونَ: يَا ثُبُورَهُمْ. فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا تَدْعُوَا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا، وَادْعُوَا ثُبُورًا كَثِيرًا".

لَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَان، عَنْ عَفَّانَ، بِهِ: وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سلمة به (7) .

(1) في أ: "أن تنقلوا".

(2)

تفسير عبد الرزاق (2/56) .

(3)

في ف، أ:"عبيد الله".

(4)

في ف: "رمحه".

(5)

رواه ابن أبي حاتم، كما في الدر المنثور (6/240) .

(6)

في هـ، ف، أ "علي بن يزيد" والصواب ما أثبتناه من المسند (3/252) .

(7)

المسند (3/152) وتفسير الطبري (18/141) .

ص: 97