الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ
(36) }
{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ
(37)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) }
لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى [مَثَلَ](1) قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، بِالْمِصْبَاحِ فِي الزُّجَاجَةِ الصَّافِيَةِ الْمُتَوَقِّدِ مِنْ زَيْتٍ طَيِّبٍ، وَذَلِكَ كَالْقِنْدِيلِ، ذَكَرَ مَحِلَّهَا وَهِيَ الْمَسَاجِدُ، الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ بُيُوتُهُ الَّتِي يُعْبَدُ فِيهَا ويُوَحّد، فَقَالَ:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} أَيْ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِهَا، أَيْ: بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ، وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ اللَّغْوِ فِيهَا. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمة (2) وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُفَسِّرِينَ. (3)
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ، أَمَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، بِبِنَائِهَا وَرَفْعِهَا، وَأَمَرَ بِعِمَارَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا. وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: " أَلَا إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ، ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أَكْرَمْتُهُ، وحَقّ عَلَى المَزُور كرامةُ الزَّائِرِ". رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَاحْتِرَامِهَا وَتَوْقِيرِهَا، وَتَطْيِيبِهَا وَتَبْخِيرِهَا. وَذَلِكَ لَهُ مَحَلٌّ مُفْرَدٌ يُذْكَرُ فِيهِ، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا عَلَى حدَة، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَنَحْنُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى نَذْكُرُ (4) هَاهُنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ:
فَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه، قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مَثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (5) .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"(6) .
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَة (7) مَثْلُهُ (8) . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدور، وأن تنظف
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
في ف، أ:"خيثمة".
(3)
في ف، أ:"التفسير".
(4)
في ف: "سنذكر".
(5)
صحيح البخاري برقم (450) وصحيح مسلم برقم (533) .
(6)
سنن ابن ماجه برقم (735) من طريق الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله عن عمر. وقال البوصيري في الزوائد (1/260) : "هذا إسناد مرسل، عثمان بن عبد الله بن سراقة روى عن عمر وهو جده لأمه، ولم يسمع منه. قاله المزي".
(7)
في أ: "عنبسة".
(8)
سنن النسائي (2/31) .
وَتُطَيَّبَ (1) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيُّ. وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ سَمُرة بْنِ جُنْدب نَحْوُهُ. (2)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ عُمَرُ: ابْنِ لِلنَّاسِ مَا يُكِنُّهُمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ (3) .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا سَاءَ عملُ قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ". (4) وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخرفُنّها كَمَا زَخْرَفت الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى (5)
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ". رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ (6)
وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلا أنشدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمْلِ الْأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيت الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (7)
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ، وَعَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ (8)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ: قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنشُد ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (9)
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ:"خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخذُ طَرِيقًا، وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ، وَلَا يُنبَض فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلَا يُمرّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيء: وَلَا يُضرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَا يُقْتَص فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا يُتَّخذ سُوقًا"(10) .
وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"جَنِّبوا الْمَسَاجِدَ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ، وجَمّروها فِي الجُمَع".
(1) المسند (6/279) وسنن أبي داود برقم (455) وسنن الترمذي برقم (594) وسنن ابن ماجه برقم (759) .
(2)
المسند (5/17) وسنن أبي داود برقم (456) .
(3)
صحيح البخاري (1/539)"فتح".
(4)
سنن ابن ماجه برقم (741) من طريق جبارة بن المغلس عن عبد الكريم بن عبد الرحمن عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب، به. قال البوصيري في الزوائد (1/262) :"هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس وقد اتهم".
(5)
سنن أبي داود برقم (448) .
(6)
المسند (3/134) وسنن أبي داود برقم (449) وسنن النسائي (2/32) وسنن ابن ماجه برقم (739) .
(7)
صحيح مسلم برقم (569) .
(8)
المسند (2/179) وسنن أبي داود برقم (1079) وسنن الترمذي برقم (322) وسنن النسائي (2/47) وسنن ابن ماجه برقم (749) .
(9)
سنن الترمذي برقم (3121) .
(10)
سنن ابن ماجه برقم (748) وقال البوصيري في الزوائد (1/264) : "هذا إسناد فيه زيد بن جبيرة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا (1) وَفِي إِسْنَادِهِمَا (2) ضَعُفٌ.
أَمَّا أَنَّهُ "لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا" فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُرُورَ فِيهِ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا وَجَد مَنْدُوحَةً عَنْهُ. وَفِي الْأَثَرِ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَتَعَجَّبُ مِنَ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فِيهِ".
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُشْهَرُ فِيهِ بِسِلَاحٍ (3) . وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ (4) . فَلِمَا يُخْشَى مِنْ إِصَابَةِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِ، لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرَّ أَحَدٌ بِسِهَامٍ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى نِصَالِهَا؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (5) .
وَأَمَا النَّهْيُ عَنِ الْمُرُورِ بِاللَّحْمِ النَّيِّءِ فِيهِ، فَلِما يُخْشَى مِنْ تَقَاطُرِ الدَّمِ مِنْهُ، كَمَا نُهِيَتِ الْحَائِضُ عَنِ الْمُرُورِ فِيهِ إِذَا خَافَتِ التَّلْوِيثَ.
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَلَا يُقْتَصُّ"، فَلِمَا يُخْشَى مِنْ إِيجَادِ نَجَاسَةٍ فِيهِ مِنَ الْمَضْرُوبِ أَوِ الْمَقْطُوعِ.
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُتَّخَذُ سُوقًا"، فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام، (6) لِذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ:"إِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، إِنَّمَا بُنِيَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا". ثُمَّ أَمَرَ بسَجْل مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِهِ (7) .
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: "جَنِّبوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ"، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَلْعَبُونَ فِيهِ وَلَا يُنَاسِبُهُمْ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، إِذَا رَأَى صِبْيَانًا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ (8) ، ضَرَبَهُمْ بالمِخْفَقَة -وَهِيَ الدِّرَّة -وَكَانَ يَعُسّ (9) الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، فَلَا يَتْرُكُ فِيهِ أَحَدًا.
"وَمَجَانِينَكُمْ" يَعْنِي: لِأَجْلِ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وسَخْر النَّاسِ بِهِمْ، فَيُؤَدِّي إِلَى (10) اللَّعِبِ فِيهَا، وَلِمَا يَخْشَى مِنْ تَقْذِيرِهِمُ الْمَسْجِدَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
"وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ" كَمَا تَقَدَّمَ.
"وَخُصُومَاتِكُمْ" يَعْنِي: التَّحَاكُمَ وَالْحُكْمَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا نَصَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَنْتَصِبُ لِفَصْلِ الْأَقْضِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَالتَّشَاجُرِ وَالْعِيَاطِ (11) الَّذِي لَا يُنَاسِبُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ:"وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الجُعَيْد (12) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي (13) يَزِيدُ بْنُ خُصَيفَة (14)، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزيدَ الكنْديِّ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ (15) بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنَ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ أَوْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قال: لو كنتما من أهل
(1) سنن ابن ماجه برقم (750) وقال البوصيري في الزوائد (1/265) : "هذا إسناد ضعيف، أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب، قال أحمد: عمدا كان يضع الحديث، ثم قال: والحارث بن نبهان ضعيف".
(2)
في ف، أ:"إسناده".
(3)
في أ: "السلام".
(4)
في ف: "بنبل".
(5)
رواه مسلم في صحيحه برقم (2615) من حديث أبي موسى الأشعري.
(6)
في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(7)
رواه مسلم في صحيحه برقم (284) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه.
(8)
في ف: "فيه".
(9)
في ف، أ:"يفتش".
(10)
في أ: "على".
(11)
في أ: "والغياظ".
(12)
في ف، أ:"الجعد".
(13)
في ف، أ:"عن".
(14)
في ف، أ:"حفصة".
(15)
في ف، أ:"فإذا هو عمر".
الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا: تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ صَوْتَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. (2)
وَقَوْلُهُ: "وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ": تَقَدَّمَا. (3)
وَقَوْلُهُ: "وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ" يَعْنِي: الْمَرَاحِيضَ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْوُضُوءِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَقَدْ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آبَارٌ (4) يَسْتَقُونَ منها، فيشربون ويتطهرون، ويتوضؤون وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: "وجمِّروها فِي الجُمَع" يَعْنِي: بَخِّرُوهَا فِي أَيَّامِ الجُمَع لِكَثْرَةِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (5) بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُجَمِّر مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ جُمُعَةٍ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ (6) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّف عَلَى صِلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ (7) ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخطُ خَطوة إِلَّا رُفع لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاه: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ"(8)
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ"(9) .
وَفِي السُّنَنِ: "بشِّر الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(10) .
وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَبْدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو (11) رضي الله عنه (12) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إذا دخل المسجد قال:
(1) صحيح البخاري برقم (470) .
(2)
وذكره المزي في تحفة الأشراف (8/4) وعزاه للنسائي في السنن الكبرى في المواعظ.
(3)
في أ: "تقدم".
(4)
في أ: "أباريق".
(5)
في أ: "عبد الله".
(6)
مسند أبي يعلى (1/170) .
(7)
في ف، أ:"الوضوء".
(8)
صحيح البخاري برقم (647) وصحيح مسلم برقم (649) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(9)
سنن الدارقطني (1/420) من طريق سليمان بن داود الْيَمَامِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، به. وقد رواه الحاكم في المستدرك (1/246) والبيهقي في السنن الكبرى (3/57) من طريق سليمان بن داود، به. وسليمان بن داود مجمع على تضعيفه. ومن حديث جابر، رواه الدارقطني أيضا في السنن (1/420) من طريق محمد بن مسكين عن عبد الله بن بكير عن محمد بن سوقة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، به. وقال أبو الطيب في التعليق:"فيه محمد بن مسكين، قال الذهبي: لا يعرف وخبره منكر. وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر".
(10)
رواه أبو داود في السنن برقم (561) والترمذي في السنن برقم (223) من حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، رضي الله عنه، وقال التِّرْمِذِيُّ:"هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مرفوع، وهو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم".
(11)
فِي أ: "عمر".
(12)
في ف، أ:"عنهما".
أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [قَالَ: أَقَطُّ؟ قَالَ: نَعَمْ] (1) . قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفظ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ (2) .
وَرَوَى مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ -أَوْ: أَبِي أسَيْد -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ (3) صلى الله عليه وسلم [مِثْلَهُ](4)(5) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِيَقِلِ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّان فِي صَحِيحَيْهِمَا (6) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا لَيْث بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ (7) . عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ". وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (8)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ الصُّغْرَى لَمْ تُدْرِكْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى.
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، مَعَ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ لِحَالِ الطُّولِ (9) . كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} .
وَقَوْلُهُ: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: اسم الله، كقوله:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الْأَعْرَافِ: 31]، وَقَوْلُهُ {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الْأَعْرَافِ: 29] ، وَقَوْلُهُ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الْجِنِّ: 18] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يَعْنِي: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ.
وَقَوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أَيْ: فِي البُكَرات والعَشِيَّات. وَالْآصَالُ: جمع أصيل،
(1) زيادة من أ.
(2)
لم أجده في صحيح البخاري، وقد ذكره المزي في تحفة الأشراف وابن الأثير في جامع الأصول ولم يعزواه إلا لأبي داود في السنن برقم (466) .
(3)
في ف، أ:"رسول الله".
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
صحيح مسلم برقم (713) وسنن النسائي (2/53) .
(6)
سنن ابن ماجه برقم (773) وصحيح ابن خزيمة برقم (452) وصحيح ابن حبان برقم (2048)"الإحسان" كلهم من طريق أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة، به. وقال البوصيري في الزوائد (1/97) :"هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات".
(7)
في أ: "حسين".
(8)
المسند (6/282) وسنن الترمذي برقم (314) وسنن ابن ماجه برقم (771) .
(9)
في ف، أ:"لجافي القول".
وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْغُدُوِّ: صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَيَعْنِي بِالْآصَالِ: صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهُمَا أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرهما وَأَنْ يُذَكِّر بِهِمَا عِبَادَهُ.
وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} يَعْنِي: الصَّلَاةَ.
وَمَنْ قَرَأَ مِنَ القَرَأَة (1)" يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" -بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ "يُسبح" عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ -وَقَفَ (2) عَلَى قَوْلِهِ: {والآصَال} وَقَفًا تامًا، وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وَكَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (3) .
لِيُبْكَ يزيدُ، ضارعٌ لخُصُومة
…
ومُخْتَبطٌ مِمَّا تُطيح الطّوَائحُ
…
كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَبْكِيهِ؟ قَالَ: هَذَا يَبْكِيهِ. وَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا؟ قَالَ: رِجَالٌ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {يسبِّح} -بِكَسْرِ الْبَاءِ -فَجَعَلَهُ فِعْلًا وَفَاعِلَهُ: {رِجَال} فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ إِلَّا عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ.
فَقَوْلُهُ: {رِجَال} فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِمَمِهِمُ السَّامِيَةِ، وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمُ الْعَالِيَةِ، الَّتِي بِهَا صَارُوا عُمَّارا لِلْمَسَاجِدِ، الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَمَوَاطِنُ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: 23] .
فَأَمَّا النِّسَاءُ فَصَلاتهن فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَهُنَّ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا"(4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلان، حَدَّثَنَا رِشْدِين، حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ السَّائِبِ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، -عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ [قَعْرُ] (5) بُيُوتِهِنَّ"(6) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيد الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ -امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ قَالَ:"قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي". قَالَ: فأمَرَت فبُني لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا وَأَظْلَمِهِ (7) ، فَكَانَتْ تُصْلِي فِيهِ حَتَّى لقيت الله، عز وجل. لم يخرجوه. (8)
(1) في ف، أ:"القراء".
(2)
في ف: "ويقف".
(3)
ينسب للشاعر نهشل بن حري ولغيره، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (1/145) والمقتضب للمبرد (3/382) ومغني اللبيب لابن هشام الشاهد رقم (1048) ا. هـ، مستفادا من حاشية الشعب.
(4)
سنن أبي داود برقم (580) .
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
المسند (6/297) .
(7)
في هـ: "بيوتها والله" وفي ف، أ:"بيتها والله" والمثبت من المسند.
(8)
المسند (6/371) .
هَذَا وَيَجُوزُ لَهَا شُهُودُ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تُؤْذِيَ أَحَدًا مِنَ الرِّجَالِ بِظُهُورِ زِينَةٍ وَلَا رِيحِ طِيبٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ"(1) .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ:"وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ"(2) وَفِي رِوَايَةٍ: "وَلِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلات"(3) أَيْ: لَا رِيحَ لَهُنَّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ -امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ -قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا"(4) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ (5) يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطهن، مَا يُعْرَفْن مِنَ الغَلَس (6) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمنعهُنّ الْمَسَاجِدَ، كَمَا مُنعت نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (7) .
وَقَوْلُهُ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ، كَقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الْجُمُعَةِ: 9]
يَقُولُ تَعَالَى: لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا ومَلاذ بَيعها وَرِيحُهَا، عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} أَيْ: يُقَدِّمُونَ طَاعَتَهُ ومُرَاده وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ.
قَالَ هُشَيْم: عَنْ سَيَّار (8) : [قَالَ](9) حُدِّثت عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، تَرَكُوا بِيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (10) .
وَهَكَذَا رَوَى عَمْرو بْنُ دِينَارٍ القَهْرَمَانيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، أَنَّهُ كَانَ فِي السُّوقِ (11) فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ ابْنُ عمر: فيهم
(1) صحيح البخاري برقم (900) وصحيح مسلم برقم (442) .
(2)
المسند (2/76) وسنن أبي داود برقم (567) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما.
(3)
وهي في المسند (2/438) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(4)
صحيح مسلم برقم (443) .
(5)
في ف، أ:"المؤمنات".
(6)
صحيح البخاري برقم (578) وصحيح مسلم برقم (645) .
(7)
صحيح البخاري برقم (869) وصحيح مسلم برقم (445) .
(8)
في ف، أ:"شيبان".
(9)
زيادة من ف، أ.
(10)
رواه الطبري في تفسيره (18/113) .
(11)
في ف، أ:"بالسوق".
نَزَلَتْ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ (1) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ (2) الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ (3) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُجَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ رَبٍّ (4) قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، رضي الله عنه: إِنِّي قُمْتُ (5) عَلَى هَذَا الدَّرَجِ أُبَايِعُ عَلَيْهِ، أَرْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ:"إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَلَالٍ" وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْأَعْوَرُ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْمَسْجِدَ، فَمَرَرْنَا بِسُوقِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وخَمَّروُا مَتَاعَهُمْ، فَنَظَرَ سَالِمٌ إِلَى أَمْتِعَتِهِمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، فَتَلَا سَالِمٌ هَذِهِ الْآيَةَ:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ثُمَّ قَالَ: هُمْ هَؤُلَاءِ.
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكُ: لَا تُلْهِيهِمُ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا.
وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاق: كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، وَلَكِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وميزانُه فِي يَدِهِ خَفَضَهُ، وَأَقْبَلَ إِلَى الصلاة.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} يَقُولُ: عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ.
وَقَالَ السُّدِّي: عَنِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ.
وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: لَا يُلْهِيهِمْ ذَلِكَ عَنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُقِيمُوهَا كَمَا أَمَرَهُمُ (6) اللَّهُ، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى مَوَاقِيتِهَا، وَمَا اسْتَحْفَظَهُمُ اللَّهُ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، أَيْ: مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَعَظَمَةِ الْأَهْوَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غَافِرٍ: 18] ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ} [إِبْرَاهِيمَ: 42]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الْإِنْسَانِ: 8-12] .
وَقَالَ هَاهُنَا {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} أَيْ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: يَتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْحَسَنَ وَيُضَاعِفُهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النِّسَاءِ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَامِ: 160]، وَقَالَ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [الْبَقَرَةِ: 245] ، وقال {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]
(1) تفسير الطبري (18/113) .
(2)
في ف، أ:"بكير".
(3)
في أ: "هشام".
(4)
في ف، أ:"عبد ربه".
(5)
في أ: "قمت".
(6)
في ف، أ:"أمر".