الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمْ دَعْوَةً اسْتَجَابَ اللَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ. فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ. فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [الْقَمَرِ:10-14] .
وَقَالَ هَاهُنَا {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ.} . وَالْمَشْحُونُ: هُوَ الْمَمْلُوءُ بِالْأَمْتِعَةِ وَالْأَزْوَاجِ الَّتِي حَمَلَ فِيهِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ: نَجَّيْنَاهُ (1) وَمَنْ مَعَهُ (2) كُلَّهُمْ، وَأَغْرَقْنَا مَنْ كَذَّبَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ كُلَّهُمْ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ
(123)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) } .
وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ [اللَّهِ تَعَالَى عَنْ](3) عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ هُودٍ، عليه السلام، أَنَّهُ دَعَا قَوْمَهُ عَادًا، وَكَانُوا قَوْمًا يَسْكُنُونَ الْأَحْقَافَ، وَهِيَ: جِبَالُ الرَّمَلِ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ حَضْرَمَوْتَ مُتَاخِمَةً (4) لِبِلَادِ الْيَمَنِ، وَكَانَ زَمَانُهُمْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ، [كَمَا قَالَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ":{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ] (5) وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} [الْأَعْرَافِ:69] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةٍ مِنْ قُوَّةِ التَّرْكِيبِ، وَالْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، وَالطُّولِ الْمَدِيدِ، وَالْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ، وَالْأَمْوَالِ وَالْجَنَّاتِ (6) وَالْعُيُونِ، وَالْأَبْنَاءِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ مَعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ رَسُولَا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ وَعَذَابَهُ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} ، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الرِّيعِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عِنْدَ جَوَادِّ الطُّرُقِ الْمَشْهُورَةِ. تَبْنُونَ هُنَاكَ بِنَاءً مُحْكَمًا بَاهِرًا هَائِلًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} أَيْ: مَعْلَمًا بِنَاءً مَشْهُورًا، تَعْبَثُونَ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَبَثًا لَا لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ؛ بَلْ لِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّهُمْ، عليه السلام، ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلزَّمَانِ وَإِتْعَابٌ لِلْأَبْدَانِ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَاشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُجْدِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} . قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَصَانِعُ: الْبُرُوجُ الْمُشَيَّدَةُ، وَالْبُنْيَانُ الْمُخَلَّدُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: بروج الحمام.
(1) في أ: "نجينا نوحا".
(2)
في أ: "اتبعه".
(3)
زيادة من ف، أ.
(4)
في ف: "متخمة".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في أ: "والجنان".