الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا فَصَّلَ تَعَالَى (1) هَذِهِ الْأَحْكَامَ وبَيَّنها قَالَ: {وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ فِيهِ آيَاتٌ وَاضِحَاتٌ مُفَسِّرَاتٌ، {وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} أَيْ: خَبَرًا عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَمَا حلَّ بِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ أوامرَ اللَّهِ تَعَالَى (2)، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} [الزُّخْرُفِ: 56]
{وَمَوْعِظَةً} أَيْ: زَاجِرًا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ {لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ: لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَخَافَهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ: فِيهِ حَكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَخَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ، وَهُوَ الفَصْل لَيْسَ بالهَزْل، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّار قَصَمَه اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى مِنْ (3) غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ.
{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(35) }
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس:{اللَّهُ نُورُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ} يقول: هادي أهل السموات وَالْأَرْضِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عباس في قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} يُدْبِّرُ الْأَمْرَ فِيهِمَا، نُجُومِهِمَا وَشَمْسِهِمَا وَقَمَرِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنُ خَالِدٍ الرَقِّي، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ فَرْقَد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ إِلَهِي يَقُولُ: نُورِي هُدَايَ.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ في قول الله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي جَعَلَ [اللَّهُ](4) الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فقال:{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنُ فَقَالَ: مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ. قَالَ: فَكَانَ أُبي بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا: "مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ (5) فَهُوَ الْمُؤْمِنُ جُعِلَ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ.
وَهَكَذَا قَالَ (6) سَعِيدُ بْنُ جُبير، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ:"نُورِ مَنْ آمَنَ بالله".
وقرأ بعضهم:"اللَّهُ نَوَّر السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ" ".
وعن الضحاك: "اللَّهُ نَوَّر السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ ".
(1) في ف، أ:"ولما فصل تبارك وتعالى".
(2)
في ف، أ:"عز وجل".
(3)
في أ: "في".
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
في أ: "بالله".
(6)
في ف: "روى".
وقال السدي في قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} : فبنوره أضاءت السموات وَالْأَرْضُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ يَوْمَ آذَاهُ أَهْلُ الطَّائِفِ:"أُعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَحِلَّ بِيَ غَضبك أَوْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُك، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ (1) "(2) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيّم السموات وَالْأَرْضِ وَمِنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السموات وَالْأَرْضِ وَمِنْ فِيهِنَّ" الْحَدِيثَ (3) .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ الْعَرْشِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ.
وَقَوْلُهُ: {مَثَلُ نُورِهِ} فِي هَذَا الضَّمِيرِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ، عز وجل، أَيْ: مَثَلُ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ {كَمِشْكَاةٍ} .
وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْمُؤْمِنِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ: تَقْدِيرُهُ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، كَمِشْكَاةٍ. فَشَبَّهَ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ وَمَا هُوَ مَفْطُورٌ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى، وَمَا يَتَلَقَّاهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُطَابِقِ لِمَا هُوَ مَفْطُورٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هُودٍ: 17] ، فَشَبَّهَ قَلْبَ (4) الْمُؤْمِنِ فِي صَفَائِهِ فِي نَفْسِهِ بِالْقِنْدِيلِ مِنَ الزُّجَاجِ الشَّفَّافِ الْجَوْهَرِيِّ، وَمَا يَسْتَهْدِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالشَّرْعِ بِالزَّيْتِ الْجَيِّدِ الصَّافِي الْمُشْرِقِ الْمُعْتَدِلِ، الَّذِي لَا كَدَرَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ.
فَقَوْلُهُ (5) : {كَمِشْكَاةٍ} : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ مَوْضِعُ الْفَتِيلَةِ مِنَ الْقِنْدِيلِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} ، وَهُوَ الذُّبالة الَّتِي تُضِيءُ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [فِي] (6) قَوْلِهِ:{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} : وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مَنْ دُونِ السَّمَاءِ؟ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ ذَلِكَ لِنُورِهِ، فَقَالَ:{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} . وَالْمِشْكَاةُ: كوَّة فِي الْبَيْتِ -قَالَ: وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبه اللَّهُ لِطَاعَتِهِ (7) . فسمَّى اللَّهُ طاعَتَه نُورًا، ثُمَّ سَمَاها أَنْوَاعًا شَتَّى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْكُوَّةُ بلُغة الْحَبَشَةِ. وَزَادَ غَيْرُهُ فَقَالَ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ الَّتِي لَا مَنْفَذَ لَهَا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْمِشْكَاةُ: الْحَدَائِدُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الْقِنْدِيلُ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ: أَنَّ الْمِشْكَاةَ هِيَ مَوْضِعُ الفَتيلة مِنَ الْقِنْدِيلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} وَهُوَ النور الذي في الذُّبالة.
(1) في ف، أ:"بالله".
(2)
رواه ابن هشام في السيرة النبوية (1/420) ، عن ابن إسحاق.
(3)
صحيح البخاري برقم (1120) وصحيح مسلم برقم (769) .
(4)
في ف، أ:"القلب".
(5)
في أ: "وقوله".
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
في ف: "لأهل طاعته".
قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: الْمِصْبَاحُ: النُّورُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ الَّذِي فِي صَدْرِهِ.
وَقَالَ السُّدِّي: هُوَ السِّرَاجُ.
{الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} أَيْ: هَذَا الضَّوْءُ مُشْرِقٌ فِي زُجَاجَةٍ صَافِيَةٍ.
قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: وَهِيَ نَظِيرُ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ. {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} : قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الدَّالِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ، مِنَ الدُّرِّ، أَيْ: كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ مِنْ دُرّ.
وَقَرَأَ آخَرُونَ: "دِرّيء" وَ"دُرِّيء" بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزِ، مِنَ الدَرْء وَهُوَ الدَّفْعُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّجْمَ إِذَا رُمي بِهِ يَكُونُ أَشَدُّ اسْتِنَارَةً مِنْ سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَا لَا يُعْرَفُ مِنَ الْكَوَاكِبِ دَرَارِيَّ.
قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَوْكَبٌ مُضِيءٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مُضِيءٌ مُبِينٌ ضَخْمٌ. {يُوقَدُ (1) مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} أَيْ: يَسْتَمِدُّ مِنْ زَيْتِ زَيْتُونِ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ {زَيْتُونَةٍ} بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أَيْ: لَيْسَتْ فِي شَرْقِيِّ بُقْعَتِهَا فَلَا تَصِلُ إِلَيْهَا الشَّمْسُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَا فِي غَرْبِيِّهَا فَيَتَقَلَّصُ عَنْهَا الْفَيْءُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، بَلْ هِيَ فِي مَكَانٍ وَسَطٍ، تَفْرَعه (2) الشَّمْسُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ، فَيَجِيءُ زَيْتُهَا مُعْتَدِلًا صَافِيًا مُشْرِقًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاك بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: شَجَرَةٌ بِالصَّحْرَاءِ، لَا يُظِلُّهَا جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا كَهْفٌ، وَلَا يُوَارِيهَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَجْوَدُ لِزَيْتِهَا.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّان، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْر، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ:{لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ بِصَحْرَاءَ، وَذَلِكَ أَصْفَى لِزِينَتِهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ فَرُّوخ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ -وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ:{زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ (3) تِلْكَ [زَيْتُونَةٌ](4) بِأَرْضِ فَلَاةٍ، إِذَا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ أَشْرَقَتْ عَلَيْهَا، وَإِذَا غَرُبَتْ غَرُبَتْ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَصْفَى مَا يَكُونُ مِنَ الزَّيْتِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: { [زَيْتُونَةٍ] لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} (5) قَالَ: لَيْسَتْ بِشَرْقِيَّةٍ، لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ إِذَا غَرُبَتْ، وَلَا غَرْبِيَّةٍ لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ، [وَلَكِنَّهَا شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ، تُصِيبُهَا إِذَا طَلَعَتْ](6) وَإِذَا غَرُبَتْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر فِي قَوْلِهِ {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} قَالَ: هُوَ أَجْوَدُ الزَّيْتِ. قَالَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَصَابَتْهَا مِنْ صَوْبِ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَخَذَتْ فِي الْغُرُوبِ أَصَابَتْهَا الشَّمْسُ، فَالشَّمْسُ تُصِيبُهَا بِالْغَدَاةِ والعَشِيّ، فَتِلْكَ لَا تُعَدُّ شَرْقِيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ [فِي](7) قَوْلِهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} يَقُولُ: ليست بشرقية يحوزها
(1) في ف، أ:"توقد".
(2)
في هـ، أ:"تقصرها" والمثبت من ف.
(3)
في ف، أ:"فقال".
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
زيادة من ف، أ.
الْمَشْرِقُ، وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَحُوزُهَا الْمَغْرِبُ دُونَ الْمَشْرِقِ، وَلَكِنَّهَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ، تُصِيبُهَا الشَّمْسُ النهارَ كلَّه.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أَنَّهَا فِي وَسَطِ الشَّجَرِ، وَلَيْسَتْ بَادِيَةً لِلْمَشْرِقِ وَلَا لِلْمَغْرِبِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: فَهِيَ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ، لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ، لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرُبَتْ. قَالَ: فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِنُ، قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْفِتَنِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهَا فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ فِيهَا، فَهُوَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ: إِنْ قَالَ صَدَق، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، فَهُوَ فِي سَائِرِ النَّاسِ كَالرَّجُلِ الْحَيِّ يَمْشِي فِي قُبُورِ الْأَمْوَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:{زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ وَسَطَ الشَّجَرِ، لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ شَرْقًا وَلَا غَرْبًا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الشَّجَرِ، يُرَى ظِلُّ ثَمَرِهَا فِي وَرَقِهَا، وَهَذِهِ مِنَ الشَّجَرِ لَا تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً لَيْسَ فِيهَا غَرْبٌ، وَلَا غَرْبِيَّةً لَيْسَ فِيهَا شَرْقٌ، وَلَكِنَّهَا شَرْقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ القبْلية.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: الشَّامُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ فِي الْأَرْضِ لَكَانَتْ شَرْقِيَّةً أَوْ غَرْبِيَّةً، وَلَكِنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{توقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: لَا يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ.
وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ القولُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهَا فِي مُسْتَوًى مِنَ الْأَرْضِ، فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ بَارِزٍ ظَاهِرٍ ضَاحٍ لِلشَّمْسِ، تَفْرعه مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَصْفَى لِزِينَتِهَا وَأَلْطَفُ، كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي: لِضَوْءِ إِشْرَاقِ الزَّيْتِ.
وَقَوْلُهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ إِيمَانَ الْعَبْدِ وَعَمَلَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي نُورَ النَّارِ وَنُورَ الزَّيْتِ.
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَعَمَلُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ، وَمَخْرَجُهُ نُورٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ شِمْر بْنُ عَطية: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}
قَالَ: يَكَادُ مُحَمَّدٌ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ (1) لَمْ يَتَكَلَّمْ، أَنَّهُ نَبِيٌّ، كَمَا يَكَادُ ذَلِكَ الزَّيْتُ أَنْ يُضِيءَ.
وَقَالَ السُّدِّي فِي قَوْلِهِ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} قَالَ: نُورُ النَّارِ وَنُورُ الزَّيْتِ، حِينَ اجْتَمَعَا أَضَاءَا، وَلَا يُضِيءُ وَاحِدٌ بِغَيْرِ صَاحِبِهِ [كَذَلِكَ نُورُ الْقُرْآنِ وَنُورُ الْإِيمَانِ حِينَ اجْتَمَعَا، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ](2)
وَقَوْلُهُ: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: يُرْشِدُ اللَّهُ إِلَى هِدَايَتِهِ مَنْ يَخْتَارُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ](3) الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ أَصَابَ يَوْمَئِذٍ مِنْ نُورِهِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ. فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عز وجل"(4)
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ (5) بْنُ سُوَيْد، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيباني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ نُورًا مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ (6) ضَلَّ. [وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ](7)(8) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذَا مَثَلًا لِنُورِ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ:{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْإِضْلَالَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ -يَعْنِي (9) شَيْبَانَ -، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ أَبِي البَخْتَري، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ: قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزهرُ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ، وَقَلْبٌ مُصْفَح: فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ، سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ [الْمُنَافِقِ] (10) عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ. وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَح فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، وَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدّها الْمَاءُ الطَّيِّبُ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ القُرحة يَمُدَّها الْقَيْحُ وَالدَّمُ، فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ". إِسْنَادُهُ جيد (11) ولم يخرجوه.
(1) في ف، أ:"ولو".
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(4)
المسند (2/176) .
(5)
في ف، أ:"قال البزار: حدثنا شهاب بن عثمان حدثنا أيوب".
(6)
في ف، أ:"أخطأ".
(7)
زيادة من ف، أ.
(8)
مسند البزار برقم (2145)"كشف الأستار" ورواه أحمد في مسنده (2/197) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيمٍ، عن ابن الديلمي، عن عبد الله بن عمرو، به.
(9)
في هـ: "حدثنا" والمثبت من ف، أ، والمسند.
(10)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(11)
المسند (3/17) .