المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَيْ: وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا لِمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَأَنَابَ إِلَيْهِ. {مَا جَعَلَ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ النُّورِ

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(11) }

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(20) }

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(53) }

- ‌(54) }

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62) }

- ‌(64) }

- ‌ الْفُرْقَانِ

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌ 7

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(20) }

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(30)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(51)

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(68)

- ‌(72)

- ‌(75)

- ‌ الشُّعَرَاءِ

- ‌(1)

- ‌10

- ‌(20)

- ‌(23)

- ‌(29)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(60) }

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(78)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(90)

- ‌(105)

- ‌(111) }

- ‌(112)

- ‌(123)

- ‌(136) }

- ‌(137)

- ‌(141)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(181)

- ‌(184) }

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(196)

- ‌(207)

- ‌(210)

- ‌(221)

- ‌ النَّمْلِ

- ‌(1)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(63) }

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(76) }

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(1)

- ‌ الْقَصَصِ

- ‌(6) }

- ‌7]

- ‌(10)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌(36)

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(7) }

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(44)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌67]

- ‌ الرُّومِ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌ 11

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(54) }

- ‌(55)

- ‌ لُقْمَانَ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(34) }

- ‌ السَّجْدَةِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌ الْأَحْزَابِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(49) }

- ‌(50) }

- ‌(51) }

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(55) }

- ‌(56) }

- ‌(57)

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(69) }

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌ سَبأ

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(28)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(40)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌ فَاطِرٍ

- ‌(1) }

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(33)

- ‌(36)

- ‌(38) }

- ‌(39) }

- ‌(42)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌{يس

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(81)

الفصل: أَيْ: وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا لِمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَأَنَابَ إِلَيْهِ. {مَا جَعَلَ

أَيْ: وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا لِمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَأَنَابَ إِلَيْهِ.

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ‌

(4)

ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُوَطِّئًا قَبْلَ الْمَقْصُودِ الْمَعْنَوِيِّ أَمْرًا حِسِّيًّا مَعْرُوفًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ قَلْبَانِ فِي جَوْفِهِ، وَلَا تَصِيرُ زَوْجَتُهُ الَّتِي يُظَاهِرُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أُمًّا لَهُ، كَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الدَّعيّ وَلَدًا لِلرَّجُلِ إِذَا تبنَّاه فَدَعَاهُ ابْنًا لَهُ، فَقَالَ:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} ، كَقَوْلِهِ:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} . [الْمُجَادَلَةِ:3] .

وَقَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} : هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنَّفْيِ؛ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَبَنَّاهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ:"زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ" فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ يَقْطَعَ هَذَا الْإِلْحَاقَ وَهَذِهِ النِّسْبَةَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} كَمَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الْأَحْزَابِ:40] وَقَالَ هَاهُنَا: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} يَعْنِي: تَبَنِّيكُمْ لَهُمْ قَوْلٌ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ابْنًا حَقِيقِيًّا، فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ صُلْبِ رَجُلٍ آخَرَ، فَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبَوَانِ، كَمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَشَرِ الْوَاحِدِ قَلْبَانِ.

{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} : قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ {يَقُولُ الْحَقَّ} أَيِ: الْعَدْلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أَيِ: الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَ يُقَالُ لَهُ:"ذُو الْقَلْبَيْنِ"، وَأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ، كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَقْلٍ وَافِرٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِ. هَكَذَا رَوَى العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ قَابُوسَ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي ظِبْيَان -أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (1) : {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ، مَا عَنَى بِذَلِكَ؟ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُصَلِّي، فخَطَر خَطْرَة، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ: أَلَا تَرَوْنَ لَهُ قَلْبَيْنِ، قَلْبًا مَعَكُمْ وَقَلْبًا مَعَهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عز وجل:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (2) .

(1) في ف: "عز وجل".

(2)

المسند (1/267) .

ص: 376

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ صَاعِدٍ الْحَرَّانِيِّ -وَعَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ -كِلَاهُمَا عَنْ زُهَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، بِهِ. (1)

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، ضُرب لَهُ مَثَلٌ، يَقُولُ: لَيْسَ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ (2) .

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قدَّمناه مِنَ التَّفْسِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} : هَذَا أَمْرٌ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ ادِّعَاءِ الْأَبْنَاءِ الْأَجَانِبِ، وَهُمُ الْأَدْعِيَاءُ، فَأَمَرَ [اللَّهُ](3) تَعَالَى بِرَدِّ نِسَبِهِمْ إِلَى آبَائِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: حَدَّثَنَا مُعَلى (4) بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ زيدًا بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهِ (5) .

وَقَدْ كَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ مُعَامَلَةَ الْأَبْنَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فِي الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا (6) نَدْعُو سَالِمًا ابْنًا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ مَا أَنْزَلَ، وَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيّ، وَإِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَرَضِعَيْهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ" الْحَدِيثَ. (7)

وَلِهَذَا لَمَّا نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ، أَبَاحَ تَعَالَى زَوْجَةَ الدَّعِيِّ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَةِ (8) زيد بن حارثة، وقال:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الْأَحْزَابِ:37]، وَقَالَ فِي آية التحريم:{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النِّسَاءِ:23] ، احْتِرَازًا عَنْ زَوْجَةِ الدَّعِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصُّلْبِ، فَأَمَّا الِابْنُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَمُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ ابْنِ الصُّلْبِ شَرْعًا، بِقَوْلِهِ عليه السلام (9) فِي الصَّحِيحَيْنِ:"حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ"(10) . فَأَمَّا دَعْوَةُ الْغَيْرِ ابْنًا عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِيمِ وَالتَّحْبِيبِ، فَلَيْسَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل،

(1) سنن الترمذي برقم (3199) وتفسير الطبري (21/74) .

(2)

تفسير عبد الرزاق (2/92) .

(3)

زيادة من ت، ف، أ.

(4)

في ف: "يعلى".

(5)

صحيح البخاري برقم (4782) وصحيح مسلم برقم (2425) وسنن الترمذي برقم (3209) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11397) .

(6)

في ت، ف، أ "إنا كنا".

(7)

الحديث في صحيح مسلم برقم (1453) عن عائشة، رضي الله عنها.

(8)

في ف: "مطلقة".

(9)

في أ: "صلى الله عليه وسلم".

(10)

صحيح البخاري برقم (4796) وصحيح مسلم برقم (1445) من حديث عائشة، رضي الله عنها.

ص: 377

عَنِ الْحَسَنِ العُرَني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَات لَنَا مِنْ جَمْع، فَجَعَلَ يَلْطَخ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ:"أُبَيْنيّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ (1) حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ "(2) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: "أُبَيْنيّ" تَصْغِيرُ بَنِيَّ (3) . وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَقَوْلُهُ:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} فِي شَأْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَدْ قُتِلَ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانة الْوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليَشْكُري، عَنِ الجَعْد أَبِي عُثْمَانَ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بُني". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (4) .

وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} : أَمَرَ [اللَّهُ](5) تَعَالَى بِرَدِّ أَنْسَابِ الْأَدْعِيَاءِ إِلَى آبَائِهِمْ، إِنْ عُرِفُوا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا (6) آبَاءَهُمْ، فَهُمْ إِخْوَانُهُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيهِمْ، أَيْ: عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُمْ مِنَ النَّسَبِ. وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ عَامَ عُمرة الْقَضَاءِ، وَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ، يَا عَمِّ. فَأَخَذَهَا عَلِيٌّ وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دونَك ابْنَةَ عَمّك فَاحْتَمِلِيهَا (7) . فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فِي أَيِّهِمْ يَكْفُلُهَا، فَكُلٌّ أَدْلَى بِحُجَّةٍ (8) ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا أحق بها وهي ابنة عميس -وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي -يَعْنِي أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ. فَقَضَى النَّبِيُّ (9) صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا، وَقَالَ:"الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ". وقال لعلي: "أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أَخُونَا وَمَوْلَانَا"(10) .

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مَنْ أَحْسَنِهَا: أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام (11) حَكَمَ بِالْحَقِّ، وَأَرْضَى كُلًّا مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَقَالَ لِزَيْدٍ:"أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا"، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرَة: قَالَ اللَّهُ، عز وجل:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ، فَأَنَا مِمَّنْ لَا يُعرَف أَبُوهُ، وَأَنَا مِنْ إِخْوَانِكُمْ فِي الدِّينِ. قَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ حِمَارًا لانتمى (12) إليه.

(1) في ف: "جمرة العقبة".

(2)

المسند (1/311) وسنن أبي داود برقم (1940) وسنن النسائي (5/270) وسنن ابن ماجه برقم (3025) .

(3)

في ت، ف، أ:"ابني".

(4)

صحيح مسلم برقم (2151) وسنن أبي داود برقم (4964) وسنن الترمذي برقم (4831) .

(5)

زيادة من ت، أ.

(6)

في أ: "يعلموا".

(7)

في ت، أ:"فاحتملتها".

(8)

في أ: "بحجته".

(9)

في أ: "فقضى بها النبي".

(10)

رواه البخاري في صحيحه برقم (2699) من حديث البراء، رضي الله عنه.

(11)

في ف: "صلى الله عليه وسلم".

(12)

في ت: "لانتسب".

ص: 378

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنِ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ، كَفَرَ (1) . (2) وَهَذَا تَشْدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، فِي التَّبَرِّي مِنَ النَّسَبِ الْمَعْلُومِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} .

ثُمَّ قَالَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أَيْ: إِذَا نَسَبْتُمْ بَعْضَهُمْ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ خَطَأً، بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ الْحَرَجَ فِي الْخَطَأِ وَرَفَعَ إِثْمَهُ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ آمِرًا عِبَادَهُ أَنْ يَقُولُوا:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [الْبَقَرَةِ: 286] . وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ"(3) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ"(4) . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا يُكرَهُون (5) عَلَيْهِ".

وَقَالَ هَاهُنَا: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أَيْ: وَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْبَاطِلَ كَمَا قَالَ تَعَالَى (6) : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم} . وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إِلَّا كَفَرَ". وَفِي الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ: "فَإِنَّ (7) كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ".

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ (8) مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ مَعَهُ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: "وَلَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ [فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ -أَوْ: إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ -أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ] (9) ، وَإِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تُطْرُونِي [كَمَا أُطْرِيَ](10) عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" (11) . وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَر: "كَمَا أَطَرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ" (12) .

وَرَوَاهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "ثَلَاثٌ فِي النَّاسِ كُفْرٌ: الطَّعْن فِي النَّسبَ، والنيِّاحة عَلَى الْمَيِّتِ، والاستسقاء بالنجوم"(13) .

(1) في أ: "وهو يعلمه إلا كفر".

(2)

رواه البخاري في صحيحه برقم (3508) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه، بلفظ مقارب.

(3)

صحيح مسلم برقم (126) من حديث ابن عباس.

(4)

صحيح البخاري برقم (7352) .

(5)

في أ: "والأمر يكرهون".

(6)

في ف: "الله".

(7)

في أ: "فإنه".

(8)

في ت: "إن الله بعث"، وفي ف:"إن الله، عز وجل، بعث".

(9)

زيادة من ت، ف، والمسند.

(10)

زيادة من ت، ف، والمسند.

(11)

في ف، أ:"أنا عبد الله وقولوا عبد الله ورسوله".

(12)

المسند (1/47) .

(13)

المسند (5/342) ورواه مسلم في صحيحه برقم (934) كلاهما عن أبي مالك الأشعري بلفظ: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يتركوهن: الفخر في الأنساب" ثم ذكر هذه الثلاث.

ص: 379