الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْلِيسٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، ثُمَّ قَالَ:{أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 62]، ثُمَّ قَالَ:(1){ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الْأَعْرَافُ: 17] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ حَوَّاءُ، هَبَطَ (2) إِبْلِيسُ فَرحا بِمَا أَصَابَ مِنْهُمَا، وَقَالَ: إِذَا أَصَبْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مَا أَصَبْتُ، فَالذُّرِّيَّةُ أَضْعَفُ وَأَضْعَفُ. وَكَانَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْ إِبْلِيسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ: "لَا أُفَارِقُ ابْنَ آدَمَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ، أعدُه (3) وأُمَنّيه وَأَخْدَعُهُ". فَقَالَ اللَّهُ: "وَعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ عَنْهُ التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرغِر بِالْمَوْتِ، وَلَا يَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُهُ، وَلَا يَسْأَلُنِي إِلَّا أَعْطَيْتُهُ، وَلَا يَسْتَغْفِرُنِي إِلَّا غَفَرْتُ لَهُ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مِنْ حُجَّةٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ مَا ضَرَبَهُمْ بِعَصَا، وَلَا أَكْرَهَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَمَا كَانَ إِلَّا غُرُورًا وَأَمَانِيَّ دَعَاهُمْ إِلَيْهَا فَأَجَابُوهُ.
وَقَوْلُهُ: {إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} أَيْ: إِنَّمَا سَلَّطْنَاهُ عَلَيْهِمْ ليظهرَ أَمْرُ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ بِالْآخِرَةِ وَقِيَامِهَا وَالْحِسَابِ فِيهَا وَالْجَزَاءِ، فيُحسِنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ عز وجل فِي الدُّنْيَا، مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ.
وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أَيْ: وَمَعَ حِفْظِهِ ضَلّ مَنْ ضَلّ مِنَ اتِّبَاعِ إِبْلِيسَ، وَبِحِفْظِهِ وَكِلَاءَتِهِ سَلِم مَنْ سَلِمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ.
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ
(22) }
(1) في ت، س:"وقال".
(2)
في أ: "أهبط".
(3)
في ت، س:"أغره".
{وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
(23) }
.
بَيَّن (1) تَعَالَى أَنَّهُ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ، بَلْ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْأَمْرِ وَحْدَهُ، مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ وَلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُعَارِضٍ، فَقَالَ:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ: مِنَ الْآلِهَةِ الَّتِي عُبِدَتْ مِنْ دونه {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ} ، كَمَا قَالَ تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فَاطِرٍ: 13] .
وَقَوْلُهُ: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} أَيْ: لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا اسْتِقْلَالًا وَلَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ، {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أَيْ: وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْ (2) هَذِهِ الْأَنْدَادِ مِنْ ظَهِيرٍ يُسْتَظْهَرُ بِهِ فِي الْأُمُورِ، بَلِ
(1) في ت، س، أ:"يبين".
(2)
في ت: "في".
الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، عُبَيْدٌ لَدَيْهِ.
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ، مِنْ عَوْنٍ يُعِينُهُ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ: (1){وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أَيْ: لِعَظَمَتِهِ [وَجَلَالِهِ](2) وَكِبْرِيَائِهِ لَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَةِ:255]، وَقَالَ:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [وَيَرْضَى (3) ] } [النَّجْمِ: 26]، وَقَالَ:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 28] .
وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (4) ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَكْبَرُ شَفِيعٍ عِنْدَ اللَّهِ-: أَنَّهُ حِينَ يَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لِيَشْفَعَ فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ أَنْ يَأْتِيَ رَبَّهُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، قَالَ:"فَأَسْجُدُ لِلَّهِ فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، وَيَفْتَحَ عَلَيَّ بِمَحَامِدَ لَا أُحْصِيهَا الْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسمع (5) ، وَسَلْ تُعْطَه وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} . وَهَذَا أَيْضًا مَقَامٌ رَفِيعٌ فِي الْعَظَمَةِ. وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كَلَامَهُ، أرْعدوا مِنَ الْهَيْبَةِ حَتَّى يَلْحَقَهُمْ مِثْلُ الْغَشْيِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ، وَغَيْرُهُمَا.
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} أَيْ: زَالَ الْفَزَعُ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعيّ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} يَقُولُ: جُلِّى عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَقَرَأَ بَعْضُ السَّلَفِ -وَجَاءَ مَرْفُوعًا-:" [حَتَّى] (6) إذَا فُرِّغَ" بِالْغَيْنِ (7) الْمُعْجَمَةِ، وَيَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُ بِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ لِلَّذِينِ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ لِمَنْ تَحْتَهُمْ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالَ:{قَالُوا الْحَقّ} أَيْ: أَخْبَرُوا بِمَا قَالَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا اسْتَيْقَظُوا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْغَفْلَةِ فِي الدُّنْيَا، وَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: الْحَقُّ وَأُخْبِرُوا بِهِ مِمَّا كَانُوا عَنْهُ لَاهِينَ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} : كَشَفَ عَنْهَا الْغِطَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: مَا فِيهَا مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: مَا فِيهَا مِنَ الشَّكِّ،
(1) في ت: "ثم قال".
(2)
زيادة من أ.
(3)
زيادة من ت، أ.
(4)
تقدمت أحاديث الشفاعة عند تفسير الآية: 79 من سورة الإسراء.
(5)
في س، أ:"تسمع".
(6)
زيادة من أ.
(7)
في ت: "بالعين".
قَالَ: فُزِّعَ الشَّيْطَانُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَفَارَقَهُمْ وَأَمَانِيهِمْ وَمَا كَانَ يُضِلُّهُمْ، {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قَالَ: وَهَذَا فِي بَنِي آدَمَ، هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، أَقَرُّوا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِقْرَارُ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ (1) . هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَالْآثَارِ، وَلْنَذْكُرْ مِنْهَا طَرَفًا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، سَمِعْتُ عِكْرِمة، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرة (2) يَقُولُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الأمرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضعانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صفوانَ، فَإِذَا فُزِّع عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرق السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ -هَكَذَا بَعْضُهُ (3) فَوْقَ بَعْضٍ-وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ-فَحَرّفها وبَدّد (4) بَيْنَ أَصَابِعِهِ-فَيسمع الْكَلِمَةَ، فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يلقيَها عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ (5) أَوِ الْكَاهِنِ، فَربما أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا: كذا (6) وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة الَّتِي سُمعت مِنَ السَّمَاءِ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ. (7)
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [جَالِسًا](8) فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ -قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: "مِنَ الْأَنْصَارِ"-فَرُميَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، [قَالَ] (9) :" مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا كَانَ مثلُ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ يُولَد عَظِيمٌ، أَوْ يَمُوتُ (10) عَظِيمٌ -قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ غُلّظت حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا، تبارك وتعالى، إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلةُ الْعَرْشِ [ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحَ هَذِهِ (11) الدُّنْيَا، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَلُونُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ](12) : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ، وَيُخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ سَمَاءً؛ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ، وَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيُرْمَوْنَ، فما جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَفْرِقُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (13) . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بن كَيْسَان،
(1) تفسير الطبري (22/64) .
(2)
في ت: "قال البخاري عند تفسيره هذه الآية الكريمة في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة".
(3)
في أ: "بعضهم".
(4)
في أ: "وسدد".
(5)
في أ: "الآخر".
(6)
في أ: "وكذا، يوم كذا".
(7)
صحيح البخاري برقم (4800) وسنن أبي داود برقم (3989) وسنن الترمذي برقم (3223) وسنن ابن ماجه برقم (194) .
(8)
زيادة من ت، س، والمسند.
(9)
زيادة من ت، س، والمسند.
(10)
في ت، س:"ويموت".
(11)
في تـ س: "السماء".
(12)
زيادة من ت، س، والمسند.
(13)
المسند (1/218) .
وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَيُونُسَ ومَعْقِل بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (1) ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، بِهِ (2) . وَرَوَاهُ وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (3) ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (4) فِي "التَّفْسِيرِ" مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ (5) . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ عَنِ الحُسَين بْنِ حُرَيْثٍ؛ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، رضي الله عنه (6) ، واللَّهُ (7) أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ -وَالسِّيَاقُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ-قَالَا حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ -هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ-عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ (8) بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّاءَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعان (9) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، فَإِذَا تكلم أخذت السموات مِنْهُ (10) رَجْفَةٌ -أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ-شَدِيدَةٌ؛ مِنْ خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صَعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، فَيَمْضِي بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، كُلَّمَا مَرّ بِسَمَاءٍ سَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: قَالَ: الْحَقُّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ، فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ خُزَيمة، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، بِهِ. (11)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالشَّامِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، رحمه الله.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ العَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُمَا فَسَرَّا هَذِهِ الْآيَةَ بِابْتِدَاءِ إِيحَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْفَتْرَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مَا دخل في هذه الآية.
(1) في س: "بن عبد الله".
(2)
صحيح مسلم برقم (2229) .
(3)
صحيح مسلم برقم (2229) .
(4)
في ت: "وكذا رواه النسائي والترمذي".
(5)
سنن الترمذي برقم (3224) .
(6)
النسائي في السنن الكبرى برقم (11272) .
(7)
في س: "فالله".
(8)
في أ: "زيد".
(9)
في ت: "حديث آخر رواه ابن جرير بإسناده عن النواس بن سمعان".
(10)
في أ: "منها".
(11)
تفسير الطبري (22/63) والتوحيد لابن خزيمة ص (95) ورواه ابن عاصم في السنة برقم (515) من طريق محمد بن عوف، عن نعيم بن حماد، به.