الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} أَيْ: كُلَّمَا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ أَعْرَضَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، كَمَا قَالَ:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ:
10
3] ، وقال:{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30]، وَقَالَ:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 44] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: فَقَدْ كَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْحَقِّ، فَسَيَعْلَمُونَ نَبَأَ هَذَا التَّكْذِيبِ بَعْدَ حِينٍ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشُّعَرَاءِ: 227] .
ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى عَظَمَتِهِ فِي سُلْطَانِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ وَشَأْنِهِ، الَّذِينَ اجْتَرَؤُوا عَلَى مُخَالَفَةِ رَسُولِهِ وَتَكْذِيبِ كِتَابِهِ، وَهُوَ الْقَاهِرُ الْعَظِيمُ الْقَادِرُ، الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ وَأَنْبَتَ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَحَيَوَانٍ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: النَّاسُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ كَرِيمٌ، وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ لَئِيمٌ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أَيْ: دَلَالَةً عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ لِلْأَشْيَاءِ، الَّذِي بَسَطَ الْأَرْضَ وَرَفَعَ بِنَاءَ السَّمَاءِ، وَمَعَ هَذَا مَا آمَنَ أَكْثَرُ النَّاسِ، بَلْ كَذَّبُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُ (1) وَارْتَكَبُوا زَوَاجِرَهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} أَيِ: الَّذِي عَزّ كلَّ شَيْءٍ وَقَهَرَهُ وَغَلَبَهُ، {الرَّحِيمُ} أَيْ: بِخَلْقِهِ، فَلَا يُعَجِّلُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، بَلْ يُنْظِرُهُ وَيُؤَجِّلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَ [مُحَمَّدُ (2) ] بْنُ إِسْحَاقَ: الْعَزِيزُ فِي نِقْمَتِهِ وَانْتِصَارِهِ مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَعَبَدَ غَيْرَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الرَّحِيمُ بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ.
(1) في أ: "أوامره".
(2)
زيادة من ف، أ.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
(20)
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) }