الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِبْرَاهِيمُ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أَيْ: إِذَا وَقَعْتُ فِي مَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِفَائِي أَحَدٌ غَيْرُهُ، بِمَا يُقَدِّرُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ.
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} أَيْ: هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُبْدِئُ وَيُعِيدُ.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} أَيْ: هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى غَفْر الذُّنُوبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا هُوَ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ.
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
(83) }
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ
(84)
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) } .
وَهَذَا سُؤَالٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام، أَنْ يُؤْتِيَهُ رَبُّهُ حُكْما.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعِلْمُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ اللُّبُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ النُّبُوَّةُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أَيْ: اجْعَلْنِي مَعَ (1) الصَّالِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الِاحْتِضَارِ:" [اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى" قَالَهَا ثَلَاثًا (2) . وَفِي الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ] (3) : اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَمِتْنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحَقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مُبْدِّلَيْنِ" (4) .
وَقَوْلُهُ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أَيْ: وَاجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أذكرَ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الْخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصَّافَّاتِ:108-110] .
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} يَعْنِي: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ:27]، وَكَقَوْلِهِ:{وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النَّحْلِ:122] .
قَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ: كُلُّ مِلَّةٍ تُحِبُّهُ وَتَتَوَلَّاهُ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ.
وَقَوْلُهُ: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} أَيْ: أَنْعِمْ عَليَّ فِي الدُّنْيَا بِبَقَاءِ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ بَعْدِي، وَفِي الْآخِرَةِ بِأَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ.
وَقَوْلُهُ: {وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} كَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [إِبْرَاهِيمَ:41] ، وَهَذَا مِمَّا رجَعَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ، عليه السلام، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] .
(1) في أ "من".
(2)
رواه البخاري في صحيحه برقم (6509) ومسلم في صحيحه برقم (2191) من حديث عائشة، رضي الله عنها، وليس عندهما أنه قالها ثلاثا، وإنما فيهما ما يفيد أنها مرتين، والله أعلم.
(3)
زيادة من ف، أ.
(4)
رواه أحمد في مسنده (3/424) من حديث الزرقي، وعنده:"غير خزايا ولا مفتونين".