الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْمُجَادَلَةِ: 21]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غَافِرٍ: 51، 52] .
وَوَجَّهَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ:{بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} ، تَقْدِيرُهُ: أَنْتُمَا ومَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ بِآيَاتِنَا (1) .
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِنَ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا، وَاللَّهُ أعلم.
(1) تفسير الطبري (20/48) .
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ
(36)
وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) } .
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مَجِيءِ مُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَعَرْضِهِ مَا آتَاهُمَا اللَّهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ وَالدَّلَالَاتِ الْقَاهِرَةِ، عَلَى صِدْقِهِمَا فيما أخبر عَنِ اللَّهِ عز وجل مِنْ تَوْحِيدِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ. فَلَمَّا عَايَنَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ ذَلِكَ وَشَاهَدُوهُ وَتُحَقَّقُوهُ، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، عَدَلُوا بِكُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ إِلَى الْعِنَادِ وَالْمُبَاهَتَةِ، وَذَلِكَ لِطُغْيَانِهِمْ وَتَكَبُّرِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، فَقَالُوا:{مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} أَيْ: مُفْتَعَلٌ مَصْنُوعٌ. وَأَرَادُوا مُعَارَضَتَهُ بِالْحِيلَةِ وَالْجَاهَ، فَمَا صَعِدَ مَعَهُمْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (1) : {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ} يَعْنُونَ: عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْ آبَائِنَا عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَلَمْ نَرَ (2) النَّاسَ إِلَّا يُشْرِكُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى. فَقَالَ مُوسَى، عليه السلام، مُجِيبًا لَهُمْ:{رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} يَعْنِي: مِنِّي وَمِنْكُمْ، وَسَيَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. وَلِهَذَا قَالَ:{وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أَيِ: النُّصْرَةُ وَالظَّفَرُ وَالتَّأْيِيدُ، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أَيِ: الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ.
(1) في ت، ف:"وقولهم".
(2)
في ف: "وما نرى".
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ كُفْرِ فِرْعَوْنَ وَطُغْيَانِهِ وَافْتِرَائِهِ فِي دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ لِنَفْسِهِ الْقَبِيحَةِ -لَعَنَهُ اللَّهُ -كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزُّخْرُفِ: 54] ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الِاعْتِرَافِ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ بِقِلَّةِ عُقُولِهِمْ وَسَخَافَةِ أَذْهَانِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، [وَ] (1) قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُ:{فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النَّازِعَاتِ: 23 -26] يَعْنِي: أَنَّهُ جَمَعَ قَوْمَهُ وَنَادَى فِيهِمْ بِصَوْتِهِ الْعَالِي مُصَرِّحا لَهُمْ بِذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ. وَلِهَذَا انْتَقَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، فَجَعَلَهُ عِبْرَةً لِغَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحَتَّى إِنَّهُ وَاجَهَ مُوسَى الْكِلِيمَ بِذَلِكَ فَقَالَ:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] .
وقوله: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أَيْ: أَمَرَ وَزِيرَهُ هَامَانَ وَمُدَبِّرَ رَعِيَّتِهِ وَمُشِيرَ دَوْلَتِهِ أَنْ يُوقِدَ لَهُ عَلَى الطِّينِ، لِيَتَّخِذَ لَهُ آجُرّا لِبِنَاءِ الصَّرْحِ، وَهُوَ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ الرَّفِيعُ -كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ} [غَافِرٍ: 36، 37] ، وَذَلِكَ لِأَنَّ (2) فِرْعَوْنَ بَنَى هَذَا الصَّرْحَ الَّذِي لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا بِنَاءٌ أَعْلَى مِنْهُ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُظْهِرَ لِرَعِيَّتِهِ تَكْذِيبَ مُوسَى فِيمَا زَعَمَهُ مِنْ دَعْوَى إِلَهٍ غَيْرِ فِرْعَوْنَ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أَيْ: فِي قَوْلِهِ إِنَّ ثَمّ رَبًّا غَيْرِي، لَا أَنَّهُ كَذَّبَهُ فِي أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْتَرِفُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ، فَإِنَّهُ قَالَ:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 23] وَقَالَ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 29] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} أَيْ: طَغَوْا وَتَجَبَّرُوا، وَأَكْثَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا مَعَادَ وَلَا قِيَامَةَ (3)، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ.إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 13، 14] ، ولهذا قال ها هنا:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} أَيْ: أَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْبَحْرِ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أَيْ: لِمَنْ سَلَكَ وَرَاءَهُمْ وَأَخَذَ بِطَرِيقَتِهِمْ، فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَتَعْطِيلِ الصَّانِعِ، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} أَيْ: فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ خِزْيُ الدُّنْيَا مَوْصُولًا بِذُلِّ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 13]
وَقَوْلُهُ: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} (4) أَيْ: وَشَرَعَ اللَّهُ لَعْنَتَهُمْ وَلَعْنَةَ مَلكهم فِرْعَوْنَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّبِعِينَ رُسُلَهُ، وَكَمَا أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا مَلْعُونُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ كَذَلِكَ، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} . قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود: 99] .
(1) زيادة من ت، ف.
(2)
في ت: "أن".
(3)
في ت: "لا قيامة ولا معاد".
(4)
في ت: "فأتبعناهم".