الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (1) بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهُمْ كَانُوا ينهَون أَنْ يحدَّ الرَّجُلُ بَصَره (2) إِلَى الْأَمْرَدِ. وَقَدْ شَدَّد كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وحَرَّمه طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِافْتِتَانِ، وشَدّد آخَرُونَ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا جَدًّا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَهْلٍ الْمَازِنِيُّ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صُهْبَان، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ (4) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا عَيْنًا غَضّت عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَعَيْنًا سهِرت فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنًا يَخْرُجُ مِنْهَا مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ، مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، عز وجل"(5) .
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(31) }
هَذَا (6) أمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلنِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، وغَيْرَة (7) مِنْهُ لِأَزْوَاجِهِنَّ، عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَمْيِيزٌ لَهُنَّ عَنْ صِفَةِ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِعَالِ الْمُشْرِكَاتِ. وكان سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حيَّان قَالَ: بَلَغَنَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّث: أَنَّ "أَسْمَاءَ بِنْتَ مُرْشدَة" كَانَتْ فِي مَحِلٍّ لَهَا فِي بَنِي حَارِثَةَ، فَجَعَلَ النِّسَاءُ يَدْخُلْنَ عَلَيْهَا غَيْرَ مُتَأزّرات فَيَبْدُو مَا فِي أَرْجُلِهِنَّ مِنَ الْخَلَاخِلِ، وَتَبْدُو صُدُورُهُنَّ وَذَوَائِبُهُنَّ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: مَا أَقْبَحَ هَذَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الْآيَةَ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} أَيْ: عَمَّا حَرَّم اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنَ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ. وَلِهَذَا ذَهَبَ [كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ](8) إِلَى أَنَّهُ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الْأَجَانِبِ بِشَهْوَةٍ وَلَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَصْلًا. وَاحْتَجَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ -مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ -أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثته: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةُ، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُمِرْنا بِالْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبَا مِنْهُ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا ولا يعرفنا؟
(1) صحيح البخاري برقم (6343) وصحيح مسلم برقم (2657) .
(2)
في أ: "نظره".
(3)
في أ: "المقبري".
(4)
في أ: "زانية".
(5)
ورواه أبو نعيم في الحلية (3/163) من طريق داود بن عطاء، عن عمر بن صهبان، عن صفوان، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهِ. فلا أدري أسقط أبو سلمة من إسناد ابن أبي الدنيا أم لا؟ وعمر بن صهبان منكر الحديث اتفق الأئمة على تضعيفه.
(6)
في ف، أ:"وهذا".
(7)
في أ: "وعزة".
(8)
زيادة من ف، أ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ عَمْيَاوَانِ (1) أَنْتُمَا؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ"(2) .
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ نَظَرِهِنَّ إِلَى الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ يَوْمَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِ، وَهُوَ يَسْتُرُهَا مِنْهُمْ حَتَّى مَلَّت وَرَجَعَتْ (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر:، عَنِ الْفَوَاحِشِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَسُفْيَانُ: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:، عَنِ الزِّنَى. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كُلُّ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهَا حِفْظُ الْفُرُوجِ، فَهُوَ مِنَ الزِّنَى، إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ:{وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} أَلَّا يَرَاهَا أَحَدٌ.
وَقَالَ (4) : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ: لَا يُظهرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ، إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَابِ. يَعْنِي: عَلَى مَا كَانَ يَتَعَانَاهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ، مِنَ المِقْنعة الَّتِي تُجَلِّل ثِيَابَهَا، وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِلِ الثِّيَابِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ. [وَنَظِيرُهُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ مَا يَظْهَرُ مِنْ إِزَارِهَا، وَمَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ. وَقَالَ](5) بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَالْخَاتَمُ. ورُوي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَالضَّحَّاكِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَغَيْرِهِمْ -نحوُ ذَلِكَ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلزِّينَةِ الَّتِي نُهِينَ عَنْ إِبْدَائِهَا، كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبيعي، عَنْ أَبِي الأحْوَص، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي قَوْلِهِ:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} : الزِّينَةُ القُرْط والدُّمْلُج وَالْخَلْخَالُ وَالْقِلَادَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: الزِّينَةُ زِينَتَانِ: فَزِينَةٌ لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْجُ: الْخَاتَمُ وَالسُّوَارُ، [وَزِينَةٌ يَرَاهَا الْأَجَانِبُ، وَهِيَ](6) الظَّاهِرُ مِنَ الثِّيَابِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: [لَا يَبْدُو](7) لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ إِلَّا الْأَسْوِرَةُ وَالْأَخْمِرَةُ والْأَقْرِطَةُ مِنْ غَيْرِ حَسْرٍ، وَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَلَا يَبْدُو مِنْهَا إِلَّا الْخَوَاتِمُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:{إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الْخَاتَمُ وَالْخَلْخَالُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَرَادُوا تَفْسِيرَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْإِنْطَاكِيُّ ومُؤَمَّل بْنُ الْفَضْلِ الحَرَّاني قَالَا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِير، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيك، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها؛ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: "يَا أَسْمَاءُ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم
(1) في أ: "أفعمياوان".
(2)
سنن أبي داود برقم (4112) وسنن الترمذي برقم (2778) .
(3)
صحيح البخاري برقم (454) .
(4)
في أ: "وقوله".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
زيادة من ف، أ.
يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا" وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ (1) .
لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ؛ خَالِدُ بْنُ دُرَيك لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يَعْنِي: الْمَقَانِعَ يُعْمَلُ لَهَا صَنفات ضَارِبَاتٌ عَلَى صُدُورِ النِّسَاءِ، لِتُوَارِيَ مَا تَحْتَهَا مِنْ صَدْرِهَا وَتَرَائِبِهَا؛ لِيُخَالِفْنَ شعارَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، بَلْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمُرُّ بَيْنَ الرِّجَالِ مُسَفِّحَةً بِصَدْرِهَا، لَا يُوَارِيهِ شَيْءٌ، وَرُبَّمَا أَظْهَرَتْ (2) عُنُقَهَا وَذَوَائِبَ شَعْرِهَا وَأَقْرِطَةَ آذَانِهَا. فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَسْتَتِرْنَ فِي هَيْئَاتِهِنَّ وَأَحْوَالِهِنَّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الْأَحْزَابِ: 59] . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر: جَمْعُ خِمار، وَهُوَ مَا يُخَمر بِهِ، أَيْ: يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاسُ الْمَقَانِعَ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَلْيَضْرِبْن} : وَلِيَشْدُدْنَ {بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يَعْنِي: عَلَى النَّحْرِ وَالصَّدْرِ، فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيب (3) : حدَّثنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ (4) ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شقَقْنَ مُرُوطهن فَاخْتَمَرْنَ بِهِ (5)(6) .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفيّة بِنْتِ شَيْبَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، كَانَتْ تَقُولُ (7) : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : أَخَذْنَ أُزُرَهُنَّ فَشَقَقنها مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا (8) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنِي الزِّنْجِيُّ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْم، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَذَكَرْنَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَفَضْلَهُنَّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، رضي الله عنها: إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلًا وَإِنِّي -وَاللَّهِ -وَمَا رَأَيْتُ أفضلَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ أَشَدَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ. لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، انْقَلَبَ إِلَيْهِنَّ رِجَالُهُنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِيهَا، وَيَتْلُو الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ ذِي قَرَابَةٍ (9) ، فَمَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا قَامَتْ إِلَى مِرْطها المُرَحَّل فَاعْتَجَرَتْ بِهِ، تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ، فأصبحْنَ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ مُعْتَجَرَاتٍ، كأن على رؤوسهن الغربان.
(1) سنن أبي داود برقم (4104) .
(2)
في ف: "ظهرت".
(3)
في هـ: "حدثنا أحمد بن شبيب" وفي ف، أ:"حدثنا أحمد بن شبيب قال" والمثبت من البخاري.
(4)
في ف، أ:"قال".
(5)
في ف: "بها" وفي أ: "بهن".
(6)
صحيح البخاري برقم (4758) .
(7)
في هـ، ف:"رضي الله عنها قالت: لما"،والمثبت من البخاري.
(8)
صحيح البخاري برقم (4759) .
(9)
في ف: "قرابته".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، بِهِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ قُرَّةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ النِّسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأوَل، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقّقن أكثَف مُرُوطِهِنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، بِهِ (2) .
وَقَوْلُهُ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} يَعْنِي: أَزْوَاجَهُنَّ، {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} كُلُّ هَؤُلَاءِ مَحَارِمُ الْمَرْأَةِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِمْ بِزِينَتِهَا، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ اقْتِصَادٍ وَتُبَهْرُجٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مُوسَى -يَعْنِي: ابْنَ هَارُونَ -حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ -حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وعِكْرمَة فِي هَذِهِ الْآيَةِ:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} -حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا قَالَ: لَمْ يَذْكُرِ الْعَمَّ وَلَا الْخَالَ؛ لِأَنَّهُمَا ينعَتان (4) لِأَبْنَائِهِمَا، وَلَا تَضَعُ خِمَارَهَا عِنْدَ الْعَمِّ وَالْخَالِ فَأَمَّا الزَّوْجُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَتَتَصَنَّعُ لَهُ مَا لَا يَكُونُ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يَعْنِي: تُظهر زِينَتَهَا أَيْضًا لِلنِّسَاءِ الْمُسَلِمَاتِ دُونَ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِئَلَّا تَصِفَهُنَّ لِرِجَالِهِنَّ، وَذَلِكَ -وَإِنْ كَانَ مَحْذُورًا فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ -إِلَّا أَنَّهُ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَشَدُّ، فَإِنَّهُنَّ لَا يَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَأَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فَتَنْزَجِرُ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُبَاشِرُ المرأةَ المرأةَ، تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (5) .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِّ،، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فانْهَ مَنْ قِبَلَك فَلَا (6) يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا إِلَّا أَهْلُ مِلَّتِهَا (7) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قَالَ: نِسَاؤُهُنَّ الْمُسْلِمَاتُ، لَيْسَ الْمُشْرِكَاتُ مِنْ نِسَائِهِنَّ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُشْرِكَةِ.
وَرَوَى عَبد فِي تَفْسِيرِهِ (8) عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} ، قَالَ: هُنَّ الْمُسْلِمَاتُ لَا تُبْدِيهِ لِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، وَهُوَ النَّحْر والقُرْط والوٍشَاح، وَمَا لَا يَحِلُّ أَنْ يَرَاهُ إلا محرم.
(1) سنن أبي داود برقم (4100، 4101) .
(2)
تفسير الطبري (18/94) وسنن أبي داود برقم (4102) .
(3)
في أ: "بهرج".
(4)
في أ: "يتبعان".
(5)
صحيح البخاري برقم (5241) .
(6)
في ف، أ:"فإنه لا".
(7)
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/95) من طريق سعيد بن منصور، به.
(8)
في ف: "تفسير".
وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا تَضَعُ الْمُسْلِمَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ مُشْرِكَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فَلَيْسَتْ (1) مِنْ نِسَائِهِنَّ.
وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعُبَادَةَ بْنِ نُسَيّ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ تُقَبِّلَ النصرانيةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ الْمُسْلِمَةَ.
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَة قَالَ: قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَلَمَّا قَدِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ الْمَقْدِسِ، كَانَ قَوَابل نِسَائِهِمُ الْيَهُودِيَّاتُ وَالنَّصْرَانِيَّاتُ فَهَذَا -إِنْ صَحَّ -مَحمولٌ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِامْتِهَانِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَشَفُ عَوْرَةٍ وَلَا بُدَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} قَالَ ابْنُ جُرَيج (2) : يَعْنِي: مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ [زَينَتَهَا لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُشْرِكَةً؛ لِأَنَّهَا أَمَتُهَا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ المسيَّب. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ] (3) عَلَى رَقِيقِهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو جُمَيْعٍ سَالِمُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ (4) صلى الله عليه وسلم أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا. قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعت بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا تَلْقَى قَالَ:"إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ"(5) .
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ [فِي](6) تَرْجَمَةِ حُدَيْج الخَصِيّ -مُوَلَى مُعَاوِيَةَ -أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَة الْفَزَارِيَّ كَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ الْأَدْمَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَرَبَّتْهُ ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ قَدْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ مُعَاوِيَةَ أَيَّامَ صِفِّينَ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه (7) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَان، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَب، وَكَانَ لَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّد، عَنْ سُفْيَانَ، بِهِ (8) .
وَقَوْلُهُ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} يَعْنِي: كَالْأُجَرَاءِ وَالْأَتْبَاعِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي عُقُولِهِمْ وَله وخَوَث (9) ، وَلَا همَّ لَهُمْ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهُونَهُنَّ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمُغَفَّلُ الَّذِي لَا شَهْوَةَ لَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الأبْلَه.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ المخَنَّث الَّذِي لَا يَقُومُ زُبُّه. وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ يدخل على أهل
(1) في ف: "فليس"، وفي أ:"فلسن".
(2)
في أ: "جرير".
(3)
زيادة من ف، أ.
(4)
في ف: "نبي الله".
(5)
سنن أبي داود برقم (4106) .
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
تاريخ دمشق (4/278 "المخطوط") .
(8)
المسند (6/289) وسنن أبي داود برقم (3928) .
(9)
في ف، أ:"وحوب".
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانُوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ينَعت امْرَأَةً: يَقُولُ إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا، لَا يدخلَنّ عليكُنَ" فَأَخْرَجَهُ، فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُلُ يَوْمَ كُلِّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم](2) وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ، وَعِنْدَهَا [أَخُوهَا] (3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ [وَالْمُخَنَّثُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ] (4) إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرْ (5) بِثَمَانٍ. قَالَ: فَسَمِعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لِأُمِّ سَلَمَةَ: "لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهِ (6) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثٌ، وَكَانُوا يَعُدّونه مِنْ غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً. فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا؟ لَا يدخلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا" فَحَجَبُوهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ (7) .
وَقَوْلُهُ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} يَعْنِي: لِصِغَرِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ (8) الرَّخِيمِ، وَتَعَطُّفِهِنَّ فِي الْمِشْيَةِ وَحَرَكَاتِهِنَّ، فَإِذَا كَانَ الطِّفْلُ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ.فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، بِحَيْثُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ وَالْحَسْنَاءِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْو؟ قَالَ:"الحَمْو الْمَوْتُ".
وَقَوْلُهُ: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ (9) تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَفِي رَجْلِهَا خَلْخَالٌ صَامِتٌ -لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ -ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْضَ، فَيَعْلَمُ الرِّجَالُ طَنِينَهُ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ عَنْ مَثَلِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ زِينَتِهَا مَسْتُورًا، فَتَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ لِتُظْهِرَ (10) مَا هُوَ خَفِيٌّ، دَخَلَ فِي هَذَا النَّهْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا تُنْهَى عَنِ التَّعَطُّرِ وَالتَّطَيُّبِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا ليَشْتَمَّ (11) الرِّجَالُ طِيبَهَا، فَقَدْ قَالَ أبو عيسى الترمذي:
(1) صحيح مسلم برقم (2181) وزيادة: "فأخرجه، فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة.... الحديث" أخرجها أبو داود في السنن برقم (4109) من طريق الزهري، به، وليست في صحيح مسلم.
(2)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(3)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(4)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(5)
في ف، أ:"وتذهب".
(6)
المسند (6/290) وصحيح البخاري برقم (5887) وصحيح مسلم برقم (2180) .
(7)
المسند (6/152) وصحيح مسلم برقم (2181) وسنن أبي داود برقم (4108) والنسائي في السنن الكبرى (9247) .
(8)
في ف: "كلامهم".
(9)
في ف: "كانت المرأة إذا كانت في الجاهلية".
(10)
في ف: "ليظهر".
(11)
في أ: "ليشم".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَّطَّان، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُمَارة الْحَنَفِيِّ، عَنْ غُنَيْم بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فمرَّت بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا" يَعْنِي زَانِيَةً (1) .
قَالَ: وَفِي الْبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ عُمَارَةَ، (2) بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ عَاصِمِ بْنِ (3) عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى أَبِي رُهْم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: لقيتْه امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِيبِ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ، جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ لَهَا: [وَلَهُ](4) تَطَيَّبتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ (5) صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ تَطَيبت لِهَذَا الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسلها مِنَ الْجَنَابَةِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة، عن سُفْيَانَ -هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - (6) بِهِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيدة، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرَّافِلَةُ فِي الزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، كَمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا"(7) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُنَّ يُنهَين عَنِ الْمَشْيِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّبَرُّجِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا القَعْنَبِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ -عَنْ (8) أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ -وَقَدِ اخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ -فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ: "اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْققْن (9) الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ"، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُلْصَقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لِيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ، مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ (10) .
وَقَوْلُهُ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أَيْ: افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَلِيلَةِ، وَاتْرُكُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ الرَّذِيلَةِ، فَإِنَّ الفَلاح كُلَّ الفَلاح فِي فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَتَرْكِ مَا نَهَيَا (11) عَنْهُ، والله تعالى هو المستعان [وعليه التكلان](12) .
(1) سنن الترمذي برقم (2786) .
(2)
سنن أبي داود برقم (4173) وسنن النسائي (8/153) .
(3)
في ف: "عن".
(4)
زيادة من ف، أ، وأبي داود.
(5)
في ف: "رسول الله".
(6)
سنن أبي داود برقم (4174) وسنن ابن ماجه برقم (4002) .
(7)
سنن الترمذي برقم (1167) وقال الترمذي: "وهذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث من قبل حفظه وهو صدوق، وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه".
(8)
في ف: "ابن".
(9)
في ف: "تحتضن"، وفي أ:"تختص".
(10)
سنن أبي داود برقم (5272) .
(11)
في أ: "ما نهاه".
(12)
زيادة من ف، أ.