الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِدَارَتَهَا. قَالَ: "فَكَيْفَ تَرَوْنَ بَرْقَهَا، أومَيض أَمْ خَفْو (1) أَمْ يَشُق شَقّا (2) ؟ ". قَالُوا: بَلْ يَشَقُّ شَقًّا. قَالَ: "الْحَيَاءَ الْحَيَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَفْصَحَكَ، مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أعربُ مِنْكَ. قَالَ: فَقَالَ: " حُقَّ لِي، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ (3) الْقُرْآنُ بِلِسَانِي، وَاللَّهُ يَقُولُ:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (4) .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجم كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ، وَاللِّسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ
(196)
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) } .
يَقُولُ تَعَالَى: وإنَّ ذِكْر هَذَا الْقُرْآنِ وَالتَّنْوِيهَ بِهِ لَمَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ الْمَأْثُورَةِ عَنْ أَنْبِيَائِهِمُ، الَّذِينَ بَشَّرُوا بِهِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، كَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ، حَتَّى قَامَ آخِرُهُمْ خَطِيبًا فِي مَلَئِهِ بِالْبِشَارَةِ بِأَحْمَدَ:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفِّ: 6] ، وَالزُّبُرُ هَاهُنَا هِيَ الْكُتُبُ وَهِيَ جَمْعُ زَبُور (5) ، وَكَذَلِكَ الزَّبُورُ، وَهُوَ كِتَابُ دَاوُدَ. وَقَالَ تَعَالَى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَرِ:52] أَيْ: مَكْتُوبٌ عَلَيْهِمْ فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أو ليس يَكْفِيهِمْ مِنَ الشَّاهِدِ الصَّادِقِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجِدُونَ ذِكْرَ هَذَا الْقُرْآنِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يَدْرُسُونَهَا؟ وَالْمُرَادُ: الْعُدُولُ مِنْهُمُ، الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمَبْعَثِهِ وَأُمَّتِهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ ومَنْ شَاكَلَهُمْ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ} الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ:157] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ شِدَّةِ كُفْرِ قُرَيْشٍ وَعِنَادِهِمْ لِهَذَا الْقُرْآنِ؛ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَعَاجِمِ، مِمَّنْ لَا يَدْرِي مِنَ الْعَرَبِيَّةِ كَلِمَةً، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ بِبَيَانِهِ وَفَصَاحَتِهِ، لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الْحِجْرِ:14، 15] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ:111]، وَقَالَ:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يُونُسَ:96، 97] .
(1) في أ: "خفق".
(2)
في أ: "شقاقا".
(3)
في ف: "نزل".
(4)
ورواه الرامهرمزي في أمثال الحديث ص (155) من طريق عبد الله بن محمد الأموي، عن عباد بن عباد المهلبي به.
(5)
في ف، أ:"زبرة".
{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ
(207)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) } .
يَقُولُ تَعَالَى: كَذَلِكَ سَلَكْنَا التَّكْذِيبَ وَالْكُفْرَ وَالْجُحُودَ وَالْعِنَادَ، أَيْ: أَدْخَلْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ.
{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} أَيْ: بِالْحَقِّ {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} أَيْ: حَيْثُ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أَيْ: عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} ؟ أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ حِينَ يُشَاهِدُونَ الْعَذَابَ أَنْ لَوْ أُنَظِرُوا قَلِيلًا لِيَعْمَلُوا [مِنْ فَزَعِهِمْ](1) بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إِبْرَاهِيمَ:44] ، فَكُلُّ ظَالِمٍ وَفَاجِرٍ وَكَافِرٍ إِذَا شَاهَدَ عُقُوبَتَهُ، نَدِمَ نَدَمًا شَدِيدًا هَذَا فِرْعَوْنُ لَمَّا دَعَا عَلَيْهِ الْكِلِيمُ بِقَوْلِهِ:{رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] } (2)[يُونُسَ:88، 89] ، فَأَثَّرَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فِي فِرْعَوْنَ، فَمَا آمَنَ حَتَّى رَأَى الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يُونُسَ:90، 91] ، وَقَالَ:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غَافِرٍ: 84، 85] الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} : إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلرَّسُولِ تَكْذِيبًا وَاسْتِبْعَادًا:{ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} [الْعَنْكَبُوتِ: 29]، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} الْآيَةَ. [الْعَنْكَبُوتِ: 53] .
ثُمَّ قَالَ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} أَيْ: لَوْ أَخَّرْنَاهُمْ وَأَنْظَرْنَاهُمْ، وَأَمْلَيْنَا لَهُمْ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ وَحِينًا مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ طَالَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النَّازِعَاتِ:46] ، وَقَالَ تَعَالَى:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [الْبَقَرَةِ:96]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [اللَّيْلِ:11] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "يُؤْتَى بِالْكَافِرِ فَيُغْمَسُ فِي النَّارِ غَمْسَةً (3)، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هل رأيت
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
في ف: "فيغمس غمسة في النار".