الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قُحط الْمَطَرُ وَقَنَطَ النَّاسُ؟ فَقَالَ عُمَرُ، رضي الله عنه: مُطِرْتُمْ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} (1) .
{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّفُ لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ فِي جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَفْعَلُهُ.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ
(29)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ:} الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَسُلْطَانِهِ الْقَاهِرِ {خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} أَيْ: ذَرَأَ فِيهِمَا، أَيْ: فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، {مِنْ دَابَّةٍ} وَهَذَا يَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَسَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، وَطِبَاعِهِمْ وَأَجْنَاسِهِمْ، وَأَنْوَاعِهِمْ، وَقَدْ فَرَّقَهُمْ فِي أَرْجَاءِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، {وَهُوَ} مَعَ هَذَا كُلِّهِ {عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الْحَقِّ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أَيْ: مَهْمَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْمَصَائِبِ فَإِنَّمَا هُوَ (2) عَنْ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ لَكُمْ {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أَيْ: مِنَ السَّيِّئَاتِ، فَلَا يُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا بَلْ يَعْفُو عَنْهَا، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فَاطِرٍ: 45] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَب وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزَن، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ (3) يُشَاكُهَا"(4) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّة، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: نَزَلَتْ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ:7، 8] وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ، فَأَمْسَكَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؟ فَقَالَ:"أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرّ الشَّرِّ، وَتُدَّخَرُ مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: فَإِنِّي أَرَى مِصْدَاقَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (5) .
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عن أنس (6)، قال: والأول أصح.
(1) رواه الطبري في تفسيره (25/19) .
(2)
في ت، أ:"هي".
(3)
في ت، أ:"بالشوكة".
(4)
صحيح البخاري برقم (5641، 5642) وصحيح مسلم برقم (2573)"من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما".
(5)
تفسير الطبري (25/20) .
(6)
تفسير الطبري (25/21) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَاري، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْكَاهِلِيُّ، عَنِ الخَضْر بْنِ القَوَّاس الْبَجْلِيِّ، عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ (1) عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَحَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} . وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: "مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا، فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (2) وَاللَّهُ تَعَالَى أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّى عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ (3) تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ"
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وعَبْدة، عَنْ أَبِي سُخَيلة قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ
…
فَذَكَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا (4) .
ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [نَحْوَهُ](5) مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي جُحَيفَة قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعيَه (6) ؟ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ فَتَلَا (7) هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قَالَ: مَا عَاقَبَ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّي عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ (8) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ -يَعْنِي ابْنَ يَحْيَى-عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ-هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ، رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي جَسَدِهِ يُؤْذِيهِ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ"(9) .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (10)، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا، ابْتَلَاهُ اللَّهُ بالحَزَنِ لِيُكَفِّرَهَا"(11) .
وَقَالَ (12) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ -هُوَ الْبَصْرِيُّ-قَالَ فِي قَوْلِهِ:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ خَدْش عُودٍ، وَلَا اخْتِلَاجِ عِرْقٍ، وَلَا عَثْرة قَدَمٍ، إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ"(13) .
وَقَالَ (14) أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا هُشَيمْ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحسن، عن
(1) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(2)
في أ: "أيديكم ويعفو عن كثير".
(3)
في ت: "والله".
(4)
المسند (1/85) .
(5)
زيادة من أ.
(6)
في أ: "يصيبه".
(7)
في ت: "قبل".
(8)
في ت: "وروى".
(9)
المسند (4/98) قال الهيثمي في المجمع (3/301) : "رجال أحمد رجال الصحيح".
(10)
في ت، م:"عن مجاهد، وروى أيضا".
(11)
المسند (6/157) .
(12)
في ت: "وروى".
(13)
ورواه هناد بن السري في الزهد برقم (431) من طريق إسماعيل بن مسلم به مرسلا.
(14)
في ت: "وروى".