الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} أَيْ: كَمَا حَقَّتْ كلمةُ الْعَذَابِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَذَلِكَ حَقَّتْ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ وَخَالَفُوكَ يَا مُحَمَّدُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَكَ (1) فَلَا وُثُوقَ لَهُ بِتَصْدِيقِ غَيْرِكَ.
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ
(7) }
(1) في س: "كذب بك".
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(8)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ حَمَلة الْعَرْشِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْكُرُوبِيِّينَ، بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، أَيْ: يَقْرِنُونَ بَيْنَ التَّسْبِيحِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ النَّقَائِصِ، وَالتَّحْمِيدِ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْمَدْحِ، {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أَيْ: خَاشِعُونَ لَهُ أَذِلَّاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُمْ {يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مِمَّنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ، فَقَيَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سَجَايَا الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا يُؤمِّنون عَلَى دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:"إِذَا دَعَا الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ"(1) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ -حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (2)[رضي الله عنه](3) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدّق أُمَيَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ، فَقَالَ:
رَجُلٌ وَثَور تَحْتَ رِجْل يَمينه
…
وَالنَّسْرُ للأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصَدُ
…
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ". فَقَالَ:
وَالشمس تَطلعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلةٍ
…
حَمْراءُ يُصْبحُ لَونُها يَتَوَرّدُ
…
تَأبَى فَما تَطلُع لَنَا فِي رِسْلها
…
إِلَّا معَذّبَة وَإلا تُجْلدَ
…
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ"(4) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ القيامة كانوا ثمانية،
(1) صحيح مسلم برقم (2732) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(2)
في ت: "وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس".
(3)
زيادة من ت، أ.
(4)
المسند (1/256) وقال الهيثمي في المجمع (8/127) : "رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس".
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الْحَاقَّةِ: 17] .
وَهُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَدَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِماك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرة (1) ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قيس، عن العباس بن عبد الْمُطَّلِبِ، قَالَ: كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ:"مَا تُسَمَّوْنَ هَذِهِ؟ " قَالُوا: السَّحَابَ. قَالَ: "وَالْمُزْنَ؟ " قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: "والعَنَان؟ " قَالُوا: وَالْعَنَانَ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا -قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ " قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: "بُعد مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ، أَوِ اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ (2) وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السماء فوقها كذلك" حتى عَدّ سبع سموات "ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ (3) ، بَيْنَ (4) أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أوْعَال، بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ ورُكبهن مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ، عز وجل، فَوْقَ ذَلِكَ" ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، بِهِ (5) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، كَمَا قَالَ شَهْر بْنُ حَوْشَب: حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، أَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ:"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ". وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ".
وَلِهَذَا يَقُولُونَ إِذَا اسْتَغْفَرُوا (6) لِلَّذِينِ آمَنُوا: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} أَيْ: إِنَّ رَحْمَتَكَ تَسَع ذُنُوبَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ، وَعِلْمُكَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ [وَأَقْوَالِهِمْ](7) وَحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أَيْ: فَاصْفَحْ عَنِ الْمُسِيئِينَ (8) إِذَا تَابُوا وَأَنَابُوا وَأَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ، وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ، مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أَيْ: وَزَحْزِحْهُمْ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُوجِعُ الْأَلِيمُ (9) .
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أَيْ: اجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ فِي مَنَازِلَ مُتَجَاوِرَةٍ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (10) {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطُّورِ: 21] (11) أَيْ: سَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْمَنْزِلَةِ، لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ، وَمَا نَقَصْنَا الْعَالِيَ حَتَّى يُسَاوِيَ الدَّانِيَ، بَلْ رَفَعْنَا النَّاقِصَ فِي الْعَمَلِ (12) ، فَسَاوَيْنَاهُ بِكَثِيرِ العمل، تفضلا منا ومنة.
(1) في ت: عمرة".
(2)
في ت، س:"أو اثنين أو ثلاثة".
(3)
في ت: "ثم فوق السماء بحرا" وفي س: "ثم فوق السابعة بحر".
(4)
في أ: "بحر ما بين".
(5)
سنن أبي داود برقم (4723- 4725) وسنن الترمذي برقم (3320) وسنن ابن ماجه برقم (193) .
(6)
في ت: "استغفروا للمؤمنين".
(7)
زيادة من أ.
(8)
في أ: "المسلمين".
(9)
في ت: "المؤلم".
(10)
زيادة من ت، س، أ.
(11)
في س: "واتبعتهم ذريتهم".
(12)
في ت، أ:"رفعنا ناقص العمل".