الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ نَارٍ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَالنَّارُ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ فِي زَعْمِهِ. وَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ، وَكَفَرَ بِذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ وَطَرَدَهَ عَنْ (1) بَابِ رَحْمَتِهِ وَمَحَلِّ أُنْسِهِ وَحَضْرَةِ قُدْسِهِ وَسَمَّاهُ "إِبْلِيسَ" إِعْلَامًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أبْلَس مِنَ الرَّحْمَةِ وَأَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا إِلَى الْأَرْضِ فَسَأَلَ اللَّهَ النَّظِرَةَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَأَنْظَرَهُ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَعْجَل عَلَى مَنْ عَصَاهُ. فَلَمَّا أَمِنَ الْهَلَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَمَرَّدَ وَطَغَى وَقَالَ:{لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} كَمَا قَالَ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 62] وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْتَثْنَوْنَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ (2) قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 65]
وَقَوْلُهُ: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ. أَقُولُ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ بِرَفْعِ "الْحَقُّ" الْأَوْلَى (3) وَفَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَا الْحَقُّ، وَالْحَقُّ أَقُولُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْحَقُّ مِنِّي، وَأَقُولُ الْحَقَّ.
وَقَرَأَ آخَرُونَ بِنَصْبِهِمَا.
قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السَّجْدَةِ: 13] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 63]
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ
(86)
إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) }
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذَا الْبَلَاغِ وَهَذَا النُّصْحِ أَجْرًا تُعْطُونِيهِ مِنْ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أَيْ: وَمَا أَزِيدُ عَلَى مَا أَرْسَلَنِي اللَّهُ بِهِ، وَلَا أَبْتَغِي زِيَادَةً عَلَيْهِ بَلْ مَا أُمِرْتُ بِهِ أَدَّيْتُهُ لَا أَزْيَدُ عَلَيْهِ وَلَا أَنْقَصُ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ عز وجل وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَا (4) يَعْلَمُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ من العلم أن يقول الرجل لما لا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ (5) قَالَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أخرجاه (6) من حديث الأعمش به (7)
(1) في أ: "لم".
(2)
في أ: "الله عز وجل".
(3)
في أ: "من".
(4)
في أ: "وهو".
(5)
في أ: "الأول".
(6)
في ت: "أخرجه البخاري ومسلم".
(7)
صحيح البخاري برقم (4809) وصحيح مسلم برقم (2798) .
وَقَوْلُهُ: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} يَعْنِي: الْقُرْآنُ ذِكْرٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير (1)، عَنِ (2) ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{لِلْعَالَمِينَ} قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الْأَنْعَامِ: 19]، [وَكَقَوْلِهِ] (3) {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُودٍ: 17] .
وَقَوْلُهُ: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} أَيْ: خَبَرَهُ وَصِدْقَهُ {بَعْدَ حِينٍ} أَيْ: عَنْ قَرِيبٍ. قَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ (4) دَخَلَ فِي حُكْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} قَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ، عِنْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ.
آخَرُ تَفْسِيرِ سورة "ص"، ولله الحمد والمنة.
(1) في ت: "بإسناده".
(2)
في ت: "إلى".
(3)
زيادة من أ.
(4)
في ت، س، أ:"قد".