الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) هُوَ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَيَشْمَلُ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ سَيَلْقَى مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ.
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} أَيْ: ظَاهِرُونَ بَادُونَ كُلُّهُمْ، لَا شَيْءَ يُكِنُّهُمْ وَلَا يُظِلُّهُمْ وَلَا يَسْتُرُهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ:{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} أَيِ: الْجَمِيعُ فِي عِلْمِهِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَقَوْلُهُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَعَالَى (2) يَطْوِي السموات وَالْأَرْضَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ .
وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا قَبَضَ أَرْوَاحَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَاهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، حِينَئِذٍ يَقُولُ: لِمَنِ الْمَلِكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ قَائِلًا {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيِ: الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ قَدْ قَهَر كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَهُ (3) .
وَقَدْ قَالَ (4) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما] (5) قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ. فَيَسْمَعُهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، قَالَ: وَيَنْزِلُ اللَّهُ [عز وجل](6) إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .
وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ، أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَلَا مِنْ شَرٍّ، بَلْ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، وَبِالسَّيِّئَةِ وَاحِدَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ:{لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (7) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل-أَنَّهُ قَالَ:"يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا -إِلَى أَنْ قَالَ-: يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ (8) ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نَفْسَهُ"(9) .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أَيْ: يُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ، كَمَا يُحَاسِبُ نَفْسًا وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ:{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لُقْمَانَ: 28]، وَقَالَ [تَعَالَى] (10) :{وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [الْقَمَرِ: 50] .
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ
(18)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) }
(1) في ت، س:"التلاق".
(2)
في ت: "أن الله".
(3)
انظر حديث الصور بتمامه عند تفسير الآية: 73 من سورة الأنعام.
(4)
في ت: "وروى ابن أبي حاتم".
(5)
زيادة من أ.
(6)
زيادة من ت، أ.
(7)
في ت: "البخاري" وهو خطأ.
(8)
في ت، س:"لكم".
(9)
صحيح مسلم برقم (2577) .
(10)
زيادة من س.
يَوْمَ الْآزِفَةِ هُوَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاقْتِرَابِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَزِفَتِ الآزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النَّجْمِ:57، 58] وَقَالَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [الْقَمَرِ: 1]، وَقَالَ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الْأَنْبِيَاءِ:1] وَقَالَ {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النَّحْلِ:1] وَقَالَ {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} [الْمُلْكِ:27] .
وَقَوْلُهُ: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [أَيْ سَاكِتِينَ](1)، قَالَ قَتَادَةُ: وَقَفَتِ الْقُلُوبُ فِي الْحَنَاجِرِ مِنَ الْخَوْفِ، فَلَا تَخْرُجُ وَلَا تَعُودُ إِلَى أَمَاكِنِهَا. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَمَعْنَى {كَاظِمِينَ} أَيْ: سَاكِتِينَ، لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النَّبَأِ:38] .
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج (2) : {كَاظِمِينَ} أَيْ: بَاكِينَ.
وَقَوْلُهُ: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَيْ: لَيْسَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ، وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ، بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِلْمِهِ التَّامِّ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، دَقِيقِهَا وَلَطِيفِهَا؛ لِيَحْذَرَ النَّاسُ عِلْمَهُ فِيهِمْ، فَيَسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقّ الْحَيَاءِ، ويَتَّقُوهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَيُرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْعَيْنَ الْخَائِنَةَ وَإِنْ أَبْدَتْ أَمَانَةً، وَيَعْلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ خَبَايَا الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} وَهُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ، وَفِيهِمُ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ، أَوْ تَمُرُّ بِهِ وَبِهِمُ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ إِلَيْهَا، فَإِذَا فَطِنُوا غَضّ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ، فَإِذَا فَطِنُوا غَضَّ [بَصَرَهُ عَنْهَا](3) وَقَدِ اطَّلَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ وَدّ أَنْ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {خَائِنَةَ الأعْيُنِ} هُوَ الْغَمْزُ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: رَأَيْتُ، وَلَمْ يَرَ؛ أَوْ: لَمْ أَرَ، وَقَدْ رَأَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْلَمُ [اللَّهُ](4) تَعَالَى مِنَ الْعَيْنِ فِي نَظَرِهَا، هَلْ تُرِيدُ الْخِيَانَةَ أَمْ لَا؟ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} يَعْلَمُ إِذَا أَنْتَ قَدَرْتَ عَلَيْهَا هَلْ تَزْنِي بِهَا أَمْ لَا؟.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} أي: من الوسوسة.
(1) زيادة من ت.
(2)
في ت: "جرير".
(3)
زيادة من س، أ.
(4)
زيادة من س.