المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْحَاضِرَ وَالْبَادِيَ مِنْ غَنِيٍّ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٧

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ الصَّافَّاتِ

- ‌(1)

- ‌ 6]

- ‌(11)

- ‌(20)

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(38)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(62)

- ‌(71)

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(88)

- ‌(99)

- ‌(103)

- ‌(114)

- ‌(127)

- ‌(133)

- ‌(149)

- ‌(154)

- ‌(161)

- ‌(171)

- ‌(180)

- ‌ ص

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(12)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(26) }

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(49)

- ‌(55)

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(71)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌ الزُّمَرِ

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(57)

- ‌(60)

- ‌(67) }

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(73)

- ‌(75) }

- ‌(1)

- ‌ غَافِرِ

- ‌(4)

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(47)

- ‌(50) }

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(59) }

- ‌(60) }

- ‌(61)

- ‌(66) }

- ‌(67)

- ‌(69)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌ فُصِّلَتْ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(39) }

- ‌(40)

- ‌(44)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌ الشُّورَى

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌ الزُّخْرُفِ

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(60) }

- ‌(66)

- ‌(74)

- ‌(81)

- ‌ الدُّخَانِ

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(34)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(51)

- ‌ الْجَاثِيَةِ

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌ 27]

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌ الْأَحْقَافِ

- ‌(1)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌(1)

- ‌ مُحَمَّدٍ

- ‌(4)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(29) }

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌ الْفَتْحِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌8

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌ الْحُجُرَاتِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14)

- ‌قَ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(23)

- ‌(30)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌ الذَّارِيَاتِ

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(15)

- ‌(24)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(47)

- ‌(52)

- ‌ الطُّورِ

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(44)

- ‌ النَّجْمِ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(19)

- ‌(27)

- ‌(33)

- ‌(42)

- ‌(45)

- ‌(56)

- ‌ الْقَمَرِ

- ‌(1)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌ الرَّحْمَنِ

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(37)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(54)

- ‌(62)

- ‌(68)

- ‌(1)

- ‌الْوَاقِعَةَ

- ‌ 13

- ‌(17)

- ‌(27)

- ‌(41)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(75)

- ‌(77)

- ‌(83)

- ‌(88)

- ‌ الْحَدِيدِ

- ‌(1)

الفصل: وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْحَاضِرَ وَالْبَادِيَ مِنْ غَنِيٍّ

وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْحَاضِرَ وَالْبَادِيَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ الْكُلُّ (1) مُحْتَاجُونَ لِلطَّبْخِ وَالِاصْطِلَاءِ وَالْإِضَاءَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ. ثُمَّ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَوْدَعَهَا فِي الْأَحْجَارِ، وَخَالِصِ الْحَدِيدِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمُسَافِرُ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ فِي مَتَاعِهِ وَبَيْنَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ فِي مَنْزِلِهِ أَخْرَجَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى، وَأَوْقَدَ نَارَهُ فَأَطْبَخَ بِهَا وَاصْطَلَى، وَاشْتَوَى وَاسْتَأْنَسَ بِهَا، وَانْتَفَعَ بِهَا سَائِرَ الِانْتِفَاعَاتِ. فَلِهَذَا أُفْرِدَ الْمُسَافِرُونَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي حَقِّ النَّاسِ كُلِّهِمْ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خِدَاش حَبَّان بْنِ زَيد الشَّرعَبي الشَّامي، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَرَن، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: النَّارِ وَالْكَلَأِ وَالْمَاءِ"(2) .

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ"(3) .

وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُ هَذَا وَزِيَادَةُ: "وَثَمَنُهُ حَرَامٌ"(4) . وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاش بْنِ حَوْشب" وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أَيِ: الَّذِي بِقُدْرَتِهِ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ الْمُتَضَادَّةَ الْمَاءَ الْعَذْبَ الزُّلَالَ الْبَارِدَ، وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ مِلْحًا أُجَاجًا كَالْبِحَارِ الْمُغْرِقَةِ. وَخَلَقَ النَّارَ الْمُحْرِقَةَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْعِبَادِ، وَجَعَلَ هَذِهِ مَنْفَعَةً لَهُمْ فِي مَعَاشِ دُنْيَاهُمْ، وَزَاجِرًا لَهُمْ فِي الْمَعَادِ.

{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ‌

(75)

وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } .

(1) في م، أ:"الجميع".

(2)

المسند (5/364) وسنن أبي داود برقم (3477) .

(3)

سنن ابن ماجه برقم (2472) .

(4)

سنن ابن ماجه برقم (2472) .

ص: 543

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ‌

(77)

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) } .

قَالَ جُوَيبر، عَنِ الضَّحَّاكِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُقْسِمُ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتِفْتَاحٌ يَسْتَفْتِحُ بِهِ كَلَامَهُ.

وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل، يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَتِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ:"لَا" هَاهُنَا زَائِدَةٌ، وَتَقْدِيرُهُ: أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر. وَيَكُونُ جَوَابُهُ:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} .

وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَتْ "لَا" زَائِدَةً لَا مَعْنًى لَهَا، بَلْ يُؤْتَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْقَسَمِ إِذَا كَانَ مُقْسَمًا بِهِ عَلَى مَنْفِيٍّ، كَقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها:"لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ" وَهَكَذَا هَاهُنَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: "لَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ".

ص: 543

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ} فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ بَعْدُ فَقِيلَ: أُقْسِمُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} ، فَقَالَ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي: نُجُومَ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا (1) فِي السِّنِينَ بَعْدُ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرة الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فنجَّمَته السَّفرة عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عِشْرِينَ سَنَةً، فَهُوَ قَوْلُهُ:{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} نُجُومِ الْقُرْآنِ.

وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٌ، والسُّدِّيّ، وَأَبُو حَزْرَة.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} فِي السَّمَاءِ، وَيُقَالُ: مَطَالِعُهَا وَمَشَارِقُهَا. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ: مَوَاقِعُهَا: مَنَازِلُهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ انْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الْأَنْوَاءَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مُطِروا، قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا.

وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} أَيْ: وَإِنَّ هَذَا الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ، لَوْ تَعْلَمُونَ (2) عَظَمَتَهُ لَعَظَّمْتُمُ الْمُقْسِمَ بِهِ عَلَيْهِ، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} أَيْ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ لَكِتَابٌ عَظِيمٌ. {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} أَيْ: مُعَظَّمٌ فِي كِتَابٍ مُعَظَّمٍ مَحْفُوظٍ مُوَقَّرٍ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى (3) ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حَكِيمٍ -هُوَ ابْنُ جُبَيْرٍ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} قَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

وَقَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{ [لَا يَمَسُّهُ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ} (4) يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ. وَكَذَا قَالَ أَنَسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو نَهِيك، والسُّدِّيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ:{لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} قَالَ: لَا يَمَسُّهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ الْمَجُوسِيُّ النَّجِسُ، وَالْمُنَافِقُ الرَّجِسُ. وَقَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} .

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} لَيْسَ أَنْتُمْ أَصْحَابَ الذُّنُوبِ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: زَعَمت كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ كَمَا قَالَ:{وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210-212] .

(1) في أ: "متفرقا".

(2)

في أ: "لو علمتم".

(3)

في م، أ:"موسى ابن إسماعيل".

(4)

زيادة من م.

ص: 544

وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَبْلَهُ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} أَيْ: مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ. قَالُوا: وَلَفْظُ الْآيَةِ خَبَرٌ وَمَعْنَاهَا الطَّلَبُ، قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ هَاهُنَا الْمُصْحَفُ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ (1) . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزم: أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ (2) . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي صَحِيفَةٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ"(3) .

وَهَذِهِ وِجَادةٌ جَيِّدَةٌ. قَدْ قَرَأَهَا الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي (4) الْأَخْذُ بِهِ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهَا نَظَرٌ (5) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ مُنَزَّلٌ مِنَ [اللَّهِ](6) رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ سِحْرٌ، أَوْ كِهَانَةٌ، أَوْ شِعر، بَلْ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْية فِيهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُ حَقٌّ نَافِعٌ.

وَقَوْلُهُ: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} قَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ مُكَذِّبُونَ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو حَزْرَة، والسُّدِّيّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُدْهِنُونَ} أَيْ: تُرِيدُونَ أَنْ تُمَالِئُوهُمْ فِيهِ وَتَرْكَنُوا إِلَيْهِمْ.

{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ بِمَعْنَى شُكْرِكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، أَيْ: تُكَذِّبُونَ بَدَلَ الشُّكْرِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَرَآهَا:"وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ (7) أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَنَّ مِنْ لُغَةِ أَزْدِ شَنوءةَ: مَا رُزِقَ فُلَانٌ بِمَعْنَى: مَا شَكَرَ فُلَانٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الأعلى، عن أبي

(1) صحيح مسلم برقم (1869) وهو أيضا في صحيح البخاري برقم (2990) .

(2)

الموطأ (1/199) .

(3)

المراسيل برقم (257) .

(4)

في أ: "لا ينبغي".

(5)

سنن الدارقطني (1/12، 122) .

(6)

زيادة من أ.

(7)

في أ: "بشكركم".

ص: 545

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} ، يَقُولُ:"شُكْرَكُمْ {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، تَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوء كَذَا وَكَذَا، بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا"(1) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُخَوَّل (2) بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّهْدِيِّ -وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْر، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ إِسْرَائِيلَ، بِهِ مَرْفُوعًا (3) . وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ -وَهُوَ الْمَرْوَزِيُّ-بِهِ. وَقَالَ:"حَسَنٌ غَرِيبٌ". وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَلَمْ يَرْفَعْهُ (4) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مُطِرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ".

وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَان، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنّي أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاة الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. "قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ".

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، بِهِ (5) .

وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، وعَمْرو بْنُ سَوّاد، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ، يَنْزِلُ الْغَيْثُ، فَيَقُولُونَ: بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا".

تَفَرَّد بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (6) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ لَيُصْبِحُ القومَ بِالنِّعْمَةِ أَوْ يُمسيهم بِهَا فَيُصْبِحُ بِهَا قَوْمٌ كَافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا".

(1) المسند (1/108) .

(2)

في أ: "عن محمد".

(3)

تفسير الطبري (27/119) .

(4)

سنن الترمذي برقم (3295) .

(5)

الموطأ (1/192) وصحيح البخاري برقم (846) وصحيح مسلم برقم (71) وسنن أبي داود برقم (3906) وسنن النسائي (3/164) .

(6)

صحيح مسلم برقم (72) .

ص: 546