الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ
(6) }
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
(7)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) } .
يَقُولُ تَعَالَى: فَتَوَلَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا آيَةً يَعْرِضُونَ وَيَقُولُونَ: هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْهُمْ، {يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أَيْ: إِلَى شَيْءٍ مُنْكَرٍ فَظِيعٍ، وَهُوَ مَوْقِفُ الْحِسَابِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، بَلْ وَالزَّلَازِلِ وَالْأَهْوَالِ، {خشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} أَيْ: ذَلِيلَةٌ أَبْصَارُهُمْ {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} وَهِيَ: الْقُبُورُ، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} أَيْ: كَأَنَّهُمْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ إِجَابَةً لِلدَّاعِي {جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} فِي الْآفَاقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مُهْطِعِينَ} أَيْ: مُسْرِعِينَ {إِلَى الدَّاعِي} ، لَا يُخَالِفُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} أَيْ: يَوْمٌ شَدِيدُ الْهَوْلِ عَبُوس قَمْطَرِير {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [الْمُدَّثِّرِ: 9، 10] .
يَقُولُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ} قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} أَيْ: صَرَّحُوا لَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَاتَّهَمُوهُ بِالْجُنُونِ، {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} قَالَ مُجَاهِدٌ:{وَازْدُجِرَ} أَيْ: اسْتُطِيرَ جُنُونًا. وَقِيلَ: {وَازْدُجِرَ} أَيِ: انْتَهَرُوهُ وَزَجَرُوهُ وَأَوْعَدُوهُ: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 116] . قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ حَسَنٌ.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} أَيْ: إِنِّي ضَعِيفٌ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ {فَانْتَصِرْ} أَنْتَ لِدِينِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} . قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْكَثِيرُ {وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا} أَيْ: نَبَعَتْ جميعُ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ، حَتَّى التَّنَانِيرُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النِّيرَانِ نَبَعَتْ عُيُونًا، {فَالْتَقَى الْمَاءُ} أَيْ: مِنَ السَّمَاءِ وَمِنَ الْأَرْضِ {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أَيْ: أَمْرٌ مُقَدَّرٌ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} كَثِيرٍ، لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا مِنَ السَّحَابِ؛ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَالْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ ابْنَ الكُوَّاء سَأَلَ عَلِيًّا عَنِ الْمَجَرَّةِ فَقَالَ: هِيَ شَرَجُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا فتحت
السَّمَاءُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْقُرَظِيُّ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَسَامِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: وَوَاحِدُهَا دِسَارٌ، وَيُقَالُ: دَسير، كَمَا يُقَالُ: حَبِيكٌ وَحِبَاكٌ، وَالْجَمْعُ حُبُك.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الدُّسُرُ: أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ: هُوَ صَدْرُهَا الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَوْجُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الدُّسُرُ: طَرَفُهَا وَأَصْلُهَا.
وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ كَلْكَلُهَا.
وَقَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أَيْ: بِأَمْرِنَا بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ حِفْظِنَا وَكَلَاءَتِنَا {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} أَيْ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَانْتِصَارًا لِنُوحٍ، عليه السلام.
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ السُّفُنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: 41، 42] . وَقَالَ {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ. لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الْحَاقَّةِ: 11، 12] ؛ وَلِهَذَا قَالَ ها هنا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَيْ: فَهَلْ مَنْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَّعِظُ؟
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُدَّكر أَوْ مُذَّكر؟ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مُدَّكِرٍ} (1)
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْأَسْوَدِ (2) بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (3)
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (4) .
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا زُهَيْر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ الْأَسْوَدَ:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَوْ {مُذَّكِر} ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دالا.
(1) المسند (1/395) .
(2)
في م: "عن أبي الأسود".
(3)
صحيح البخاري برقم (4874) .
(4)
صحيح البخاري برقم (4869) .