الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْسِيرُ سُورَةِ
الْحُجُرَاتِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ
(1)
.
بسم الله الرحمن الرحيم
هَذِهِ آدَابٌ (2) ، أَدَّبَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُعَامِلُونَ بِهِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَالْإِعْظَامِ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [وَاتَّقُوا اللَّهَ] } (3)، أَيْ: لَا تُسْرِعُوا فِي الْأَشْيَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: قَبْلَهُ، بَلْ كُونُوا تَبَعًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، حَتَّى يَدْخُلَ فِي عُمُومِ هَذَا الْأَدَبِ الشَّرْعِيِّ حَدِيثُ مُعَاذٍ، [إِذْ] (4) قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:"بِمَ تَحْكُمُ؟ " قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ " قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ " قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللَّهِ، لِمَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ (5) . فَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّهُ أَخَّرَ رَأْيَهُ وَنَظَرَهُ وَاجْتِهَادَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْهُمَا لَكَانَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} : لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَالَ العَوْفي عَنْهُ: نَهَى (6) أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا تَقْضُوا أَمْرًا دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِكُمْ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} بقول ولا فعل.
(1) في أ: "وهي مدنية ثمان عشرة آية".
(2)
في م: "آيات".
(3)
زيادة من م.
(4)
زيادة من ت، وفي أ:"حيث".
(5)
سبق الكلام عليه في مقدمة الكتاب.
(6)
في ت، م، أ:"نهوا".
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قَالَ: لَا تَدْعُوا قَبْلَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا كَذَا، وَكَذَا لَوْ صُنِعَ كَذَا، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيْ: فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} أَيْ: لِأَقْوَالِكُمْ {عَلِيمٌ} بِنِيَّاتِكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} : هَذَا أَدَبٌ ثَانٍ أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم [فَوْقَ صَوْتِهِ](1) . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رضي الله عنهما.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا بُسْرَةُ بْنُ صَفْوَانَ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة قَالَ: كَادَ الخيِّران أَنْ يَهْلَكَا، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رضي الله عنهما، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ -قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ-فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يسمعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه. انْفَرَدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ (2) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ ابْنُ جُرَيْج، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَدم رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القعقاعَ بْنَ مَعْبد. وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَى -أَوْ: إِلَّا-خِلَافِي. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أردتُ خلافَك، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، حَتَّى انْقَضَتِ الْآيَةُ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} الْآيَةَ [الْحُجُرَاتِ: 5] .
وَهَكَذَا رَوَاهُ هَاهُنَا مُنْفَرِدًا بِهِ أَيْضًا (3) .
وَقَالَ (4) الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عُمَر، عَنْ مُخَارق، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ إلا كأخي السّرار (5) .
(1) زيادة من ت، م، أ.
(2)
صحيح البخاري برقم (4845) .
(3)
صحيح البخاري برقم (4847) .
(4)
في ت: "وروى".
(5)
مسند البزار برقم (2257)"كشف الأستار" وقال: "لا نعلمه يروى متصلا إلا عن أبي بكر، وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها، ومخارق مشهور، ومن عداه أجلاء".
حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ هَذَا -وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا-لَكِنْ قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه](1) بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (2) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنِ أَنَسٍ (3) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا (5) سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إِلَى: {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} ، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، فَفَقَدَهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا لَكَ؟ قَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَجْهَرُ لَهُ بِالْقَوْلِ حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ:"لَا بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الِانْكِشَافِ، فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعوّدون أَقْرَانَكُمْ. فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتل (6)(7) .
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البُناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، جَلَسَ ثَابِتٌ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ (8) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ:"يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا شَأْنُ ثَابِتٍ؟ أَشْتَكَى؟ " فَقَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى. قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رسول الله (9) صلى الله عليه وسلم، فقال ثَابِتٌ: أُنزلَت هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"بل، هو من أهل الجنة".
(1) زيادة من أ.
(2)
أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك (2/462) من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عنه، وقال:"صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ" ووافقه الذهبي.
(3)
في ت: "وروى البخاري بسنده".
(4)
صحيح البخاري برقم (4846) .
(5)
في ت: "ابن".
(6)
في ت: "حتى قتل رحمه الله".
(7)
المسند (3/137) .
(8)
في م: "فسأل".
(9)
في م: "النبي".
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ (1) الدَّارِمِيِّ، عَنْ حَيَّان بْنِ هِلَالٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، بِهِ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. وَعَنْ قَطَنِ بْنِ نُسَير عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ (2) ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
حَدَّثَنَا هُرَيم (3) بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَزَادَ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (4) .
فَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ مُعَلّلة لِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ حَالَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ مَاتَ بَعْدَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْوُفُودُ إِنَّمَا تَوَاتَرُوا فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَاب، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شمَّاس، حَدَّثَنِي عَمِّي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} قَالَ: قَعَدَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ (5) فِي الطَّرِيقِ يَبْكِي، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَاصِمُ بْنُ عِدِيٍّ مِنْ بَنِي العَجلان، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ، أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فيَّ وَأَنَا صَيِّتٌ، رَفِيعُ الصَّوْتِ. قَالَ: فَمَضَى عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَغَلَبَهُ الْبُكَاءُ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ جَمِيلَةَ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ فَقَالَ لَهَا: إِذَا دخلتُ بَيْتَ فَرَسي فَشُدِّي عَلَيّ الضبَّة بِمِسْمَارٍ فَضَرَبَتْهُ بِمِسْمَارٍ حَتَّى إِذَا خَرَجَ عَطَفَهُ، وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى يَتَوَفَّانِي اللَّهُ، عز وجل، أَوْ يَرْضَى عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال: وَأَتَى عَاصِمٌ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ:"اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي". فَجَاءَ عَاصِمُ إِلَى الْمَكَانِ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُ فِي بَيْتِ الفَرَس، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوكَ. فَقَالَ: اكْسِرِ الضَّبَّةَ. قَالَ: فَخَرَجَا فَأَتَيَا (6) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ ". فَقَالَ: أَنَا صَيِّتٌ وَأَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيَّ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيش حَميدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ ". فَقَالَ: رَضِيتُ بِبُشْرَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَرْفَعُ صَوْتِي أَبَدًا عَلَى صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} (7) . (8)
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عز وجل، عن رفع الأصوات
(1) في أ: "سعد".
(2)
في م: "مسلم".
(3)
في م: "هدبة".
(4)
صحيح مسلم برقم (119) .
(5)
في أ: "ثابت بن قيس بن شماس".
(6)
في أ: "حتى أتيا".
(7)
في أ: بعدها: " لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الآية".
(8)
تفسير الطبري (26/75) .