الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ
(23)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (29) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِعَمَلِ ابْنِ آدَمَ: أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا فَعَلَ (1) وَيَقُولُ: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أَيْ: مُعْتَدٍ (2) مُحْضَرٌ (3) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كَلَامُ الْمَلَكِ السَّائِقِ يَقُولُ: هَذَا ابْنُ آدَمَ الَّذِي وَكَّلْتَنِي بِهِ، قَدْ أَحْضَرْتُهُ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنْ يَعُمَّ السَّائِقَ وَالشَّهِيدَ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ وَقُوَّةٌ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْكُمُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ تَعَالَى، فِي الْخَلِيقَةِ بِالْعَدْلِ فَيَقُولُ:{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}
وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلْقِيَا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يُخَاطِبُونَ الْمُفْرَدَ بِالتَّثْنِيَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَا حَرَسِيُّ، اضْرِبَا عُنُقَهُ، وَمِمَّا أَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى هَذِهِ اللغة قول الشاعر:
فإن تزجراني -يا ابن عَفَّانَ-أَنْزَجِرْ
…
وَإِنْ تَتْرُكَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعًا (4)
وَقِيلَ: بَلْ هِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ، سُهِّلَتْ إِلَى الْأَلْفِ. وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ مَعَ السَّائِقِ وَالشَّهِيدِ، فَالسَّائِقُ أَحْضَرَهُ إِلَى عَرْصَةِ الْحِسَابِ، فَلَمَّا أَدَّى الشَّهِيدُ عَلَيْهِ، أَمَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْقَائِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} أَيْ: كَثِيرُ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، {عَنِيدٌ} : مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ، مُعَارِضٌ لَهُ بِالْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أَيْ: لَا يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلَا بِرَّ فِيهِ وَلَا صِلَةَ وَلَا صَدَقَةَ، {مُعْتَدٍ} أَيْ: فِيمَا يُنْفِقُهُ وَيَصْرِفُهُ، يَتَجَاوَزُ فِيهِ الْحَدَّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْتَدٍ فِي مَنْطِقِهِ وَسِيرَتِهِ وَأَمْرِهِ.
{مُرِيبٍ} أَيْ: شَاكٌّ فِي أَمْرِهِ، مُرِيبٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أَيْ: أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ، {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عُنُقًا مِنَ النَّارِ يَبْرُزُ لِلْخَلَائِقِ فَيُنَادِي بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ، وَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ ثُمَّ تُلْوَى (5) عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ -هُوَ ابْنُ هِشَامٍ-حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِراس عَنْ عَطِيَّةَ (6)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَتَكَلَّمُ، يَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ:
(1) في أ: "بما عمل".
(2)
في م، أ:"معد".
(3)
في أ: "محص".
(4)
تفسير الطبري (26/103) .
(5)
في م، أ:"تنطوي".
(6)
في م: "حدثنا شيبان هو ابن هشام عن فراس عن عطية".