الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: وَلَكِنْ كَذَّبْنَاهُمْ وَخَالَفْنَاهُمْ، لِمَا سَبَقَ إِلَيْنَا (1) مِنَ الشَقْوة الَّتِي كُنَّا نَسْتَحِقُّهَا حَيْثُ عَدَلْنا عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْمُلْكِ:8-10]، أَيْ: رَجَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ وَالنَّدَامَةِ {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْمُلْكِ:11] أَيْ: بُعْدًا لَهُمْ وَخَسَارًا.
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: كُلُّ مَنْ رَآهُمْ وَعَلِمَ حَالَهُمْ يَشْهَدُ (2) عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلْعَذَابِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْقَوْلَ (3) إِلَى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ أَطْلَقَهُ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْكَوْنَ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ مَا هُمْ فِيهِ بِمَا حَكَمَ الْعَدْلُ الْخَبِيرُ عَلَيْهِمْ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا لَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا، وَلَا زَوَالَ لَكُمْ عَنْهَا، {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} أَيْ: فَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَبِئْسَ الْمَقِيلُ لَكُمْ، بِسَبَبِ تَكَبُّرِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِبَائِكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، فَهُوَ الَّذِي صَيَّرَكُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، فَبِئْسَ الْحَالُ وَبِئْسَ الْمَآلُ.
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
(73)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) } .
وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يُسَاقُونَ عَلَى النَّجَائِبِ وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ {زُمَرًا} أَيْ: جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ: الْمُقَرَّبُونَ، ثُمَّ الْأَبْرَارُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُمْ: الْأَنْبِيَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضَرَابِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أَيْ: وَصَلُوا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَاقْتَصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الصُّوَرِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا انْتَهَوْا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ تَشَاوَرُوا فِيمَنْ يَسْتَأْذِنُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ، فَيَقْصِدُونَ، آدَمَ، ثُمَّ نُوحًا، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ مُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، كَمَا فَعَلُوا فِي الْعَرَصَاتِ (4) عِنْدَ اسْتِشْفَاعِهِمْ إِلَى اللَّهِ، عز وجل، أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، لِيَظْهَرَ شَرَفُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ" وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ". (5) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ
(1) في س، أ:"لنا".
(2)
في أ: "شهد".
(3)
في أ: "هذا الذي قاله".
(4)
في ت، أ:"الصرخات".
(5)
صحيح مسلم برقم (196) .
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: يَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو (1) النَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ -وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيُّ-عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهِ (2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ (4) الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا. آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمُجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ (5) ، ورَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ. لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ (6) يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ (7) . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه](8) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (9) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه] (10) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أول زُمْرَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أشدُّ كَوْكَبٍ دُرِّي فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يتْفلون وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ"(11) .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ (12) .
وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَة، هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". فَقَامَ عُكَّاشة بْنُ مِحْصَن فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ، أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ: فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشة".
أَخْرَجَاهُ (13)(14) وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ -فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ-الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حصين، وابن مسعود، ورفاعة بن عرابة
(1) في أ: "عمرو بن محمد الناقد".
(2)
المسند (2/316) وصحيح مسلم برقم (197) .
(3)
في أ: "أبي هريرة رضي الله عنه".
(4)
في ت: "يدخلون".
(5)
في س، أ:"ومجامرهم من الألوة".
(6)
في أ: "قلب رجل واحد".
(7)
المسند (2/316) وصحيح البخاري برقم (3225) وصحيح مسلم برقم (2834) .
(8)
زيادة من أ.
(9)
أخرجه البخاري في صحيحه برقم (3246) .
(10)
زيادة من أ.
(11)
مسند أبي يعلى (10/470) .
(12)
صحيح البخاري برقم (3327) وصحيح مسلم برقم (2834) .
(13)
في ت: "أخرجه البخاري ومسلم".
(14)
صحيح البخاري برقم (6542) وصحيح مسلم برقم (215) .
الْجُهَنِيِّ، وَأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ.
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ: سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ-آخذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". (1) .
وَقَالَ (2) أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ (3) الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: وَعَدَنِي رَبِّي، عز وجل، أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، وَثَلَاثُ حَثَيَات مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عز وجل" (4) .
وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ [وَ](5) أَبِي الْيَمَانِ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لحُيّ (6) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ [رضي الله عنه](7)(8) .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلمي:"ثُمَّ يُشَفَّعُ كُلُّ أَلْفٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا"(9) .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ، عَنْ ثَوْبَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيِّ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} لَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ هَاهُنَا، وَتَقْدِيرُهُ: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ لَهُمْ إِكْرَامًا وَتَعْظِيمًا، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْخَزَنَةُ بِالْبِشَارَةِ وَالسَّلَامِ وَالثَّنَاءِ، لَا كَمَا تَلْقَى الزَّبَانِيَةُ الْكَفَرَةَ بِالتَّثْرِيبِ (10) وَالتَّأْنِيبِ، فَتَقْدِيرُهُ: إِذَا كَانَ هَذَا سَعِدوا وَطَابُوا، وسُرّوا وَفَرِحُوا، بِقَدْرِ كُلِّ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ نَعِيمٌ. وَإِذَا حُذِفَ الْجَوَابُ هَاهُنَا ذَهَبَ الذِّهْنُ كُلَّ مَذْهَبٍ فِي الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ "الْوَاوَ" فِي قَوْلِهِ: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، فَقَدْ أَبْعَدَ النّجْعَة وَأَغْرَقَ فِي النَّزْعِ. وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ كَوْنُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (11)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (12) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ (13) ، فَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِي مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
(1) صحيح البخاري برقم (6554) وصحيح مسلم برقم (219) .
(2)
في ت: "وروى".
(3)
في ت: "عن أبي أمامة".
(4)
المصنف (11/471) ورواه الترمذي في السنن برقم (2437) من طريق إسماعيل بن عياش به، وقال:"هذا حديث حسن غريب".
(5)
زيادة من أ.
(6)
في أ: "يحيى".
(7)
زيادة من أ.
(8)
رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/187) .
(9)
المعجم الكبير (17/126، 127) .
(10)
في أ: "بالذم".
(11)
في ت: "فروى البخاري ومسلم".
(12)
في أ: "أبي هريرة رضي الله عنه".
(13)
في أ: "أبواب ثمانية".
عَلَى أَحَدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ دُعي، مِنْ أَيِّهَا (1) دُعِيَ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِنَحْوِهِ (2) .
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ (3)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا يُسَمَّى الرَّيَّانُ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ"(4) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغَ -أَوْ: فَيُسْبِغَ الْوُضُوءَ-ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". (5) .
وَقَالَ (6) الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَين، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ مُعَاذٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"(7) .
ذِكْرُ سَعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ -نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا-:
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثَ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه] (8) فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ: "فَيَقُولُ اللَّهُ (9) يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ (10) .
مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِي الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ -مَا بَيْنَ عِضَادَتَيِ الْبَابِ-لَكُمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ-أَوْ هَجَرٍ وَمَكَّةَ". وَفِي رِوَايَةٍ:"مَكَّةَ وَبُصْرَى"(11) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً فَقَالَ فِيهَا:"وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ، مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ"(12) .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلُهُ (13) .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً"(14) .
وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} أَيْ: طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ وَأَقْوَالُكُمْ، وَطَابَ سَعْيُكُمْ فَطَابَ جَزَاؤُكُمْ، كَمَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَادَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ:"إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ" وَفِي رِوَايَةٍ: "مُؤْمِنَةٌ". (15) .
(1) في أ: "أيتهما".
(2)
المسند (2/268) وصحح البخاري برقم (3666) وصحيح مسلم برقم (1027) .
(3)
في ت: "وفي الصحيحين".
(4)
صحيح البخاري برقم (1896) وصحيح مسلم برقم (1152) .
(5)
صحيح مسلم برقم (234) .
(6)
في ت: "وروى".
(7)
زورواه أحمد في مسنده (5/242) من طريق إسماعيل بن عياش به، وشهر بن حوشب فيه كلام ولم يسمع من معاذ.
(8)
زيادة من أ.
(9)
في أ: "قال الله عز وجل".
(10)
في أ: "لا حساب عليه ولا ملامة".
(11)
صحيح البخاري برقم (4712) وصحيح مسلم برقم (194) .
(12)
صحيح مسلم برقم (2967) .
(13)
المسند (5/3) .
(14)
المنتخب برقم (924) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
(15)
رواه النسائي في السنن (5/234) من حديث أبي هريرة.
وَقَوْلُهُ: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا.
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أَيْ: يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ إِذَا عَايَنُوا فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ الثَّوَابَ الْوَافِرَ، وَالْعَطَاءَ الْعَظِيمَ، وَالنَّعِيمَ الْمُقِيمَ، وَالْمُلْكَ الْكَبِيرَ، يَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أَيِ: الَّذِي كَانَ وَعَدَنَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، كَمَا دَعَوْا فِي الدُّنْيَا:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آلِ عِمْرَانَ: 194]، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الْأَعْرَافِ:43] ، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فَاطِرٍ:35، 34] .
وَقَوْلُهُمْ: {وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ (1) : أَيْ أَرْضِ الْجَنَّةِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ:105]، وَلِهَذَا قَالُوا:{نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} أَيْ: أَيْنَ (2) شِئْنَا حَلَلْنَا، فَنِعْمَ الْأَجْرُ أَجْرُنَا عَلَى عَمَلِنَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ"(3) .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [رضي الله عنه] (4) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ ابْنَ صَائِدٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: دَرْمَكة بيضاءُ مِسْك خَالِصٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ".
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ (5) ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، بِهِ (6) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [أَيْضًا](7) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الجُرَيْرِي، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ (8) سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ:"دَرْمكة بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ"(9) .
وَقَوْلُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ (10) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} ، قَالَ: سِيقُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهَا شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَرَتْ عليهم نضرة
(1) في ت: "وأبو صالح وغيرهما".
(2)
في أ: "حيث".
(3)
انظر: الحديث بطوله عند تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء.
(4)
زيادة من أ.
(5)
في س: "سلمة".
(6)
المنتخب برقم (874) وصحيح مسلم برقم (2928) .
(7)
زيادة من أ.
(8)
في س: "صياد".
(9)
صحيح مسلم برقم (2928) .
(10)
في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده عن علي" وفي أ: "حمزة".
النَّعِيمِ، فَلَمْ تُغَير أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَمْ تُشْعَث أَشْعَارُهُمْ أَبَدًا بَعْدَهَا، كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا كَانَ فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى أَوْ قَذًى، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ (1) الْجَنَّةِ:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} . وَيَلْقَى كُلُّ غِلْمَانٍ صَاحِبَهُمْ يطيفُون بِهِ، فِعْلَ (2) الْوِلْدَانِ بِالْحَمِيمِ جَاءَ مِنَ الْغَيْبَةِ: أَبْشِر، قَدْ أعَد اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ: وَيَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ غِلْمَانِهِ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: هَذَا فُلَانٌ -بِاسْمِهِ فِي الدُّنْيَا-فَيَقُلْنَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى أَسكُفَّة (3) الْبَابِ. قَالَ: فَيَجِيءُ فَإِذَا هُوَ بِنَمَارِقَ مَصْفُوفَةٍ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ، وَزَرَابِيِ مَبْثُوثَةٍ. قَالَ: ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ (4) ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَسَّسَ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، بَيْنَ أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَصْفَرَ [وَأَبْيَضَ](5) ، وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ. ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَهُ إِلَى سَقْفِهِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لَهُ، لألمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، إِنَّهُ لَمِثْلُ الْبَرْقِ. ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ثُمَّ يَتَّكِئُ عَلَى أَرِيكَةٍ مِنْ أَرَائِكِهِ، ثُمَّ يَقُولُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَافِ:43] الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النّهْدِي، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ (6) بْنُ جَعْفَرٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيَّا، رضي الله عنه، كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ (7) صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي، بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يُسْتَقبلون -أَوْ: يُؤْتون-بِنُوقٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ، وَعَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كُلُّ خَطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مَنْ أَصِلُهَا عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فيُغْسَل مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى، فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَيَنْتَهُونَ -أَوْ: فَيَأْتُونَ-بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفِيحَةِ (8) ، فَيُسْمَعُ (9) لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ، فَتَبْعَثُ قَيّمها فَيَفْتَحُ لَهُ، فَإِذَا رَآهُ خَرّ لَهُ -قَالَ مَسْلَمَةُ: أُرَاهُ قَالَ: سَاجِدًا (10) -فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَإِنَّمَا أَنَا قَيمك، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ. فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ، فَتَسْتَخِفُّ الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي، وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأَسُ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ الَّتِي لَا أَظْعَنُ". فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ، بِنَاؤُهُ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، طَرَائِقُ أصفر وأخضر وأحمر، ليس فيها (11) طريقة تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا، فِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشْيَة، عَلَى كُلِّ حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخّ سَاقِهَا مِنْ بَاطِنِ الحُلَل، يَقْضِي جِمَاعَهَا فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ. الأنهار
(1) في أ: "باب".
(2)
في أ: "مثل".
(3)
في س: "أسفكة".
(4)
في أ: "بنائه".
(5)
زيادة من ت، س، أ.
(6)
في ت، أ:"سلمة".
(7)
في ت: "رسول الله".
(8)
في س: "الصفحة".
(9)
في أ: "فلو سمع".
(10)
في ت: "خر له ساجد" وهو خطأ والصواب: "ساجدا".
(11)
في ت، س::منها".