الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ (1) مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ (2) .
وَقَوْلُهُ: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أَيْ: مِنَ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، {فَأَنزلَ السَّكِينَةَ} : وَهِيَ الطُّمَأْنِينَةُ، {عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} : وَهُوَ مَا أَجْرَى اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِمْ، وَمَا حَصَلَ بِذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ الْعَامِّ الْمُسْتَمِرِّ الْمُتَّصِلِ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَفَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ فَتْحِ سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ عَلَيْهِمْ، وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْعِزِّ وَالنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا (3) وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}
قَالَ (4) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا مُوسَى، أَخْبَرَنَا مُوسَى -يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدَةَ-حَدَّثَنِي إِيَاسُ (5) بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ. إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ، الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ، نَزَلَ رُوحُ الْقُدُسِ. قَالَ: فَثُرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُرَةٍ فَبَايَعْنَاهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (6) :{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [قَالَ](7) : فَبَايَعَ لِعُثْمَانَ بإحد يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لِابْنِ عَفَّانَ، طَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ (8) هَاهُنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ مَكَثَ كَذَا كَذَا سَنَةً مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ"(9) .
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
(20)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (23) }
(1) في م: "وقلت".
(2)
صحيح البخاري برقم (4163) .
(3)
في ت: "تأخذونها".
(4)
في ت: "وروى".
(5)
في ت: "عن أبان".
(6)
في ت، م:"فذلك قوله تعالى".
(7)
زيادم من ت، م.
(8)
في ت، م:"وذكر".
(9)
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (1/90) من طريق عبيد الله بن موسى به، قال الهيثمي في المجمع (9/84) :"فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف".
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
(24) }
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} : هِيَ جَمِيعُ الْمَغَانِمِ إِلَى الْيَوْمِ، {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يَعْنِي: فَتْحَ خَيْبَرَ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يَعْنِي: صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ.
{وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} أَيْ: لَمْ يَنَلْكُمْ سُوءٌ مِمَّا كَانَ أَعْدَاؤُكُمْ أَضْمَرُوهُ لَكُمْ مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْقِتَالِ. وَكَذَلِكَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ [عَنْكُمْ](1) الَّذِينَ خَلَّفْتُمُوهُمْ وَرَاءَ أَظْهُرِكُمْ عَنْ عِيَالِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ، {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَلِيَعْلَمُوا بِصَنِيعِ اللَّهِ هَذَا بِهِمْ أَنَّهُ الْعَلِيمُ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَأَنَّ الْخِيَرَةَ فِيمَا يَخْتَارُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كِرِهُوهُ فِي الظَّاهِرِ، كَمَا قَالَ:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 216] .
{وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} أَيْ: بِسَبَبِ انْقِيَادِكُمْ لِأَمْرِهِ وَاتِّبَاعِكُمْ طَاعَتَهُ، وَمُوَافَقَتِكُمْ رَسُولَهُ (2) .
وَقَوْلُهُ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} أَيْ: وَغَنِيمَةً أُخْرَى وَفَتْحًا آخَرَ مُعَيَّنًا لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، قَدْ يَسَّرها اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَأَحَاطَ بِهَا لَكُمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ، مَا الْمُرَادُ بِهَا؟ فَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ خَيْبَرُ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} إِنَّهَا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَكَّةُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ كُلُّ فَتْحٍ وَغَنِيمَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} قَالَ: هَذِهِ الْفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ إِلَى الْيَوْمِ (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} يَقُولُ تَعَالَى مُبَشِّرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: بِأَنَّهُ لَوْ نَاجَزَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لَنَصَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَانْهَزَمَ جَيْشُ الْكُفَّارِ (4) فَارًّا مُدْبِرًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِحِزْبِهِ (5) الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} أَيْ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ فِي خَلْقِهِ، مَا تَقَابَلَ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ فِي مَوْطِنٍ فَيَصِلُ إِلَى نَصْرِ اللَّهِ الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ، فَرَفَعَ الْحَقَّ وَوَضَعَ الْبَاطِلَ، كَمَا فَعَلَ تَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَ قِلَّةِ عدد المسلمين وعُدَدهم، وكثرة المشركين وعددهم (6) .
(1) زيادة من ت.
(2)
في ت، م:"لرسوله".
(3)
في ت: "إلى يوم القيامة".
(4)
في م: "الكفر".
(5)
في ت، أ:"ولعباده".
(6)
في ت، م:"ومددهم".
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} : هَذَا امْتِنَانٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ كَفَّ أَيْدِيَ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَصِلْ (1) إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ سُوءٌ، وَكَفَّ أَيْدِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلْ صَانَ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَوْجَدَ بَيْنَهُمْ صُلْحًا فِيهِ خيَرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَاقِبَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ حِينَ جَاءُوا بِأُولَئِكَ السَّبْعِينَ الْأُسَارَى فَأَوْثَقُوهُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ:"أَرْسِلُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وثنَاه". قَالَ: وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الْآيَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي السِّلَاحِ، مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا -قَالَ عَفَّانُ: فَعَفَا عَنْهُمْ-وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ -أَيْضًا-: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَاني، عَنْ (3) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّل المُزَنِي قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَقَعُ مِنْ أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عَلَى ظَهْرِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلِيَّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وسهلُ بْنُ عَمْرٍو بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:"اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَأَخَذَ سَهْلٌ بِيَدِهِ وَقَالَ: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ. اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ. قَالَ: "اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، وَكَتَبَ:"هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ". فَأَمْسَكَ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو بِيَدِهِ وَقَالَ: لَقَدْ ظَلَمْنَاكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولَهُ، اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ. فَقَالَ:"اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ". فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، فَثَارُوا فِي (4) وُجُوهِنَا، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَسْمَاعِهِمْ، فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ؟ أَوْ: هَلْ (5) جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا؟ " فَقَالُوا: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، بِهِ (6) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْد، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القُمّي، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عن ابن أبْزَى قال: لما
(1) في ت: "تصل".
(2)
المسند (3/122) وصحيح مسلم برقم (1808) وسنن أبي داود برقم (2688) وسنن الترمذي برقم (3264) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11510) .
(3)
في ت: "بن".
(4)
في ت، م:"إلى".
(5)
في ت: "وهل".
(6)
المسند (4/86) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11511) .
خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْهَدْيِ وَانْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، تَدْخُلُ عَلَى قَوْمٍ لَكَ حَرْب بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَلَا كُرَاع؟ قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَدَعْ فِيهَا كُرَاعًا وَلَا سِلَاحًا إِلَّا حَمَلَهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ مَنَعُوهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى مِنًى، فَنَزَلَ بِمِنًى، فَأَتَاهُ عَيْنُهُ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ قَدْ خَرَجَ عَلَيْكَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، فَقَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: "يَا خَالِدُ، هَذَا ابْنُ عَمِّكَ أَتَاكَ فِي الْخَيْلِ (1)، فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا سَيْفُ اللَّهِ، وَسَيْفُ رَسُولِهِ -فَيَوْمَئِذَ سُمِّيَ سَيْفَ اللَّهِ-يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْمِ بِي أَيْنَ شِئْتَ. فَبَعَثَهُ عَلَى خَيْلٍ، فَلَقِيَ عِكْرِمَةَ فِي الشِّعْبِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّانِيَةِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ [مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ] } (2) إِلَى: {عَذَابًا أَلِيمًا} . قَالَ: فَكَفَّ اللَّهُ النَّبِيَّ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَهُ (3) عَلَيْهِمْ لِبَقَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا بَقُوا فِيهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَطَأَهُمُ الْخَيْلُ (4) .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ أَبْزَى بِنَحْوِهِ. وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ؛ بَلْ قَدْ كَانَ طَلِيعَةَ الْمُشْرِكِينَ (5) يَوْمَئِذٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُمْ قَاضَوْهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ (6) فَيَعْتَمِرَ وَيُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا قَدِمَ لَمْ يُمَانِعُوهُ، وَلَا حَارَبُوهُ وَلَا قَاتَلُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَكُونُ يَوْمَ الْفَتْحِ؟ فَالْجَوَابُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْ عَامَ الْفَتْحِ هَديًا، وَإِنَّمَا جَاءَ مُحَارِبًا مُقَاتِلًا فِي جَيْشٍ عَرَمْرَم، فَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ خَلَلٌ، قَدْ وَقَعَ فِيهِ شَيْءٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يَطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصِيبُوا مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، فأُخذُوا أَخْذًا، فأُتي بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَفَا عَنْهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، وَقَدْ كَانُوا رَمَوْا إِلَى (7) عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (8) بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الْآيَةَ (9) .
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: "ابْنُ زُنَيْم" اطَّلَعَ عَلَى الثَّنِيَّةِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَرَمَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِسَهْمٍ فَقَتَلُوهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا فَأَتَوْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَارِسًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ لَهُمْ:"هَلْ لَكَمْ عَلَيَّ عَهْدٌ؟ هَلْ لَكَمْ عَلَيَّ ذِمَّةٌ؟ ". قَالُوا: لَا. فَأَرْسَلَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية.
(1) في أ: "الجبل".
(2)
زيادة من ت.
(3)
في أ: "أظفركم".
(4)
تفسير الطبري (26/59) .
(5)
في أ: "للمشركين".
(6)
في ت: "قابل".
(7)
في أ: "في".
(8)
في ت، م:"عسكر المسلمين".
(9)
رواه الطبري في تفسيره (26/59) .