الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ (1) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
(6)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) } .
يَأْمُرُ تَعَالَى بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ ليُحتَاطَ لَهُ، لِئَلَّا يُحْكَمَ بِقَوْلِهِ فَيَكُونَ -فِي نَفْسِ الْأَمْرِ-كَاذِبًا أَوْ مُخْطِئًا، فَيَكُونَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ قَدِ اقْتَفَى وَرَاءَهُ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ هَاهُنَا امْتَنَعَ طَوَائِفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبُولِ رِوَايَةِ مَجْهُولِ الْحَالِ لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَبِلَهَا آخَرُونَ لِأَنَّا إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحَقَّقِ الْفِسْقِ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَقَدْ قَرَّرْنَا (2) هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ مَلِكِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ ضِرَار، وَالِدُ جُويرية (3) بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ، وَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ، ويُرسل إليَّ رَسُولُ اللَّهِ رَسُولًا لإبَّان كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ بِمَا جمَعتُ مِنَ الزَّكَاةِ. فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، وَبَلَغَ الْإِبَّانَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن يَبْعَثَ إِلَيْهِ، احْتُبِسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سُخْطة مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَدَعَا بسَرَوات قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ وَقَّت لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخُلْف، وَلَا أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلَّا مِنْ سُخْطَةٍ كَانَتْ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرَق -أَيْ: خَافَ-فَرَجَعَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ. وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَقْبَلَ الْبَعْثُ وفَصَل عَنِ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ، فَقَالُوا: هَذَا الحارث، فلما
(1) تفسير الطبري (26/77) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (5/210) من طريق إسحاق بن راهويه عن معتمر بن سليمان به، قال الهيثمي في المجمع (7/108) :"فيه داود الطفاوي وثقه ابن حبان، وضعفه ابن معين، وبقية رجاله ثقات".
(2)
في ت: "قررت".
(3)
في أ: "ميمونة".
غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ: إِلَى مَنْ بُعثتم؟ قَالُوا: إِلَيْكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ. قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلَا أَتَانِي. فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟ ". قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلَا أَتَانِي، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتُبِسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم، خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ كَانَتْ سُخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {حَكِيمٌ}
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ شَاذَانَ التَّمَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ، بِهِ (2) ، غَيْرَ أَنَّهُ سَمَّاهُ الْحَارِثَ بْنَ سِرَارٍ، وَالصَّوَابُ: الْحَارِثُ بْنُ ضِرَارٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ (3) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْن، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فِي صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ الْوَقِيعَةِ (4) ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْقَوْمُ، فَتَلَقَّوْهُ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، قَالَتْ: فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (5) فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُونِي (6) صَدَقَاتِهِمْ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَتْ: فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَفُّوا لَهُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَسَخَطِ رَسُولِهِ، بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَجُلًا مُصَدِّقًا، فَسُرِرْنَا بِذَلِكَ، وَقَرَّتْ بِهِ أَعْيُنُنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَخَشِينَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَضَبًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، قَالَتْ: وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (7) .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْط إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَإِنَّهُمْ لَمَّا أَتَاهُمُ الْخَبَرُ فَرِحُوا وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ لَمَّا حُدِّثَ الْوَلِيدُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ، رَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ إِذْ أَتَاهُ الْوَفْدُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ رَسُولَكَ رَجَعَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّا خَشِينَا أَنَّ مَا رَدَّهُ كِتَابٌ جَاءَ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ. وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَغَشَّهُمْ وَهَمَّ بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (8) عُذْرَهُمْ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} إلى آخر الآية (9) .
(1) في ت: "احتبس علي يا رسول الله".
(2)
المسند (4/279) والمعجم الكبير (3/274) قال الهيثمي في المجمع (7/109) : "رجال أحمد ثقات"، وهذا متعقب فإن دينار والدعيسي لم يوثقه إلا ابن حبان، ولا يعرف له راويا غير ابنه عيسى.
(3)
في ت: "وروى".
(4)
في ت: "الوقعة".
(5)
في ت، م، أ:"رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(6)
في ت، م:"منعوا".
(7)
تفسير الطبري (26/78) وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، وثابت مولى أم سلمة مجهول.
(8)
في م: "الله عز وجل".
(9)
تفسير الطبري (26/78) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ ليُصدّقهم، فَتَلَقَّوْهُ بِالصَّدَقَةِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ جَمَعَتْ لَكَ لِتُقَاتِلَكَ -زَادَ قَتَادَةُ: وَإِنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ-فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلَا يَعْجَلَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا فَبَعَثَ عُيُونَهُ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَسَمِعُوا أَذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِدٌ فَرَأَى الَّذِي يُعْجِبُهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "التَّبيُّن مِنَ اللَّهِ، والعَجَلَة مِنَ الشَّيْطَانِ".
وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان، وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) .
وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} أَيْ: اعْلَمُوا أَنَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَسُولَ اللَّهِ فعظِّموه وَوَقِّرُوهُ، وَتَأَدَّبُوا مَعَهُ، وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِكُمْ، وَأَشْفَقُ عَلَيْكُمْ مِنْكُمْ، وَرَأْيُهُ فِيكُمْ أَتَمُّ مِنْ رَأْيِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الْأَحْزَابِ: 6] .
ثُمَّ بَيَّن [تَعَالَى](2) أَنَّ رَأْيَهُمْ سَخِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ فَقَالَ: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ} أَيْ: لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى عَنَتِكُمْ وحَرَجكم، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 71] .
وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} أَيْ: حَبَّبَهُ إِلَى نُفُوسِكُمْ وَحَسَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ.
قَالَ (3) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدة، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةً، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ" قَالَ: ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا"(4) .
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} أَيْ: وَبَغَّضَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والفسوق، وهي: الذنوب
(1) وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين، وهذا القول فيه نظر؛ فإن الروايات التي ساقت القصة معلولة، وأحسنها وهي رواية أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعي، وفي إسنادها مجهول، وقد أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم" (ص102) هذه القصة قال: "وقد اختلف فيه، فقيل: نزلت في ذلك -أي في شأن الوليد. وقيل: في علي والوليد في قصة أخرى- وقيل: إن الوليد سيق يوم الفتح في جملة الصبيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح روءسهم وبرك عليهم إلا هو فقال: إنه كان على رأسي خلوق، فامتنع صلى الله عليه وسلم من مسه، فمن يكون في مثل هذه السنن يرسل مصدقا، وبهذا الاختلاف يسقط العلماء الأحاديث القوية، وكيف يفسق رجل هذا الكلام؟ فكيف برجل مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وللشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله كلام على الوليد بن عقبة في الأنوار الكاشفة (ص263) أثبت فيه أنه لم يؤثر له رواية عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومن جملة ما نفاه هذا الحديث الذي ذكره ابن العربي.
(2)
زيادة من ت.
(3)
في ت: "وروى".
(4)
المسند (3/134) قال الهيثمي في المجمع (1/52) : "رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون".