الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} وَذَلِكَ أَنَّ أَيُّوبَ عليه السلام كَانَ قَدْ غَضِبَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَوَجَدَ عَلَيْهَا فِي أَمْرٍ فَعَلَتْهُ. قِيلَ: [إِنَّهَا](1) بَاعَتْ ضَفِيرَتَهَا (2) بِخُبْزٍ فَأَطْعَمَتْهُ إِيَّاهُ فَلَامَهَا عَلَى ذَلِكَ وَحَلِفَ إِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةَ جِلْدَةٍ. وَقِيلَ: لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ. فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّهُ وَعَافَاهُ مَا كَانَ جَزَاؤُهَا مَعَ هَذِهِ الْخِدْمَةِ التَّامَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالْإِحْسَانِ أَنْ تُقَابَلَ بِالضَّرْبِ فَأَفْتَاهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا -وَهُوَ: الشِّمراخ-فِيهِ مِائَةُ قَضِيبٍ فَيَضْرِبُهَا بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَقَدْ بَرّت يَمِينُهُ وَخَرَجَ مِنْ حِنْثِهِ وَوَفَى بِنَذْرِهِ وَهَذَا مِنَ الْفَرَجِ وَالْمَخْرَجِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ بِأَنَّهُ {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أَيْ: رَجَّاع مُنِيبٌ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاقِ: 2، 3]
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى مَسَائِلَ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا وَأَخَذُوهَا (3) بِمُقْتَضَاهَا [وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي شَرْعِ أَيُّوبَ، عليه السلام، فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالْكَفَّارَةِ](4)
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ
(45)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ}
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فَضَائِلَ عِبَادِهِ الْمُرْسَلِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْعَابِدِينَ: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْقُوَّةَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْبَصِيرَةَ النَّافِذَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أُولِي الأيْدِي} يَقُولُ: أُولِي الْقُوَّةِ {وَالأبْصَارِ} يَقُولُ: الْفِقْهِ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُولِي الأيْدِي} يَعْنِي: الْقُوَّةَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ {وَالأبْصَارِ} يَعْنِي: الْبَصَرَ (5) فِي الْحَقِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أعطُوا قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ وبَصرًا فِي الدِّينِ.
[وَقَوْلُهُ](6){إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ جَعَلْنَاهُمْ يَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ لَيْسَ لَهُمْ هَمّ غَيْرُهَا. وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ: ذِكْرُهُمْ لِلْآخِرَةِ وَعَمَلُهُمْ لَهَا.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ حُبَّ الدُّنْيَا وَذِكْرَهَا وَأَخْلَصَهُمْ بِحُبِّ الْآخِرَةِ وَذَكَرِهَا. وَكَذَا قال عطاء الخراساني.
(1) زيادة من ت، أ.
(2)
في أ: "ضفيرتيها".
(3)
في ت، س:"وأخذوا".
(4)
زيادة من ت، أ.
(5)
في أ: "البصير".
(6)
زيادة من ت، س، أ.