الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ اللَّهُ مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هُودٍ: 74 -76] .
وَقَالَ هَاهُنَا: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} أَيْ: مَا شَأْنُكُمْ وَفِيمَ جِئْتُمْ؟.
{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} يَعْنُونَ قَوْمَ لُوطٍ.
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً} أَيْ: مُعَلَّمَةً {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} أَيْ: مُكْتَتَبَةٌ عِنْدَهُ بِأَسْمَائِهِمْ، كُلُّ حَجَرٍ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ:{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 32] .وَقَالَ هَاهُنَا: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، وَهُمْ لُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ.
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} احْتَجَّ بِهَذِهِ [الْآيَةِ](1) مَنْ ذَهَبَ إِلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ، مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنُ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا مُؤْمِنِينَ، وَعِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ لَا يَنْعَكِسُ، فَاتَّفَقَ الِاسْمَانِ هَاهُنَا لِخُصُوصِيَّةِ الْحَالِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ} أَيْ: جَعَلْنَاهَا عِبْرَةً، لِمَا أَنْزَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَحِجَارَةِ السِّجِّيلِ، وَجَعَلْنَا (2) مَحَلَّتَهُمْ بُحَيْرَةً مُنْتِنَةً خَبِيثَةً، فَفِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ}
{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
(38)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَفِي مُوسَى} [آيَةٌ](3){إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أَيْ: بِدَلِيلٍ بَاهِرٍ وَحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} أَيْ: فَأَعْرَضَ فِرْعَوْنُ عَمَّا جَاءَهُ (4) بِهِ مُوسَى مِنَ الحق المبين، استكبارا
(1) زيادة من م.
(2)
في م، أ:"وجعل".
(3)
زيادة من م.
(4)
في م: "جاء".
وَعِنَادًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَعَزَّزَ بِأَصْحَابِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: غَلَبَ عدُو اللَّهِ عَلَى قَوْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} أَيْ: بِجُمُوعِهِ الَّتِي مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هُودٍ: 80] .
وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ قَوِيٌّ كَقَوْلِهِ: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الْحَجِّ: 9] أَيْ: مُعْرِضٌ عَنِ الْحَقِّ مُسْتَكْبِرٌ، {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أَيْ: لَا يَخْلُو أَمْرُكَ فِيمَا جِئْتَنِي بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ سَاحِرًا، أَوْ مَجْنُونًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ} أَيْ: أَلْقَيْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ، وَهُوَ الْبَحْرُ، {وَهُوَ مُلِيمٌ} أَيْ: وَهُوَ مَلُومٌ كَافِرٌ جَاحِدٌ فَاجِرٌ مُعَانِدٌ.
ثُمَّ قَالَ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} أَيِ: الْمُفْسِدَةَ الَّتِي لَا تَنْتِجُ شَيْئًا. قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا.
وَلِهَذَا قَالَ: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} أَيْ: مِمَّا تُفْسِدُهُ الرِّيحُ {إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أَيْ: كَالشَّيْءِ الْهَالِكِ الْبَالِي.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ بن أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي: ابْنَ عَيَّاشٍ (1) -الْقُتْبَانِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرِّيحُ مُسَخَّرَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ -يَعْنِي مِنَ الْأَرْضِ الثَّانِيَةِ-فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ عَادًا أَمَرَ خَازِنَ الرِّيحِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُهْلِكُ عَادًا، قَالَ: أَيٍ رَبَ، أُرْسِلُ عَلَيْهِمْ [مِنَ] (2) الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لَا إِذًا تَكْفَأُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَرْسِلْ [عَلَيْهِمْ] (3) بِقَدْرِ خَاتَمٍ. فَهِيَ الَّتِي يَقُولُ (4) اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}
هَذَا الْحَدِيثُ رَفْعُهُ مُنْكَرٌ (5) ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ زَامِلَتَيْهِ اللَّتَيْنِ (6) أَصَابَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} قَالُوا: هِيَ الْجَنُوبُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ"(7) .
{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي إِلَى وَقْتِ فَنَاءِ آجَالِكُمْ.
(1) في م: "ابن عباس".
(2)
زيادة من م.
(3)
زيادة من م.
(4)
في م، أ:"قال".
(5)
رواه الحاكم في المستدرك (4/594) وابن منده في كتاب التوحيد (1/186) من طريق عبد الله بن وهب بأطول منه.
وقال ابن منده: إسناده متصل مشهور ورواته مصريين. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: "بل منكر، فيه عبد الله بن عياس ضعفه أبو داود، وعند مسلم أنه ثقة، ودراج وهو كثير المناكير".
(6)
في م: "اللذين".
(7)
صححه مسلم برقم (900) .