الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحج
اختلف أهل العلم، هل هي مكية أو مدنية؟ وقال البيضاوي والخازن: سورة الحج مكية (1) كلها، إلّا ست آيات، من قوله عز وجل:{هَذَانِ خَصْمَانِ} إلى قوله: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} . وفي "تنوير المقياس": "سورة الحج كلها مكية (2) إلّا خمس آيات {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} إلى آخر الآيتين، وقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} إلى آخر الآيتين، والسجدة الأخيرة، فهؤلاء الآيات مدنيات، وكل شيء في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} فهو مدني، وكل شيء في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فهو مكي أو مدني، ولا نجد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مكية" انتهى. وحكى القرطبي عن ابن عباس: أنها مكية سوى ثلاث آيات، وقيل أربع آيات إلى قوله:{عَذَابُ الْحَرِيقِ} ، وحكي عن النقّاش: أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات، وفي "المراغي": هي مدنية كلها، إلّا أربع آيات، (52، 53، 54، 55)، فبين مكة والمدينة. قال القرطبي: وقال الجمهور: إن السورة مختلطة، منها مكي، ومنها مدني، قال وهذا هو الصحيح. قال العزيزي: هي من أعاجيب السور، نزلت ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيًّا ومدنيًا، سلميًا وحربيًا، ناسخًا ومنسوخًا، محكمًا ومتشابهًا.
وآياتها ثمان وسبعون آية، وكلماتها ألف ومئتان وإحدى وتسعون كلمة، وحروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون حرفًا.
فضلها: وقد ورد في فضلها (3):
ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في
(1) البيضاوي والخازن.
(2)
تنوير المقياس.
(3)
الشوكاني.
"سننه" عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال:"نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما" قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقويّ.
وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين".
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيقهي، عن عمر، أنه كان يسجد سجدتين في الحج، وقال: إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين. وقد روي عن كثير من الصحابة أنَّ فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعضهم: إن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري. وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي.
التسمية: سمّيت سورة الحج، تخليدًا لدعوى الخليل إبراهيم، عليه السلام، حين انتهى من بناء البيت العتيق، ونادى الناس لحج البيت الحرام، فتواضعت الجبال، حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع نداؤه من في الأصلاب والأرحام، وأجابوا النداء بقولهم:"لبيك اللهم لبيك".
وهي بحسب موضوعاتها أقسام ثلاثة (1):
1 -
البعث، والدليل عليه وما يتبع ذلك.
2 -
الحج والمسجد الحرام.
3 -
أمور عامة، كالقتال وهلاك الظالمين، والاستدلال بنظام الدنيا على وجود الخالق، وضرب المثل بعجز الأصنام، وعدم استطاعتها خلق الذباب.
المناسبة: ومناسبتها للسورة التي قبلها من وجوه:
1 -
أن آخر السورة قبلها كان في أمر القيامة كقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ
(1) المراغي.
كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}، وقوله:{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} وأول هذه السورة الاستدلال على البعث بالبراهين العقلية.
2 -
أنه قد أقيمت في السورة السالفة الحجج الطبيعية على الوحدانية، وفي هذه جعل العلم الطبيعي من براهين البعث.
3 -
في السورة السالفة وما قبلها قصص الأنبياء وبراهينهم لقومهم، وفي هذه السورة خطاب من الله للأمم الحاضرة، وهو خطاب يسترعى السمع، ويوجب علينا ولو إجمالًا أن نعرف صنع الله في أرضه وسمائه، وتدبيره خلق الأجنة والنبات والحيوان.
قال أبو حيان (1): ومناسبة أول هذه السورة لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى ذكر فيما قبلها حال الأشقياء والسعداء، وذكر الفزع الأكبر، وهو ما يكون يوم القيامة، وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد، وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم، فنزلت هذه السورة تحذيرًا لهم، وتخويفاً لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة، وشدة هولها، وذكر ما أعد لمنكريها، وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم، وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات.
الناسخ والمنسوخ: قال أبو عبد الله (2) محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة الحج مكية وهي من أعاجيب القرآن؛ لأن فيها مكيًّا ومدنيًّا، حضريًا وسفريًا، وفيها حربيًا وفيها سلميًا، وفيها ليليًا، وفيها نهاريًا. فأما المكي. فمن رأس الثلاثين آية إلى آخرها. وأما المدني منها فمن رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين. وأما الليلي منها فمن أولها إلى رأس خمس آيات. وأما النهاري منها فمن رأس الخمس إلى رأس اثنتيّ عشرة. وأما الحضريّ فإلى رأس العشرين. ونسب إلى المدينة لقربه منها. وفيها ناسخ ومنسوخ، فمن ذلك المنسوخ آيتان:
(1) البحر المحيط.
(2)
الناسخ والمنسوخ.
أولاهما: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية (52) نسخت بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)} الآية (6) من سورة الأعلى.
الآية الثانية: قوله تعالى: {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} الآية (56) نسختها آية السيف.
والله أعلم
* * *
المناسبة
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه (1) لما أنجز الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها .. بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها، حثًا على التقوى، التي هي أنفع زاد، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} .
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا أخبر (2) فيما سلف بأهوال يوم القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله تعالى .. بيّن مع هذا التحذير الشديد أن كثيرًا من الناس ينكرون هذا البعث، ويجادلون في أمور الغيب بغير علم.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما حكى عن المشركين الجدال بغير علم في البعث والحشر، وذمهم على ذلك .. قفّى على هذا بإثباته من وجهين:
1 -
الاستدلال بخلق الحيوان، وهو ما أشار إليه في الآية الأخرى:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وقوله:{قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} .
2 -
الاستدلال بحال خلق النبات في قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً
…
} إلخ.
وعبارة أبي حيان هنا (3): ولما ذكر تعالى من يجادل في قدرة الله بغير علم. وكان جدالهم في الحشر والمعاد، ذكر دليلين واضحين على ذلك:
أحدهما: في نفس الإنسان وابتداء خلقه وتطوره في مراتب سبع، وهي التراب والنطفة والعلقة والمضغة والإخراج طفلًا وبلوغ الأشد والتوفي أو الرد إلى الهرم.
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
والثاني: في الأرض التي تشاهدون تنقلها من حال إلى حال، فإذا اعتبر العاقل ذلك، ثبت عنده جوازه عقلًا، فإذا ورد خبر الشرع بوقوعه، وجب التصديق به، وأنه واقع لا محالة.
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى} الآيات مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر في الآية قبلها حال الضُّلَّال المقلدين، الذين يتبعون أهل الكفر والمعاصي .. أردف ذلك، بذكر حال الدعاة إلى الضلال، من رؤوس الكفرة والمبتدعين.
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر حال الضّالين المقلدين، الذين يجادلون في توحيد الله، بلا بينة ولا دليل، وحال المضلين الذين يجادلون بلا سلطان من عقل، ولا برهان صحيح من نقل، ثم بيَّن سوء مآلهما في الدنيا والآخرة، وأن لهما في الدنيا خزيا، وفي الآخرة عذابًا في النار، تحترق منه أجسامهما .. أعقب ذلك بذكر قوم مضطربي الإيمان، مذبذبين في دينهم، لا ثبات لهم في عقيدتهم، ولا استقرار لهم في آرائهم، إن أصابوا خيرًا فرحوا به، وركنوا إليه، وإن نالهم بلاء وشدة في أنفسهم، أو أهليهم أو أموالهم ارتدوا كفارًا، فلحقهم الخسار والدمار في دينهم ودنياهم، وذلك هو الخسران الذي لا خسران بعده، وهم في ذلك الحين يعبدون الأصنام والأوثان لتكشف عنهم ضرهم، وتدفع عنهم ما نزل بهم من البلاء، وقد ضلوا في ذلك ضلالًا بعيدًا.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما ذكر في الآية السالفة حال المنافقين وحال معبوديهم .. عطف على ذلك بذكر حال المؤمنين، الذين آمنوا بقلوبهم، وصدَّقوا إيمانهم بأفعالهم، وعملوا الصالحات، وتركوا المنكرات.
قوله: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: الله سبحانه وتعالى، لمّا ذكر (1) حال المجادل بالباطل
(1) المراغي.
وخذلانه في الدنيا؛ لأنه لا يدْلِي بحجةٍ من العقل، ولا ببرهان من الوحي، ثم بين ما يؤول إليه أمره من النكال في الدنيا، والخزي في الآخرة، ثم ذكر متابعيه وعمم خسارتهم في الدارين، وأردف ذلك ذكر حال المؤمنين، وما يلقونه من السعادة، والنعيم في الدار الآخرة .. قفى على ذلك، بذكر المجادل عنهم، وعن دين الله، بالتي هي أحسن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغ في إثبات نصره بمالا مزيد عليه، ثم ذكر شأن كتابه، وأنه آيات واضحات، ترشد إلى سواء السبيل.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه، لما ذكر أنه يهدى من يريد .. أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه لما أبان فيما سلف، أنه يقضي بين أرباب الفرق السالفة يوم القيامة، وهو شهيد على أقوالهم وأفعالهم .. أردف هذا ببيان أنه ما كان ينبغي لهم أن يختلفوا، ألا يرون أن جميع العوالم العلوية والسفلية كبيرها وصغيرها، شمسها وقمرها ونجومها وجبالها وحيوانها ونباتها، خاضعة لجبروته، مسخرة لقدرته، وقد كان في هذا مفتاح لهم لو أرادوا، ولكن من يهنه الله، ويكتب عليه الشقاء فلا يستطيع أحد أن يسعده، فالله وحده هو القدير على الإشقاء والإسعاد.
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
…
} الآيتين، عن عمران بن حصين وغيره (1): أن هاتين الآيتين، نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلًا، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فحثوا المطي" حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم، فلم ير باكياً أكثر من تلك الليلة، فلمّا أصبحو!، لم يحطوا السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام، ولم يطبخوا، والناس بين باك، وجالس حزين متفكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيُّ يوم ذلك"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذلك يوم، يقول الله لآدم: قم، فابعث من ذريتك بعث النار". أخرجه (2) سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي، وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم،
(1) الخازن.
(2)
الشوكاني.