المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومصالح، وهي أن تكون مبدأ لوجود الإنسان، وسببًا لمعاشه، ودليلاً - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ومصالح، وهي أن تكون مبدأ لوجود الإنسان، وسببًا لمعاشه، ودليلاً

ومصالح، وهي أن تكون مبدأ لوجود الإنسان، وسببًا لمعاشه، ودليلاً يقوده إلى تحصيل معرفتنا التي هي الغاية القصوى، وكل شيء فهو إمّا مظهر لطفه تعالى، أو قهره، وفي كل ذرّة سرّ عجيب.

قال الكرماني: "اللعب: فعلٌ يدعو إليه الجهل، يروق أوله، ولا ثبات له، وإنما خلقناهما لنجازي المحسن والمسيء، وليستدل بهما على وحدانيته، والقدرة" انتهى.

أي (1): لم نخلقما عبثًا، ولا باطلًا، بل للتنبيه على أن لهما خالقاً قادرًا يجب امتثال أمره. وفيه إشارة إجمالية إلى تكوين العالم. والمراد بـ {ما بينهما} سائر المخلوقات الكائنة بين السماء والأرض، على اختلاف أنواعها، وتباين أجناسها من الهواء والسحاب والرياح. والمعنى؛ أي: وما خلقنا هذا السقف المرفوع، وهذا المهاد الموضوع، وما بينهما من أصناف المخلوقات البديعة للهو واللعب، بل خلقناهما لفوائد دينية، وحكم ربّانية، كأن تكون دليلًا على معرفة الخالق لها، ووسيلة للعظة والاعتبار، إلى ما فيها من منافع أخرى لا حصر لها.

وخلاصة ذلك (2): أن إيجاد العالم كله، ولا سيما النوع الإنساني، واستخلافه في الأرض، مبني على بديع الحكم، مستتبع لغايات جليلة لا تخفى على ذوي الألباب، وقد علم بعضها من أمعنوا النظر في الكون وعجائبه، وأوتوا حظًّا من صادق المعرفة، فعرفوا بعض أسراره، وانتفعوا ببعض ما أودع في باطن الأرض، وما على ظاهر سطحها مما كان سببًا في رقيّ الإنسان، ولا يزال العلم يؤكد لنا كل يوم عجيبًا، ويظهر لنا من كنوزها غريبًا {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ونحو الآية قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)}

‌17

- ثم أكّد نفي اللعب بقوله: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} أي (3) ما يتلهّى ويلعب به

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 30

على أنه مصدر بمعنى المفعول. وقال الراغب: "اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمّه، ويعئر به عن كل ما به استمتاع باللهو قال تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا}، وقول من قال: أراد باللهو المرأة والولد فتخصيص ببعض ما هو من زينة الحياة الدنيا" انتهى. {لَاتَّخَذْنَاهُ} ؛ أي: لاتخذنا اللهو. جواب لو {مِنْ لَدُنَّا} ؛ أي: من عندنا، ومن جهة قدرتنا عليه، لا من عندكم لتعلقها بكل شيء من المقدورات، أو مما نصطفيه ونختاره مما نشاء من خلقنا من الحور العين، أو من غيرها. قال الواحدي:"معنى {مِنْ لَدُنَّا} من عندنا بحيث لا يظهر لكم، ولا تطلعون عليه، ولا يجري لأحد فيه تصرف؛ لأن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره". وفي (1) هذا: ردّ على من قال بإضافة الصاحبة، والولد إلى الله، - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا -. وقيل: أراد الرَّدَّ على من قال: الأصنام أو الملائكة بنات الله. وقال ابن قتيبة: الآية ردّ على النصارى {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ذلك الاتخاذ لاتخذناه، لكن (2) تستحيل إرادتنا ذلك لمنافاته الحكمة، لا لعدم القدرة على اتخاذه ولا لغيره، فيستحيل اتخاذنا له قطعًا. و {إِنْ} للشرط على سبيل الفرض والتقدير، وجواب "إنْ" محذوف لدلالة جواب المتقدم عليه؛ أي: إن كنا فاعلين لاتخذناه، ويجوز أن تكون {إن} نافية؛ أي: ما كنا فاعلين اتخاذ اللهو لعدم إرادتنا به. أي: (3) لو أردنا أن نتخذ لهوًا كما يتخذ العباد لاتخذناه من عندنا من العوالم المجردة من المادة كالملائكة، لكنَّا لا نتنَّزل لملابسة ما هو من شأنكم المادي كالزوج والولد، إذ لا يجمل بنا؛ لأنه خارج عن سنن حكمتنا، وقوانين نظامنا، ورفعة قدرنا، فنحن لا نلهو بالصور الجسمية، ولا بالنفوس الروحية.

وخلاصة هذا: أنا خلقناكم لحكمة، وصوّرناكم لغاية، وجعلنا لكم السمع والأبصار لمنافع قدرناها لكم، لا للهونا ولعبنا، ومن ثمّ لا نترككم سدًى، بل نحاسبكم ونؤاخذكم، والجد مطلبنا، واللهو واللعب من شأن العبيد المخلوقين،

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

(3)

المراغي.

ص: 31