الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يسمع في ناحية من الأرض ملكًا إلّا أتاه ودعاه إلى الحق {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} ؛ أي: بتدبير كل شيء من الكائنات {عَالِمِينَ} فنجريه على ما يقتضيه علمنا وحكمتنا؛ فما آتيناه الملك والنبوة، وما سخرنا له الريح تجري بأمره إلَّا لعلمنا بما في ذلك من الحكمة والمصلحة، وأن قومه سيعرفون نعمتنا، فيشكروننا عليها
82
- {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ} ؛ أي: وسخرنا له من الشياطين والجن، {مَنْ يَغُوصُونَ}؛ أي: يدخلون تحت البحر، ويستخرجون {لَهُ}؛ أي: لسليمان من نفائس البحر وجواهره ودرره، من اللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك {و} من {يَعْمَلُونَ} له {عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} المذكور؛ أي: عملًا آخر غير ذلك المذكور، من الغوص في البحر، كبناء المدن والمحاريب والتماثيل والقصور والجفان ونحو ذلك، واختراع الصنائع الغريبة، وهؤلاء (1) إما الفرقة الأولى أو غيرها لعموم كلمة {مَنْ} ، كأنه قيل: ومن يعملون. روي أن المسخر له كفارهم لا مؤمنوهم، لقوله تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ} . {وَكُنَّا} نحن {لَهُمْ} ؛ أي: لهؤلاء الشياطين المسخرين له {حَافِظِينَ} من أن يزيغوا عن أمره ويعصوا ويتمردوا عليه، أو يفسدوا ما عملوا على ما هو مقتضى جبلتهم، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار. والشياطين وإن كانوا أجسامًا لطيفة، لكنهم يتشكلون بأشكال مختلفة، ويقدرون على الأعمال الشاقة. ألا ترى أن لطافة الريح لا تمنع عصوفها، لا سيما أنهم تكشفوا في زمن سليمان، فكانوا بحيث يراهم الناس ويستعملونهم في الأعمال. وقال في "الأسئلة المقحمة": فلماذا لم تخرج الشياطين عن طاعة سليمان مع استعمالهم في تلك الأمور الشديدة؟ فالجواب أن الله تعالى، أوقع لسليمان في قلوبهم من الخوف والهيبة، حتى خافوا أن يخرجوا عن طاعته، وهذا من معجزاته.
والمعنى: أي (2) وكنا حافظين لأعمالهم، فلا يناله أحد منهم بسوء، فكل في قبضته، وتحت قهره، لا يجسر على الدنو منه، وهو المتحكم فيهم، إن شاء حبس، وإن شاء أطلق، كما قال:{وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} .
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
الإعراب
{وَلَقَدْ} : {الواو} : عاطفة. و {اللام} : موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {آتَيْنَا} : فعل وفاعل. {إِبْرَاهِيمَ} : مفعول أول. {رُشْدَهُ} مفعول ثان. {مِنْ قَبْلُ} جار ومجرور، حال من إبراهيم؛ أي: حالة كونه من قبل موسى وهارون، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم في قوله:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ} . {وَكُنَّا} : الواو: عاطفة {كنا} فعل ناقص واسمه. {بِهِ} متعلق بـ {عَالِمِينَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} معطوفة على جملة {آتَيْنَا} . {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {آتَيْنَا} أو متعلق بـ {اذكر} محذوفًا. {قَالَ} فعل ماض، وفعله ضمير يعود على إبراهيم. {لِأَبِيهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {قَالَ} . {وَقَوْمِهِ} معطوف على {أبيه} ، وجملة {قَالَ} في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} {مَا}: اسم استفهام للاستفهام التوبيخي، في محل الرفع مبتدأ، {هَذِهِ} خبر. {التَّمَاثِيلُ} بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه، والجملة الاستفهامية في محل النصب مقول قال، {الَّتِي} صفة للتماثيل. {أَنْتُمْ}: مبتدأ. {لَهَا} متعلق بـ {عَاكِفُونَ} . {عَاكِفُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة صلة الموصول.
{قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. {وَجَدْنَا}: فعل وفاعل. {آبَاءَنَا} مفعول أول ومضاف إليه. {لَهَا} متعلق بـ {عَابِدِينَ} {عَابِدِينَ} مفعول ثان، وجملة وجد في محل النصب مقول {قَالَ}. {قَالَ}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة. {لَقَدْ كُنْتُمْ
…
} إلى آخر الآية، مقول محكي لـ {قَالَ}. وإن شئت قلت:{اللام} ، موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه. {أَنْتُمْ} تأكيد لتاء
المخاطبين. {وَآبَاؤُكُمْ} معطوف على التاء. {فِي ضَلَالٍ} : جار ومجرور خبر {كان} . {مُبِينٍ} صفة لـ {ضَلَالٍ} ، وجملة {كان} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب، مقول {قَالَ} . {قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أَجِئْتَنَا}: إلى آخر الآية، مقول محكي. وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التعجبي الاستبعادي. {جئتنا} فعل وفاعل ومفعول. {بِالْحَقِّ} : متعلق بـ {جئتنا} ، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا}. {أَمْ} حرف عطف متصل معادل للهمزة. {أَنْتَ}. مبتدأ {مِنَ اللَّاعِبِينَ}: خبره، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {جئتنا} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة. {بَلْ رَبُّكُمْ} إلى قوله:{مُدْبِرِينَ} مقول محكي. وإن شئت قلت: {بَلْ} : حرف ابتداء وإضراب. {رَبُّكُمْ} مبتدأ ومضاف إليه. {رَبُّ السَّمَاوَاتِ} خبر ومضاف إليه. {وَالْأَرْضِ} معطوف على السموات، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} {الَّذِي} اسم موصول، في محل الرفع. صفة لـ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ} . {فَطَرَهُنَّ} فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {وَأَنَا} مبتدأ. {عَلَى ذَلِكُمْ}: متعلق بـ {الشَّاهِدِينَ} . {مِنَ الشَّاهِدِينَ} جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب، معطوفة على الجملة التي قبلها. {وَتَاللَّهِ} {الواو}: عاطفة و {التاء} حرف جر وقسم. {الله} مقسم به مجرور بتاء القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا تقديره: أقسم تالله، والجملة القسمية في محل النصب معطوفة على جملة بل ربكم على كونها مقول قال. {لَأَكِيدَنَّ} اللام موطئة للقسم. {أكيدن} فعل مضارع في محل الرفع، لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. {أَصْنَامَكُمْ} مفعول به، والجملة جواب
القسم، لا محل لها من الإعراب. {بَعْدَ} ظرف متعلق بـ {أكيدن} . {أَنْ} حرف نصب ومصدر. {تُوَلُّوا} فعل مضارع وفاعل منصوب بحذف النون. {مُدْبِرِينَ} حال من فاعل {تُوَلُّوا} ، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: بعد توليتكم مدبرين. {فَجَعَلَهُمْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال إبراهيم لهم، وأردت بيان ما فعله بالأصنام، فأقول لك: جعل إبراهيم الأصنام جذاذًا. {جعل} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. والهاء ضمير متصل في محل النصب مفعول أول. {جُذَاذًا} مفعول ثان. {إِلَّا} أداة استثناء {كَبِيرًا} منصوب على الاستثناء من ضمير {جعلهم} . {لَهُمْ} صفة لـ {كَبِيرًا} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة، مستأنفة استئنافًا بيانيًا {لَعَلَّهُمْ} ناصب واسمه. {إِلَيْهِ} متعلق بـ {يَرْجِعُونَ} ، وجملة {يَرْجِعُونَ} في محل الرفع خبر {لعل} ، وجملة لعل، في محل الجر بلام التعليل المقدرة، مسوقة لتعليل الاستثناء.
{قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {مَنْ} اسم استفهام للاستفهام الإنكاري، في محل الرفع مبتدأ. {فَعَلَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} . {هَذَا} مفعول به. {بِآلِهَتِنَا} متعلق بـ {فَعَلَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول قالوا. {إِنَّهُ} ناصب واسمه. {لَمِنَ} اللام: حرف ابتداء. {من الظالمين} جار ومجرور خبر {إن} وجملة {إن} في محل النصب مقول قالوا، مسوقة لتأكيد إنكار ما قبلها. {قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {سَمِعْنَا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} {فَتًى}: مفعول أول لـ {سمع} ، وجملة {يَذْكُرُهُمْ} في محل النصب مفعول ثان له؛ لأن سمع هنا دخل على ما لا يسمع، فيتعدى إلى مفعولين، بخلاف ما إذا دخل على ما يسمع، كسمعت كلام زيد، يقول كذا
وكذا، فيتعدى إلى مفعول واحد. {يُقَالُ}: فعل مضارع مغير الصيغة. {لَهُ} : متعلق به. {إِبْرَاهِيمُ} نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {فَتًى} {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {فَأْتُوا} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر. تقديره: إذا كان الأمر كذلك، وأردتم إقامة البينة عليه فنقول لكم: ائتوا به. {ائتوا} فعل أمر وفاعل. {بِهِ} متعلق به. {عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من الضمير في {بِهِ}؛ أي: ائتوا به حال كونه معاينًا، مشاهدًا للناس، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول قالوا. {لَعَلَّهُمْ} لعل حرف نصب وتعليل، والهاء اسمها، وجملة {يَشْهَدُونَ} خبرها ومفعول الشهادة محذوف تقديره: أنه الفاعل ذلك، وجملة {لعل} في محل النصب مقول قالوا، مسوقة لتعليل ما قبلها.
{قَالُوا} : فعل وفعل، والجملة مستأنفة. {أَأَنْتَ} الهمزة للاستفهام التوبيخي. {أنت}: مبتدأ، {فَعَلْتَ هَذَا}: فعل وفاعل ومفعول. {بِآلِهَتِنَا} متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول قالوا. {يَا إِبْرَاهِيمُ} منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول قالوا. {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة. {بَلْ} حرف إضراب وابتداء. {فَعَلَهُ}: فعل ومفعول. {كَبِيرُهُمْ} فاعل ومضاف إليه. {هَذَا} نعت لـ {كَبِيرُهُمْ} ، أو بدل منه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ} . {فَاسْأَلُوهُمْ} الفاء عاطفة. {اسألوهم} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها. {إِنْ} حرف شرط. {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ {إِنْ} على كونه فعل شرط لها، وجملة {يَنْطِقُونَ} في محل النصب خبر
{كان} ، جواب {إِن} الشرطية محذوف دل عليه ما قبلها تقديره: إن كانوا ينطقون فاسألوهم، وجملة {إِن} الشرطية في محل النصب مقول {قَالَ}. {فَرَجَعُوا} الفاء: عاطفة. {رجعوا} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {قَالَ}. {إِلَى أَنْفُسِهِمْ} متعلق بـ {رجعوا}. {فَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {رجعوا} . {إِنَّكُمْ} : ناصب واسمه. {أَنْتُمُ} : ضمير فصل. {الظَّالِمُونَ} خبر {إن} ، ويجوز يجعل {أَنْتُمُ} مبتدأ، {الظَّالِمُونَ} خبره، والجملة في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قالوا} .
{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ. {نُكِسُوا} : فعل مغير ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {قالوا}. {عَلَى رُءُوسِهِمْ} جار ومجرور حال من الواو؛ أي: حال كونهم كائنين على رؤوسهم، أو متعلق بـ {نُكِسُوا} . {لَقَدْ} اللام موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {عَلِمْتَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم في محل النصب، مقول لقول محذوف، حال من الواو في نكسوا، تقديره: ثم نكسوا على رؤوسهم، حالة كونهم قائلين: والله لقد علمت. {مَا} حجازية. {هَؤُلَاءِ} في محل الرفع اسمها، وجملة {يَنْطِقُونَ} في محل النصب خبرها، وجملة ما الحجازية في محل النصب، سادّة مسد مفعولي علم، إن كانت يقينية، أو مسدّ مفعوله إن كانت عرفانية. {قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة الفعلية مستأنفة. {أَفَتَعْبُدُونَ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. {تعبدون} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، والتقدير: أتعلمون عدم نطقها فتعبدون. والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قَالَ} . {مِنْ دُونِ اللَّهِ} : جار ومجرور حال من واو تعبدون؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله. {مَا} موصولة في محل النصب مفعول
{تعبدون} . {لَا يَنْفَعُكُمْ} فعل ومفعول به أول، وفاعله مستتر يعود على ما. {شَيْئًا} مفعول مطلق أو ثان. {وَلَا يَضُرُّكُمْ} معطوف على {يَنْفَعُكُمْ} ، وجملة {ينفع} صلة لـ {مَا} الموصولة. {أُفٍّ} اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم تقديره: أنا. {لَكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {أُفٍّ} . واللام فيه للبيان، وجملة اسم الفعل مع فاعله في محل النصب مقول {قَالَ}. {وَلِمَا}: جار ومجرور معطوف على لكم. {تَعْبُدُونَ} فعل وفاعل صلة {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ولما تعبدونه. {مِنْ دُونِ اللَّهِ} : جار ومجرور حال من واو الفاعل في تعبدون. {أَفَلَا} الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. (لا) نافية. {تَعْقِلُونَ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، والتقدير: أجننتم فلا تعقلون سوء صنيعكم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قَالَ} .
{قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {حَرِّقُوهُ}: فعل أمر وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة {حَرِّقُوهُ}. {إِنْ}: حرف شرط. {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إِنْ} على كونه فعل شرط لها. {فَاعِلِينَ} خبره، وجواب {إِن} الشرطية محذوف دل عليه ما قبلها، تقديره: إن كنتم فاعلين فحرقوه وانصروا آلهتكم، وجملة {إِن} الشرطية في محل النصب مقول {قَالُوا}. {قُلْنَا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {يَا نَارُ} منادى نكرة مقصودة، وجملة النداء في محل النصب مقول قلنا. {كُونِي}: فعل أمر ناقص واسمه. {بَرْدًا} ، خبر كوني. {وَسَلَامًا}: معطوف عليه، وجملة كوني في محل النصب، مقول {قُلْنَا} على كونه جواب النداء. {عَلَى إِبْرَاهِيمَ} جار ومجرور صفة {سَلَامًا} . {وَأَرَادُوا} فعل وفاعل، {بِهِ} متعلق به. {كَيْدًا} مفعول به، والجملة مستأنفة. {فَجَعَلْنَاهُمُ} الفاء عاطفة. {جعلناهم} فعل وفاعل ومفعول
أول. {الْأَخْسَرِينَ} مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة {أرادوا} .
{وَنَجَّيْنَاهُ} : {الواو} : عاطفة. {نجيناه} فعل وفاعل ومفعول. {وَلُوطًا} معطوف على ضمير المفعول، أو مفعول معه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَأَرَادُوا بِهِ} {إِلَى الْأَرْضِ} : متعلق بـ {نجينا} ، أو متعلق بمحذوف حال، من ضمير المفعول والمعطوف عليه؛ أي: حال كونهما مهاجرين إلى الأرض. {الَّتِي} صفة للأرض. {بَارَكْنَا} فعل وفاعل، {فِيهَا} متعلق بـ {بَارَكْنَا} . {لِلْعَالَمِينَ} متعلق به أيضًا، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد ضمير فيها. {وَوَهَبْنَا} فعل وفاعل معطوف على {نجينا} . {لَهُ} متعلق بـ {وهبنا} . {إِسْحَاقَ} مفعول به. {وَيَعْقُوبَ} معطوف على {إِسْحَاقَ} ، والجملة معطوفة على جملة {نجيناه}. {نَافِلَةً} حال من {يعقوب}؛ أي: ووهبنا له يعقوب، حالة كونه زيادة من غير سؤال؛ لأن المعنى ووهبنا له إسحاق إجابة لسؤاله، ويعقوب زيادة على مسؤوله، ويصح أن يكون مفعولًا مطلقًا، معنويًا لـ {وهبنا}؛ لأن الهبة والعطية متقاربتان. {وَكُلًّا} مفعول أول لـ {جَعَلْنَا} مقدم عليه. {جَعَلْنَا}: فعل وفاعل. {صَالِحِينَ} : مفعول ثان له، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {وهبنا} .
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة {جعلنا} . {يَهْدُونَ} فعل وفاعل، والجملة صفة لـ {أَئِمَّةً}. {بِأَمْرِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من واو {يَهْدُونَ} ، تقديره: يهدون إلى ديننا ملتبسين بأمرنا. {وَأَوْحَيْنَا} : فعل وفاعل {إِلَيْهِمْ} متعلق به. {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} . مفعول به. {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} : معطوفان على {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {وَجَعَلْنَاهُمْ}. {وَكَانُوا}: فعل ناقص واسمه.
{لَنَا} متعلق بـ {عَابِدِينَ} . {عَابِدِينَ} خبر {كان} ، والجملة معطوفة على جملة {وَأَوْحَيْنَا} .
{وَلُوطًا} : منصوب بفعل محذوف وجوبًا، يفسره المذكور بعده، تقديره: وآتينا لوطًا، فهو مفعول أول له، فهو من باب الاشتغال، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة {وَأَوْحَيْنَا} ، {آتَيْنَاهُ} مفسرة، لا محل لها من الإعراب. {حُكْمًا}: مفعول ثان لـ {آتيناه} المحذوف. {وَعِلْمًا} : معطوف على {حُكْمًا} . {وَنَجَّيْنَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {آتَيْنَاهُ} . {مِنَ الْقَرْيَةِ} : جار ومجرور متعلق بـ {نجيناه} . {الَّتِي} صفة لـ {الْقَرْيَةِ} . {كَانَتْ} فعل ناقص واسمها ضمير مستتر، يعود على الموصول. {تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على القرية وجملة {تَعْمَلُ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول. {إِنَّهُمْ}: ناصب واسمه. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، {قَوْمَ سَوْءٍ} خبره. {فَاسِقِينَ}: صفة {قَوْمَ} ، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة. {وَأَدْخَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {نجيناه} . {فِي رَحْمَتِنَا} : جار ومجرور متعلق بـ {أدخلنا} . {إِنَّهُ} ناصب واسمه. {مِنَ الصَّالِحِينَ} : خبره، وجملة {إن} مستأنفة.
{وَنُوحًا} : معطوف على {لوطا} ، فيكون مشتركًا معه في عامله، الذي هو {آتينا} المفسربـ {آتَيْنَاهُ} الظاهر، وكذلك داود وسليمان، والتقدير: ونوحًا آتيناه حكمًا، وداود وسلميان آتيناهما حكما. و {إِذْ} بدل اشتمال من نوحًا، وداود وسليمان، ولك أن تعرب نوحًا وداود وسليمان مفعولًا به لفعل محذوف،
تقديره: واذكر نوحًا وداود وسليمان؛ أي اذكر خبرهم وقصتهم، فتكون {إِذْ} منصوبة بنفس المقدر؛ في: خبرهم الواقع في وقت كذا. {نَادَى} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {نوح} . {مِنْ قَبْلُ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه. {فَاسْتَجَبْنَا} الفاء: عاطفة. {استجبنا} : فعل وفاعل. {لَهُ} : متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {نَادَى}. {فَنَجَّيْنَاهُ} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {استجبنا}. {مِنَ الْكَرْبِ} جار ومجرور متعلق بـ {نجينا}. {الْعَظِيمِ} صفة لـ {الكرب}. {وَنَصَرْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {نجينا} . {مِنَ الْقَوْمِ} . متعلق بـ {نصرناه} . {الَّذِينَ} صفة لـ {الْقَوْمِ} . {كَذَّبُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {بِآيَاتِنَا} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {كَذَّبُوا} . {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه. {كَانُوا} فعل ناقص واسمه. {قَوْمَ سَوْءٍ} خبر {كان} . {سَوْءٍ} : مضاف إليه، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. {فَأَغْرَقْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول. {أَجْمَعِينَ} . تأكيد لهاء الغائبين، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {كَانُوا} .
{وَدَاوُودَ} : مفعول لفعل محذوف تقديره: واذكر داود. {وَسُلَيْمَانَ} معطوف عليه كما مر. {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بالمضاف المقدر، كما مر، تقديره: واذكر خبر داود وسليمان الواقع في وقت كذا وكذا. {يَحْكُمَانِ} فعل وفاعل. {فِي الْحَرْثِ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر، مضاف إليه لـ {إِذْ} . {إِذْ نَفَشَتْ} إذ ظرف لما مضى. بدل من إذا الأولى، على كونه متعلقًا بالمضاف المحذوف. {نَفَشَتْ} فعل ماض. {فِيهِ} متعلق به. {غَنَمُ الْقَوْمِ}: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ}. {وَكُنَّا} الواو: اعتراضية. {كنا} : فعل ناقص واسمه. {لِحُكْمِهِمْ} متعلق بـ {شَاهِدِينَ} .
{شَاهِدِينَ} : خبر {كان} ، وجملة {كان} معترضة لا محل لها من الإعراب، {فَفَهَّمْنَاهَا}: فعل وفاعل ومفعول ثان. {سُلَيْمَانَ} : مفعول أول، قدم عليه الثاني، لكونه ضميرًا متصلًا، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {يَحْكُمَانِ} ؛ لأنه بمعنى الماضي. {وَكُلًّا} ، مفعول أول مقدم لـ {آتَيْنَا}. {آتَيْنَا}: فعل وفاعل. {حُكْمًا} مفعول ثان. {وَعِلْمًا} : معطوف عليه، والجملة معطوفة على جملة {ففهمنا}. {وَسَخَّرْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {آتَيْنَا} . {مَعَ دَاوُودَ} متعلق بـ {سخرنا} . {الْجِبَالَ} مفعول به. {يُسَبِّحْنَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب، حال من الجبال؛ أي: حالة كونها مسبحة. {وَالطَّيْرَ} معطوف على الجبال، أو مفعول معه. {وَكُنَّا فَاعِلِينَ}: فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على {آتَيْنَا} ، أو على {سخرنا} .
{وَعَلَّمْنَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول أول. {صَنْعَةَ لَبُوسٍ} مفعول ثان. و {لَبُوسٍ} مضاف إليه. {لَكُمْ} : متعلق بـ {علمناه} ، والجملة معطوفة على جملة {سَخَّرْنَا} . {لِتُحْصِنَكُمْ} اللام حرف جر وتعليل. {تحصنكم} فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير يعود على {صَنْعَةَ لَبُوسٍ} . {مِنْ بَأْسِكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {تحصنكم} والجملة الفعلية في تأويل مصدر، مجرور باللام، تقديره: لإحصانها إياكم، الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله، على كونه متعلقًا بعلّمناه. {فَهَلْ} الفاء: استئنافية. {هل} حرف استفهام للاستفهام التوبيخي، {أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة.
{وَلِسُلَيْمَانَ} : {الواو} : عاطفة، {لسليمان}: متعلق بمحذوف تقديره: وسخرنا لسليمان، والجملة المحذونة، معطوفة على جملة {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ} .
{الرِّيحَ} مفعول به لـ {سخرنا} المحذوف المفهوم من قوله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ} . {عَاصِفَةً} حال من {الرِّيحَ} {تَجْرِي} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الرِّيحَ} . {بِأَمْرِهِ} متعلق بـ {تَجْرِي} ، وكذا يتعلق به قوله:{إِلَى الْأَرْضِ} ، وجملة تجري في محل النصب حال ثانية من {الرِّيحَ}. {الَّتِي} صفة لـ {الأرض}. {بَارَكْنَا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {فِيهَا} متعلق بـ {بَارَكْنَا} . {وَكُنَّا} فعل ناقص واسمه. {بِكُلِّ شَيْءٍ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {عَالِمِينَ} و {عَالِمِينَ} خبره وجملة {كان} جملة اعتراضية، أو استئنافية، لا محل لها من الإعراب. {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ}: خبر مقدم. {مَن} اسم الموصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} عطف اسمية على فعلية، ولك أن تعطف {من} الموصولة على {الرِّيحَ} ، {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ} حال {مَنْ} من الموصولة. {يَغُوصُونَ} فعل وفاعل صلة {من} الموصولة، وجمع الضمير حملاً على معنى من، وحسّن ذلك تقدّم جمع قبله. {لَهُ} متعلق بـ {يَغُوصُونَ}. {وَيَعْمَلُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {يَغُوصُونَ} . {عَمَلًا} مفعول به، أو مفعول مطلق. {دُونَ ذَلِكَ} ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ {عَمَلًا} . {وَكُنَّا} فعل ناقص واسمه. {لَهُمْ} متعلق بـ {حَافِظِينَ} . {حَافِظِينَ} خبر {كان} ، والجملة مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{رُشْدَهُ} الرشد: الاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا، والاسترشاد الإلهي. كما في "أبي السعود".
{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} واحدها تمثال، وهو الصورة المصنوعة على شبه مخلوق من صنع الله كطير، أو شجر، أو إنسان، والمراد بها هنا الأصنام، سمّاها بذلك تحقيرًا لشأنها، وهذا الوزن فيه زائدان: أحدهما قبل الفاء. والآخر قبل اللام، وقد جاء اسما وصفة، فالاسم تمثال للصورة، ويجمع على تماثيل. وقالوا: تجفاف وتبيان، فالتجفاف واحد تجافيف الفرس، وهو ما يلبس عند الحرب
والزينة. وتبيان، بمعنى البيان، فمنهم من يجعله مصدرًا من قبيل الشاذ؛ لأن المصادر إنما تجيء على تفعال - بالفتح - نحو التلعاب والتهدار، ولم يجيء بالكسر إلّا تبيان وتلقاء. وسيبويه يجعلهما من الأسماء التي وضعت موضع المصادر، كالغارة وضعت موضع الإغارة. وقال غير واحد من علماء اللغة: التمثال هو الصورة المصنوعة من رخام، أو نحاس، أو خشب، شبيهة بخلق الآدمي.
{والعكوف} على الشيء: ملازمته والإقبال عليه {بِالْحَقِّ} ؛ أي: بالشيء الثابت في الواقع {اللَّاعِبِينَ} ؛ أي: الهازلين {فَطَرَهُنَّ} ؛ أي: أنشأهن {مِنَ الشَّاهِدِينَ} ؛ أي: المتحققين صحته المثبتة بالبرهان {لَأَكِيدَنَّ} الكيد: الاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه، والمراد المبالغة في إلحاق الأذى بها.
{جُذَاذًا} ؛ أي: قطاعًا فعال بمعنى المفعول، من الجد الذي هو القطع، كالحطام من الحطم، الذي هو الكسر. وفي "القاموس": الجذ القطع المستأصل والكسر، والاسم الجذاذ. والجذاذ بتثليث الجيم ما تكسر من الشيء، وفعله جد يجد من باب نصر {فَتًى} هو الطري من الشبان.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} من قولهم: نكس المريض؛ إذا عاد إلى مرضه الأول بعد العافية. والنكس قلب الشيء، ورد آخره على أوله. والتنكيس القلب أيضًا، يقال: نكس رأسه ونكسه مخففًا ومشددًا؛ أي طاطأه حتى صار أعلاه أسفله {بَرْدًا وَسَلَامًا} البرد خلاف الحر، والسلام التعري من الآفات.
{نَافِلَةً} قال في "القاموس": النافلة: الغنيمة والعطية، وما تفعله، مما لم يجب كالنفل، وولد الولد.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} قال بعضهم: جعلوا المصدر من المبني للمفعول بمعنى، أن يفعل الخيرات بناء على أن التكاليف يشترك فيها الأنبياء والأمم، ولكن قوله في أواخر هذه السورة:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} ، وقوله تعالى في سورة مريم حكاية عن عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي
بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} ينادي على أنه من المبني للفاعل، ولا يضر ذلك في الاشتراك إذ الأنبياء أصل في الذي أوحي إليهم من الأوامر.
{وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} القاعدة في مصدر الفعل، الرباعي على وزن أفعل، أن يأتي على إفعال، إن كان صحيح العين، نحو أكرم إكرامًا، وأوجد إيجادًا، فإن اعتلت عينه، نحو أقام وأعان وأبان، جاء مصدره على إفالة كإقامة وإعانة وإبانة، حذف عين المصدر، وعوّض منها تاء التأنيث، والأصل: إقوام وأءعوان وإبيان، فنقلت حركة الواو والياء، وهي الفتحة إلى الحرف الساكن قبلهما، ثم حذفتا، فرارًا من اجتماع الساكنين، وعوض منهما التاء، وقد تحذف هذه التاء من المصدر إذا أضيف، كقوله تعالى:{وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} ، وما كان منه معتلّ اللام، مثل: أعطى وأهدى وأولى، قلبت لامه في المصدر همزة، مثل: إعطاء وإهداء وإيلاء، والأصل إعطاو وإهداي وإيلاي. قال في "شرح القاموس": العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد ألف؛ لأن الهمزة أحمد للحركة منهما؛ ولأنهم يستثقلون الوقف على الواو، وكذلك الياء مثل الرداء أصله رداي، هذا ويرجع في هذا إلى بحث الإبدال، في كتب الصرف المطولة.
{الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} والخبائث جمع خبيثة، والخبيثة: ما يكره رداءةً وخساسةً، يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح في الفعال {قَوْمَ سَوْءٍ} قال الراغب: السوء: كل ما يغمّ الإنسان، من الأمور الدنيوية والأخروية، ويعبر به عن كل ما يقبح، وهو مقابل الحسن.
{فَاسْتَجَبْنَا} قال في "بحر العلوم": الاستجابة الإجابة، لكن الاستجابة تتعدى إلى الدعاء بنفسها، وإلى الداعي باللام، ويحذف الدعاء إذا عدّي إلى الداعي في الغالب، فيقال: استجاب الله دعاءه، أو استجاب له، ولا يكاد يقال: استجاب دعاءه، وهو الدليل على أن النداء المذكور بمعنى الدعاء؛ لأن الاستجابة تقتضي دعاءه.
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} قال الراغب: الكرب: الغم الشديد، من كرب
الأرض قلبها بالحفر، فالغم يثير النفس إثارة ذلك.
{فِي الْحَرْثِ} الحرث: الزرع، وبابه نصر، أو كتب كما في "المختار". وفي "القاموس": الحرث مصدر، والأرض التي تستنبت بالبذر والنوى والغرس. قال ابن عباس وأكثر المفسرين: أن الحرث كان كرمًا، قد تدلت عناقيده. وقيل: كان زرعًا.
{نَفَشَتْ} تفرقت وانتشرت فيه فرعته وأفسدته. وفي "المختار": نفشت الغنم والإبل؛ أي: رعت ليلًا بلا راع، من باب جلس. والنفش - بفتحتين - اسم منه، ومنه قوله تعالى:{إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} ، ولا يكون النفش إلّا بالليل، ونفش الصوف والقطن، من باب نصر، والنفش تشعيب الشيء بأصابعك حتى ينتشر، والنفش أيضًا أن ينتشر الغنم ليلًا بلا راع.
{الغنم} محركة، الشاة، لا واحد لها من لفظها، الواحدة شاة، وهو اسم مؤنث للجنس، يقع على الذكور والإناث، وعليهما جميعًا، كما في "القاموس".
{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ} قال في "المختار": التسخير: التكليف للعمل بلا أجرة، وسخرة تسخيراً، إذا كلفه عملًا بلا أجرة، اهـ {والطير} جمع طائر، مثل صحب وصاحب وركب وراكب، وجمع الطير طيور وأطيار، ويقع الطير على الواحد والجمع. وقال ابن الأنباري: الطير جماعة، وتأنيثها أكثر من التذكير. ولا يقال للواحد طير، بل طائر، وقلما يقال للأنثى طائرة، اهـ.
{لبوس} اللبوس اللباس، قالوا: إلبس، لكل حال لبوسها. والمراد: الدرع قال قتادة: كانت صفائح، فأول من سردها وخلقها، داود، فجمعت الخفة والتحصين، وهي المسماة، بالدرع، والدرع - كما في "المختار" - مؤنثة، وقال أبو عبيدة: تؤنث وتذكر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآية ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: تجاهل العارف في قوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} ؛ لأن هذا السؤال تجاهل من إبراهيم، وإلّا فهو يعرف أن حقيقتها حجر، أو شجرٌ اتخذوها معبوداً.
ومنها: العدول عن علي، التي يتعدى بها فعل العكوف، إلى اللام في قوله:{أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} لقصد معنى العبادة، من العكوف ليجيبوه بقوله:{وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} تسجيلًا عليهم بالتقليد، والقول بغير برهان، والانجرار إلى ما عليه آباؤهم.
ومنها: المخالفة بين الجملتين في قوله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)} لملاحظة التجدد في إحداهما، حيث أبرزها في صورة الفعلية بقوله:{أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ} ، ولملاحظة الثبات والدوام في الأخرى، حيث أبرزها في صورة الاسمية بقوله:{أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} والمعنى: أحدثت عندنا الإتيان بالحق، وهو التوحيد فيما نسمعه منك، أم أنت على ما كنت عليه من اللعب، منذ أيام الصبا، وأرادوا بالتجدد في الجملة، أن التوحيد أمر مستحدث مخترع، وبالثبات في الثانية، أنه على عادتهم المستمرة من اللعب تحقيرًا له.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ؛ لأن الكيد حقيقة في الاحتيال. في إيصال الضرر إلى الغير، بطريق خفي، وهو هنا كناية عن الاجتهاد في إزالتها، فتجوّز به عنه إما استعارة، أو استعمالًا له في لازمه؛ لأن الكيد يستلزم الاجتهاد "الجمل" بتصرف.
ومنها: الاستعارة في قوله: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ؛ لأنه ليس المراد هنا حقيقة الشهادة؛ لأنه لا شهادة من المدعي، بل استعيرت الشهادة لتحقيق الدعوى بالحجة والبرهان؛ أي: لست من اللاعبين في الدعاوى، بل من المحتجين عليها بالبراهين القاطعة، التي بمنزلة الشاهد الذي تقطع به الدعاوى، اهـ "روح البيان".
ومنها: تقديم الظرف في قوله: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} للاختصاص أو لمجرد الاهتمام.
ومنها: تجاهل العارف في قوله: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} وهو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة. تجاهلًا منه، ليخرج الكلام مخرج المدح أو الذم، أو ليدل على شدة الوله في الحب، أو لقصد التعجب، أو التوبيخ، أو التقرير كما هنا، وهو على قسمين: موجب ومنفي، والآية التي نحن بصددها، من التجاهل الموجب، الجاري مجرى التقرير.
ومنها: التعريض في قوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} أراد إبراهيم عليه السلام، أن يبيّن لهم، أن من لا يتكلم، ولا يعلم، ليس بمستحق للعبادة، ولا يصح في العقل، أن يطلق عليه أنه إله، فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم، بما يوقعهم في الاعتراف، بأن الجمادات التي عبدوها، ليست بآلهة؛ لأنهم إذا قالوا: لا ينطقون، قال لهم: فكيف تعبدون من يعجز عن النطق، ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان، الذي هو فيه، فهذا الكلام من فرض الباطل مع الخصم، حتى تلزمه الحجة، ويعترف بالحق، فإن ذلك أقطع لشبهته، وأدفع لمكابرته.
ومنها: الاستعارة اللطيفة في قوله: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} شبّه رجوعهم عن الحق إلى الباطل، بانقلاب الشخص، جتى يصبح أسفله أعلاه، بطريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: الطباق بين {يَنْفَعُكُمْ} و {يَضُرُّكُمْ} .
ومنها: المبالغة في قوله: {كُونِي بَرْدًا} حيث أطلق المصدر، وأراد اسم الفاعل مبالغة؛ أي: باردة، أو ذات برد.
ومنها: عطف الخاص على العام اهتماماً بشأنه في قوله: {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} ؛ لأن الصلاة والزكاة من الخيرات، وإنما خصهما بالذكر تنبيهًا على علو شأنهما وفضلهما.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} والمراد أهلها، من إطلاق المحل وإرادة الحال، والعلاقة الحالية.
ومنها: المجاز والمرسل أيضًا في قوله: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} ؛ أي: في جنتنا؛ لأنها مكان الرحمة، فهو مجاز مرسل، علاقته المحلية.
ومنها: الاحتراس في قوله: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} دفعاً لتوهم انتقاص مقام داود عليه السلام.
ومنها: حكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها في قوله: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} ، وفي قوله:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} .
ومنها: جمع المختلف والمؤتلف في قوله: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الخ وهو عبارة، عن أن يريد المتكلم التسوية، بين ممدوحين، فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما، ثم يروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر، بزيادة فضل لا ينقص مدح الآخر، فيأتي لأجل ذلك الترجيح بمعان تخالف معاني التسوية.
والآية الكريمة ساوت بين داود وسليمان، في التأهل للحكم، وشرّكت بينهما فيه حيث قالت:{إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} وأخبرت أن الله سبحانه، فهم سليمان إصابة الحكم، ففضل أباه بذلك بعد المساواة، ثم التفت سبحانه، إلى مراعاة حق الوالد فقال:{وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فرجعا بذلك إلى المساواة بعد ترجيح سليمان، ليعلم الولد بذلك برّ الوالد، ويعرف ما له عليه من الحق، حتى إذا فكر الناظر في هذا الكلام، وقال: من أين جاءت المساواة في الحكم، والعلم بعد الإخبار، بأن سليمان فهم من الحكم، ما لم يفهمه أبوه، علم أن حق الأبوة قام مقام تلك الفضيلة، فحصلت المساواة.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي التشنيعي في قوله: {فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} .
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} حيث أكّد بإن، وباللام، وبإسمية الجملة.
ومنها: التهكم في قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} .
ومنها: تبكيتهم وتعجيزهم في قوله: {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} .
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} ؛ لأنه على إرادة القول؛ أي: قائلين: لقد علمت يا إبراهيم.
ومنها: الإطلاق في قوله: {يَذْكُرُهُمْ} لدلالة الحال عليه، فإن ذكر من يكره إبراهيم ويبغضه، إنما يكون بذم وسوء، ونظيره قولك:"سمعت فلانًا يذكرك" فإن كان الذاكر صديقًا فهو ثناء، وإن كان عدوًا فذم.
ومنها: نداء غير العاقل في قوله: {يَا نَارُ كُونِي} تنزيلًا له منزلة العاقل.
ومنها: التمثيل في قوله: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} حيث جعل الله النار باردة، من غير أن يكون هناك قول، ولا خطاب لقوله تعالى:{أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
ومنها: تقديم الجار والمجرور في قوله: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} لغرض الحصر.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {لِتُحْصِنَكُمْ} .
ومنها: إيراد الاستفهام مرادًا به الأمر في قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} ؛ أي: فاشكروا نعمتي.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى
حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}.
المناسبة
قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (1) قصص داود وسليمان، وما كان منهما، من شكر على النعماء .. أردف ذلك قصص أيوب، لما فيه من صبر على البلاء، فداود وسليمان شكرا على النعم المترادفة، وأيوب صبر على النقم النازلة فأزيلت عنه، وإن في قصصه الذي ذكر هنا، وفي مواضع من الكتاب الكريم، لعبرًا له ولغيره، ممن سمع به، ولفتا لأنظارهم، إلى أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن الواجب على المرء، أن يصبر على ما يناله من البلاء فيها، ويجتهد في القيام بحق الله، ويصبر في حالي السرّاء والضرّاء.
قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر صبر أيوب عليه السلام، ودعاءه ربه وانقطاعه إليه، حتى كشف عنه الضرّ .. قفى على ذلك بذكر هؤلاء الأنبياء، الذين صبروا على ما أصابهم من المحن والشدائد.
قوله: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لمّا ذكر (2) صبر أولئك، الذين صبروا على المحن والشدائد .. بيّن هنا انقطاع زكريا إلى ربه، لمّا مسّه الضرّ بتفرده، وأحبَّ أن يكون معه من يؤنسه، ويقوّيه على أمر دينه ودنياه، ويقوم مقامه بعد موته، فدعا ربه دعاء مخلص عارف، بأنه قادر على ذلك، وأنه قد انتهت الحال به، وبزوجه من كبر، وغيره إلى اليأس من الولد على مجرى العادة.
قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
…
} الآيات: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لمَّا ذكر قصص
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
جمع من الأنبياء، كنوح وإبراهيم وإدريس وموسى وعيسى، وبيّن ما أوتوا من الشرائع والأحكام، على وجه الإجمال .. قفى على ذلك، ببيان أن لبّ الدين عند الله واحد، وأن جميع الأنبياء قد اتفقوا عليه، ولم يختلفوا فيه في عمر من العصور، وهو عبادة الله وحده، لا شريك له، وأنه هو القاهر فوق عباده، المالك لجميع السموات والأرض، لا يؤده حفظهما، وهو العلي العظيم، وإن اختلفوا في الرسوم والأشكال، بحسب اختلاف الأزمان والأمكنة، فعليكم أيها المسلمون، أن تحافظوا على وحدة دينكم، وأن لا تجعلوه عضين، وكأنه يقول لهم: عليكم أن لا تركنوا إلى خوارق العادات، كما رأيتم في قصص موسى، ولا تدعوا نظم الدولة، بل سوسوها كما كان يفعل داود وسليمان، ولا تذروا الصبر في جميع الأعمال، كما رأيتم في قصص أيوب ومن بعده.
قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر هول الموقف ودعاء المشركين على أنفسهم بالهلاك في هذا الحين، وشخوص أبصارهم من الحيرة والدهش، مما يشاهدون ويرون .. أردف هذا ذكر ما يؤول إليه أمرهم بعد الحساب، وأنهم يكونون هم ومعبوداتهم، من الأصنام والأوثان حطبًا للنار حين يردونها، وأنهم من شدة العذاب فيها يكون لهم أنين وزفير، حتى لا يسمع بعضهم أصوات بعض، لفظاعة ما هم فيه من العذاب، ثم أعقب ذلك بذكر حال السماء حينئذٍ، وأنها تطوى طيا، وكأنها لم تكن كما يطوي الكاتب الطومار الذي يكتب فيه، ويحوّل ذلك العالم المشاهد إلى عالم آخر، فيخلق الله أرضًا جديدة وكواكب جديدة، ويعيد الناس للحساب، وهو القادر على ذلك، فكما قدر على خلقه أول مرة، يعيده في حال أخرى، كما قال:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} .
قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أحوال كل من الكافرين والمؤمنين .. ذكر أن الدنيا ليست كالآخرة، فلا يرثها إلّا من كان قادرًا
على إصلاحها، والانتفاع بخيراتها، والاستفادة مما على ظاهرها وباطنها، فمن كان أحصف رأيًا، وأحكم فكرًا، ملكها وتسلط عليها، وجنى ثمارها، واهتدى إلى ما أودع فيها من الخير.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أورد الحجج والبراهين، لإقناع الكافرين بأن رسالة الرسول حق، حتى لم يبق في القوس منزع، وبلغ الغاية التي ليس بعدها غاية، وبيّن أن هذا الرسول رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين، وأن من اتبعه سلك سبيل الرشاد، ومن نأى عنه ضل وسار في طريق الغواية والعناد .. أردف ذلك ما يكون إعذارًا وإنذارًا في مجاهدتهم، والإقدام على مناوأتهم، بعد أن أعيته الحيل، وضاقت به السبل، ولم تغنهم الآيات والنذر، فتمادوا في غوايتهم، ولجّوا في عنادهم، وأصبح من العسير إقناعهم وهدايتهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
…
} الآيتين، سبب نزولهما: ما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} قال عبد الله بن الزبعري: أنا أخصم لكم محمدًا فقال: يا محمد، أليس فيما أنزل عليك {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}؟ قال:"نعم، فهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيرًا، وهذه بنو تميم تعبد الملائكة، فهؤلاء في النار" فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} . وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثق، وضعّفه جماعة.
وذكره الخطيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الآية، قال المشركون: فإن عيسى يُعبد، وعزير والشمس والقمر؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ