الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزائر. وقرأ أبو رجاء: القنع بغير ألف؛ أي: القانع فحذف الألف كالحذر والحاذر. وقرأ الحسن والمعترى اسم فاعل من اعترى، وهو بمعنى اعتر. وقرأ عمرو وإسماعيل {والمعترِ} بكسر الراء دون ياء، هكذا نقل ابن خالويه.
والمعنى: أي (1) فإذا سقطت وزهقت أرواحها، ولم يبق لها حركة، فكلوا منها، وأطعموا القانع المستغني بما يعطونه، وهو في بيته بلا مسألة. والمعتر الذي يتعرض لكم، ويأتي إليكم لتطعموه من لحمها.
وخلاصة ذلك: كلوا وأطعموا.
{كَذَلِكَ} ؛ أي: تسخيرًا مثل ذلك التسخير البديع، المفهوم من قوله: صواف {سَخَّرْنَاهَا} ، أي: سخرنا البدن وذللناها {لَكُمْ} ؛ أي: لمنافعكم مع كمال عظمها، ونهاية قوتها، فلا تستعصي عليكم حتى تأخذوها منقادةً، فصارت منقادة لكم إلى مواضع نحرها، فتعقلونها، وتحبسونها صافة قوائمها، ثم تطعنون في لباتها؛ أي: مناحرها من الصدور، ولولا تسخير الله لم تطق. ولم تكن أعجز من بعض الوحوش، التي هي أصغر منها جرمًا وأقل قوة، وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحصل عليها، والركوب على ظهرها، والحلب لها، ونحو ذلك.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ؛ أي: لكي تشكروا إنعامنا عليكم، بالتقرب والإخلاص في أعمالكم،
37
- ولما كان أهل الجاهلية ينضحون البيت؛ أي: الكعبة بدماء قرابينهم، ويشرحون اللحم ويضعونه حوله، زاعمين أن ذلك قربة، قال: نهيًا للمسلمين {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ} ؛ أي: لن يصعد إليه، ولن يبلغ ويدرك رضاه، ولا يكون مقبولًا عنده {لُحُومُهَا} المأكولة، والمتصدق بها {وَلَا دِمَاؤُهَا} المراقة بالنحر، من حيث إنها لحوم ودماء {وَلَكِنْ يَنَالُهُ} سبحانه {التَّقْوَى مِنْكُمْ} وهو قصد الائتمار، وطلب الرضى، والاحتراز عن الحرام والشبهة. وفيه دليل على أنه لا يفيد العمل بلا نية وإخلاص. والمعنى؛ أي: لن ينال رضا الله اللحوم المتصدق بها، ولا الدماء المراقة بالنحر، ولكن ترفع إليه الأعمال الصالحة،
(1) المراغي.
والإخلاص فيها بإرادة وجهه تعالى فحسب.
والخلاصة: لن يرضي اللَّهَ المضحون، والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء، إلا إذا أحسنوا النية، وأخلصوا له في أعمالهم، فإذا لم يراعوا ذلك، لم تُغْنِ عنهم التضحية، والتقرب بها شيئًا، وإن كثر ذلك. فقد جاء في الصحيح:"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
قال الزجاج (1): أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله، ووصل إليه، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم.
ثم كرر سبحانه التنبيه على عظم تسخيرها لافتاً أنظارهم إلى ما أوجب عليهم، بقوله:{كَذَلِكَ} ؛ أي: تسخيرًا مثل ذلك التسخير المذكور {سَخَّرَهَا} ؛ أي: سخر الله سبحانه البدن {لَكُمْ} ؛ أي: لأجل منافعكم، كرره للتذكير وللتعليل بقوله:{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} سبحانه؛ أي (2): لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره، فتوحدوه بالكبرياء {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} {عَلَى} متعلقة بـ {تكبروا} لتضمنه معنى الشكر. و {مَا} مصدرية؛ أي: لتشكروه على هدايته إياكم إلى معالم دينه، ومناسك حجه، فتقولوا: الله أكبر على ما هدانا، ولله الحمد على ما أولانا، أو موصولة؛ أي: لتشكروه على ما هداكم إليه، وأرشدكم من معالم دينه وقضاء نسكه، وذبح قرابينه.
والمراد قول الناحر (3): الله أكبر عند النحر، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها. وذكر هنا: التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير. وقيل: المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء، كما مرت الإشارة إليه آنفًا، ثم وعد من امتثل بقوله:{وَبَشِّرِ} يا محمد {الْمُحْسِنِينَ} ؛ أي:
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
(3)
الشوكاني.
المخلصين في كل ما يأتون، وما يذرون في أمور دينهم بالجنة، أو بقبول الطاعات. والمعنى؛ أي: وبشر أيها الرسول الذين أطاعوا الله، فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا، بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
قال ابن الشيخ (1): هم الذين يعبدون الله، كأنهم يرونه، يبتغون فضله، ورضوانه، لا يحملهم على ما يأتونه، وما يذرونه إلا هذا الابتغاء، وإمارة ذلك، أن لا يستثقل ولا يتبرم بشيء مما فعله، أو تركه، والمقصود منه، الحث والتحريض على استصحاب معنى الإحسان، في جميع أفعال الحج.
وقرأ مالك بن دينار والأعرج ويحيى بن يعمر وعاصم الجحدري وابن أبي عبلة ويعقوب والزعفراني (2): {لن تنال الله لحومها} بالتاء {ولكن تناله التقوى} بالتاء أيضًا. وقرأ زيد بن علي: {لحومها ولا دماءها} بالنصب {ولكن يناله} بضم الياء، فمن قرأ:{تناله التقوى} بالتاء، فإنه أنث للفظ التقوى، ومن قرأ {يناله} بالياء، فلأن التقوى والتقى واحدٌ. قال المفسرون (3): ومعنى الآية، لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، وإنا يرفع إليه التقوى، وهو ما أريد وجهه منكم؛ أي: لا يرفع نفس اللحم والدم، وإنما يرفع العمل الصالح، ومنه التصدق باللحم، فالتصدق من عمل العبد فيرفع إلى الله، وأما نفس اللحم المتصدَّق به فلا يرفع. والمعنى: أنه لا يثيبكم على لحمها، إلا إذا وقع موقعًا من وجوه الخير اهـ. شيخنا.
الإعراب
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط وزاد المسير.
(3)
زاد المسير.
{هَذَانِ خَصْمَانِ} : مبتدأ وخبر، والجملة معترضة، أو مستأنفة، مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر، كما سبق. {اخْتَصَمُوا} فعل وفاعل. {فِي رَبِّهِمْ} جار ومجرور متعلق بـ {اخْتَصَمُوا} ، والجملة الفعلية صفة لـ {خَصْمَانِ} ، ولك أن تجعل الجملة الفعلية خبرًا وخصمان بدلًا من هذان، وإنما قال:{خَصْمَانِ} ثم جمع الفعل؛ لأن الخصم في الأصل مصدر، ولذلك يوحد ويذكر غالبًا، ويجوز أن يثنى ويجمع، أو الجمع مراعاة للمعنى؛ لأن المتخاصمين كانوا فرقًا شتى، وطوائف كثيرة. {فَالَّذِينَ كَفَرُوا}. الفاء: حرف عطف وتفصيل، {الذين} مبتدأ {كَفَرُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {قُطِّعَتْ} فعل ماض مغير الصيغة. {لَهُمْ} متعلق به. {ثِيَابٌ} نائب فاعل. {مِنْ نَارٍ}: جار ومجرور صفة {ثِيَابٌ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر، معطوفة على جملة {هَذَانِ خَصْمَانِ} عطف مفصل على مجمل. ويحتمل أن تكون الفاء: في قوله: {فَالَّذِينَ} فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أن الله سبحانه، يفصل بين أولئك الفرق، أعني قوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الخ. وأردت بيان كيفية الفصل بينهم، فأقول، لك: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من إلخ. والجملة من المبتدأ والخبر على هذا الوجه، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة معطوفة على جملة {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} ، وجملة {هَذَانِ خَصْمَانِ} معترضة، أو مستأنفة، مسوقة لبيان كيفية الفصل. {يُصَبُّ} فعل مضارع مغير الصيغة. {مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُصَبُّ} . {الْحَمِيمُ} نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان لاسم الموصول، أو حال من الضمير في {لَهُمْ} ، أو مستأنفة. {يُصْهَرُ}: فعل مضارع مبني للمجهول. {بِهِ} متعلق بـ {يُصْهَرُ} . {مَا} : اسم موصول في محل الرفع، نائب فاعل ليصهر. {فِي بُطُونِهِمْ} جار ومجرور صلة الموصول. {وَالْجُلُودُ} معطوف على {مَا} الموصولة، وتأخيره إما لمراعاة الفواصل، أو للإشعار بغاية شدة الحرارة، بإيهام أن تأثيرها في الباطن أقوى من تأثيرها في الظاهر، مع أن ملابستها بالعكس اهـ. كرخي. وجملة {يُصْهَرُ} في محل النصب حال من الحميم. واختار بعضهم أن يكون {الجلود} مرفوعًا بفعل
مقدر؛ أي: وتحرق الجلود. قالوا: لأن الجلود لا تذاب وإنما تنقبض إذا صليت بالنار، فهو من باب علفتها تبنًا وماءًا باردًا؛ أي: وسقيتها ماء باردًا؛ لأن الماء لا يكون علفًا. {وَلَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم. {مَقَامِعُ} مبتدأ مأخر. {مِنْ حَدِيدٍ} صفة لـ {مَقَامِعُ} . والجملة الاسمية في محل النصب، حال من ضمير {بُطُونِهِمْ} ، هذا إن قلنا: إن الضمير في {لهم} : عائد إلى الكفرة، وإن قلنا: إنه عائد على الزبانية، فالجملة مستأنفة، ولم يتقدم لهم ذكر، ولكن سياق الكلام يدل عليه.
{كُلَّمَا} : اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على السكون، والظرف متعلق بالجواب. {أَرَادُوا}: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {كُلَّمَا} ، لا محل لها من الإعراب. {أَنْ يَخْرُجُوا} ناصب وفعل وفاعل. {مِنْهَا} متعلق بـ {يَخْرُجُوا} ، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية، في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: كلما أرادوا الخروج منها. {مِنْ غَمٍّ} : جار ومجرور بدل من الجار والمجرور قبله، بدل اشتمال؛ لأنها تشمل عليه. ويجوز أن تكون من للتعليل، فتتعلق بـ {يَخْرُجُوا} أيضًا؛ أي: أن يخرجوا من النار، لأجل الغم الذي لحق بهم. {أُعِيدُوا}: فعل ماض ونائب فاعل. {فِيهَا} متعلق به، والجملة الفعلية جواب كلما، لا محل لها من الإعراب، وجملة {كُلَّمَا} مستأنفة مسوقة لبيان حالهم في النار. {وَذُوقُوا}: فعل أمر وفاعل. {عَذَابَ الْحَرِيقِ} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق، والقول المحذوف معطوف على {أُعِيدُوا} .
{إِنَّ} : حرف نصب {اللَّهَ} اسمها. {يُدْخِلُ الَّذِينَ} فعل ومفعول
وفاعله ضمير يعود على الله: والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة إن مستأنفة معطوفة في المعنى على جملة قوله:{فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ} : {آمَنُوا} فعل وفاعل صلة الموصول {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {آمَنُوا}. {جَنَّاتٍ}: مفعول به ليدخل على التوسع. {تَجْرِي} فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} متعلق بـ {تَجْرِي} . {الْأَنْهَارُ} فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب، صفة لـ {جَنَّاتٍ} ، ولكنها سببية. {يُحَلَّوْنَ}: فعل ونائب فاعل. والجملة الفعلية في محل النصب حال من {الَّذِينَ} . {فِيهَا} متعلق بـ {يُحَلَّوْنَ} . {مِنْ} : زائدة {أَسَاوِرَ} مفعول ثان لـ {يُحَلَّوْنَ} ، منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة، النائبة عن الكسرة المجلوبة، لحركة حرف جر زائد؛ لأنه اسم لا ينصرف لصيغة منتهى الجموع. وفي "الفتوحات" قوله:{مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} في {مِنْ} الأولى ثلاثة أوجه، أحدها: إنها زائدة، كما تقدم، والثاني: إنها للتبعيض؛ أي: بعض أساور، والثالث: إنها لبيان الجنس. و {مِنْ} : في {مِنْ ذَهَبٍ} لابتداء لغاية نعت {أَسَاوِرَ} ؛ أي: أساور كائنة من ذهب. والأقرب أن يكون {مِنْ أَسَاوِرَ} نعتا لمفعول محذوف؛ أي: حليًا ناشئاً من أساور كائنة من ذهب. {وَلُؤْلُؤًا} معطوف على محل من أساور؛ لأن محلها النصب. كذا قال المعربون. وجعله الزمخشري منصوبًا بفعل محذوف، تقديره: ويؤتون لؤلؤًا. {وَلِبَاسُهُمْ} مبتدأ. {فِيهَا} حال من ضمير {لباسهم} . {حَرِيرٌ} خبر، والجملة الاسمية في محل النصب. معطوفة على جملة {يُحَلَّوْنَ} . وفي هذا العدول عن الفعلية إلى الاسمية، دلالة على الديمومة، حيث لم يقل: ويلبسون حريرًا، فقد دل على أن الحرير ثيابهم المعتادة، والدائمة في الجنة، كما أن فيه رعاية للمحافظة على الفواصل؛ لأنه لو قال: ويلبسون حريرًا لكان في آخر الفاصلة الألف في الكتابة، والوقف بخلاف البقية.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
{وَهُدُوا} : {الواو} : عاطفة. {هدوا} . فعل ونائب فاعل، معطوف على
{يُحَلَّوْنَ} . {إِلَى الطَّيِّبِ} . متعلق به. {مِنَ الْقَوْلِ} : حال من الطيب، أو حال من الضمير المستكن فيه. و {مِنَ} للتبعيض، أو للبيان اهـ "سمين". {وَهُدُوا} فعل ونائب فاعل معطوف على ما قبله. {إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} متعلق به.
{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب، واسمه {كَفَرُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {وَيَصُدُّونَ} فعل وفاعل، معطوف على {كَفَرُوا} على تأويله بالماضي لعطفه على الماضي. {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} متعلق بـ {وَيَصُدُّونَ}. {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}: معطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ} ، وخبر {إِنَّ} محذوف، تقديره: خسروا، أو هلكوا، وقدره الزمخشري {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} . وجملة {إِنَّ} مستأنفة معطوفة في المعنى على جملة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} . {الَّذِي} اسم موصول في محل الجر، صفة ثانية لـ {المسجد}. {جَعَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة صلة الموصول. {لِلنَّاسِ} جار ومجرور حال من الضمير المستكن في {سَوَاءً} ؛ لأنه كان صفة وتقدم، {سَوَاءً}: بالنصب مفعول ثان لـ {جعلنا} ، إن جعلناه متعدياً لاثنين، وإن كانت متعدية لواحد، أعربت سواءً حالًا من هاء {جَعَلْنَاهُ}. {الْعَاكِفُ} فاعل لـ {سَوَاءً}: لأنه مصدر بمعنى مستو. {فِيهِ} متعلق بـ {الْعَاكِفُ} : أو بـ {سَوَاءً} . {وَالْبَادِ} : معطوف على {الْعَاكِفُ} . مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة، تبعًا لرسم المصحف العثماني، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص. وقد انفرد حفص بقراءة النصب في {سَوَاءً} . والجمهور على رفعها، على أنه خبر مقدم، و {الْعَاكِفُ} و {وَالْبَادِ} مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مفعول ثان لـ {جعلنا} ، أو حال من هاء {جَعَلْنَاهُ}. {وَمَنْ} {الواو}: استئنافية {من} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يُرِدْ} فعل مضارع مجزوم بـ {مَن} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على من. {فِيهِ} متعلق بـ {يُرِدْ}. {بِإِلْحَادٍ}. الباء: زائدة {إلحاد} مفعول به. {بِظُلْمٍ} جار ومجرور حال من فاعل {يُرِدْ} ، أو
متعلق {بِإِلْحَادٍ} ؛ أي: ومن يرد فيه إلحادًا، حالة كونه ملتبسًا بظلم، أو إلحادًا بظلم. {نُذِقْهُ} فعل ومفعول، مجزوم بـ {مِنْ} على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على الله، تقديره نحن. {مِنْ عَذَابٍ}: متعلق بـ {نُذِقْهُ} . {أَلِيمٍ} صفة لـ {عَذَابٍ} . وجملة {مَن} الشرطية مستأنفة. وقيل: مفعول يرد محذوف، ليتناول كل ما يمكن تناوله. و {بِإِلْحَادٍ} حال من فاعل {يُرِدْ}. و {بِظُلْمٍ} حال أيضًا. فهما حالان مترادفتان؛ كأنه قال: ومن يرد فيه مرادًا عادلًا عن القصد ظالمًا. وهذا أولى من تقدير زيادة الباء، في إلحاد وجعله هو المفعول.
{وَإِذْ} : {الواو} : استئنافية. {إذ} : ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف، تقديره: واذكروا إذ بوأنا، الجملة المحذوفة مستأنفة. {بَوَّأْنَا} فعل وفاعل. {لِإِبْرَاهِيمَ}: متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} . {مَكَانَ الْبَيْتِ} مفعول {بَوَّأْنَا} ، واختار أبو البقاء، وغيره، أن تكون اللام: زائدة؛ أي: أنزلناه مكان البيت، والدليل عليه قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وأما على القول الأول، فيكون معنى {بَوَّأْنَا} هيأنا. {أَنْ} زائدة. {لَا}: ناهية جازمة {تُشْرِكْ} فعل مضارع مجزوم بـ {لَا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. {بِي} متعلق بـ {تُشْرِكْ} {شَيْئًا} مفعول به لـ {تُشْرِكْ} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: قائلين له لا تشرك بي شيئًا، ويصح أن تكون {أَنْ} مفسرة، لوقوعها بعد قول مقدر؛ أي: قائلين أن لا تشرك. {وَطَهِّرْ} : فعل وفاعل مستتر يعود على {إبراهيم} . {بَيْتِيَ} مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {لَا تُشْرِكْ} . {لِلطَّائِفِينَ} متعلق بـ {طهر} . {وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ} معطوفان على {الطائفين} . {السُّجُودِ} صفة لـ {الركع} . والأولى أن تجعل الكلمتان، بمثابة الكلمة الواحدة؛ لأنهما عملان في عمل واحد، وهو الصلاة. {وَأَذِّنْ} فعل أمر، وفاعله ضمير
يعود على {إبراهيم} ، والجملة معطوفة على جملة {طهر}. {فِي النَّاسِ} متعلق بـ {وَأَذِّنْ}. {بِالْحَجِّ} متعلق بمحذوف حال من فاعل {وَأَذِّنْ}؛ أي: حالة كونك معلناً بالحج. {يَأْتُوكَ} : فعل وفاعل ومفعول به، مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذف النون. {رِجَالًا}: حال من فاعل {يَأْتُوكَ} ؛ أي: مشاة. {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف، معطوف على {رِجَالًا}؛ أي: مشاة وركبانا على كل ضامر. {يَأْتِينَ} : فعل مضارع مبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، ونون الإناث في محل الرفع فاعل، وجملة {يَأْتِينَ} في محل الجر صفة لـ {كُلِّ ضَامِرٍ}؛ لأنه في معنى الجمع؛ أي: على كل ضوامر آتيات. {مِنْ كُلِّ فَجٍّ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَأْتِينَ} . {عَمِيقٍ} صفة لـ {فَجٍّ} .
{لِيَشْهَدُوا} : {اللام} : حرف جر وتعليل {يشهدوا} . فعل مضارع منصوب بـ {أن} مضمرة بعد (لام كي). و {الواو} فاعل. {مَنَافِعَ} مفعول به {لَهُمْ} صفة لـ {مَنَافِعَ} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لشهودهم منافع لهم، الجار والمجرور متعلق بـ {يَأْتُوكَ} {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} فعل وفاعل ومفعول به. معطوف على {يشهدوا}. {فِي أَيَّامٍ}: متعلق بـ {يذكروا} . {مَعْلُومَاتٍ} صفة لـ {أَيَّامٍ} . {رَزَقَهُمْ} صفة لـ {أَيَّامٍ} {عَلَى مَا} : جار ومجرور متعلق بـ {يذكروا} أيضًا، وعلى تعليلة هنا. {رَزَقَهُمْ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة الموصول من {مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} ، متعلق بـ {رَزَقَهُمْ}. {فَكُلُوا} الفاء: عاطفة على محذوف، تقديره: فاذكروا اسم الله على ضحاياكم، عند ذبحها فكلوا منها {كلوا}: فعل وفاعل معطوف على تلك الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة مستأنفة، ويصح أن تكون الفاء: للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنكم تذكرون اسم الله عليها، وعرفتم بيان ما تفعلون بها بعد الذبح ..
فأقول لكم كلوا منها إلخ: وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {مِنْهَا} : متعلق بـ {كلوا} . {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {كلوا} . {الْفَقِيرَ} صفة لـ {الْبَائِسَ} .
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} .
{ثُمَّ} : حرف عطف. {لْيَقْضُوا} اللام، لام الأمر. {يقضوا} . فعل وفاعل مجزوم بلام الأمر. {تَفَثَهُمْ} مفعول به. والجملة معطوفة على جملة {يذكروا} . {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، مجزوم بلام الأمر، معطوف على {يقضوا} . {وَلْيَطَّوَّفُوا} فعل وفاعل مجزوم بلام الأمر، معطوف على {يقضوا} أيضًا {بِالْبَيْتِ}: متعلق بـ {يطوفوا} . {الْعَتِيقِ} صفة لـ {البيت} .
{ذَلِكَ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الأمر والشأن ذلك المذكور، أو مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: ذلك الأمر الذي ذكرته. وقيل: في موضع نصب بمحذوف، تقديره: امتثلوا ذلك. وعلى كل التقادير فالجملة مستأنفة. وهذا مثل فعل من يكتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر، يقول: هذا وقد كان كذا، وفائدة هذا، أنه يذكر للفصل بين كلامين، أو بين وجهي كلام واحد. {وَمَنْ يُعَظِّمْ} الواو استئنافية:{مَن} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ: والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ}: فعل ومفعول وفاعل مستتر، يعود على {مَن} مجزوم بـ {من} على كونه فعل شرط لها:{فَهُوَ} الفاء: رابطة لجواب {مَن} الشرطية وجوبًا، {هُوَ خَيْرٌ}: مبتدأ وخبر. {لَهُ} متعلق بـ {خَيْرٌ} . {عِنْدَ رَبِّهِ} ظرف متعلق بمحذوف، حال من الضمير المستكن في خير؛ أي: حال كونه مدخرًا له عند
ربه. والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها جوابًا لها وجملة من الشرطية مستأنفة. {وَأُحِلَّتْ} الواو استئنافية، أو عاطفة {أحلت} فعل ماض مغير الصيغة. {لَكُمُ} متعلق به. {الْأَنْعَامُ} نائب فاعل، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على الجملة التي قبلها {إِلَّا} أداة استثناء. {مَا}: اسم موصول في محل النصب على الاستثناء. {يُتْلَى} فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {ما}. {عَلَيْكُمْ} متعلق بـ {يُتْلَى} والجملة صلة الموصول {فَاجْتَنِبُوا} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا عرفتم أن تعظيم حرمات الله خير لمن عظمها، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم؟ فأقول لكم اجتنبوا الرجس. {اجتنبوا الرجس} فعل وفاعل ومفعول. {مِنَ الْأَوْثَانِ} حال من {الرِّجْسَ} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة. وجملة إذا المقدرة مستأنفة، وقيل الفاء تفريع على قوله:{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} . {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} : فعل وفاعل ومفعول، ومضاف إليه معطوف على {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} .
{حُنَفَاءَ} : حال مؤسسة من ضمير {اجتنبوا} . {لِلَّهِ} متعلق بـ {حُنَفَاءَ} {غَيْرَ مُشْرِكِينَ} : حال مؤكدة منه. {بِهِ} متعلق بـ {مُشْرِكِينَ} . {وَمَنْ يُشْرِكْ} الواو استئنافية. {مَن} اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يُشْرِكْ} فعل مضارع مجزوم بـ {مَن} ، على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على من. {بِاللَّهِ} متعلق بـ {يُشْرِكْ} . {فَكَأَنَّمَا} الفاء رابطة الجواب جوازًا. {كأن} حرف نصب وتشبيه، ولكن بطل عملها لدخول ما الكافة عليها. {مَا} كافة لكفها ما قبلها عن العمل فيما بعدها. {خَرَّ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَن} . {مِنَ السَّمَاءِ} متعلق بـ {خَرَّ} ، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية مستأنفة مسوقة لضرب المثل لمن يشرك بالله.
{فَتَخْطَفُهُ} الفاء: عاطفة. {تخطفه الطير} فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم معطوف على خرَّ: {أَوْ} حرف عطف وتنويع. {تَهْوِي} فعل مضارع معطوف على تخطف. {بِهِ} متعلق بـ {تَهْوِي} . {الرِّيحُ} : فاعل. {فِي مَكَانٍ} متعلق بـ {تَهْوِي} . {سَحِيقٍ} صفة لـ {مَكَانٍ} .
{ذَلِكَ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الأمر والشأن، ذلك المذكور السابق، والجملة مستأنفة، وهو نظير ما سبق في أوجه الإعراب السابقة وفي فائدته. {وَمَنْ يُعَظِّمْ} الواو استئنافية. {مَن} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يُعَظِّمْ} فعل مضارع مجزوم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَن}. {شَعَائِرَ اللَّهِ}: مفعول به، ومضاف إليه. {فَإِنَّهَا} الفاء رابطة الجواب وجوبًا. {إن} حرف نصب، والهاء اسمها {مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها جوابًا لها. والعائد على {من} محذوف، تقديره منهم أو منه، نظرًا للفظ {من} ، ومن جوز إقامة ألْ مقام الضمير، وهم الكوفيون أجاز ذلك هنا، والتقدير من تقوى قلوبهم، وجملة {من} الشرطية مستأنفة. {لَكُمْ} خبر مقدم. {فِيهَا} حال من الضمير المستكن في الخبر. {مَنَافِعُ} مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، أو حال من ضمير فإنها. {إِلَى أَجَلٍ}: جار ومجرور صفة لـ {مَنَافِعُ} . {مُسَمًّى} صفة لِـ {أَجَلٍ} . {ثُمَّ} حرف عطف وتراخ. {مَحِلُّهَا} مبتدأ. {إِلَى الْبَيْتِ} خبر. {الْعَتِيقِ} صفة لـ {البيت} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} . {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} الواو استئنافية. {لكل أمة} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بمحذوف مفعول ثان، لـ {جَعَلْنَا} مقدم عليه. {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتقرير التشريع الخاص بكل أمة، ونوع التعبد الذي يتقربون به إلى الله.
{لِيَذْكُرُوا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. {اسْمَ اللَّهِ} مفعول به {عَلَى مَا} جار ومجرور متعلق بـ {يذكروا} . {رَزَقَهُمْ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله. {مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} متعلق بـ {رَزَقَهُمْ} ، وجملة {رَزَقَهُمْ} صلة لـ {مَا} الموصولة، وجملة {يذكروا} مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لذكرهم اسم الله. الجار والمجرور متعلق بـ {جَعَلْنَا} . {فَإِلَهُكُمْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنا جاعلون منسكًا لكل أمة، وأردتم بيان إلهكم، فأقول لكم إلهكم إله واحد. {إلهكم} مبتدأ. {إِلَهٌ} خبره. {وَاحِدٌ} صفة إله، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {فَلَهُ} ، الفاء: حرف عطف وتفريع، ويصح كونها فصيحة كما مر في مبحث التفسير. {له}: جار ومجرور متعلق بـ {أَسْلِمُوا} . {أَسْلِمُوا} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {إلهكم} . {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة {أَسْلِمُوا} .
{الَّذِينَ} : اسم موصول في محل النصب صفة لـ {الْمُخْبِتِينَ} ، أو بدل منه. {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان. {ذُكِرَ اللَّهُ} فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب. {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فعل وفاعل. والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة إذا صلة الموصول، والعائد ضمير قلوبهم. {وَالصَّابِرِينَ} معطوف على الموصول. {عَلَى مَا}: جار ومجرور متعلق بـ {الصابرين} . {أَصَابَهُمْ} . فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة صلة {مَا} الموصولة. {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} معطوف على الموصول أيضًا. {الصَّلَاةِ}: مضاف
إليه وحذفت النون فيه للإضافة. {وَمِمَّا} . جار ومجرور متعلق بـ {يُنْفِقُونَ} . {رَزَقْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة صلة {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره ومما رزقناهموه. {يُنْفِقُونَ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة إذا، على كونها صلة الذين؛ أي: الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وينفقون مما رزقناهم.
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} .
{وَالْبُدْنَ} : {الواو} استئنافية. {وَالْبُدْنَ} مفعول لفعل محذوف وجوبًا. يفسره المذكور بعده، على سبيل الاشتغال، تقديره: وجعلنا البدن جعلنا فعل وفاعل، البدن مفعوله، والجملة مستأنفة. {جَعَلْنَاهَا} فعل وفاعل ومفعول أول. {لَكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {جَعَلْنَاهَا}. {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه في محل المفعول الثاني لـ {جَعَلْنَاهَا} التي هي بمعنى التصيير، والجملة الفعلية جملة مفسرة للمحذوف، لا محل لها من الإعراب. {لَكُمْ} خبر مقدم. {فِيهَا}: حال من الضمير المستكن في الخبر. {خَيْرٌ} مبتدأ مؤخر؛ والجملة في محل النصب حال إما من هاء جعلناها، وإما من شعائر الله. وهذان مبنيان على أن الضمير في فيها، هل هو عائد على البدن، أو على شعائر؟ والأول قول الجمهور. اهـ "سمين".
{فَاذْكُرُوا} : الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن البدن من شعائر الله، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: اذكروا اسم الله. {اذكروا اسم الله} فعل وفاعل ومفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {عَلَيْهَا}: متعلق بـ {اذكروا} . {صَوَافَّ} حال من الهاء في عليها، ولم ينون؛ لأنه اسم لا ينصرف؛ لأنه على صيغة منتهى المجموع. {فَإِذَا وَجَبَتْ} الفاء:
فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنكم تذكرون اسم الله عليها، عند الذبح، وأردتم بيان ما تفعلون بها بعد الذبح، فأقول لكم:{إذا وجبت} : {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب. {فَكُلُوا} الفاء: رابطة لجواب {إذا} . {كلوا} : فعل وفاعل. {مِنْهَا} : متعلق به، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {كلوا}. {وَالْمُعْتَرَّ}: معطوف على {كلوا} . {كَذَلِكَ} جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. {سَخَّرْنَاهَا} : فعل وفاعل ومفعول به. {لَكُمْ} متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة، والتقدير سخرناها لكم تسخيرًا، مثل ذلك التسخير البديع، المفهوم من قوله:{صَوَافَّ} كما يفهم من "أبي السعود". {لَعَلَّكُمْ} ناصب واسمه. وجملة {تَشْكُرُونَ} خبره، والجملة في محل الجر بلام التعليل المقدرة؛ أي: وسخرناها لكم لكي تشكرونا على ذلك التسخير البديع.
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا} : ناصب وفعل ومفعول وفاعل. والجملة مستأنفة. {وَلَا دِمَاؤُهَا} : معطوف على لحومها. {وَلَكِنْ} الواو عاطفة. {لكن} حرف استدراك. {يَنَالُهُ التَّقْوَى} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة الاستدراكية معطوفة على جملة {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ}. {مِنْكُمْ}: حال من {التَّقْوَى} . {كَذَلِكَ} : صفة لمصدر محذوف. {سَخَّرَهَا} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله. {لَكُمْ} متعلق بـ {سَخَّرَهَا} ، والجملة مستأنفة، والتقدير: سخرها الله سبحانه لكم، تسخيرًا، مثل ذلك التسخير المذكور. {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} اللام: حرف جر وتعليل {تكبروا الله} فعل وفاعل ومفعول به، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره لتكبيركم إياه، الجار والمجرور متعلق بسخرها. {عَلَى} حرف جر. {مَا} مصدرية، أو
موصولة {هَدَاكُمْ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله: والجملة صلة {مَا} المصدرية، تقديره: على الذي هداكم إليه، والجار والمجرور متعلق بـ {تكبروا} . {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} فعل وفاعل مستتر يعود على محمد، ومفعول به، والجملة مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{هَذَانِ خَصْمَانِ} واحده خصم، وهو من له رأي غير رأيك في موضوع ما، وكل منهما يحاج صاحبه فيه. وفي "السمين" الخصم في الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبًا، وعليه قوله تعالى:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} ويجوز أن يثنى ويؤنث، وعليه هذه الآية. ولما كان كل خصم فريقًا يجمع طوائف، قال: اختصموا بصيغة الجمع، كقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فالجمع مراعاة للمعنى.
{قُطِّعَتْ لَهُمْ} ؛ أي: قدرت لهم على قدر جثثهم؛ لأن الثياب الجدد تقطع وتفصل على مقدار بدن من يلبسها، فالتقطيع مجاز عن التقدير بذكر المسبب، وهو التقطيع. وإرادة السبب وهو التقدير والتخمين، كما سيأتي في مبحث البلاغة. {الْحَمِيمُ}: قال الراغب: الحميم، الشديد الحرارة، وسمي العرق حميمًا على التشبيه، واستحم الفرس إذا عرق، وسمي الحمام حمامًا، إما لأنه يعرق، وإما لما في من الماء الحار، وسميت الحمى بذلك، إما لما فيها من الحرارة المفرطة، وإما لما يعرض فيها من الحميم؛ أي: العرق، وإما لكونها من إمارات الحمام؛ أي: الموت.
{يُصْهَرُ بِهِ} ؛ أي: بذلك الحميم من فرط الحرارة، يقال: صهرت الشيء فانصهر؛ أي: أذبته فذاب فهو صهير. والصهر إذابة الشيء، والصهارة ما ذاب منه، يقال: صهرت الشحم من باب قطع إذا أذبته، والصهارة الألية المذابة، وصهرته الشمس أذابته. {مَقَامِعُ} جمع مقمعة بكسر الميم، وهي آلة القمع، يقال: قمعه يقمعه من باب قطع إذا ضربه بشيء يزجره ويذله. والمقمعة المطرقة،
وقيل: السوط اهـ. "سمين". {مِنْ غَمٍّ} والغم الحزن الشديد. {عَذَابَ الْحَرِيقِ} من إضافة الموصوف إلى صفته،؛ أي: العذاب المحرق؛ أي: البالغ نهاية الإحراق؛ لأن فعيلا بمعنى مُفْعِل من صيغ المبالغة اهـ. شيخنا. {الْأَنْهَارُ} جمع نهر بفتحتين، وأما نهر بسكون ثانيه، فجمعه أنهر بوزن أفعل كأفلس. {يُحَلَّوْنَ} الجمهور على ضم الياء وفتح اللام، مشددة من حلاه تحلية إذا ألبسه الحلي. {مِنْ أَسَاوِرَ} جمع أسورة جمع سوار، اهـ. "بيضاوي".
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} والمراد به مكة، وعبر به عنها؛ لأنه المقصود المهم منها {بِإِلْحَادٍ} وفي "المختار" ألحد في دين الله؛ أي: حاد عنه وعدل، ولحد من باب قطع لغة فيه، وألحد الرجل ظلم في الحرم.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ} يقال: بوأه منزلا: أي: أنزله فيه. {مَكَانَ الْبَيْتِ} وأصل البيت مأوى الإنسان بالليل، ثم أطلق على كل مأوى متخذ من حجر، أو مدر، أو صوف، أو وبر، والمراد به هنا الكعبة، وقد بنيت عدة مرات في أوقات مختلفة.
{رِجَالًا} ؛ أي: مشاة على أرجلهم، جمع راجل، كقيام جمع قائم، قال الراغب: اشتق من الرجل رجل وراجل للماشي، يقال رجل يرجل بفتح الجيم رجلًا بفتحتين سار على رجليه لا راكبًا، ويقال هذا رجل؛ أي: كامل في الرجال بين الرجولية والرجولية. {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} ؛ أي: وركبانًا على كل بعير ضامر؛ أي: مهزول، يقال ضمر الفرس والبعير من باب دخل إذا أتعبه بعد السفر فهزل، قال الراغب: الضامر من الفرس: الخفيف اللحم من الأصل لا من الهزال، وتضمير الفرس أيضًا، أن تعلفه حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت، وذلك في أربعين يومًا. {مِنْ كُلِّ فَجٍّ} والفج بفتح الفاء: الطريق الواسع، قال الراغب: الفج طريق يكتنفها جبلان، ويجمع على فجاج بكسر الفاء، والفجاج بضم الفاء: الطريق الواسع الواضح بين الجبلين. {عَمِيقٍ} بعيد، وأصل العمق البعد سفلًا، يقال بئر عميق إذا كانت بعيدة القعر. {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}؛ أي: أوساخهم، وقضاء التفث، المراد به قص الأظافر، ونتف الإبط قال الراغب: أصل التفث،
وسخ الظفر وغيره، مما شأنه أن يزال عن البدن، كطول الظفر وفي المصباح تفث تفثًا فهو تفث، مثل تعب تعبًا. فهو تعب إذا ترك الادهان والاستحداد فعلاه الوسخ وحكى قطرب: تفث الرجل إذا كثر وسخه في سفره، ومعنى ليقضوا ليصنعوا ما يصنعه المحرم من إزالة شعر وشعث ونحوهما عند حله.
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} يقال وفي بعهده، وأوفى إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه، كما دل عليه الغدر، وهو الترك. {والنذور} أن توجب على نفسك ما ليس بواجب، والمراد بالنذور ما نذروه من أعمال البر في أيام الحج، فإن الرجل إذا حج واعتمر، فقد يوجب على نفسه من الهدى وغيره. ما لولا إيجابه لم يكن الحج تقتضيه، وإن كان على الرجل نذور مطلقة، فالأفضل أن يتصدق بها على أهل مكة.
{حُرُمَاتِ اللَّهِ} الحرمات بضمتين، ويقال في الجمع أيضًا حرمات بضم ففتح، وحرم بضم ففتح، جمع حرمة بضم فسكون، وحرمة بضمتين وحرمة بضم ففتح، وهي الذمة والمهابة، وما وجب القيام به من حقوق الله، والتكاليف الدينية من مناسك الحج وغيرها. وتعظيمها العلم بوجوبها، والعمل على موجب ذلك. {الرِّجْسَ} بتشديد الراء المكسورة وسكون الجيم، والرجس بتشديد الراء المفتوحة وفتح الجيم، والرجس بتشديد الراء المفتوحة وكسر الجيم القذر والأوساخ، وسمى الأوثان رجسًا على طريق التشبيه؛ لأنها قذر معنوي. {الزُّورِ} الشرك بالله والباطل والكذب، ومن معانيه العقل والقوة، يقال ماله زور ولا صيور؛ أي: لا قوة له ولا مرجع إليه، وهو من الزور، أو الإزورار وهو الانحراف. {فَتَخْطَفُهُ} في "القاموس" خطف يخطف من باب تعب، خطفًا خطف الشيء إذا استلبه بسرعة، وخطف البرق البصر ذهب به بسرعة.
{شَعَائِرَ اللَّهِ} جمع شعيرة، أو شعارة بالكسر بوزن قلادة، وفي "المصباح" والشعائر أعلام الحج وأفعاله، الواحدة شعيرة أو شعارة بالكسر، والمشاعر مواضع المناسك، والمراد بها الهدايا من الإبل وغيرها، وتعظيمها أن تختار حسانًا سمانًا غالية الأثمان. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو أن تنحر وتذبح. و {مَحِلُّهَا} مكان نحرها.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} بفتح السين وكسرها، فالفتح على أنها مصدر ميمي، والكسر على أنها اسم مكان، وفي "المصباح" نسك الله، ينسك، من باب قتل تطوع بقربة، والنسك بضمتين اسم منه وفي التنزيل {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} والمَنْسك بفتح السين وكسرها يكون زمانًا ومصدرًا ويكون اسم المكان الذي تذبح فيه النسيكة، وهي الذبيحة وزنا، ومعنى، ومناسك الحج عباداته، وقيل مواضع العبادات، وفي "القاموس" المنسك بفتح السين المكان المألوف، والمنسك بالفتح أيضًا مصدر نسك، والمنسك بالكسر شرعة النسك وموضع تذبح فيه النسيكة اهـ.
{بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سمَّاها بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، وقيد بالأنعام لأن ما سواها لا يجوز ذبحه في القرابين، وإن جاز أكله اهـ "خازن". وفي "القاموس" البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حي لا يميز، والجمع بهائم. والأبهم الأعجم، واستبهم استعجم فلم يقدر على الكلام اهـ.
{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} ؛ أي: المطيعين المتواضعين، وهذا أصل معناه؛ لأن الإخبات نزول الخبت، وهو المكان المنخفص، وهو من أخبت الرجل إذا سار في الخبت، وهو المطمئن من الأرض. وفي "القاموس" الخبت المتسع من بطون الأرض، والجمع أخبات وخبوت اهـ.
{وَالْبُدْنَ} بضم الباء جمع بدنة، سميت بذلك لعظم بدنها، وهي خاصة بالإبل، كما قال الأزهري، أو هي تشمل الإبل والبقر، كما قال صاحب "الصحاح" قال القسطلاني: البدن عند الشافعي خاصة بالإبل، وعند أبي حنيفة من الإبل والبقر، فكلام الشافعية موافق لكلام الأزهري، وكلام الحنفية موافق لكلام "الصحاح". وأما الهدي فيشمل الإبل والبقر والغنم.
{صَوَافَّ} ؛ أي: قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، جمع صافةٍ، وقرىء {صوافن} من صفن الفرس. إذا قام على ثلاث، وينصب الرابعة على طرف سنبكه؛ لأن البدنة تعقل إحدى يديها.
{وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} وجوب الجنوب وقوعها على الأرض. من وجب الحائط وجبة إذا سقط، ووجبت الشمس وجبة إذا غربت. قال أبو تمام:
فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ مِنْ ذَا وَقَدْ غَرَبَتْ
…
وَالشَّمْسُ وَاجِبَةٌ مِنْ ذَا وَلَمْ تَجِبِ
ومنه الواجب الشرعي، كأنه سقط علينا ولزمنا اهـ "سمين". وهذا كناية عن الموت وزهوق الروح وفقدان الحركة. وجمع الجنوب مع أن البحر إذا خر، يسقط على أحد جنبيه؛ لأن ذلك الجمع في مقابلة جمع البدن اهـ. شيخنا.
{الْقَانِعَ} ؛ أي: الراضي بما عنده وبما يعطي من غير مسألة قال لبيد:
فَمِنْهُمْ سَعِيْدٌ آخِذٌ بِنَصِيْبِهِ
…
وَمِنْهُمْ شَقِىٌّ بِالْمَعِيْشَةِ قَانِعُ
وقيل: القانع السائل المتذلل، والخارج من مكان إلى مكان، وخادم القوم، وأجيرهم والجمع قانعون وقنعٌ، يقال قنع يقنع من باب تعب تعبًا قنعًا وقناعة وقنعانا إذا رضي بما قسم له، وقنع يقنع من باب قنع قنوعًا سأل وتذلل. وفي "الأساس" و"اللسان" العز في القناعة والذل في القنوع، وهو السؤال.
{وَالْمُعْتَرَّ} : المعترض بسؤال، وعره وعراه بمعنى واحد، وقيل: القانع: السائل، والمعتر: المتعرض للسؤال من غير طلب، يقال: عره واعتره وعراه واعتراه، إذا تعرض للمعروف من غير مسألة.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} ، بذكر المسبب، وهو التقطيع وإرادة السبب وهو التقدير والتخمين. وفيه أيضًا استعارة تمثيلية تهكمية، حيث شبه إعداد النار وإحاطتها بهم بتفصيل الثياب، وتقطيعها على قددهم، مع التهكم الذي ينطوي عليه. وجمع الثياب؛ لأن النار لتراكمها عليهم، كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض، وهذا أبلغ من جعلها من مقابلة الجمع
بالجمع. وفيه أيضًا التبعير بالماضي عن المستقبل، حيث قال: قطعت؛ لأنه بمعنى إعدادها لهم، كما في "الشهاب"، أو إشارةً إلى تحقق الوقوع.
ومنها: الإرداف في قوله: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} ؛ لأنه لمّا كانت الثياب تشمل جميع الجسد غير الرأس، أفرد الرؤوس بالذكر بقوله: يصب الخ. ومنها: الإيجاز في قوله: {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ؛ أي: في دين ربهم، فهو على حذف مضاف.
ومنها: رعاية الفواصل في قوله: {وَالْجُلُودُ} حيث أخَّره عن قوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} مع أن ملابستها بالجلود أسبق من ملابستها بالباطن، إشعارًا بغاية شدة الحرارة، بإيهام أن تأثيرها في الباطن أقوى من تأثيرها في الظاهر، مع أن ملابستها بالعكس.
ومنها: المجاز في قوله: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا} ؛ لأن الإرادة هنا مجاز عن القرب، والمراد: أنها ترفعهم وترميهم إلى أعلاها فلا خروج لهم. لقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} ولهذا قال: {أُعِيدُوا فِيهَا} دون إليها. وبعضهم أبقى الإرادة على حقيقتها، وأجاب عن قوله:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} بأنهم لا يستمرون على الخروج، وبأن العود قد يتعدى بفي، للدلالة على التمكن والاستمرار، وذكر الإرادة للدلالة على رغبتهم في الخروج، اهـ. من "الشهاب".
ومنها: تغيير الأسلوب في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الخ. حيث لم يقل والذين آمنوا إلخ عطفًا على الذين كفروا تعظيمًا لشأن المؤمنين، اهـ .. شيخنا. وفي قوله:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} غير الأسلوب حيث لم يقل: ويلبسون فيها حريرًا، للمحافظة على الفواصل؛ لأنه لو قال، من ذكر، لكان في آخر الفاصلة الألف في الكتابة والوقف، بخلاف البقية، كما مر في مبحث التفسير. وفي "الكرخي" غير أسلوب الكلام فيه، حيث لم يقل ويلبسون حريرًا للدلالة على أن الحرير ثيابهم المعتادة في الجنة، فإن العدول إلى
الجملة الاسمية يدل على الدوام. والمعنى: أنه تعالى يوصلهم في الآخرة إلى ما حرمه عليهم في الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه"، ومحله فيمن مات مصرًّا على ذلك اهـ.
ومنها: الطباق بين {الْعَاكِفُ، وَالْبَادِ} لأن العاكف المقيم في المدينة، والبادي القادم من البادية.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} كقوله: {ناقة الله وروح الله} .
ومنها: المجاز في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} لأن القضاء في الأصل القطع والفصل، فأريد به هنا الإزالة مجازًا.
ومنها: التعميم بعد التخصيص في قوله: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} فإن عبادة الأوثان رأس الزور.
ومنها: التأكيد في قوله: {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} فإنه تأكيد لقوله: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} .
ومنها: التشبيه المركب والتمثيلي، في قوله:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} . وهو ما كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد، وبيان ذلك، أنه انقسمت فيه حال الكافر إلى قسمين لا مزيد عليهما:
الأول: منهما المتذبذب الشاك المتمادي على الشك، وعدم التصميم على ضلالة واحدة، فهذا القسم من المشركين شبه بمن اختطفه الطير، وتوزعته، فلا يستولي طائر على مزعة منه، إلا انتهبها منه آخر، وذلك حال المذبذب، لا يلوح له خيال إلا أتبعه، ونزل عما كان عليه.
والثاني: مشرك مصمم على معتقد باطل، لو نشر بالمناشير لم يتراجع عن تصميمه، لا سبيل إلى تشكيكه، ولا مطمع في نقله عما هو عليه، فهو فرح مبتهج
لضلالته، فهذا مشبه في إقراره على كفره باستقرار من هوت به الريح إلى وادٍ سحيق سافل فاستقر فيه، ونظير تشبيهه بالاستقرار في الوادي السحيق، الذي هو أبعد ما يكون من السماء.
وأجاز الزمخشري أن كون هذا التشبيه من المركب والمفرق، فقال: إن كان تشبيهًا مركبًا، فكأنه قال من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكًا ليس بعده هلاك، بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء، فاختطفته الطير متفرقًا موزعًا في حواصلها، وعصفت به الريح، حتى هوت به في بعض الأماكن البعيدة، وإن كان مفرقاً، فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح ويذهب به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي عصفت به، في بعض المهاوي المتلفة.
ومنها: الطباق بين {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} ؛ لأن القانع المتعفف، والمعتر السائل.
ومنها: العدول إلى صيغة المضارع في قوله: {فَتَخْطَفُهُ} مع عطفه على الماضي وهو {خَرَّ} لتصوير هذه الحالة الهائلة، التي اجترأ عليها المشرك للسامعين، التي هي كونه موزعًا في حواصل الطير.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
المناسبة
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (1) صد المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه بذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع في الدين والدنيا .. قفى على ذلك، ببيان ما يزيل الصد عنه، ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
وعبارة أبي حيان هنا: ومناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج، وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام الحديبية، وآذوا من كان بمكة من المؤمنين .. أنزل الله تعالى هذه الآيات، مبشرة المؤمنين بدفعه تعالى عنهم، ومشيرة إلى نصرهم، وإذنه لهم في القتال، وتمكينهم في الأرض بردهم إلى ديارهم، وفتح مكة، وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى. وقال تعالى:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .
قوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما بيَّن (3) فيما سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم .. أردف هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعًا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها، فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر، وتذكر مما يشاهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم، ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.
ذكر أن المشركين كذبوا رسوله، وبالغوا في تكذيبه، وسلَّاه على ذلك، بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا، وأوذوا، فلا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون .. قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به، وشديد تكذيبهم، كانوا يستعجلونه العذاب. كما قال تعالى، حكاية عنهم:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب، وقد سبق وعد الله به، فكان لزاماً عليهم أن لا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده، ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة، لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرًا من القرى الظالمة أمهلت، ولم تعذب لعلها ترعوي عن غيها، ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير، وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم. وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب، ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبّطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام، بدوام العذاب في نار الجحيم.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر في الآيات السالفة، أن قومه قد كذَّبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة: إنه ساحر، وأخرى: إنه شاعر، وثالثة: إن القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا، بأنه ليس بدعًا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أنهم لعظيم استهزائهم به وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه، طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به .. أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب، وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل، ويردوا ما جاء به من الحق، ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان، وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينًا بأنه الحق من ربهم، فتخبت له قلوبهم، وأن هذه حالهم حتى يموتوا، أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذٍ يحكم الله بين عباده، فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته، وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين، جزاء وفاقًا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد، وسيء الأعمال، وباطلها.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم .. أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله، بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلًا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيًا عليه بأن اضطر إلى الهجرة، ومفارقة الوطن، بأنه ينصره وهو قدير على ذلك.
أسباب النزول
قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس، أنه قال: لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن القوم فأنزل الله {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال. وقيل (2): نزلت هذه الآية في قوم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فاعترضهم مشركو مكة، فأذن الله لهم في قتال الكفار، الذين يمنعونهم من الهجرة، بسبب أنهم مظلومون بالإيذاء. وقيل: كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى شديدًا، وكانوا يأتونه صلى الله عليه وسلم، من بين مضروب ومشجوج يشكون إليه فيقول لهم اصبروا، فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعدما نهى عنه في نيف وسبعين آية.
قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان - رضي
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.