المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ما نزله عليهم من وحيه، إرشاداً لهم وتشريعاً للأحكام التي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ما نزله عليهم من وحيه، إرشاداً لهم وتشريعاً للأحكام التي

ما نزله عليهم من وحيه، إرشاداً لهم وتشريعاً للأحكام التي فيها سعادتهم في دنياهم وآخرتهم {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه {سَمِيعٌ} لأقوال عباده {بَصِيرٌ} بهم، فيعلم من يستحق أن يختار منهم لهذه الرسالة.

‌76

- {يَعْلَمُ} سبحانه {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ؛ أي: ما كان بين أيدي ملائكته ورسله من قبل أن يخلقهم. {وَمَا خَلْفَهُمْ} ؛ أي: ويعلم ما هو كان بعد فنائهم. وعبارة العمادي: ما بين أيديهم ما مضى، وما خلفهم ما لم يأت.

وخلاصة ذلك: يعلم مستقبل أحوالهم وماضيها، وقيل: يعلم ما عملوه وما سيعملونه من أمور الدنيا. {وَإِلَى اللَّهِ} لا إلى أحد غيره، لا اشتراكًا ولا استقلالًا {تُرْجَعُ} وترد من (1) الرجع القهقرى {الْأُمُورُ} كلها في الآخرة؛ لأنه مالكها بالذات، ولا أمر ولا نهي لأحد سواه. وهو يجازي كلا بما عمل إن خيرًا، وإن شرًا. لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره، وهم يسألون. وفي هذا إشارة إلى التفرد بالإلهية، والحكم، وإلى الزجر عن المعصية.

‌77

- ولمَّا تضمن ما ذكره من أنّ الأمور ترجع إليه الزجر لعباده عن معاصيه، والحض لهم على طاعاته صرح بالمقصود، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله وصدقوها {ارْكَعُوا} ؛ أي: اخضعوا لله {وَاسْجُدُوا} ؛ أي: خروا له سجدًا. وقيل: ارجعوا (2) من تكبر قيام الإنسانية إلى تواضع الحيوانية، وذلة النباتية. قال: ابن عباس: إن الناس كانوا في أول الإسلام يركعون ولا يسجدون، حتى نزلت هذه الآية. قال أبو الليث: كانوا يسجدون بغير ركوع، فأمرهم الله بأن يركعوا ويسجدوا. وقال بعضهم: كانوا يركعون بلا سجود، ويسجدون بلا ركوع.

والمعنى: صلوا الصلاة التي شرعها الله لكم. عبر عن الصلاة بهما؛ لأنهما أعظم أركانها. وخص الصلاة بالذكر؛ لأنها أشرف عبادات البدن. وقال الإمام

(1) روح البيان.

(2)

المراح.

ص: 423

الأعظم أبو حنيفة والإمام مالك: دل مقارنة السجود بالركوع في الآية على أن المراد سجود الصلاة، ثم عمَّم فقال:{وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} ؛ أي: واعبدوه بسائر ما تعبدكم به خالصًا لوجهه.

{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الذي أمركم بفعله، من صلة الأرحام ومكارم الأخلاق. وقيل: فعل (1) الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله تعالى، وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه البر والمعروف، والصدقة وحسن القول وغير ذلك من أعمال البر. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: لكي تسعدوا وتفوزوا من ربكم بما تأملون من الثواب والرضوان والجنة؛ أي: افعلوا هذه كلها وأنتم راجون بها الإفلاح، غير متيقنين له واثقين بأعمالكم.

فصل في حكم سجود التلاوة هنا

لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة، واختلفوا في السجدة الثانية. فروي عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى أنهم قالوا: في الحج سجدتان. وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

يدل عليه ما روي عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله، أفي الحج سجدتان؟ قال:"نعم. ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما". أخرجه الترمذي وأبو داود. وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين، وقال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين. أخرجه مالك في الموطأ.

وذهب قوم إلى أن في الحج سجدة واحدة، وهي الأولى وليست هذه بسجدة. وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك، بدليل أنه قرن السجود بالركوع، فدل ذلك على أنها سجدة

(1) الخازن.

ص: 424