المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن أطفال المكونات كانوا في أرحام أمهات العدم، متقررين بتقرير - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أن أطفال المكونات كانوا في أرحام أمهات العدم، متقررين بتقرير

أن أطفال المكونات كانوا في أرحام أمهات العدم، متقررين بتقرير الحق إياهم فيها، ولكل خارج منها أجل مسمى، بالإرادة القديمة والحكمة الأزلية، فلا يخرج طفل مكون من رحم العدم، إلا بمشيئة الله تعالى، وأوان أجله. وفي هذا رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم.

ثم ذكر الاستدلال على إمكان البعث، بحال خلق النبات أيضًا، فقال:{وَتَرَى} أيها المجادل أو يا من شأنه الرؤية، وهو حجة أخرى على البعث، {الْأَرْضَ هَامِدَةً} أي: ميتة يابسة لا تنبت شيئًا، يقال: همدت النار إذا صارت رمادًا، {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا}؛ أي: على الأرض الهامدة، {الْمَاءَ}؛ أي: ماء المطر والعيون والأنهار، {اهْتَزَّتْ}؛ أي: تحركت بالنبات، والاهتزاز الحركة الواقعة على البهجة والسرور، فلا يكاد يقال اهتزّ فلان لكيت وكيت إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع؛ أي: تحركت في رأي العين بسبب حركة النبات وظهوره. {وَرَبَتْ} أي: انتفخت وازدادت للنبات. من ربا يربو ربا، إذا زاد ونما، وربا الفرس ربواً، إذا انتفخ من عدو وفزع، كما في "القاموس". {وَأَنْبَتَتْ} أي: وأخرجت بالماء، {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ}؛ أي: من كل نوع من أنواع النبات، {بَهِيجٍ}؛ أي: حسن يسر ناظره، وإسناد الإنبات إلى الأرض مجاز، كما سيأتي؛ لأن المنبت هو الله سبحانه وتعالى.

وقرأ أبو جعفر (1) وعبد الله بن جعفر وخالد بن إلياس وأبو عمرو في رواية {وَرَبَأَتْ} بالهمز هنا، وفي فُصِّلَتْ؛ أي: ارتفعت وأشرفت، يقال: فلان يربأ بنفسه عن كذا؛ أي: يترفع بها عنه.

والمعنى: أي (2) وترى الأرض يابسة دارسة الآثار، من النبات والزرع، فإذا نحن أنزلنا عليها الماء، تحركت بالنبات، وازدادت وانتفخت، لما يتداخلها من الماء والنبات، ثم أنبتت أنواعًا يسرّ الناظرين ببديع منظرها، وجميل شكلها واختلاف طعومها، وروائحها ومقاديرها ومنافعها.

‌6

- وبعد أن قرّر سبحانه، هذين

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 249

البرهانين، رتب عليهما النتيجة الحتمية لذلك، وذكر أمورًا خمسة:

1 -

{ذَلِكَ} الصنع البديع، وهو خلق الإنسان على أطوار مختلفة، وتصريفه في أطوار متباينة، وإحياء الأرض بعد موتها حاصل بسبب، {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {هُوَ الْحَقُّ}؛ أي: الثابت بنفسه الذي به يتحقق الأشياء، أو المعنى (1): ذكرنا ذلك، لتعلموا بأن الله هو الحق، الثابت الموجود، إلخ. والحق هو الموجود، الذي لا يتغير ولا يزول، وقيل ذو الحق على عباده، وقيل الحق أفعاله.

والمعنى: أي (2) هذا الذي ذكرت لكم من بدئنا خلقم في بطون أمهاتكم، ووصفنا أحوالكم قبل الميلاد وبعده طفلًا وكهلًا وشيوخًا في حال الهرم، وتنبيهنا إياكم إلى فعلنا بالأرض الهامدة بما ينزل عليها من الغيث لتصدّقوا بأن الذي فعل ذلك هو الله الحق، الذي لا شك فيه، وأن ما تعبدون من الأوثان والأصنام فهو باطل؛ لأنها لا تقدر على فعل شيء من ذلك.

2 -

{وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} ؛ أي: شأنه وفعله إحياء الموتى.

وحاصله (3): أنه تعالى قادر على إحيائها بدأً وإعادة، وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة مرارًا بعد مرار، والمعنى؛ أي: ولتعلموا أن الذي قدر على هذه الأشياء البديعة لا يتعذر عليه أن يحيي الموتى بعد فنائها ودروسها في التراب.

3 -

{وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ؛ أي: مبالغ في القدرة، وإلّا لما أوجد هذه الموجودات؛ أي (4) ولتعلموا أن فاعل ذلك قادر على كل شيء، ولا يمتنع عليه شيء أراده، فهو قادر على إيجاد جميع الممكنات، ومن ذلك إعادة الأجسام بعد موتها.

4 -

{وَأَنَّ السَّاعَةَ} ؛ أي: القيامة {آتِيَةٌ} فيما سيأتي، لمجازاة المحسن

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

(4)

المراغي.

ص: 250