المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الآية: أنه يعاقب بمجرد الإرادة للمعصية في ذلك المكان. وقد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الآية: أنه يعاقب بمجرد الإرادة للمعصية في ذلك المكان. وقد

الآية: أنه يعاقب بمجرد الإرادة للمعصية في ذلك المكان. وقد ذهب إلى هذا ابن مسعود وابن عمر والضحاك وابن زيد وغيرهم، حتى قالوا: لو هم الرجل في الحرم بقتل رجل بعدن .. لعذبه الله.

‌26

- ولما ذكر سبحانه (1) حال الكفار وصدهم عن المسجد الحرام، وتوعد فيه من أراد فيه بإلحاد .. ذكر حال أبيهم إبراهيم، وتوبيخهم على سلوكهم غير طريقه؛ من كفرهم باتخاذ الأصنام، وامتنانه عليهم بإيفاد العالم إليهم، فقال:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} ؛ أي: واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يصدون عن سبيل الله وعن دخول المسجد الحرام، إذ بوأنا وبيَّنا لإبراهيم الخليل عليه السلام مكان البيت؛ أي: أذكر لهم الوقت الذي بينا فيه لإبراهيم مكان البيت، وأريناه أصله وأساسه ليبنيه، وكان البيت (2) قد درس بالطوفان، فلما جاءت مدة إبراهيم عليه السلام .. أمره الله ببنائه، فجاء إلى موضعه، وجعل يطلب أثرًا، فبعث الله له ريحًا هفافةً، فكشفت عن أساس آدم، فرتب قواعده عليه. وقيل: بعث الله تعالى سحابة بقدر البيت، فقامت بحيال البيت، وفيها رأس يتكلم: يا إبراهيم! ابن على دوري فبنى عليه. اهـ. "خطيب".

وكانت الأنبياء بعد رفعه يحجون مكانه، ولا يعلمونه حتى بوأه الله وبينه لإبراهيم، فبناه على أساس آدم، وجعل طوله في السماء سبعة أذرع بذراعهم، وذرعه في الأرض ثلاثين ذراعًا بذراعهم، وأدخل الجحر في البيت، ولم يجعل له سقفًا، وجعل له بابًا، وحفر له بئرًا، يلقى فيها ما يهدى للبيت، وبناه قبله شيث، وقبل شيث آدم، وقبل آدم الملائكة، ثم بعد إبراهيم بنته قريش، وكان بناؤه هذه المرة قبل المبعث بخمس عشرة سنة، ثم بناه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ثم بناه الحجاج، وهو البناء الموجود الآن.

وقال المحدث الكازروني في "مناسكه": إنَّ هذا (3) البيت خامس خمس

(1) البحر المحيط.

(2)

الفتوحات.

(3)

روح البيان.

ص: 305

عشرة، سبعة منها في السماء إلى العرش، وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، لكل بيت منها حرم، كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيت .. لسقط بعضها على بعض، إلى تخوم الأرض السابعة، ولكل بيت من أهل السماء والأرض من يعمره، كما يعمر هذا البيت، وأفضل الكل الكعبة المكرمة. اهـ.

والمراد بذكر الوقت (1): ذكر ما وقع فيه من حوادث جسام؛ ليتذكروا فيقلعوا عن غيهم، ويرعووا إلى رشدهم، ويستبين لهم عظيم ما ارتكبوا من خطأ، وكبير ما اجترحوا من جرم، بصدهم الناس عن بيت بناه أبوهم، وجعله الله قبلةً للناس في الصلاة، ومكانًا للطواف حين أداء شعيرة الحج: و {أَنْ} في قوله: {أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} زائدة، والجملة مقول لقول محذوف؛ أي: وقلنا له لا تشرك بي في بناء البيت شيئًا من الأغراض، ولا تجعل لي في العبادة شريكًا من خلقي من الأوثان وغيرها، أو المعنى: واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ ومرجعًا للعمَّارة وللعبادة؛ بأن يكون موحداً بقلبه لرب البيت عن الشريك، مشتغلًا بجسده بعمارة البيت وتنظيفه عن الأوثان، وذلك أن جرهمًا والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت.

وقرأ عكرمة وأبو نهيك (2): {أن لا يشرك} بالياء؛ أي: وأمرناه أن لا يشرك بي شيئًا {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} ؛ أي: وقلنا له طهر بيتي من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات؛ أي: نزهه عن أن يعبد فيه صنم، وهذا أمر بإظهار التوحيد. وقرأ نافع وحفص وهشام {بَيْتِيَ} بفتح الياء. {لِلطَّائِفِينَ} حوله {وَالْقَائِمِينَ}؛ أي: وللمصلين إليه، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} جمع راكع وساجد؛ أي: وللمصلين الجامعين بين القيام والركوع والسجود. وصرح بهذه الثلاثة لكونها أعظم أركان الصلاة. والمراد بالقائمين هنا، هم المصلون، وذكر الركع السجود بعده لبيان أركان الصلاة، دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة؛ لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه.

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 306