المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{الدعاءُ} رفعا بـ {يُسْمِعُ}، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعًا والمفعول - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: {الدعاءُ} رفعا بـ {يُسْمِعُ}، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعًا والمفعول

{الدعاءُ} رفعا بـ {يُسْمِعُ} ، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعًا والمفعول الثاني محذوف، كأنه قيل: ولا يسمع النداء الصم شيئًا.

‌46

- ثُمَّ بيَّن سرعة تأثرهم من العذاب حين مجيئه، إثر بيان عدم تأثرهم به حين مجيء خبره فقال:{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ} ؛ أي: وعزتي وجلالي، لئن أصابتهم {نَفْحَةٌ}؛ أي: قطع ودفعة، أو فوحة وشمةٌ، أو شيء قليل {مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ} من غاية الاضطراب وشدة الحيرة {يَا وَيْلَنَا} ويا هلاكنا احضر إلينا، فهذا أوانك {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أنفسنا، بكفرنا بالله تعالى وتكذيبنا رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أي: ليدعون على أنفسهم بالويل والهلاك، ويعترفون عليها بالظلم حين تصامّوا وأعرضوا عن الحق.

والمعنى: أي (1) ولئن أصاب هؤلاء المستعجلين للعذاب، أدنى قسط من عقاب ربك بكفرهم به، وتكذيبهم برسوله .. ليقولون إنا كنا ظالمين لأنفسنا، بعبادتنا الآلهة والأنداد، وتركنا عبادة الذي برأنا وأنعم علينا، وجحودنا لما يجب علينا من الشكر له، بالإخلاص في عبادته.

والخلاصة: أنهم يوم القيامة، حين يمسَّهم العذاب، يدعون على أنفسهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويقولون: هلاكًا لنا، إنا ظلمنا أنفسنا بكفرنا بمن خلقنا، وخضوعنا لمن لا يضرُّ ولا ينفع، ويندمون على ما فُرّط منهم، ولات ساعة مندم.

‌47

- ثم بيَّن الأحداث، التي ستقع حين يأتي ما أنذروا به، فقال: ونضع الموازين العادلة التي توزن بها صحائف الأعمال، ونحضرها لأجل جزاء يوم القيمة، فاللام للتعليل. وقيل: بمعنى في؛ أي: في يوم القيامة، أو توزن الأعمال باعتبار التجوهر والتجسم. وهذا قتل أئمة السلف. وقال مجاهد وقتادة والضحاك: المراد أو الوزن العدل بينهم، فلا يظلم عباده مثقال ذرة فمن أحاطت حسناته بسيئاته، ثقلت موازينه؛ أي: ذهبت حسناته بسيئاته، ومن أحاطت سيئاته

(1) المراغي.

ص: 91

بحسناته خفت موازينه؛ أي: ذهبت سيئاته بحسناته. وقرىء القسط بالصاد والطاء.

والموازين (1): جمع ميزان، قال الراغب: والوزن معرفة قدر الشيء، وجمع الموازين باعتبار تعدد الأعمال، أو لأن لكل شخص ميزانًا. وأفرد القسط؛ لأنه مصدر وصف به مبالغة كرجل عدل. قال الإمام (2): وصف الموازين بالقسط؛ لأنها قد لا تكون مستقيمة. وقال الراغب: وذكر الموازين في بعض المواضع بلفظ الواحد، اعتبارًا بالمحاسبة، وفي بعضها بلفظ الجمع اعتبارًا بالمحاسبين، انتهى. وفي "الفتوحات": وصف الموازين بذلك؛ لأن الميزان قد يكون مستقيمًا، وقد يكون غير مستقيم، فبيَّن الله تعالى أن تلك الموازبن تجري على حد العدل، ومعنى وضعها: إحضارها اهـ "خازن"{فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ} من النفوس عاصيةً كانت أو مطيعةً {شَيْئًا} من الظلم، بل يوفى كل ذي حق حقه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، على أن يكون مفعولا مطلقًا، فلا ينقص ثوابها الذي تستحقه، ولا يزاد عذابها الذي كان لها، على قدر ما دست به نفسها من سيء الأعمال، أو لا تنقص حقًا من حقوقها على أن يكون مفعولًا ثانيًا لـ {تظلم} ، لأنه بمعنى تنقص، وتنقص يتعدى إلى مفعولين، يقال: نقصه حقه.

{وَإِنْ كَانَ} ؛ أي: العمل المدلول عليه بوضع الموازين {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} ؛ أي: وزن حبة كائنة {مِنْ خَرْدَلٍ} والمثقال ما يوزن به من الثقل؛ أي: مقدار حبة كائنة من خردل؛ أي: وإن كان في غاية القلة والحقارة، فإن حبة الخردل مثل في الصغر، والخردل حبُّ شجرٍ مسخن ملطف، جاذب قالع للبلغم، ملين هاضم، نافع طلاؤه للنقرس والنسا والبرص، ودخانه يطرد الحيات، وماؤه يسكن وجع الأسنان تقطيرًا، ومسحوقه على الضرس الوجع غاية "قاموس"{أَتَيْنَا} بقصر الهمزة أو الإتيان، والباء في قوله {بِهَا} للتعدية؛ أي: أحضرنا ذلك العمل المعبَّر عنه بمثقال حبة الخردل للوزن، والتأنيث لإضافته إلى الحبّة.

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 92