المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الذي أمرت ببنائه، يأتوك مشاة على أرجلهم، وركبانًا على ضوامر - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الذي أمرت ببنائه، يأتوك مشاة على أرجلهم، وركبانًا على ضوامر

الذي أمرت ببنائه، يأتوك مشاة على أرجلهم، وركبانًا على ضوامر من الإبل، من كل طريق بعيد،

‌28

- ثم بين السبب في هذه الزيارة فقال: {لِيَشْهَدُوا} متعلق بـ {يَأْتُوكَ} ، وقيل: بقوله: وأذن الشهود هو الحضور؛ أي: ليحضروا {مَنَافِعَ} كائنة {لَهُمْ} من المنافع الدينية والدنيوية، وهي العفو والمغفرة والتجارة في أيام الحج، فتنكيرها؛ لأن المراد بها نوع من المنافع، مخصوص بهذه العبادة، لا يوجد في غيرها من العبادات. وقيل: المراد بها المناسك. وقيل: المغفرة. وقيل: التجارة كما في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حج فضل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص.

{وَيَذْكُرُوا} معطوف على يشهدوا؛ أي: وليذكروا عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها {اسْمَ اللَّهِ} تعالى، وفي جعله (1) غاية للإتيان، إيذان بأنه الغاية القصوى دون غيره. {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} هي أيام النحر، يوم العيد وأيام التشريق، كما يفيد ذلك قوله:{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} ؛ أي: على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام؛ أي: لأجل ما رزقهم وهي الإبل والبقر والغنم، وقيل: عشر ذي الحجة. و {بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} هي الأنعام، فالإضافة فيه. كالإضافة في مسجد الجامع. والأنعام جمع نعم، وهو مختص بالإبل، وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة، لكن الأنعام يقال: للإبل والبقر والغنم، ولا يقال لها، أنعام حتى يكون في جملتها الإبل.

والمراد بالذكر (2): ما وقع عند الذبح، علق الفعل بالمرزوق، وبينه بالبهيمة تحريضًا على التقرب، وتنبيهًا على مقتضى الذكر، والبهيمة اسم لكل ذات أربع في البحر والبر، فبينت بالأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم؛ لأن الهدي والذبيحة لا يكونان من غيرها.

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 309

والمعنى: أي (1) يأتونك ليحضروا منافع لهم في الدنيا، من تجارة رائجة وسلع نافقة، ومنافع في الآخرة، بما يعملون من عمل يرضي ربهم، وبما يحمدونه على النعم التي تترى عليهم، وما رزقهم من الهدايا والبدن التي أهدوها أيام النحر الثلاثة، يوم العيد ويومين بعده، والفاء في قوله:{فَكُلُوا مِنْهَا} عاطفة على محذوف، تقديره: فاذكروا اسم الله على ضحاياكم، فكلوا من لحومها إذ كانت مستحبة، والأمر فيه للإباحة، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، ويصح أن تكون الفاء فصيحة.

وفي "الخطيب": {فَكُلُوا مِنْهَا} ؛ أي: من لحومها أمر إباحة، وذلك أن الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئًا، فأمر الله تعالى بمخالفتهم. واتفق العلماء، على أن الهدى، إذا كان تطوعًا يجوز للمهدي أن يأكل منه، وكذلك أضحية التطوع، واختلفوا في الهدى الواجب بالشرع، مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج، وفوته وجزاء الصيد، هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئًا؟، قال: الشافعي رحمه الله: لا يأكل منه شيئًا، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر. وقال ابن عمر رضي الله عنه: لا يأكل من جزاء الصيد والنذر، ويأكل مما سوى ذلك، وبه قال: أحمد وإسحاق، وقال مالك: يأكل من هدي التمتع، ومن كل هدي وجب عليه، إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر، وعن أصحاب أبي حنيفة، أنه يأكل من دم التمتع والقران، لكونها دم الشكر لا دم الجناية، ولا يأكل من واجب سواهما، اهـ. وكذا لا يأكل أولاده وأهله وعبيده وإماؤوه، وكذا الأغنياء إذ الصدقة الواجبة حقٌّ للفقراء.

والأمر في قوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} للوجوب؛ أي: وأطعموا البائس الذي أصابه بؤس وشدة وزمانة، {الْفَقِيرَ}؛ أي: المحتاج، فذكر الفقير بعده لمزيد الإيضاح. فالبائس الشديد الفقر، والفقير المحتاج الذي أضعفه الإعسار ليس له غنى، أو البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون

(1) المراغي.

ص: 310