الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع ما فيهما خلقًا، وملكًا، وتصرفًا، وكلهم محتاجون إلى رزقه، منقادون لأمره، لا امتناع لهم من تصرفه. {وَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه {لَهُوَ الْغَنِيُّ} في ذاته عن كل شيء، المستغني عن حمد الحامدين، فلا يحتاج إلى شيء. {الْحَمِيدُ}؛ أي: المستحق للحمد في ذاته وصفاته وأفعاله. وقال الغزالي: {الْحَمِيدُ} هو المحمود المثني عليه، والله تعالى هو الحميد لحمده لنفسه أزلا، ولحمد عباده له أبدًا. ويرجع هذا إلى صفات الجلال والعلو والكمال، منسوبان إلى ذكر الذاكرين له، فإن الحمد هو ذكر أوصاف الكمال، من حيث هو كمال.
65
- {أَلَمْ تَرَ} ؛ أي: ألم تعلم أيها المخاطب {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {سَخَّرَ لَكُمْ} وذلل {مَا فِي الْأَرْضِ} ؛ أي: جعل جميع ما فيهما مذللة لكم، معدة لمنافعكم، تتصرفون فيها كيف شئتم، فلا أصلب من الحجر، ولا أشد من الحديد، ولا أهيب من النار، وهي مسخرة منقادة لكم.
أي: إنه تعالى (1) سخر ما في ظاهر الأرض وباطنها، لينتفع بها الإنسان في مصالحه ومرافقه المختلفة، ويصرفه فيما أراد من شؤون معايشه ولا يزال العلم يهديه إلى غريب الأمور، مما لم يكن يخطر لأسلافه على بال، مما لو حدث به السالفون لقالوا: إنه ترهات، وأباطيل، وما صدقه بشر. ولا يزال العلم يولد كل يوم جديدًا. {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ، ويهتدي العقل إلى ما هو أشبه بالمعجزات، لولا أن سدت أبواب النبوات.
ونحو الآية قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} {وَالْفُلْكَ} عطف على {مَا} ، أو على اسم {إِنَّ} وجملة {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}؛ أي: بمشيئته وتيسيره، حال من الفلك؛ أي: وسخر لكم السفن تجري في البحار برفق، وتؤدةٍ حاملةً ما تريدون، من نائي الأصقاع، وبعيد المسافات من سلع، وحيوان، وأناسي، وبذلك يتم تبادل مرافق الحياة بالأخذ والعطاء. وإنما أفردها بالذكر، وإن اندرجت بطريق العموم تحت ما في قوله:{مَا فِي الْأَرْضِ} لظهور
(1) المراغي.
الامتنان بها، ولعجيب تسخيرها دون سائر المسخرات اهـ. "سمين".
وقرأ الجمهور (1): {وَالْفُلْكَ} بالنصب، وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن، وانتصب عطفًا على {مَا} . وجوز أن يكون معطوفًا على الجلالة، بتقدير وأن الفلك، وهو إعراب بعيد عن الفصاحة. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وجملة تجري خبره.
{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ} ؛ أي: وإن الله سبحانه يمسك السماء من {أَنْ تَقَعَ} وتسقط {عَلَى الْأَرْضِ} بأن خلقها متداعية إلى الاستمساك. يقال: أمسك الشيء إذا أخذه والوقوع السقوط. {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أي: إلا بمشيئته، وإرادته.
قال الراغب: الإذن في الشيء: الإعلام بإجازته، والرخصة فيه، انتهى. وذلك يوم القيامة. وفيه رد لاستمساكها بذاتها، فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسمية، فتكون قابلة للميل الهابط، كقبول غيرها، والمعنى؛ أي: وإن الله يمسك أجرام الكواكب من شمس، وقمر، وكواكب نيرات بنظام الجاذبية، إذ جعل لكل منها مداراً خاصًا بها، لا تعدوه بحالٍ، ولا تزال كذلك ما بقيت الحياة الدنيا، حتى إذا اقتربت الساعة اختل نظامها. وانتثرت في الفضاء، كما ألمع إلى ذلك سبحانه بقوله:{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)} الآية. ولولا هذا النظام الخاص لاصطدمت الكواكب العظيمة بعضها ببعض. وفسد العالم الأرضي ولم يعش على ظهر البسيطة إنسان، ولا حيوان.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} ؛ أي: كثير الرأفة والرحمة، حيث سخر هذه الأمور لعباده، وهيأ لهم أسباب المعاش، وأمسك السماء أن تقع على الأرض فتهلكهم، تفضلاً منه على عباده، وإنعاماً عليهم، وفتح لهم أبواب المنافع ودفع عنهم أنواع المضار، وأوضح لهم مناهج الاستقلال بالآيات التكوينية، والتنزيلية. والرؤوف (2) بمعنى الرحيم، إذ الرأفة أشد الرحمة، أو أرقها. كما في "القاموس". قال في "بحر العلوم". {الرؤوف}؛ أي: المريد
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.