المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌18 - والرؤية في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌18 - والرؤية في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ

‌18

- والرؤية في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} هي العلمية لا البصرية؛ لأن رؤية سجود هذه الأمور لله، إنما جاءنا من طريق العقل؛ لأنا لا نراه بأبصارنا اهـ. شيخنا. والخطاب لكل من يصلح له، وهو من تتأتي الرؤية منه. والمراد بالسجود هنا: المعنى اللغوي، وهو الإنقياد الكامل والتذلل البالغ، لا السجود الشرعي، الذي هو وضع الجبهة، الخاص بالعقلاء، سواء جعلت كلمة (من) خاصة بالعقلاء، أو عامة لهم ولغيرهم. وإنما حملنا السجود على المعنى اللغوي، الذي هو التسخير والتذلل؛ لأنه ليس في كفرة الإنس ومردة الجن والشياطين، وسائر الحيوانات والجمادت، سجود طاعة وعبادة، الذي هو وضع الجبهة على الأرض، خصوصًا لله تعالى، ولهذا عطف {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} على {مَن} فإن ذلك يفيد أن السجود هو الأنقياد الكامل، لا الطاعة الخاصة بالعقلاء، وإنما أفرد هذه الأمور بالذكر، مع كونها داخلة تحت {مَن} على تقدير جعلها عامة، لكون قيام السجود بها في العادة، وجملة ما ذكره هنا ثمانية.

والمعنى: ألم تعلم أيها المخاطب، أن الله سبحانه وتعالى، ينقاد لتدبيره ومشيئته، من في السموات، من الملائكة، ومن في الأرض من الجن والإنس، مطيعًا كان أو عاصيًا، والشمس والقمر والنجوم بالسير والطلوع والغروب، لمنافع العباد، والجبال بإجراء الينابيع، وإنبات المعادن والشجر بالظل وحمل الثمار ونحوها، والدواب بعجائب التركيب ونحوها، فكل شيء ينقاد له سبحانه، على ما خلقه وعلى ما رزقه، وعلى ما أصحَّه وعلى ما أسقمه، فالبر والفاجر والمؤمن والكافر في هذا سواء.

وقوله: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} مرفوع بفعل محذوف، يدل عليه المذكور؛ أي: ويسجد له سبحانه كثير من الناس، سجود طاعة وعبادة. وقيل: مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف، تقديره: وكثير من الناس يستحق الثواب، والأول أظهر، وإنما لم يرتفع (1) بالعطف على {مَن} لأنّ سجود هؤلاء الكثير من

(1) الشوكاني.

ص: 268

الناس، هو سجود الطاعة، الخاص بالعقلاء، والمراد بالسجود المتقدم، هو الانقياد، فلو ارتفع بالعطف على {مَن} لكان في ذلك جمع بين معنين مختلفين في لفظ واحد، وأنت خبير، بأنه لا ملجأ إلى هذا بعد حمل السجود على الانقياد، ولا شك أنه يصح أن يراد من سجود كثير من الناس، هو انقيادهم، لا نفس السجود الخاص، فارتفاعه بالعطف لا بأس به، وإن أبى ذلك صاحب "الكشاف" ومتابعوه.

قال في "التأويلات النجمية": أهل العرفان، يسجدون سجود عبادة، بالإرادة، والجماد وما لا يعقل، ومن لا يدين، يسجدون سجود خضوع للحاجة.

وخلاصة معنى الآية: ألم تعلم (1) أيها المخاطب بهذا أن هذه الخلائق مسخرة لقدرة بارئها، وجبروت منشئها، منقادة لإرادته طوعًا أو كرهًا، فهي مفتقرة في وجودها، وبقائها إليه، فهو الذي أنشأها ورتبها، وأكمل وجودها على النحو الذي أراده، والحكمة التي قدّرها لها في البقاء.

وأفرد الشمس وما بعدها بالذكر؛ لأنها قد عبدت من دون الله تعالى، فعبدت الشمس حِمير، والقمر كنانة، والشعرى لخم، والثريا طيءُ، والمصريون عبدوا العجل أبيس وعبدت العرَّى شجرة غطفان.

وأما قوله: {وَكَثِيرٌ} من الناس {حَقَّ} وثبت {عَلَيْهِ الْعَذَابُ} بسبب كفره وامتناعه من السجود، وهو من لا يوحد الله تعالى، فقال الكسائي والفراء: إنه مرفوع بالابتداء وخبره ما بعده، وقيل: هو معطوف على {كثير} الأول، ويكون المعنى: وكثير من الناس يسجد وكثير منهم يأبى ذلك، وقيل المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير منهم حق عليهم العذاب، هكذا حكاه ابن الأنباري.

{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: ومن أهانه الله سبحانه، وأذله، فكتب عليه الشقاء لسوء استعداده {فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} يسعده ومعز يعزه، فيصير

(1) المراغي.

ص: 269

سعيداً عزيزًا. وحكى الأخفش والكسائي والفرّاء أنَّ المعنى: ومن يهن الله، فما له من مكرم؛ أي: إكرام؛ لأن الأمور كلها بيده تعالى، يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء لتدسيته نفسه، واجتراحه للسيئات وارتكابه للآثام والمعاصي. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} من الأشياء التي من جملتها ما تقدم ذكره، من الشقاوة والسعادة والإكرام والإهانة؛ أي: أن الله سبحانه يفعل في خلقه ما يشاء، من إهانة من أراد إهانته، وإكرام من أراد إكرامه، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

تنبيه: هذه السجدة (1) من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند تلاوتها أو سماع تلاوتها. وقرأ جناح بن حبيش (2):{وكبير حق} بالباء الموحدة، وقرىء {وكثير حقا}؛ أي: حق عليهم العذاب حقًا. وقرىء {حُق} بضم الحاء ومن مفعول مقدم بـ (يهن). وقرأ الجمهور (3): {من مكرم} بصيغة اسم الفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الراء على المصدر، أي: من إكرام.

قال الإمام النيسابوري - رحمه الله تعالى - في "كشف الأسرار"(4): جعل الله الكفار أكثر من المؤمنين، ليريهم أنه مستغن عن طاعتهم، كما قال:"خلَقْتُ الخَلْق ليربحوا عليَّ لا لأربح عليهم" وقيل: ليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها، والشيء إذا قل وجوده عزَّ، ألا ترى أن المعدن، لعزته صار مظهراً للاسم العزيز. وقيل: ليرى الحبيب قدرته، بحفظه بين أعدائه الكثيرة، كما حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واحد، وأهل الأرض أعداء كلهم، ليتبين أن النصر من عند الله تعالى، والقليل يغلب الكثير بعونه وعنايته ومن أكرمه بالغلبة، لا يهان بالخذلان ألبتة.

فإن قيل: إن رحمته سبقت، وغلبت غضبه، فيقتضي الأمر، أن يكون أهل الرحمة أكثر من أهل الغضب، وأهل الغضب، تسع وتسعون من كل ألف، واحد

(1) الخازن.

(2)

البحر المحيط.

(3)

البحر المحيط.

(4)

روح البيان.

ص: 270

يؤخذ للجنة، كما ورد في "الصحيح"، وورد "أهل الرحمة كشعرة بيضاء في جلد الثور الأسود".

قلنا: هذه الكثرة بالنسبة إلى بني آدم، وأما أهل الرحمة بالنسبة إليهم وإلى الملائكة والحور والغلمان، فأكثر من أهل الغضب.

مشكلةٌ: فإن قلت: إن قوله: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} يسجد مفهومه أن قليلًا منهم أبوا من السجود، فيناقض كثيرًا الثاني، وأن قوله:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} مفهومه أن قليلًا منهم يسجد، فيناقض كثيرًا الأول، فبين الكثيرين تناقض.

قلت: إن المراد بالكثير، الأول: كثرته في ذاته، فلا ينافي قلته بالنسبة إلى الكثير الثاني، وقد أشكلني هذا التناقض زمانًا، فبحثت عن جوابه في كتب التفاسير، فلم أجده، فظهر لي هذا الجواب بفضله، فلله الحمد، ثم رأيت ما يوافقه في تفسير "روح البيان"، ونص عبارته، يقول الفقير: الكثير الأول كثير في نفسه، قليل بالنسبة إلى الكثير الثاني، إذ أهل الجمال أقل من أهل الجلال، وهو الواحد من الألف، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إن الواحد على الحق، هو السواد الأعظم. وعن بعضهم: قليل إذا عدوا، كثير إذا شدوا؛ أي: أظهروا الشدة انتهت.

الإعراب

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء {أيّ} : منادى نكرة مقصودة. {ها} حرف تنبيه زائد، زيدت تعويضاً عما فات؛ أي: من الإضافة. {النَّاسُ} صفة لـ {أي} ، أو بدل منها، وجملة النداء مستأنفة. {اتَّقُوا رَبَّكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به مبني على حذف النون، والجملة الفعلية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} ناصب واسمه ومضاف إليه. {شَيْءٌ}: خبره: {عَظِيمٌ} : صفة {شَيْءٌ} والإضافة في {زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} من إضافة المصدر إلى فاعله، أو إلى مفعوله، فعلى الأول كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي، وعلى الثاني على طريقة الاتساع في الظرف، وإجراءه مجرى المفعول به، كقوله تعالى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل

ص: 271

ما قبلها، لا محل لها من الإعراب.

{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} .

{يَوْمَ} : منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {تَذْهَلُ} الآتي، ولم يذكر الزمخشري غيره، الثاني: أنه منصوب بـ {عَظِيمٌ} ، الثالث أنه منصوب بإضمار أذكر، وقيل غير ذلك. {تَرَوْنَهَا}: فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى هنا بصرية، والجملة الفعلية في محل الجر، مضاف إليه لـ {يَوْمَ}. {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ}: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، {عَمَّا} جار ومجرور، متعلق بـ {تَذْهَلُ} و {ما} موصولة أو مصدرية {أَرْضَعَتْ}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الـ {مُرْضِعَةٍ} ، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة والعائد محذوف، تقديره عن الذي أرضعته، أو صلة {ما} المصدرية؛ أي: عن إرضاعها. {وَتَضَعُ كُلُّ} : فعل وفاعل معطوف على {تَذْهَلُ} ، {كُلُّ} مضاف {ذَاتِ} مضاف إليه {ذَاتِ}: مضاف {حَمْلٍ} مضاف إليه {حَمْلَهَا} : مفعول به، {وَتَرَى}: الواو عاطفة {ترى} فعل مضارع بصرية، معطوف على {تَرَوْنَهَا} وفاعله ضمير، يعود على أيِّ مخاطب، وإنما جمع الضمير في {تَرَوْنَهَا} ، وأفرد هنا لأن الرؤية الأولى علقت بالزلزلة أو الساعة، وكل الناس يرونها، أما الثانية فهي متعلقة يكون الناس {سُكَارَى} فلا بد من جعل كل أحد رائياً للباقي، بقطع النظر عن اتصافه بالسُّكر {النَّاسَ} مفعول به {سُكَارَى}: حال من الناس {وَمَا} الواو حالية {ما} حجازية {هُمْ} : في محل الرفع اسمها {بِسُكَارَى} الباء: زائدة {سُكَارَى} : خبرها منصوب، بفتحة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المجلوبة لحرف جر زائد، الممنوعة للتعذر، وجملة {ما} الحجازية في محل النصب، حال ثانية من {النَّاسَ} {وَلَكِنَّ}: الواو عاطفة {لكن} : حرف نصب واستدراك، {عَذَابَ اللَّهِ}: اسمها {شَدِيدٌ} : خبرها، والجملة استدراكية، معطوفة على محذوف، مخالف لما بعد {لكن} وهذا حكم مطرد فيها، والتقدير كما في "البحر" لأبي حيان، فهذه الأحوال وهي الذهول والوضع ورؤية الناس، شبه السكارى هينة لينة، ولكن

ص: 272

عذاب الله شديد؛ أي: ليس لينًا وسهلًا فيما بعد، لكن مخالف لما قبلها.

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)} .

{وَمِنَ النَّاسِ} : جار ومجرور خبر مقدم {مَنْ} : نكرة موصوفة حتمًا أو موصولة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لبيان من غفل عن الجزاء في ذلك اليوم، {يُجَادِلُ} فعل مضارع وفاعله ضمير، يعود على {مَنْ} والجملة صفة {مَنْ} ، تقدير ومن الناس فريق مجادل في الله، أو صلة لها؛ أي: ومن الناس الفريق الذي يجادل في الله لا تنفعهم العظات، {فِي اللَّهِ}: متعلق بـ {يُجَادِلُ} . {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من الفاعل في {يُجَادِلُ} موضحة لما تشعر به المجادلة من الجهل؛ أي: ملتبسًا بغير علم، {وَيَتَّبِعُ}: فعل مضارع معطوف على {يُجَادِلُ} وفاعله ضمير، يعود على {مَنْ}. {كُلَّ شَيْطَانٍ}: مفعول به، ومضاف إليه {مَرِيدٍ} صفة.

{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)} .

{كُتِبَ} : فعل ماض مغير الصيغة {عَلَيْهِ} : متعلق به {أَنَّهُ} : ناصب واسمه {مَنْ} : اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو اسم موصول مبتدأ {تَوَلَّاهُ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة في محل الجزم فعل شرط لـ {مَنْ} ، إن قلنا شرطية، أو صلة لها، إن قلنا موصولة. {فَأَنَّهُ}: الفاء، رابطة لجواب {مَن} الشرطية إن كانت شرطية، أو واقعة في خبر {مَنْ} الموصولة، إن كانت موصولة لـ {ما} في الموصول من رائحة الشرط، {أن} حرف نصب ومصدر، والهاء: في محل النصب اسمها {يُضِلُّهُ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الـ {شَيْطَانٍ} {وَيَهْدِيهِ}: فعل ومفعول معطوف على يضله {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يهديه} ، وجملة {يُضِلُّهُ} في محل الرفع خبر {أن} وجملة {أن} في تأويل مصدر، مرفوع على كونه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فهو مُضِلَّهُ وهاديه إلى عذاب السعير، والجملة الاسمية في محل الجزم، جواب {مَنْ} الشرطية أو خبر {مَنْ} الموصولة، وجملة الشرط، أو الموصول في محل

ص: 273

الرفع خبر {أَنَّهُ} ، وجملة {أَنَّهُ} في تأويل مصدر مرفوع، على كونه نائب فاعل لـ {كُتِبَ} ، تقديره: كتب عليه إضلاله وهدايته، من تولاه إلى عذاب السعير، وجملة {كُتِبَ} من الفعل ونائب فاعله، في محل الجر صفة ثانية لـ {شَيْطَانٍ} ولكنها سببية.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} : يا: حرف نداء {أي} : منادى نكرة مقصودة، {والهاء}: حرف تنبيه {النَّاسُ} : صفة لـ {أيّ} أو بدل منها، وجملة النداء مستأنفة {إِنْ كُنْتُمْ}: جازم وفعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إِن} الشرطية على كونه فعل شرط لها {فِي رَيْبٍ} خبر {كان} {مِنَ الْبَعْثِ} : متعلق بـ {رَيْبٍ} أو صفة له، {فَإِنَّا} الفاء: رابطة للجواب {إنا} : ناصب واسمه {خَلَقْنَاكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول {مِنْ تُرَابٍ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِن} ، وجملة {إِن} في محل الجزم بـ {إِن} الشرطية على كونها جوابا لها، ولكنه على تأويل: فَمُزِيلُ رَيْبكم، إن تنظروا في بدء خلقكم، وجملة {إِن} الشرطية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ {مِنْ نُطْفَةٍ} : جار ومجرور معطوف على قوله: {مِنْ تُرَابٍ} : وعطف فيه وفيما بعده بـ {ثُمَّ} للدلالة على وجود تراخ في تطور الخلق، وتدرجه من حال إلى حال {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} معطوف على {مِنْ نُطْفَةٍ} . {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} معطوف على {مِنْ عَلَقَةٍ} ، {مُخَلَّقَةٍ} صفة لـ {مُضْغَةٍ} {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} معطوف على {مُخَلَّقَةٍ} ، والمراد تفصيل حال المضغة، وكونها أولًا قطعة، لم يظهر فيها شيء من الأعضاء، ثم ظهرت بعد ذلك شيئًا فشيئًا، {لِنُبَيِّنَ} اللام: حرف جر وتعليل، {نبين} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا. بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله {لَكُمْ}: متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر، مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بـ {خلقنا} ، ومفعول التبيين محذوف

ص: 274

للتفخيم، والتقدير: فإنا خلقناكم على هذه الأطوار، لتبيين دلائل قدرتنا لكم، {وَنُقِرُّ} الواو: استئنافية {نقر} : فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله {فِي الْأَرْحَامِ} متعلق به، والجملة مستأنفة؛ لأنه ليس المعنى خلقناكم لنقر {مَا} اسم موصول في محل النصب مفعول به {نَشَاءُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة صلة لـ {مَا} والعائد محذوف تقديره: ما نشاء إقراره {إِلَى أَجَلٍ} متعلق بـ {نقر} ، أو حال من {مَا} الموصولة. {مُسَمًّى} صفة {أَجَلٍ} {ثُمَّ} حرف عطف وتراخ {نُخْرِجُكُمْ} فعل ومفعول وفاعل مستتر، يعود على الله معطوف على {نقر} ، {طِفْلًا} حال من مفعول نخرجكم؛ أي: صغارًا، وإنما وحد: لأنه في الأصل مصدر، كالرضا والعدل، فيلزم الإفراد والتذكير، قاله المبرد.

{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} .

{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ، {لِتَبْلُغُوا}: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي {أَشُدَّكُمْ}: مفعول به، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة، في تأويل مصدر، مجرور باللام، تقديره: لبلوغكم أشدكم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف، معطوف على نخرجكم، تقديره: ثم نخرجكم طفلًا، ثم نربيكم لبلوغكم أشدكم، وقيل: إنّ {ثُمَّ} زائدة، والجار والمجرور متعلق بـ {نُخْرِجُكُمْ} {وَمِنْكُمْ} جار ومجرور خبر مقدم {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، {يُتَوَفَّى} فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَنْ}: والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، والتقدير: ومن يتوفي بعد بلوغ الأشد، وقبل الهرم كائن منكم، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا، {وَمِنْكُمْ}: خبر مقدم، {مَنْ يُرَدُّ}: مبتدأ مؤخر، {إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يُرَدُّ} ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها، {لِكَيْلَا}: اللام؛ حرف جر وتعليل، {كي} حرف نصب ومصدر {لا} نافية {يَعْلَمَ}: فعل مضارع

ص: 275

منصوب بـ {كي} وفاعله ضمير يعود على المردود {مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ} جار ومجرور حال من {شَيْئًا} و {شَيْئًا} مفعول به؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، والجملة الفعلية مع {كي} المصدرية في تأويل مصدر. مجرور باللام، تقديره: لعدم علمه شيئًا، الجار والمجررو متعلق بـ {يُرَدُّ} ، {وَتَرَى الْأَرْضَ} فعل مضارع وفاعل مستتر، يعود على أيِّ مخاطب ومفعول به؛ لأن ترى بصرية {هَامِدَةً} حال من الأرض، والجملة مستأنفة، {فَإِذَا}: الفاء: عاطفة {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، {أَنْزَلْنَا} فعل وفاعل {عَلَيْهَا} متعلق بـ {أَنْزَلْنَا} ، {الْمَاءَ} مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {اهْتَزَّتْ} فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {الْأَرْضَ} ، والجملة جواب {إذا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} معطوفة على جملة {ترى} ، {وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ} معطوفان على اهتزت {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه صفة لمفعول محذوف، تقديره: وأنبتت أصنافًا كائنة من كل صنف بهيج، و {بَهِيجٍ} صفة لـ {زَوْجٍ} .

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ {بِأَنَّ اللَّهَ} جار ومجرور خبر المبتدأ، تقديره: ذلك كائن بسبب أن الله إلخ. والجملة مستأنفة {أن الله} ناصب واسمه {هُوَ} ضمير فصل، {الْحَقُّ}: خبر {أن} وجملة {أن} في تأويل مصدر، مجرور بالباء، تقديره: ذلك كائن بسبب كون الله هو الحق، {وَأَنَّهُ}: ناصب واسمه وجملة {يُحْيِ الْمَوْتَى} : خبره والجملة في محل الجر، معطوفة على جملة {أن} الأولى، {وَأَنَّهُ} ناصب واسمه {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} متعلق بـ {قَدِيرٌ} و {قَدِيرٌ} خبر {أن} وجملة {أن} الأولى أيضًا، والتقدير: ذلك كائن، بسبب كون الله هو الحق، وإحيائه الموتى وقدرته على كل شيء.

{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} .

{وَأَنَّ} : {الواو} : عاطفة أو استئنافية {أن الساعة آتية} : ناصب واسمه

ص: 276

وخبره، وجملة {أن} في تأويل مصدر، مرفوع على كونه خبر، لمبتدأ محذوف، تقديره: والأمر إتيان الساعة حالة كونها {لَا رَيْبَ فِيهَا} والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ} أو مستأنفة {لَا} نافية {رَيْبَ} : في محل النصب اسمها {فِيهَا} خبرها، والجملة في محل النصب، حال من الضمير المستكن في خبر {أن} أو خبر ثان لـ {أن} {وَأَنَّ اللَّهَ} الواو عاطفة أو استئنافية {أن الله} ناصب واسمه وجملة {يَبْعَثُ} خبرها {مَنْ} مفعول به {فِي الْقُبُورِ} متعلقان بمحذوف صلة {مَنْ} .

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)} .

{وَمِنَ النَّاسِ} : جار ومجرور خبر مقدم {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله: أولًا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} . {يُجَادِلُ} : فعل وفاعل مستتر {فِي اللَّهِ} متعلق به {بِغَيْرِ عِلْمٍ} : جار ومجرور حال. من فاعل {يُجَادِلُ} والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب {وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ}: معطوفان على علم {مُنِيرٍ} صفة كتاب {ثَانِيَ عِطْفِهِ} : حال من فاعل {يُجَادِلُ} ، وجاز نصبه على الحال، مع إضافته؛ لأن إضافته لفظية لا تفيد التعريف؛ لأنها في نية الانفصال، كما هو مقرر في محله {لِيُضِلَّ} اللام حرف جر وتعليل {يضل} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على المجادل {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يضل} والجملة الفعلية، مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإضلاله الناس عن سبيل الله، الجار والمجرور متعلق بـ {يُجَادِلُ} ، {لَهُ}: جار ومجرور خبر مقدم {فِي الدُّنْيَا} : جار ومجرور حال من {خِزْيٌ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها {خِزْيٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب، حال من فاعل {يضل} أو مستأنفة {وَنُذِيقُهُ}: فعل ومفعول أول، وفاعل مستتر يعود على الله {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: ظرف متعلق به {عَذَابَ الْحَرِيقِ} : مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} .

ص: 277

{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ {بِمَا} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: ونقول له ذلك بما قدمت يداك. {قَدَّمَتْ يَدَاكَ} . فعل وفاعل صلة الموصول والعائد محذوف، تقديره: قدمته يداك {وَأَنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه {لَيْسَ} : فعل ماض ناقص. واسمه ضمير يعود على الله {بِظَلَّامٍ} : خبر {لَيْسَ} والباء: زائدة {لِلْعَبِيدِ} . متعلق بـ {بِظَلَّامٍ} وجملة {لَيْسَ} في محل الرفع خبر {أن} وجملة {أن} في محل الجر، معطوفة على {ما} الموصولة، تقديره: ذلك حاصل بسبب ما قدمته يداك، وبسبب عدم كون الله ظلاماً للعبيد. {وَمِنَ النَّاسِ}: جار ومجرور خبر مقدم {مَن} اسم موصول، في محل الرفع مبتدأ، مؤخر، والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان حال المرتابين، أو معطوفة على جملة قوله {وَمِنَ النَّاسِ} {يَعْبُدُ اللَّهَ}: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على من {عَلَى حَرْفٍ} حال من فاعل {يَعْبُدُ} أي: حالة كونه مضطرباً مترجرجاً، والجملة الفعلية صلة لـ {مَن} الموصولة أو الموصوفة.

{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .

{فَإِنْ} : {الفاء} : حرف عطف وتفصيل، {إن} حرف شرط. {أَصَابَهُ} فعل ومفعول في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونه فعل شرط لها {خَيْرٌ} فاعل {اطْمَأَنَّ}: فعل ماض في محل الجزم بـ {أن} على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على ذلك العابد، وجملة {إن} الشرطية، معطوفة على جملة {يَعْبُدُ} على كونها صلة الموصول، {به} متعلقان به {وَإِنْ}: الواو: عاطفة {إن} حرف شرط {أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} : فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم بـ {أن} على كونه جوابًا لها وفاعله ضمير يعود على العابد {انْقَلَبَ} فعل ماض مبني على الفتح وفاعله يعود على العابد والجملة جواب الشرط. {عَلَى وَجْهِهِ} متعلق بـ {انْقَلَبَ} ، أو حال من فاعل {انْقَلَبَ} وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة

ص: 278

{إن} الأولى. {خَسِرَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على العابد والجملة الفعلية مستأنفة، أو حال من فاعل {انْقَلَبَ} ، ولا حاجة إلى تقدير، قد على الصحيح، أو بدل من قوله:{انْقَلَبَ} كما أبدل المضارع من مثله في قوله تعالي: {يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} . {الدُّنْيَا} مفعول {خَسِرَ} . {وَالْآخِرَةَ} معطوف على {الدُّنْيَا} . {ذَلِكَ} مبتدأ. {هُوَ} : ضمير فصل. {الْخُسْرَانُ} خبر. {الْمُبِينُ} صفة لـ {الْخُسْرَانُ} ، والجملة مستأنفة.

{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} .

{يَدْعُو} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على العابد، والجملة مستأنفة، أو حال من فاعل {يَعْبُدُ} في قوله:{مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} . {مِنْ دُونِ اللَّهِ} . جار ومجرور، حال من فاعل {يَدْعُو} أي: حالة كونه، متجاوزًا الله، بعبادته إلى غيره. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب. مفعول به لـ {يَدْعُو}. {لَا}: نافية. {يَضُرُّهُ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على {مِنْ} ، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها. {وَمَا لَا يَنْفَعُهُ}: معطوف على ما لا يضره {ذَلِكَ} مبتدأ. {هُوَ} ضمير فصل. {الضَّلَالُ} خبر {الْبَعِيدُ} صفة له، والجملة مستأنفة. {يَدْعُو} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على العابد، و {يَدْعُو} هنا بمعنى يقول. {لَمَنْ}: اللام: حرف ابتداء. {من} اسم موصول، في محل الرفع مبتدأ. {ضَرُّهُ}: مبتدأ ومضاف إليه. {أَقْرَبُ} : خبر للمبتدأ الذي هو {ضَرُّهُ} ،. {مِنْ نَفْعِهِ} متعلق بـ {أَقْرَبُ} ، والجملة من هذا المبتدأ الأخير وخبره، صلة لـ {مِنْ} الموصولة. {لَبِئْسَ}: اللام: موطئة للقسم {بئس} : فعل ماض لإنشاء الذم. {الْمَوْلَى} : فاعل والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: هو؛ أي: ذلك المعبود، وهو مبتدأ، خبره جملة {بئس} ، أو خبر لمحذوف، تقديره: والمخصوص بالذم هو، وجملة {بئس} جواب القسم، وجملة القسم مع جوابه في محل الرفع خبر لـ {من} الموصولة؛ أي: يقول ذلك العابد: لمن ضره أقرب من نفعه، لأقسم فيه، بقولي: بئس المولى هو. {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} : هو،

ص: 279

وجملة {يَدْعُو} بمعنى يقول مستأنفة. أو خبر من الموصولة محذوف، تقديره: يقول ذلك العابد، لمن ضره أقرب من نفعه. إله أو إلهي، وموضع الجملة نصب بالقول، وجملة لبئس مستأنفة؛ لأنها لا يصح دخولها في الحكاية؛ لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم: لبئس المولى ولبئس العشير. وهناك وجه آخر مقبول، وهو أن تكون اللام زائدة في المفعول به لـ {يَدْعُو} ، ويؤيد هذا الوجه، قراءة عبد الله {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} فـ {من} مفعول {يَدْعُو} و {يَدْعُو} على معناه، {ضَرُّهُ} مبتدأ {أَقْرَبُ} خبره، والجملة صلة {من} الموصولة، وجملة القسم مستأنفة. وقد اختار الجلال السيوطي هذا الوجه، ودعمه شارحوه. قال الزمخشري: وهناك أوجه تربو على سبعةٍ، قد سلكها المفسرون، أكثرها غير مقبولة لما فيها من الغرابة والشذوذ، وإنما أوردناها مع كونها آراء غير مقبولة، لنخلص إلى القول، أن هذه الآية من المشكلات، التي شغلت علماء النحو والتفسير، ولم يأتوا فيها بما ينقع الغليل ويشفي العليل، وكلام الله المعجز اسمى من أن تطاله القواعد، التي وضعها الإنسان. انتهى بتصرف. {وَلَبِئْسَ} الواو عاطفة. واللام، موطئة للقسم. {بئس} فعل ماض جامد، لإنشاء الذم {الْعَشِيرُ} فاعل والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: هو، وجملة هذا القسم، معطوفة على جملة القسم في قوله:{لَبِئْسَ الْمَوْلَى} .

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} .

{إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه {يُدْخِلُ الَّذِينَ} فعل ومفعول. وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {آمَنُوا} فعل وفاعل صلة الموصولة. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {آمَنُوا} {جَنَّاتٍ}: مفعول به ثان على السعة، أو نصب بنزع الخافض، وجملة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: صفة لـ {جَنَّاتٍ} . {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه {يَفْعَلُ مَا} : فعل ومفعول وفاعل مستتر يعود على الله، وجملة {يُرِيدُ} صلة لـ {مَا} الموصولة والعائد محذوف، تقديره: يريده، وجملة

ص: 280

{يفعل} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما تقدم.

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} .

{مَنْ} : اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، أو الخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، كما مر مرارًا، أو موصولة في محل الرفع مبتدأ. {كَانَ}: فعل ماض ناقص، في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، واسمه ضمير مستتر يعود على {مَن}. {يَظُنُّ}: فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر، يعود على {مَنْ} ، وجملة {يَظُنُّ} في محل النصب خبر {كَانَ} . {أَن} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف؛ أي: أنه. {لَنْ} حرف نصب {يَنْصُرَهُ اللَّهُ} فعل مضارع ومفعول وفاعل منصوب بـ {لَنْ} . {فِي الدُّنْيَا} متعلق بـ {يَنْصُرَهُ} . {وَالْآخِرَةِ} معطوف على الدنيا، وجملة {يَنْصُرَهُ} في محل الرفع خبر {أَن} المخففة، وجملة {لَنْ} المخففة في تأويل مصدر، ساد مسد مفعولي {ظن} ، تقديره: من كان يظن عدم نصر الله تعالى، محمدًا، صلى الله عليه وسلم، في الدنيا والآخرة. {فَلْيَمْدُدْ}: الفاء، رابطة لجواب {مَن} الشرطية، وجوبًا، لكون الجواب جملة طلبية، أو واقعة في خبر {مَن} الموصولة، لشبهها بالشرط في العموم. واللام: لام الأمر. {يمدد} فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وفاعله ضمير مستتر يعود على من {بِسَبَبٍ} متعلق بـ {يمدد} {إِلَى السَّمَاءِ}: صفة لسبب؛ أي: بسبب واصل إلى السماء. والمراد بالسماء، سقف البيت، أو على حقيقتها على سبيل التقدير. وجملة {يمدد} في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها جوابًا لها، أو خبر {من} الموصولة، وجملة {مَن} الشرطية، أو الموصولة مستأنفة.

{ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} .

{ثُمَّ} : حرف عطف. {لْيَقْطَعْ} : اللام: لام الأمر {يقطع} : فعل مضارع، مجزوم بلام الأمر، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة في محل الجزم،

ص: 281

معطوفة على جملة قوله: {فَلْيَمْدُدْ} . على كونها جواب {مَن} الشرطية. {فَلْيَنْظُرْ} الفاء: عاطفة، واللام: لام الأمر. {ينظر} فعل مضارع، مجزوم بلام الأمر، وفاعله ضمير يعود على {مَن} والجملة في محل الجزم، معطوفة على جملة قوله:{ثُمَّ لْيَقْطَعْ} . {هَلْ} حرف استفهام. {يُذْهِبَنَّ} : فعل مضارع في محل الرفع، مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. {كَيْدُهُ}: فاعل ومضاف إليه {مَا} : موصولة في محل النصب مفعول به. {يَغِيظُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر يعود على {مَا} . ومفعول محذوف، تقديره ما يغيظه، فالضمير المرفوع في {يغيظه}: عائد علي {مَا} الموصولة، والمنصوب عائد على {مَنْ كَانَ يَظُنُّ} ، وجملة {هَلْ يُذْهِبَنَّ} في محل نَصْب بـ {ينظر} ؛ لأنها معلقة عنها بحرف الاستفهام، وفي "السمين":{هَلْ يُذْهِبَنَّ} : الجملة الاستفهامية، في محل نصب على إسقاط الخافض؛ لأن النظر تعلق بالاستفهام، وإذا كان بمعنى الفكر. تعدى بفي.

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)} .

{وَكَذَلِكَ} : {الواو} : استئنافية. {كذلك} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. {أَنْزَلْنَاهُ} فعل وفاعل ومفعول به. {آيَاتٍ} حال من مفعول {أنزلنا} . {بَيِّنَاتٍ} : صفة لـ {آيَاتٍ} : والتقدير، وأنزلنا القرآن كله، حالة كونه آيات بينات. إنزالًا مثل الآيات السابقة، من أول السورة إلى هنا، والجملة مستأنفة. {وَأَنَّ اللَّهَ} الواو عاطفة، أو حالية. {أن الله} ناصب واسمه بـ {يَهْدِي} . فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله. {مَن} اسم موصول في محل النصب مفعول به. {يُرِيدُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة صلة لـ {مَن} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يريد هدايته، وجملة {يَهْدِي} في محل الرفِع خبر {أن} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر، معطوف على مفعول {أَنْزَلْنَاهُ} ، والتقدير: وكذلك أنزلنا عليه القرآن كله. وهداية الله من يريد هدايته، أو في تأويل مصدر مرفوع، على كونه خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: والأمر هداية الله من يريد، والجملة الاسمية في محل النصب، حال من فاعل {أَنْزَلْنَاهُ} .

ص: 282

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. وجملة {آمَنُوا} : صلة الموصول. {وَالَّذِينَ} . معطوف على الموصول الأول. وجملة {هَادُوا} : صلته. {وَالصَّابِئِينَ} : معطوف على الموصول الأول. وكذلك قوله: {وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ} : معطوفات على الموصول الأول. وجملة {أَشْرَكُوا} : صلة الموصول الأخير. {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه {يَفْصِلُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله. {بَيْنَهُمْ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {يَفْصِلُ} ، وكذلك يتعلق به الظرف في قوله:{يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} الثانية، وجملة {إِنَّ} الثانية، في محل الرفع خبر {إن} الأولى. أعني قوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وجملة {إِنَّ} الأولى مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {شَهِيدٌ} و {شهيد} خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} . وكأن قائلًا قال: أهذا الفصل عن علم، أو لا، فقيل: إن الله على كل شيء شهيد؛ أي: عالم، اهـ شيخنا.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} .

{أَلَمْ} : الهمزة: للاستفهام التقريري {لم} : حرف نفي وجزم {تَرَ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لم} وفاعله ضمير، يعود على كل من يصلح للخطاب، وترى هنا علمية، كما مر في مبحث التفسير. {أَنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه {يَسْجُدُ} فعل مضارع {لَهُ} متعلق به {مَن}: اسم موصول في محل الرفع فاعل، وجملة {يَسْجُدُ} في محل الرفع خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر، سادّ مسدّ مفعولي {تَرَ} ، تقديره: ألم تر سجود من السموات ومن في الأرض، ومن بعدهما. لله سبحانه وتعالى. وجملة {أَلَمْ تَرَ} جملة إنشائية مستأنفة. {فِي

ص: 283

السَّمَاوَاتِ} جار ومجرور صلة {مَن} الموصولة {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} معطوف على {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} ، وكذا قوله:{وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ} معطوفات على {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} . {مِنَ النَّاسِ} جار ومجرور صفة لـ {وَكَثِيرٌ} . {وَكَثِيرٌ} ليس معطوفًا على ما قبله، بل هو مبتدأ خبره محذوف، تقديره: مطيعون أو مجزيون أو مثابون، أو نحو ذلك، لدلالة ما قبله عليه، وسوغ الابتداء بالنكرة، وقوعه في معرض التقسيم، ووصفه بما بعده، والجملة من المبتدأ والخبر حينئذٍ، معطوفة على جملة {أَنَّ} في كونها سادة مسد مفعولي {تَرَ} ، وقيل هو مرفوع، بفعل محذوف، تقديره: ويسجد له كثير من الناس. {وَكَثِيرٌ} مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التقسيم. {حَقَّ}: فعل ماض. {عَلَيْهِ} متعلق به. {الْعَذَابُ} فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب، معطوفة على جملة {أَنَّ}. {وَمَنْ} الواو: استئنافية (من) اسم شرط جازم، في محل النصب مفعول به مقدم {يُهِنِ اللَّهُ} فعل وفاعل مجزوم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها. {فَمَا} الفاء: رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا، لاقترانه بـ {مَا} النافية ما نافية {لَهُ} خبر مقدم {مِنْ} زائدة. {مُكْرِمٍ} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الجزم {مَن} على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه {يَفْعَلُ} فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله {مَا} موصولة في محل النصب مفعول به، وجملة {يَشَاءُ}: صلة {مَا} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: يشاؤه، وجملة {يَفْعَلُ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{اتَّقُوا رَبَّكُمْ} التقوى: التباعد عن كل ما يكسب الإثم، من فعل أو ترك. {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} الزلزلة: الحركة الشديدة، بحيث تزيل الأشياء من أماكنها، وقيل: الزلزلة: التحريك الشديد بطريق التكرير، كما يدل عليه تكرير الحروف؛ لأن زلزل مضاعف زل، ويحتمل في هذه الإضافة، أن تكون من إضافة

ص: 284

المصدر إلى فاعله؛ إن كان من زلزل اللازم، الذي بمعنى: تزلزل. والتقدير: إن تزلزل الساعة، أو من زلزل المتعدى ويكون المفعول محذوفًا، والتقدير: إن زلزال الساعة الناس، كذا قدره أبو البقاء، وأحسن من هذا، أن يقدر إن زلزال الساعة الأرض، يدل عليه قوله تعالى:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} والذهول، الدهش الناشىء عن الهم والغم الكثير. والمرضعة: الأنثى الملابسة للإرضاع، والمرضع: ما من شأنها أن ترضع، وإن لم تلابس به نظير حائض وحائضةٍ. {حَمْلَهَا} والحمل بفتح الحاء: ما كان في البطن أو على رأس الشجر، وبالكسر: ما كان على الظهر، اهـ "سمين". {سُكَارَى}: جمع سكران، والسكر، حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب.

{مَنْ يُجَادِلُ} الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمقاتلة، وأصله من جدلت الحبل؛ أي: أحكمت فتله، كأن المتجادلين يقتل كل واحد الآخر عن رأيه. {مَرِيدٍ} عات متجرد للفساد: يقال: مرد الشيء، إذا جاوز حدَّ مثله، وأصله العري يقال: غلام أمرد إذا عرى من الشعر والورق. قال: الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس، وقال في "القاموس" وشرحه: المارد العاتي المرتفع، يقال: بناء مارد؛ أي: مرتفع، وهو مجاز. وجمعه مردة وماردون ومراد، والمريد الشديد المرادة والخبيث الشرير، وجمعه مرد ومؤنثه مرداء، يقال: مرد على جرد؛ أي: شبان مرد على خيول جرد.

{إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} الريب: الشك. والبعث: الإخراج من الأرض، والتسيير إلى الموقف. {مِنْ نُطْفَةٍ} وأصل النطفة الماء العذب، ويراد بها هنا ماء الرجل. {عَلَقَةٍ} والعلقة: القطعة الجامدة من الدم. {مِنْ مُضْغَةٍ} المضغة: القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ. {أَجَلٍ مُسَمًّى} والأجل المسمى: حين الوضع. {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قال ابن زيد: المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين. وغير المخلقة التي لم يخلق فيها شيء.

{طِفْلًا} والطفل: يطلق على الولد من حين الإنفصال إلى البلوغ، ويطلق

ص: 285

على الواحد والجمع، وأما الطفل بفتح الطاء وسكون الفاء، فهو الناعم، والمرأة طفلة، وأما الطفل بفتح الطاء والفاء، فوقت ما بعد العصر من قولهم: طفلت الشمس إذا مالت للغروب، وأطفلت المرأة؛ أي: ذات طفل. {أَشُدَّكُمْ} والأشد: القوة، وهو في الأصل جمع شدة، كأنعم جمع نعمة، اهـ "بيضاوي". وهو من ألفاظ الجمع، التي لم يستعمل لها واحد، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. {أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أدنؤه وأردؤه، وهو الخرف، والخرف: فساد العقل من الكبر و {الْعُمُرِ} : مدة عمارة البدن بالحياة، كما مر. {هَامِدَةً}؛ أي: ميتة يابسة، من همدت الأرض، إذا يبست ودرست، وهمد الثوب إذا بلى، والهمود السكون والخشوع {اهْتَزَّتْ}؛ أي: تحركت، وتجوز به هنا، عن إنبات الأرض نباتها بالماء؛ أي: اهتز نباتها وتحرك. {وَرَبَتْ} ؛ أي: ازدادت وانفتخت لما يتداخلها من الماء والنبات {زَوْجٍ} أي: صنف. {بَهِيجٍ} ؛ أي: حسن، سار للناظرين من البهجة، وهو حسن اللون وظهور السرور فيه، وابتهج بكذا سرورًا، بأن أثره في وجهه. {هُوَ الْحَقُّ} والحق: هو الثابت الوجود، الذي يحق ثبوته، ويجب وجوده. {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} والهدى: الاستدلال والنظر الصحيح، الموصل إلى المعرفة، والكتاب المنير: هو الوحي المظهر للحق.

{ثَانِيَ عِطْفِهِ} الثني، اللي، وفي "القاموس" ثنى الشيء يثني، عطفه وطواه، ورد بعضه على بعض وكفه. والعطف بكسر العين الجانب، يعطفه الإنسان ويلويه ويميله عن الإعراض عن الشيء، وهو عبارة عن التكبر، والعطف، بفتح العين: التعطف والرحمة والشفقة، والمعنى هنا، لاويًا جانبه: متكبرًا مختالًا ونحوه تصغير الخد. وليُّ الجيد. {خِزْيٌ} والخزي: الهوان والذل والفضيحة. {عَذَابَ الْحَرِيقِ} ؛ أي: عذاب النار التي تحرق داخليها، فيحتمل أن يكون من إضافة المسبَّب إلى سببه، على أن يكون الحريق عبارة عن النار، وأن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته، والأصل العذاب الحريق؛ أي: المحرق وهو النار.

{عَلَى حَرْفٍ} ؛ أي؛ على طرف وشك في الدين. {خَيْرٌ} كل ما يستلذه

ص: 286

الطبع وينشرح به القلب، كالصحة وكثرة المال والولد. {فِتْنَةٌ} والفتنة: كل ما يستكرهه الطبع، ويثقل على النفس كالجدب والمرض، كما مر. {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} الانقلاب: الانصراف والرجوع، والوجه بمعنى الجهة والطريقة.

{خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} ؛ أي: ضيعهما إذ فاته فيهما ما يسره. {يَدْعُو} الأولى يراد به يعبد. و {يَدْعُو} الثانية يراد بها يقول. {الْمَوْلَى} الناصر. {الْعَشِيرُ} الصاحب والمعاشر. {بِسَبَبٍ} السبب: الحبل الذي تصعد به النخل؛ أي: ليربط بحبل إلى سقف بيته؛ لأن كل ما علاك فهو سماء. {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} قال في "القاموس": قطع فلان الحبل إذا اختنق به، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ؛ أي: ليخنق انتهى. وسمى الاختناق قطعًا؛ لأن المختنق يقطع نفسه، بحبس مجاريه {فَلْيَنْظُرْ} المراد: تقدير النظر، وتصوره؛ لأن الأمر بالنظر بعد الاختناق، غير معقول؛ أي: فليتصور في نفسه، وليقدر النظر إن فعل. {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ}؛ أي: فعل ذلك بنفسه، وسماه كيدا: لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره، أو على وجه الاستهزاء؛ لأنه لم يكد به محسود، وإنما كاد به نفسه {مَا يَغِيظُ} الغيظ أشد غضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه؛ أي: ما يغيظه من النصرة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

{وَالنَّصَارَى} . جمع نصران ونصرانة، مثل: الندامى جمع ندمان وندمانة، ويستعمل بغير الياء فيقال: رجل نصران وامرأة نصرانة. {وَالْمَجُوسَ} قال في "القاموس": مجوس كصبور، رجل صغير الأذنين وضع دينًا، ودعا إليه، معرب، منج كوش ورجل مجوسيٌّ، جمعه مجوس، كيهودي ويهود اهـ. والأصل: نجوس بالنون، فأبدلت ميما اهـ "سمين".

{أَلَمْ تَرَ} ؛ أي: ألم تعلم، والسجود: لغة التطامن والتذلل، ثم أطلق على التذلل لله وعبادته، وهو ضربان: سجود بالاختيار: وهو خاص بالإنسان وبه يستحق الثواب، وسجود بالتسخير والانقياد لإرادته سبحانه: وهو دال على الذلة والافتقار إلى عظمته جلت قدرته. {وَالدَّوَابُّ} جمع دابة، بتشديد الباء؛ لأنه مشتق من الدبيب، فأما من قرأ بتخفيف الباء، فقد حذفها كراهية التضعيف،

ص: 287

والدابة: مؤنث الداب ما دب من الحيوان؛ أي: مشى على البطن كالحية، أو على اليدين والرجلين كالطفل، وغلبت الدابة على ما يركب ويحمل عليه، وتقع على المذكر والمؤنث، والتاء فيه للوحدة، وتصغير الدابة دويبة، والدباب الشديد الدبيب، والضعيف الذي يدب في المشي. قال الشاعر:

زَعَمَتْنِىْ شَيْخَاً وَلَسْتُ بِشَيْخٍ

إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنَ يَدُبُّ دَبِيْبَا

والدبابة، مؤنث الدباب، وسميت بها آلة كانت في الماضي، تتخذ في الحصار، وكانوا يدخلون في جوفها، ثم تدفع في أصل الحصين فينقبونه، وهم في أجوافها، ثم أطلقت في العصر الحديث على سيارة مصفحة، تهجم على صفوف الأعداء، وترمى منها القذائف.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإسناد العقلي في قوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} ؛ لأن إسناد الزلزلة إلى الساعة على سبيل المجاز العقلي؛ لأنها لما كانت من أشراطها أضيفت إليها.

ومنها: التشبيه البليغ المؤكد في قوله: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ؛ أي: تراهم كالسكارى من شدة الهول، حذفت أداة التشبيه، ووجه الشبه، فقد شبه حال الناس في ذلك اليوم العصيب بحالة السكارى، الذين فقدوا التمييز، وأضاعوا الرشد، فالآية الكريمة بعد أن أثبتت السكر المجازي، نفت الحقيقة، أبلغ نفي مؤكد بالباء، والسر في تأكيده، التنبيه على أن هذا السكر، الذي هو بهم في تلك الحالة، ليس من المعهود في شيء، وإنما هو أمر لم يعهدوا قبله مثله.

ومنها: أن في عدوله عن مرضع إلى مرضعة سرًا. قلّ من يتفطن له، وهو

ص: 288

أن المرضعة هي التي باشرت الإرضاع فعلًا؛ فنزعها الثدي من فم طفلها عند حدوث الهول ووقوع الإرتباك، أدل على الدهشة، وأكثر تجسدًا لمواطن الذهول، الذي استولى عليها.

ومنها: الاستعارة التصريحية، في قوله:{شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} حيث استعار لفظ الشيطان لكل طاغية، متمرد على أمر الله.

ومنها: أسلوب التهكم، في قوله:{وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} .

ومنها: الطباق، في قوله:{يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} .

ومنها: طباق السلب، في قوله:{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} .

ومنها: الاستعارة اللطيفة، في قوله:{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} شبه الأرض بنائم لا حركة له، ثم يتحرك وينتعش، وتدب فيه الحياة، بنزول المطر عليه، ففيها استعارة تبعية.

ومنها: ائتلاف الطباق والتكافؤ في قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} لمجيء أحد الضدين، أو أحد المتقابلين حقيقة، والآخر مجازًا، فهمود الأرض واهتزازها ضدان؛ لأن الهمود سكون فالاهتزاز هنا حركة خاصة، وهما مجازان، والربو والإنبات ضدان، وهما حقيقتان، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الأرض تربو حالة نزول الماء عليها، وهي لا تنبت في تلك الحالة، فإذا انقطعت مادة السماء، وجفّفَ الهواء رطوبة الماء، خمد الربو، وعادت الأرض، إلى حالها، من الاستواء، وتشققت وأنبتت، فصدر الآية تكافؤ، وما قابله في عجزها طباقٌ.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} فقد أسند الإنبات إلى الأرض، وهو مجاز عقلي؛ لأن المنبت في الحقيقة، هو الله تعالى.

ومنها: الكناية في قوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} ؛ لأنه كناية عن الإعراض والتكبر والخيلاء.

ص: 289

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} علاقته السببية؛ لأن اليد هي التي تفعل الخير أو الشر.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} حيث شبه المنافقين، وما هم فيه، من قلق واضطراب في دينهم، بمن يقف على شفا الهاوية، يريد العبادة والصلاة. ويا له من تمثيل رائع.

ومنها: المقابلة البديعة بين {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} و {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} .

ومنها: الطباق بين {يَضُرُّهُ} و {يَنْفَعُهُ} .

ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، في قوله:{بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} لتأكيد الوعيد، وتشديد التهديد؛ لأن الأصل بما قدمت يداه.

ومنها: الاستعارة المصرحة في قوله: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} حيث استعار ضلال من أبعد في التيه ضالًّا، عن الطريق، فطالت وبدت مسافة ضلاله لخطأ، من أخطأ عن الحق والهدى، وبعد عنه، فإن القرب، والبعد من عوارض المسافة الحسية.

ومنها: إيراد صيغة المبالغة في قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} مع خلوه عن النفع بالكلية، للمبالغة في تقبيح حاله، والإمعان في ذمه.

ومنها: التهكم في قوله: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} ؛ لأن تسميته مولى تهكم به.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} فإسناد الجرى إلى الأنهار من الإسناد الحكمي، كقولهم: سال الميزاب إذ الجريان من أوصاف الماء، لا من أوصاف النهر، والنهر مجرى الماء الفائض.

ومنها: التكرار في قوله: {يَدْعُو} وفي قوله: {لَبِئْسَ} .

ومنها: الإيجاز في قوله: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} إلى قوله: {مَا

ص: 290

يَغِيظُ}؛ لأن معناه: من كان يظن من حاسدي محمد صلى الله عليه وسلم، ومبغضيه أن الله لن ينصره، وأنه يفعل شيئًا مغايرًا للنصر. ومن كان يغيظه أن محمدًا يظفر بمطلوبه، ويبلغ ما هدف إليه من المثل العليا، التي رسمناها له، فليستقص وسعه، وليستفرغ جهده، فلن يكون مثله إلا مثل من يأخذ حبلًا، يمده إلى سماء بيته، فيخنق نفسه به، ثم بعد ذلك كله، ليعد النظر، والتأمل مجددًا، ليرى هل ذهب نصر الله، الذي يغيظه، وهل ذهب عنه ما كان يساوره، من حرقة وارتماض.

ومنها: الاكتفاء في قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} ؛ أي: ويضل من يريد.

ومنها: تصدير الجملتين بـ {إن} زيادة في تأكيد الكلام في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} .

ومنها: عطف الخاص على العام في قوله: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ

} إلخ بعد قوله: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} .

ومنها: الطباق بين {يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 291

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} .

ص: 292

المناسبة

قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

} الآيات مناسبة هذه الآيات لما قبلها (1): أنه سبحانه وتعالى، لما ذكر أهل السعادة وأهل الشقاوة، ذكر ما دار بينهم من الخصومة في دينه.

وعبارة المراغي هنا: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أرباب الفرق الست، فيما سلف وذكر، أن الله تعالى، يفصل بينهم يوم القيامة، وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم وأقوالهم .. قفى على ذلك، بذكر طرفي الخصومة، وتعيين موضع الخصومة، وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين، من الإهانة والكرامة والعذاب والنعيم.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (2) مآل كل فريق من الكفار، والمؤمنين .. أردف ذلك ببيان عظيم حرمة البيت، وأنكر على الكفار صدهم المؤمنين، عن شهوده وقضاء مناسكهم فيه، ودعواهم أنهم أولياؤه.

قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أنَّ كثيرًا من مشركي قريش، صدوا عن دين الله، وعن دخول المسجد الحرام، أردف بتأنيبهم وتوبيخهم على ما يفعلون، فبيّن أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، فإن أباهم إبراهيم الذي يفخرون به. وينتسبون إليه، هو الذي بناه وجعله مباءة للناس، وأمر بتطهيره من الشرك للطائفين والمصلين، وأن ينادي في الناس بالحج، ليأتوه من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دينية ودنيوية، ويذكروا اسم الله في أيام النحر، على ما آتاهم من بهيمة الأنعام.

قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ

}

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 293

الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أنه أمر إبراهيم ببناء البيت، وتطهيره من عبادة الأوثان والأصنام، وأن ينادي الناس ليحجوا هذا البيت الحرام، مشاة وركباناً، من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دنيوية ودينية، وأن ينحروا البدن الهدايا، ذاكرين اسم الله عليها، في أيام معلومات، وأن يأكلوا منها، ويطعموا البائس الفقير .. قفَّى على ذلك ببيان أن اجتناب المحرمات، حال الإحرام، خير عند الله مثوبة، وأعظم أجرًا، وأن ذبح الأنعام، وأكلها حلال، إلا ما حرم عليكم، وأنه يجب اجتناب عبادة الأوثان، وترك شهادة الزور، وأن من يشرك بالله فقد هلك، وأن تعظيم شعائر الله، علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله، وأن في هذه الهدايا منافع من الدر والصوف والنسل، إلى أجل مسمى، وهو أن تنحر، ثم تؤكل ويتصدق بلحومها.

قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (1) أن تعظيم الشعائر من أعظم دعائم التقوى، وأن محل نحرها هو البيت العتيق .. قفى على ذلك ببيان أن الذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى، ليس بخاص بهذه الأمة، بل لكل أمة مناسك، وذبائح تذكر باسم الله حين ذبحها، والشكر له على توفيقه لإقامة هذه الشعائر، فلإله واحد، والتكاليف تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح، وبعدئذٍ أمر رسوله أن يبشر المتواضعين، الخاشعين لله، الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم، بجنات تجري من تحتها الأنهار.

قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما حث على التقرب بالأنعام كلها، وبين أن ذلك من تقوى القلوب .. خص من بينها الإبل؛ لأنها أعظمها خلقًا، وأكثرها نفعًا، وأنفسها قيمة.

(1) المراغي.

ص: 294

أسباب النزول

قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

} الآيات، سبب نزول هذه الآيات (1): ما أخرجه الشيخان وغيرهما، عن أبي ذر قال: نزلت هذه الآية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} في ستة من قريش، علي، وحمزة، وعبيد بن الحارث وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم أن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتابرزين.

وروى البخاري وغيره عن علي أنه قال: فينا نزلت هذه الآية، وأنا أول من يجثوا في الخصومة على ركبتيه، بين يدي الله يوم القيامة.

وأخرج الحاكم عن علي قال: فينا نزلت هذه الآية، في مبارزتنا يوم بدر {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} إلى قوله:{الْحَرِيقِ} .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله تعالى منكم، وأقدم كتابًا، ونبينا قبل نبيكم، فقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً، فنزلت الآية: وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه، حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عام الحديبية، عن المسجد الحرام، وقد كره، عليه الصلاة والسلام، أن يقاتلهم، وكان محرمًا بعمرة، ثم صالحوه على أن يعود في العام المقبل.

وأخرج (2) ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس مع رجلين، أحدهما مهاجر، والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصارى، ثم ارتد عن

(1) لباب النقول.

(2)

لباب النقول.

ص: 295