المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وصلحوا للسؤال عنه،   ‌ ‌43 - ثم أضرب إلى ما هو أهمّ، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وصلحوا للسؤال عنه،   ‌ ‌43 - ثم أضرب إلى ما هو أهمّ،

وصلحوا للسؤال عنه،

‌43

- ثم أضرب إلى ما هو أهمّ، وهو الإنكار عليهم فيما زعموا أن لهم آلهة تنصرهم وتمنعهم من العذاب، فقال:{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} و {أَمْ} فيه منقطعة، بمعنى همزة الإنكار، و {بَلْ} التي للإضراب، والانتقال من الكلام السابق، المشتمل على بيان جهلهم بحفظه سبحانه إياهم، إلى توبيخهم وتقريعهم باعتمادهم على من هو عاجز عن نفع نفسه، والدفع عنها؛ أي: بل ألهؤلاء المستعجلي عذابنا آلهة تمنعهم منا من نحو أنزلناه بهم، وتدفع عنهم بأسنا، إن حلّ بساحتهم. وقيل (1): فيه تقديم وتأخير، والتقدير: أم لهم آلهة من دوننا، تمنعهم أو عذابنا، ومجمل ذلك أن آلهتهم لا تمنعهم بأسنا من أردنا؛ أي: ليس لهم.

ثم وصف تلك الآلهة التي اتخذوها بالضعف فقال: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} استئناف مقرر لما قبله أو الإنكار، وموضح لبطلان اعتقادهم؛ أي: أن آلهتهم لا يقدرون أن ينصروا أنفسهم، وحمايتها أو الآفات، فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم ممن عبدهم {وَلَا هُمْ}؛ أي: ولا آلهتهم {مِنَّا} ؛ أي: من عذابنا {يُصْحَبُونَ} ؛ أي: يمنعون، فكيف يمنعون غيرهم من العذاب. أو المعنى ولا يصحبون بالنصر من جهتنا (2). قال الراغب: لا يكون لهم من جهتنا ما يصحبهم، أو سكينة وروح وترفق وغير ذلك، مما يصحب أولياءنا، فكيف يتوهم أو ينصروا غيرهم.

والخلاصة: أنهم في غاية العجز، فكيف يتوهم فيهم ما يتوهمون أو القدرة والسلطان، ويدينون لهم بالخضوع والعبادة،

‌44

- ثم بيّن سبحانه تفضله عليهم، مع سوء ما أتوا به من الأعمال، فقال:{بَلْ مَتَّعْنَا} وأنعمنا {هَؤُلَاءِ} المشركين في الدنيا {وَآبَاءَهُمْ} الكفار أو قبلهم وأمهلناهم {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} ؛ أي: طال عليهم الرجل، وامتدّ بهم الزمان في التمتع، فاغترّوا وحسبوا أنهم ما زالوا على ذلك لا يغلبون. والعمر (3): بضم الميم وسكونها، اسم لمدة عمارة البدن

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

ص: 87

بالحياة. وهذه الجملة، إضراب (1) عما توهموا، من أن ما هم فيه من الحفظ من جهة أن لهم آلهة تمنعهم أو تطرق البأساء إليهم، كأنه قيل: دع ما زعموا أو كونهم محفوظين بكلاءة آلهتم، بل ما هم فيه أو الحفظ إنما هو منا، حفظناهم أو البأساء، ومتّعناهم بأنواع السرّاء، لكونهم من أهل الاستدراج والانهماك فيما يؤديهم إلى العذاب.

والمعنى: أن الذي غرّهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال، أنهم متِّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا بها، وطال عليهم العمر، حتى اعتقدوا أنهم على شيء، وقصارى ذلك: أنهم طالت أعمارهم وهم في الغفلة، فنسوا عهدنا، وجهلوا مواقع نعمتنا فاغتروا بذلك، ولم يعرفوا مواضع الشكر.

ثم بيّن لهم سوء مغبّتهم فقال: {أَفَلَا يَرَوْنَ} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا ينظر ولا يتدبر هؤلاء المشركون بالله، المستعجلون بالعذاب فلا يرون {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ}؛ أي: نأخذ أرض الكفرة، التي هي دار الحرب حالة كوننا {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ونواحيها؛ أي: ننقصها من أرض الكفرة واحدة بعد واحدة، وبلدة بعد بلدة، بتسليط المؤمنين عليها من أطرافها، ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ونميت رؤساء المشركين المتمتعين بالدنيا، وننقص من الشرك بإهلاك أهله، فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا، والهمزة في قوله:{أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد نقصان أرضهم من أطرافها هم طامعون في النجاة من بأسنا، فهم الغالبون على محمد وأصحابه؛ أي: لا يطمعوا في ذلك فهم المغلوبون، والله ورسوله والمؤمنون هم الغالبون.

وهذا تمثيل وتصوير لما يخرّبه الله أو ديارهم على أيدي المسلمين، ويضيفه إلى دار الإسلام، وذلك أن الله لا يأتي، بل العساكر تغزو أرض الكفرة، وتأتي غالبة عليها ناقصة أو نواحيها. والمعنى؛ أي: أفلا يرى هؤلاء المشركون

(1) زاده.

ص: 88