الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك هي في مصحف الإمام، ومصاحف الأمصار بنون واحدة، واختارها أبو عبيدة، لموافقة المصاحف، وقال الزجاج (1): هذا لحن لا وجه له. وقال أبو علي الفارسي: غلط الراوي عن عاصم، ويدل على هذا، إسكانه الياء من نجّي، ونصب المؤمنين، ولو كان على ما لم يسم فاعله .. ما سكن الياء، ولرفع المؤمنين.
89
- {و} اذكر يا محمد لقومك {زكريا} ؛ أي: خبر زكريا بن آذن بن ماتان، من أنبياء بني إسرائيل، والظرف في قوله:{إِذْ نَادَى} ودعا {رَبَّهُ} وخالقه، متعلق بالمضاف المقدر، وقال في دعائه:{رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} ولا تتركني وحيدًا، بلا ولد يرثني إرث نبوة، وعلم وحكمة. ومثل (2) هذه العبارة من العبد للسيد، تضرع ودعاء، لا نهي؛ أي: هب لي ولدًا، ولا تدعني وحيدًا، بلا ولد يرثني، لما بلغ عمر زكريا، عليه السلام مئة سنة، وبلغ عمر زوجته تسعًا وتسعين سنة، ولم يرزق لهما ولد، أحب أن يرزقه الله من يؤنسه، ويقويه على أمر دينه ودنياه، ويكون قائمًا مقامه بعد موته، فدعا، ثم رد الأمر إلى مولاه مستسلمًا ومنقادًا لمشيئته فقال {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}؛ أي: خير من يبقى بعد من يموت، فحسبي أنت إن لم ترزقني وارثًا، فهو ثناء على الله تعالى، بأنه الباقي بعد فناء الخلق، وله ميراث السموات والأرض
90
- {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} ؛ أي: أجبنا لزكريا دعاءه في حق الولد كما قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} نبيًا حكيماً عظيمًا، لا في حق الوراثة، إذ المشهور أن يحيى قتل، قبل موت أبيه، وهذا لا يقدح في شأن زكريا، كما لا يقدح عدم استجابة دعاء إبراهيم في حق أبيه في شأنه، فإن الأنبياء عليهم السلام، وإن كانوا مجابي الدعوة، لكن أثر بعض الدعوات، لا يظهر في هذا الموطن للحكمة الإلهية {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} إيشاع بنت عمران، أو بنت فاقود للولادة، بعد انتهائها إلى سن اليأس منها، بحكم العادة؛ أي: جعلناها ولودًا. بعد أن كانت عقيمًا، فإنها لم تلد قط بعد أن بلغت تسعًا وتسعين سنة.
(1) زاد المسير.
(2)
روح البيان.
وجملة قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا} لتعليل ما قبلها من إحسانه سبحانه، إلى زكريا وأهله، وإلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فالضمير (1) إما عائد إلى زكريا وزوجه ويحيى، أو إلى الأنبياء المذكورين، فيكون تعليلًا لما فصّل من فنون إحسانه تعالى، المتعلقة بهم مثل إيتاء موسى وهارون الفرقان، وتبريد النار وإطفائها لإبراهيم، وإنجاء لوط مما نزل بقومه، وإنجاء نوح، ومن كان معه في السفينة، من أذى القوم، وكرب الطوفان، وغير ذلك، مما تفضّل به على الأنبياء السابقين، أي: أنهم كانوا {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يبادرون في وجوه الخيرات مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخيرات، وهو السر في إيثار كلمة "في" على كلمة "إلى" المشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن أصل الخيرات، متوجهين إليها كما في قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} الآية. قال الراغب: "الخير ما يرغب فيه الكل بكل حال، وهو الخير المطلق، والشر ضده".
والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء (2)؛ لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله تعالى. {و} كانوا {يَدْعُونَنَا} أي يفزعون إلينا {رَغَبًا} أي رغبة في ثوابنا {وَرَهَبًا} أي: رهبة من عقابنا. وقيل؛ الرغبة رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهبة رفع ظهورها إليها. أو حال كونهم راغبين في اللطف والجمال، وخائفين من القهر والجلال، أو راغبين فينا، وراهبين مما سوانا {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} أي خائفين متواضعين في عبادتهم، حذرين عن الانبساط في الأمور، أي (3) كانوا لنا عابدين في تواضع وضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، ولكن شأن الأنبياء أعلى من أن يكون حالهم منحصرًا في الظاهر، فلهم خشوع كامل في القلب والقالب جميعًا، وأكل العبد خشنا، واللبس خشنا، وطأطأة الرأس ونحوها من غير أن يكون في قلبه الإخلاص، والخوف من الله تعالى صفة المرائي والمتصنع.
(1) روح البيان.
(2)
الخازن.
(3)
روح البيان.