المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مواظب على الجماعة، لا يفتر عنها، فإنه لا يراد به - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: مواظب على الجماعة، لا يفتر عنها، فإنه لا يراد به

مواظب على الجماعة، لا يفتر عنها، فإنه لا يراد به دوام الاشتغال بها، وإنما يراد العزم على أدائها في أوقاتها كما في الكبير.

‌21

- و {أَمِ} في قوله: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً} منقطعة (1) مقدرة ببل، وبهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: إنكار وقوع النشر، لا إنكار الاتخاذ الواقع. والضمير للمشركين. والمراد بالآلهة: الأصنام {مِنَ الْأَرْضِ} متعلق بـ {اتخذوا} ؛ أي: بل اتخذ وصنع ونحت المشركون آلهةً وأصناما {هُمْ يُنْشِرُونَ} ويبعثون الموتى من القبور من بعض أجزاء الأرض، وحجارتها، وجواهرها، كالذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص. وجملة {هُمْ يُنْشِرُونَ} صفة لآلهة، وهو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل، والتشنيع، لا نفس الاتخاذ، فإنه واقع لا محالة.

والمعنى: بل اتخذوا آلهةً من الأرض هم خاصةً مع حقارتهم وجماديتهم، ينشرون الموتى، كلا فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل عن ذلك، وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحًا، فإنهم لم يثبتوا النشر لله تعالى كما قالوا:{مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} فكيف يثبتونه للأصنام؛ لكنهم حيث ادَّعوا لها الإلهية، فكأنهم ادَّعوا لها النشر، والبعث للموتى ضرورة أنَّه من الخصائص الإلهية حتمًا.

وقرأ الجمهور (2): {يُنْشِرُونَ} مضارع نشر الرباعي، ومعناه: يحيون.

وقرأ الحسن، ومجاهد {يَنْشرُون} مضارع نشر. وهما لغتان، نشر وأنشر متعديان، ونشر يأتي لازمًا، يقال: أنشر الله الموتى فنشروا؛ أي فحيوا.

‌22

- ثم أقام (3) الدليل العقلي على التوحيد، ونفى أن يكون هناك إلهٌ غير الله تعالى، فقال:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا} ، أي: في السموات والأرض {آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} ؛ أي: إله غير الله تعالى {لَفَسَدَتَا} ، أي: لفسدت السموات والأرض، وخرجتا عن هذا النظام المشاهد؛ لأن كل أمر بين اثنين لا يجري على نظام واحد، والرعية

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 35

تفسد بتدبير الملِكين، وحيث انتفى التالي انتفى المقدم، ذاك (1) أنه لو كان فيهما إلهان، فإما أن يختلفا، أو يتفقا في التصرف في الكون، والأول ظاهر البطلان، لأنه إما أن ينفذ مرادهما معًا، فيريد أحدهما الإيجاد، والثاني لا يريده، فيثبت الوجود والعدم لشيء واحد اختلفا فيه، وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الثاني، فيكون هذا مغلول اليد عاجزاً، والإله لا يكون كذلك، والثاني باطل أيضًا؛ لأنهما إذا أوجداه معًا وجب توارد الخلق من خالقين على مخلوق واحد. والجمع في قوله:{آلِهَةٌ} ليس بقيد، وإنما عبّر به مشاكلةً لقوله:{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً} ، وهذه الجملة (2) تنزيه من الله سبحانه لنفسه عن الشريك بالنظر العقلي، و {إِلَّا} بمعنى (غير) على أنها صفة آلهة؛ أي: لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل، سواء كان الله معهم أو لم يكن. قال في "الأسئلة المقحمة": كيف قال: لو كان فيهما، فجعل السموات ظرفًا، وهو تحديد؟ والجواب: لم يرد به معنى الظرف وإنما هو كقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} . قال الكسائي وسيبويه (3)، والأخفش، والزجاج، وجمهور النحاة: إن {إِلَّا} هنا ليست للاستثناء، بل بمعنى غير، صفة لـ {آلِهَةٌ} ، ولذلك ارتفع الاسم الذي بعدها، وظهر فيه إعراب غير التي جاءت {إِلَّا} بمعناها، ومنه قول الشاعر:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوْهُ

لَعَمْرُ أبِيْكَ إلَّا الْفَرْقَدَانِ

وقال الفرّاء: إن {إِلَّا} هنا بمعنى سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لَفَسدتا.

ولمّا أثبت بالدليل أن المدبّر للسموات والأرض لا يكون إلَّا واحدًا، وأنَّ ذلك الواحد لا يكون إلّا الله قال:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ} ؛ أي: فتنزيهًا لله {رَبِّ الْعَرْشِ} ؛ أي: مالك العرش المحيط بهذا الكون، ومركز تدبير العالم {عَمَّا يَصِفُونَ}؛ أي:

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

(3)

الشوكاني.

ص: 36