الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود {فلا كفر لسعيه} .
{وَإِنَّا لَهُ} أي: لسعيه {كَاتِبُونَ} ؛ أي: مثبتون في صحائف أعمالهم، حافظون له، لا نغادر منه شيئًا.
والمعنى: أي (1) ومن يعمل صالح الأعمال، وقلبه مليء بالإيمان بربه، والتصدق لأنبيائه ورسله، واليقين باليوم الآخر، يوم تجزي كل نفس بما عملت، من خير أو شر، فإنا لا نضيع سعيه، ولا نبخسه حقه، بل نوفيه على عمله الجزاء الأوفى، وإنا مثبتون له ذلك في صحيفة أعماله، لا نترك منه شيئًا جلَّ أو قلَّ، عظم أو حقر، ونحو الآية قوله:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} وقوله: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} .
95
- وقوله: {وَحَرَامٌ} ؛ أي: ممتنع، خبر مقدم {عَلَى} أهل {قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}؛ أي: استأصلناها بالعذاب في الدنيا، لكفرهم، متعلق بـ "حرام"، وجملة قوله:{أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} إلينا في الآخرة، للمجازاة في تأويل مصدر مرفوع، على كونه مبتدأ مؤخرًا، أو فاعلًا سدّ مسدّ الخبر. والمعنى (2): وممتنع ألبتة على أهل القرية المهلكة عدم رجوعهم إلينا للجزاء بأن يذهبوا تحت التراب، من غير إحساس بالنعمة، أو بالعذاب، بل لا بد من جزائهم في الآخرة على أعمالهم السيئة.
وقيل المعنى (3): واجب على أهل قرية أهلكناها بالموت عدم رجوعهم عن الشرك والمعاصي، فإن الحرام قد يأتي بمعنى الواجب، ومنه قول الخنساء:
وَإِنَّ حَرَامَاً لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيَاً
…
عَلَى شَجْوِهِ إِلَاّ بَكَيْتُ عَلَى صَخْرِ
وقيل (4): إن {لَا} في {لَا يَرْجِعُونَ} زائدة؛ أي: حرام على أهل قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك إلى الدنيا. واختار هذا أبو عبيدة. قال النحاس:
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
(3)
المراح.
(4)
الشوكاني.
والآية مشكلة، ومن أحسن ما قيل فيها وأجله ما رواه ابن عيينة وابن علية وهشيم وابن إدريس وغيرهم، عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في معنى الآية قال: واجب أنهم لا يرجعون؛ أي: لا يتوبون. قال الزجاج وأبو علي الفارسي: إن في الكلام إضماراً؛ أي: وحرام على قرية حكمنا باستئصالها أو بالختم على قلوب أهلها أن يتقبل منهم عمل؛ لأنهم لا يرجعون؛ أي: لا يتوبون.
وتخصيص (1) امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} ؛ لأنهم المنكرون للبعث والرجوع دون غيرهم.
وفي "التأويلات النجمية"(2): يشير إلى قلوب أهل الأهواء والبدع المهلكة باعتقاد السوء، ومخالفات الشرع، أنهم لا يتوبون إلى الله، ولا يرجعون إلى الحق، يدل على هذا التأويل قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} .
وقرأ الجمهور (3): {وَحَرَامٌ} . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو حنيفة وأبو عمرو في رواية {وحِرْمُ} بكسر الحاء وسكون الراء. وقرأ قتادة ومطر الورّاق ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء. وقرأ عكرمة {وحَرِمٌ} بكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضًا وابن المسيب وقتادة أيضًا بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي، بخلاف عنهما. وأبو العالية وزيد بن علي بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس أيضًا: بفتح الحاء والراء والميم على المضي. وقرأ اليمان {وَحُرِّمَ} بضم الحاء وكسر الراء مشدّدة وفتح الميم. وقرأ الجمهور {أهلكناها} بنون العظمة. وقرأ السلمي وقتادة بتاء المتكلم.
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
(3)
البحر المحيط.