المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بالله، المستعجلون للعذاب، آثار قدرتنا في إتيان الأرض ناقصة أو - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بالله، المستعجلون للعذاب، آثار قدرتنا في إتيان الأرض ناقصة أو

بالله، المستعجلون للعذاب، آثار قدرتنا في إتيان الأرض ناقصة أو جوانبها، ففتحناها للمؤمنين، وزدناها في ملكهم، واقتطعناها أو أيدى المشركين، فقد تم لهم فتح البلاد التي حوالي مكة، وقتل رؤسائها، ازالة دولة الشرك وأهله منها، ألا يتفكرون في هذا، فيكون لهم فيه مزدجر لو كانوا يعقلون.

والخلاصة: ألا يعتبرون ويحذروا أن ينزل بهم بأسنا، كما أنزلناه بسواهم، ثم وبّخهم، وأنّبهم على غفلتهم عن الحق بعد وضوحه فقال:{أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} ؛ أي: أفهم الغالبون أم نحن؛ أي: فبعد ظهور ما ذكر، ورؤيتهم إياه يتوهمون غلبتهم.

‌45

- وبعد أن بيّن هول ما يستعجلون، وحالهم السيئة حين نزوله بهم، ثم نعى عليهم جهلهم، وإعراضهم عن ذكر ربهم الذي يكلؤهم أو طوارق الليل وحوادث النهار، أمر رسوله أن يقول لهم: إن ما أخبركم به جاء به الوحي الصادق، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المستعجلين عذابنا {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ} وأخوفكم وأحذركم ما تستعجلونه من الساعة وشديد أهوالها {بِالْوَحْيِ} الصادق والقرآن الناطق بحصوله، وفظاعة أهواله، وقد أمرني ربي بذلك، وها أنا ذا قد قمت بما أمرني به، فإن لم تجيبوا داعي الله، وتقبلوا ما دعوتكم إليه فعليكم النكال والوبال، لا عليّ.

ثم أردف هذا ببيان أن الإنذار مع مثل هؤلاء لا يجدي فتيلاً، فما حالهم إلّا حال الصمّ الذين لا يسمعون دعوة الداعي، فقال:{وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ} جمع الأصمّ. والصمم فقدان حاسة السمع {الدُّعَاءَ} إلى الإيمان {إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} ؛ أي: يخوفون من عذاب الله سبحانه.

والمعنى: أن من أصمّ الله سمعه، وختم على قلبه، وجعل على بصره غشاوة لا يسمع الدعاء. شبّهوا بالصُمِّ (1)، وهم صحاح الحواس؛ لأنهم إذا سمعوا ما ينذرون به من آيات الله، لا تعيه آذانهم، وكان سماعهم كلا سماع، فكانت حالهم

(1) روح البيان.

ص: 89

لانتفاء جدوى السماع، كحال الذين عدموا صحيح السماع، وينعق بهم، فلا يسمعون. وتقييد نفي السماع به، مع أن الصُمَّ لا يسمعون الكلام إنذارًا كان، أو تبشيرًا، لبيان كمال شدة الصمم، كما أنَّ إيثار الدعاء الذي هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك، فإن الإنذار عادةً يكون بأصوات عالية، مكررة مقارنة لهيئةٍ دالةٍ عليه، فإذا لم يسمعوها، يكون صممهم في غايةٍ من تتمة الكلام ورائها، وهذا من تتمة الكلام الملقن، ويجوز أن يكون أو جهته تعالى، كأنه قيل: قل لهم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم.

والمعنى (1): أي فما مثلهم إذ لم ينتفعوا بما سمعوا أو الإنذار، على كثرته وتتابعه، إلَّا مثل الصم، الذين لا يسمعون شيئًا، إذ ليس الغرض من الإنذار السماع فحسب، بل العمل بما يسمع بالإقدام على فعل الواجب، والتحرّز من المحرم ومعرفة الحق، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فلا جدوى في السمع، وكأن لم يكن.

والخلاصة: أن الكافر بالله لا يوجِّه همَّه إلى العظة بما في كتابه، من المواعظ، حتى يقلع عما هو عليه مقيمٌ من الضلال، بل يعرض عن التفكر فيها فعل الأصم، الذي لا يسمع ما يقال له حتى يعمل به.

وقرأ الجمهور (2): {يَسْمَعُ} بفتح الياء والميم، الصُمُّ رفع به، والدعاء نصب. وقرأ ابن عامر وأحمد بن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء أو فوق مضمومة، وكسر الميم، {الصُّمُّ الدُّعَاءَ} بنصبهما، والفاعل ضمير المخاطب، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذا قرأه أبو حيوة ويحيى بن الحارث. وقرأ ابن يعمر والحسن كذلك إلّا أنه بالياء أو تحت؛ أي: ولا يسمع الرسول، وعنهما أيضًا. ولا يسمع مبنيًا للمفعول. الصم رفع به، ذكره ابن خالويه، وكذا قرأه أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميقع. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عز أبي عمرو {يُسْمِع} بضم الياء وكسر الميم، {الصمَّ} نصبًا،

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 90