المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سنة ثمانمائة كان أولها يوم الاثنين سابع عشرين توت من أشهر - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌ ‌سنة ثمانمائة كان أولها يوم الاثنين سابع عشرين توت من أشهر

‌سنة ثمانمائة

كان أولها يوم الاثنين سابع عشرين توت من أشهر القبط، وأخذ النيل في النقص وانتهت زيادته إلى اثني عشر إصبعاً من عشرين، وفي الثامن من المحرم خرج السلطان إلى سرياقوس ثم رجع، وفي أولها وصل ناصر النوبي صاحب بلاد النوبة إلى القاهرة واجتمع بالسلطان فأكرمه وخلع عليه وتوجه إلى بلاده وقبض على كمشبغا الكبير وعلى بكملش أمير آخور وأرسلا إلى الإسكندرية وفيه صرف تغري بردى نائب حلب واستقر بها أرغون شاه نائب طرابلس واستقر في نيابة طرابلس آقبغا الجمالي نائب صفد والشهاب أحمد بن الشيخ علي نائب غزة في نيابة صفد وقرر شيخ الصفوي في نيابة غزة ثم صرف عنها واستقر بقجاه الشرفي، ولما وصل تغري بردى خرج السلطان إلى السرحة فتلقاه فدخل في نصف ربيع الأول وكانت في تقدمته مائة وثلاثون فرساً وسبعون جملاً ومائة حمل قماش، وفي سلخ المحرم استقر أيتمش أتابك العساكر عوضاً عن كمشبغا وزاده من أقطاعه

ص: 7

بلداً، واستقر سودوم قريب السلطان على أقطاع كمشبغا وقرر أقطاع سودون لعبد العزيز ابن السلطان ووصل تغري بردى الذي كان نائب حلب، فأعطى أقطاع شيخ الصفوي ونفى الشيخ إلى القدس بطالاً، واستقر بيبرس ابن أخت السلطان أمير مجلس عوضاً عن الصفوي، وفي المحرم لما رجع الحاج إلى العقبة وجدوا ودائعهم قد نهبت فقيل أخذ لهم ما يساوي عشرين ألف دينار، وقبض أمير الحاج على صاحب الدرك فصولح على بعض وترك بعض، وفي آخر صفر أمر يلبغا السالمي إمرة عشرة، وفيه صرف شعبان عن حسبة مصر واستقر شمس الدين الشاذلي الذي كان بلانا بالإسكندرية مكانه، ثم عزل الشاذلي وأعيد شعبان ثم عزل شعبان وأعيد الشاذلي ووقف جماعة من المصريين في شعبان. فشكوا منه إلى بيبرس الدويدار وذلك في ذي القعدة فأهانوه إهانة شديدة حتى صفعه بعضهم بحضرة الدويدار وأمر أن ينادى عليه، فآل الأمر إلى أن هرب شعبان إلى اليمن.

وفي ربيع الأول وقع الوباء بالوجه البحري ووصل منه إلى مصر فمرض أكثر الناس، وفي صفر وسط شاهين رأس نوبة كمشبغا بعد القبض على أستاذه وقد حكم شاهين

ص: 8

هذا في القاهرة في ولاية أستاذه نيابة الغيبة وكان قتله على سبيل القصاص منه لأجل قتيل عليه أنه قتله وكان إمساك كمشبغا في آخر المحرم وأرسل هو وبكلمش إلى الإسكندرية فسجنا وأمسك بعدهما شيخ الخاصكي وأرسل إلى القدس وكان من أخص الناس بالظاهر وبه يضرب المثل في حسن الصورة ثم تغير منه وأمسكه ومات بالقدس في هذه السنة واستقر نوروز الحافظي أمير آخور بدل تاني بك وبيبرس ابن أخت الظاهر دويدار عوضاً عن قلمطاي وتغري بردى نائب حلب بدل بكلمش وآفبغا الكبير أمير مجلس بدل بيبرس المذكور وعلي باي بدل نوروز رأس نوبة.

وفي هذه السنة انتهت المواذين بقصور سرياقوس، فكان آخر ما ركب إليها الظاهر في هذه السنة ولم يخرج إليها منهم بعده.

وفيها نازل تمرلنك الهند فغلب علي دلي كرسي المملكة وفتك على عادته وخرب وكان قد توجه إليها من طريق غزنة على البر ووصل رجيفة إلى اليمن، والسبب المحرك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله فتوجه في عساكره، وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده ملو الوزير ثم عصى عليه أخوه شارنك صاحب ملتان، ففي أثناء ذلك طرقتهم اللنكية فحاصروا ملتان فملكها اللنك وقصد ملو في دلي وكان ملو بلغه أمر أخيه فجد واجتهد وجمع العساكر فاستقبل اللنك بجد وصدر أمامهم الفيلة عليها المقاتلة، فلما استقبلتها الخيل نفرت منها فبادر اللنك وأمر باستعمال قطعات من الحديد على صفة الشوك وألقاها في المنزلة التي كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا

ص: 9

للقتال أمر عساكره يتقهقرون إلى خلف فظنوا أنهم انهزموا فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكامن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها ورجعت القهقرى من ألم الحديد، فكانت أشد عليهم من عدوهم فإنها من حرارة الشوك ولت على أدبارها وهاجت حتى طحنت المقاتلة الرجالة والفرسان، فانهزموا بغير قتال؛ ثم توجه اللنكية بعد الهزيمة إلى حصار البلد.

وفي العشرين من ربيع الأول استقر جمال الدين يوسف بن موسى ابن محمد الملطي ثم الحلبي في قضاء الحنفية وكان المنصب نحو أربعة أشهر من حين مات شمس الدين الطرابلسي شاغراً، وكان قدومه في ثامن عشر ربيع الأول وخلع عليه في العشرين منه لكن كان السلطان أذن لنواب الطرابلسي أن يحكموا بعد مضي شهر من وفاته، وفي سابع عشر صفر الموافق لثالث عشر هاتور أمطرت السماء مطراً غزيراً توحلت منه الأرض ووكفت البيوت، وفي ثامن جمادى الأولى أمر علي باي تقدمة ألف وكذلك ببشبك الخازندار،

ص: 10

وفي العشرين منه استقر صدر الدين احمد بن القاضي جمال الدين العجمي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين الفاقوسي لغضب كاتب السر عليه، وفي تاسع عشر استقر نوروز الحافظي أمير آخور وعلي باي رأس نوبة وفي جمادى الأولى صرف علاء الدين بن أبي البقاء عن قضاء الشافعية بدمشق واستقر شمس الدين الأخناي.

وفي جمادى الآخرة صرف تاج الدين بن الدماميني عن قضاء المالكية واستقر ابن الريغي وصرف القفصي عن قضاء حلب ونقل قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان التادلي، وفي خامس عشر ربيع الآخر ادعى شخص على شهاب الدين العبادي في مجلس السلطان فحصلت منه إساءة في مجلسه، فأمر بضربه فشفع فيه فأمر بحبسه، فحبس في خزانة شمائل إلى ثاني يوم من رجب فأطلق.

ص: 11

وفي ليلة الجمعة ثامن شعبان عزم سعد الدين ابن غراب على علاء الدين الطبلاوي لحضور ختم في منزله بسبب مولود ولد له، فحضر هو وابن عمه ناصر الدين وجماعة من العيان، فأرسل ابن غراب بهاء الدين نقيب الجيش فأمسك ناصر الدين الوالي وهو أخو علاء الدين وابن عمه الخطيب وقريبهم ابن قرلها وجماعة من حواشيهم فقبض على الجميع، وفي أثناء ذلك حضر يعقوب شاه الخازندار إلى بيت ابن غراب فوجدهم قد أكلوا السماط فقبض على علاء الدين وهرب علاء الدين الحجازي ثم قبض عليه أيضاً، فلما كان يوم السبت اجتمع جمع كثير من العوام فطلعوا بالختمات والصناجق وسالوا السلطان في إطلاق ابن الطبلاوي، فأمر السلطان الوجاقية فضربوهم فتفرقوا وسلم ابن الطبلاوي ليلبغا المجنون فاستخلص منه أموالاً جمة منها في يوم واحد مائة وخمسون ألف دينار وأخرجت ذخائره على النحو الذي كان هو يدبره في أمر محمود سواء وقرر على كل واحد من مال المصادرة ما يناسبه، ثم لما كان سادس عشر شعبان سأل الحضور بين يدي السلطان فأحضر، فسال ان يشافه السلطان بكلام سر فقربه منه، فسأل ان يكون الكلام في أذنه فتخيل منه وأمر بإخراجه فلما خرج ضرب نفسه بسكين معه ضربتين ليقتل نفسه فكانتا سالمتين، فأعلم السلطان بذلك فخشي أن يكون أراد أن يضربه بالسكين فغضب وأمر الأستادار أن يعاقبه، فعاقبه بعد أن حلفه أنه لم يبق عنده شيء من المال، فاعترف لما عصر بذخيرة عنده فأخذت، وعزل أخوه من الولاية واستقر بهاء الدين رسلان وصودر أخوه على مائتي ألف درهم وبقية الحواشي على ثلاثمائة ألف درهم.

وفي شعبان صرف ابن البخانسي من الحسبة وأعيد بهاء الدين ابن البرجي.

ص: 12

وفيها خطب للسلطان الملك الظاهر بماردين وصل بذلك منكلي بغا الدوادار في أوائل السنة الآتية ومعه دراهم عليها أسم السلطان، وأوفى النيل عاشر مسرى.

وفيها حضر رسول الطاهر عيسى صاحب ماردين يعتذر عما جرى منه ويشكو من أسر تمرلنك له ويسأل ان يستمر على طاعته فأرسل له تقليداً وثلاثين ألف دينار هدية.

وفيها استولى المذكور على الموصل وسنجار.

وفيها في رمضان وصل قطلوبغا الخليلي من بلاد المغرب وصحبته الخيول التي كان توجه لمشتراها للسلطان وهي مائة وعشرون رأساً وحضر صحبته رسول صاحب فاس ورسول صاحب تلمسان ورسول صاحب تونس والأمير يوسف بن علي أمير عرب تلك البلاد وقدموا هداياهم فقبلت وخلع عليهم وتوجهوا إلى الحج، وفي رمضان طرق اللنك بغداد فحاصرها فلم ينالوا منها غرضاً فرجعوا عنها إلى همذان وفرحوا بذلك،

ص: 13

وفي خامس عشر شوال طهر السلطان أولاده وهو فرج وعبد العزيز وجماعة من أولاد الأمراء وعمل لهم وليمة عظيمة، وفي ثامن عشرة نقل ابن الطبلاوي إلى خزانة شمائل بعد المعاقبة الشديدة.

وفيها استقر محي الدين بن نجم الدين بن الكشك في قضاء الحنفية عوضاً عن تقي الدين ابن الكفري.

وفي شوال كان الحريق بدمشق بالحريريين والقواسيين والسيوفيين والصراف وبعض النحاسين، ووصلت النار إلى حائط الجامع وإلى قرب النورية، واحترقت الجوزية وحمام نور الدين وزقاق العميان، واحترق بيت القاضي شمس الدين الأخناي، ووصل الحريق إلى نصف الخضراء، وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشريه ولكن يعدم للناس إلا القليل.

ص: 14

وفي أوائل ذي القعدة استقر ابن غراب في نظر الجيش مضافاً لنظر الخاص انتزعها من القاضي شرف الدين محمد بن محمد بن عبد الله ابن أبي بكر ابن الدماميني وكان باشرها بعد جمال الدين العجمي، ولما أخذت دواته والمزبر بلغ ذلك شعبان محتسب مصر فأظهر الشماتة ونادى في مصر بولاية ابن غراب وعزل ابن الدماميني وعمل في ذلك شعراً مدح به ابن غراب وهجا ابن الماميني وضج به ابن غراب، فاتفق أنه في ذلك اليوم استقر الشاذلي في الحسبة وصرف شعبان، وفي وسط هذا الشهر وقع الحريق بدار التفاح بالقاهرة فبادروا لإطفائه فلم يحصل منه من المفسدة ما حصل في المرة الأولى قديماً.

وفي ثاني عشر ذي القعدة كان المهم المشهور في اصطبل السلطان لأنه كان لعب بالأكرة مع الأمير الأتابك أيتمش فغلب أيتمش فأخرج مائتي ألف درهم ليعمل بها السماط وأنعم بها السلطان عليه وأمر الوزير ابن الطوخي والأستادار يلبغا بعمل المهم، فضربوا الخيم في الميدان وعملوا عشرين ألف رطل لحم ومائتي زوج إوز وألف طير دجاج وعشرين فرساً، وقيل بل كانت خمسين فرساً وثلاثين قنطاراً من السكر وستين إردباً من الدقيق عمل بها بوزة وعملت في الدنان، وقيل كان فيها مائة إردب وأضيف إليها عشرة قناطير حشيش فطحنت وخلطت بها وعمل من الزبيب ستون قنطاراً نبيذاً، ونزل السلطان فمد السماط، ونهب العوام ما عمل، وصاح فقير تحت القلعة بإنكار هذه الوليمة، فقبض عليه وضرب وجرس.

وفيها استقر الشريف شرف الدين علي بن قاضي العسكر في نقابة الأشراف عوضاً عن الشريف جمال الدين الطباطبي.

ص: 15

وفي ذي القعدة كانت الفتنة من علي باي الخازندار فانكسر وقتل، وكان ابتداء ذلك أن المذكور كان من أحسن أبناء جنسه شكلاً وقامة فقدمه الملك الظاهر إلى أن جعله مقدم ألف وقدمه في أكثر الأمور على غيره، وكان لعلي باي مملوك من أحب الناس إليه فاتفق أن بعض الأمراء وهو آقباي وجده عند بعض حظاياه فقبض عليه وضربه ضرباً مبرحاً وأطلقه فشكاه لسيده فشكاه سيده إلى السلطان فاعتذر آقباي عما صدر منه لما لحقه من الغيرة فلم يؤاخذه السلطان فأضمرها علي باي في نفسه وعزم على إثارة الفتنة فتضاعف مدة، ثم اتفق مع جمع غير كثير على أن السلطان إذا عاده متك به، فلم يتفق أن السلطان يعوده حتى أوفي النيل فنزل للكسر على العادة وأشاع أنه إذا رجع عاده وكان ساكناً عند الكبش، فلما رجع السلطان بعد الكسر وكان ذلك في تاسع عشر ذي القعدة وركب تلقاه شخص من مماليك يلبغا يسمى سودون الأعور كان رفيقه في خدمة يلبغا فأطلعه على باطن علي باي، فأرسل السلطان في الحال أرسطاي ليتحقق الخبر، فساق إلى اصطبل علي باي فأعلمهم أن السلطان على عزم المجيء إليهم فاطمأنوا لذلك ومنع السلطان الشاويشية من النطق، فلما قرب من الكبش نادته امرأة من فوق أن لا تدخل فإنهم بلبوس الحرب، فجازهم السلطان إلى جهة القلعة، فلما تحققوا أنه توجه عنهم أعلموا كبيرهم علي باي، فتغيظعلى الذي أقامه في الباب لعدم إعلامه بمرور السلطان

ص: 16

وضربه بطبر فقطع رأسه، وتتبع مماليك السلطان فقتل بيسق الخاصكي وكان يعرف بالمصارع، وساق آقباي غريمهم خلف السلطان فاجتمع عليه عدة من المماليك فقطعوه بالسيوف فركب علي باي وساق خلف السلطان، فأسرع السلطان ففاته ودخل من باب الاصطبل وطلع القلعة وألبس من معه آلة الحرب وأغلق باب الاصطبل، فوصل علي باي إلى الرميلة فتلقاه بعض حاشية السلطان فقاتلوه حتى انكسر، وبلغ من بمصر من الناس هذه الفتنة فوقع لهم خوف على أنفسهم فاستخفى أكثرهم وأغلقت الدكاكين وتفرق ذلك الشمل كله ومن جملة من كان في المركب يلبغا السالمي الأستادار والوزير فبادر يلبغا فلبس آلة الحرب وتوجه إلى القلعة، فلما رأوه المماليك لكموه وأرادوا ذبحه، فصاح وصرخ بأنه جاء نجدة للسلطان وانه في الطاعة، فصدهم السلطان عنه وأمرهم باعتقاله، ثم قبضوا على المملوك الذي كان رأس الفتنة فأمرهم السلطان بقتله، ولما عرب علي باي هدم العوام داره ونهبوا ما فيها حتى رخامها وأخشابها، ثم سمعوا باعتقال يلبغا الأستادار فصنعوا بها مثل ذلك، ثم أمر السلطان بالتفتيش على علي باي وهدد من وجده عنده، فأحضروه من مستوقد الحمام، فأحضره السلطان وسأله عمن كان معه على رأيه، فلم يقر على أحد، فسأله عن يلبغا الأستادار، فبرأه وحلف على ذلك فأمر بإطلاقه ثم خلع عليه، فاستمر في وظيفته ثم نزل إلى داره وهي عند جامع الإسماعيلي فوجدها خراباً ووجد فيها ناساً، فقتلهم وانتقل فسكن داخل القاهرة بجنب الكافوري،

ص: 17

ثم قرر السلطان على علي باي بالضرب والتسعيط وعصره في رجليه إلى أن كسرهما، وضربه على ركبتيه إلى أن تفسختا، ثم ضربه بدبوس كان بيده في صدره فخسفه، ولم يقر مع ذلك على أحد، فأمر بإنزاله بعد المغرب إلى الاصطبل؛ ثم أمر أرسطاي بقتله؛ وأمر السلطان أن ينزع آلة الحرب واطمأن، ثم شكا يلبغا الأستادار إلى السلطان ما صنع العوام بمنزله، فشاع بينهم أن السلطان أمره بالركوب عليهم، فخافوا وأصبحوا في رابع عشري ذي القعدة وقد أغلقوا الدكاكين، فبلغ ذلك السلطان فأمر بالنداء لهم بالأمان والطمأنينة فسكنوا، فلما كان في الحادي والعشرين من ذي القعدة حضر السلطان، الموكب ودخل بع الخدمة إلى الحريم فهجم عليه بعض المماليك ودخلوا من باب السر بخيولهم وكسروه حتى وصلوا إليه فاستغاثوا به، فحصلت له رجفة وشاع ذلك في الناس فانزعجوا، فخرج السلطان لابساً السلاح ودخل القصر وكشف عن سبب ذلك وأرسل إلى قبة النصر فلم يجد أحداً فصرف الناس، وباتوا وأكثر الناس في وجل وجاءت الأمراء وغيرهم ملبسين آلة الحرب، فلما كان في يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة أنفق على المماليك لكل واحد ستمائة فسخطوها؛ فحضر إليهم بنفسه وترضاهم وبكى فأبكاهم فرضوا وقبضوا النفقة وسكنت الفتنة، ويقال إن يلبغا المجنون تولى إنفاق ذلك من حاصله وأحضر للسلطان بعد ذلك مائة ألف وثمانين ألف دينار وقال: هذا آخر ما

كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم. كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم.

وفيها رجع العسكر الشامي من سيواس وكانوا جردوا في العام الماضي لما بلغهم أن ابن اللنك قصد البلاد فلما تحققوا رجوعه أمر برجوعهم.

ص: 18

وفيها استقر أرسطاي في تقدمة علي باي وفي وظيفته وهي رأس نوبة الكبير، وفي سادس عشرين ذي القعدة قبض على يلبغا الاستادار ونفي إلى دمياط بطالاً واستقر ناصر الدين بن سنقر في وظيفة الاستادارية الكبرى.

وفي رابع ذي الحجة سمر من أتباع علي باي أربعة أنفس وطيف بهم.

وفيها قتل سولي بن دلغادر التركماني وهو سكران وبرهان الدين أحمد القاضي صاحب سيواس في المعركة.

وفيها قبض على شيخ الصفوي واعتقل بقلعة المرقب بسبب أنه كان بطالاً بالقدس فكان يتعرض لحريم الناس وأولادهم بالإكراه، فشكوا منه فأمر بنفيه واعتقاله، وكان شيخ هذا من أجمل أهل عصره وأقربهم من السلطان منزلة ثم تغير عليه فنفاه.

وفيها نقل بكلمش من حبس الإسكندرية إلى القدس بطالاً.

وفيها استولى قرايوسف على الموصل لما رجع من الشام بعد رحيل عسكر تمرلنك عن سنجار وأقام ولد تمر بتبريز ثم طلب بغداد فبلغ ذلك احمد بن أويس فجمع العساكر، فلما قرب منه ميران شاه أظهر الهزيمة وأكمن عسكره ففطن بهم ميران شاه فتواجهوا، ثم رأى الجقطاي الغلبة فأوقدوا النيران ليلاً وانهزموا فهلك أكثرهم عطشاً وجوعاً، فأدركهم أحمد وعسكره وهم بآخر رمق فوضعوا فيهم السيف فنجا ميران شاه ومن معه نحو من ثلاثمائة نفس خاصة ناجياً بنفسه إلى تبريز ورجع أحمد منصوراً، ودخل ميران شاه إلى تبريز ففتك في أهلها وقتل أكابرها حتى القضاة وقتل من جملتهم الدوستكي صاحب بدليس.

ص: 19

وفيها مات أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس وبلاد المغرب في جمادى الآخرة، وملك بعده أخوه أبو سعيد عثمان، ودبر أمره الشيخ أحمد بن علي الفياضي كما كان يدبر أمر أخيه من قبله.

وفي أواخر ذي الحجة ضعف السلطان ضعفاً شديداً حتى إنه صلى العيد بالجامع واستمر به الإسهال إلى ثالث عشرين ذي الحجة وكثر الإرجاف بموته مراراً فأكثر من التصدق عنه وأكثر من ذلك جداً حتى قيل إن جملة ما تصدق به مائتا ألف وخمسون ألف مثقال من الذهب ومن الفضة والفلوس والغلال والقماش نحو ذلك: وفي سابع عشرين ذي الحجة عوفي قليلاً فنودي بالزينة وحضر ذلك اليوم المبشر من الحجاز بأخبار الحجاج، وفي السابع والعشرين من ذي الحجة كانت العرب أفسدت بالشرقية فقبض الكاشف على جماعة منهم فأمر السلطان بتوسيطهم، ففعل بهم ذلك وزفوا من القاهرة إلى بلبيس وكانوا أكثر من مائتي نفس، وفي الثامن من ذي الحجة أمر السلطان بعرض مماليك على باي وكانوا سبعين فأطلق بعضهم، ورد بعضهم على تجارهم الذي اشتراهم منهم على باي، وأمر بضرب الخواص منهم بالعصي تقريراً ليخبروه بجلية الأمر، وسمر منهم أربعة ووسطوا، وفرق الكتابية الصغار على الأمراء،

ص: 20

وفي أول يوم من ذي الحجة قرر الاستادار كاشفاً على الوجه البحري فجاء إلى الدويدار الكبير ليقبل يده على العادة فأنكر ذلك وأمر بنزع خلعته وضربه، وبلغ ذلك الاستادار فشكا للسلطان فغضب السلطان وأمر بإحضار دويدار الدويدار وهو أزدمر فضرب بحضرته وأمره بلزوم بيته، فلما كان الثامن من ذي الحجة العصر خلع عليه وأعيد.

وفي يوم الخميس أول يوم من شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني وحضر المشايخ والقضاة على العادة، وجلس شيخنا البلقيني رأس الميمنة وإلى جانبه الشيخ برهان الدين بن زقاعة وإلى جنبه القاضي جلال الدين ابن شيخنا، وجلس رأس الميسرة أبو عبد الله الكركي ودونه القاضي الشافعي وبقية القضاة، وفي جمادى الأولى انتزع السلطان الإسكندرية من ابن الطبلاوي وأعيدت لناظر الخاص واستقر أخوه فخر الدين ماجد بن غراب في نظر الإسكندرية مع مشاورة يشبك الخازندار بسؤال ناظر الخاص في ذلك، وأرسل أمير فرج إلى الثغر بالكشف على ابن الطبلاوي وبالكشف على تاج الدين قاضي الإسكندرية ثم رسم بإحضاره، فلما قدم بين يدي السلطان وقف الشكاة فيه وبالغوا فيه فأمر بضربه، فضرب يوم الجمعة سادس عشر رجب بالعصى بعد العصر ورسم عليه، وفي ربيع الأول وقع الفناء بالباردة والحمى بالشرقية والغربية حتى كانوا لا يلحقون دفن الموتى فيجعل كل عشرين في حفرة، ومنهم من يحمل الموتى إلى البحر فيلقيهم فيه، ودام ذلك ثلاثة أشهر، ثم هبت ريح شديدة بالقاهرة حتى اتفق الشيوخ العتق أنهم

ص: 21