المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة خمس وثمانمائة

‌سنة خمس وثمانمائة

في أولها استولى اللنك على أبي يزيد ابن عثمان وأسره وأسر ولده موسى ثم قتل أبو يزيد، وكان من أكبر ملوك الإسلام وأيمنهم نقيبة وأكثرهم غزواً في الكفار، وكان ينكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس فلما رجع تمرلنك في سنة ثلاث من البلاد الشامية إلى جهة الشرق ثم عرج على بغداد عاد إلى جهة الروم فوصل إليها في أواخر السنة الماضية وأرسل إلى صاحب ماردين يأمره بالحضور إليه فلم يكن له بد من موافقته فتوجه إليه وراسل أبا يزيد في الصلح على عادته في المكر والدهاء، وكان أبو يزيد قد جمع العساكر لما بلغه قصده إلى بلاده واستكثر فيها فلم يجبه إلى الصلح ورحل بعسكره إلى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده فسار خمسة عشر يوماً فراسله تمر أيضاً يقول له إنك رجل مجاهد في سبيل الله وأنا لا أحب قتلك ولكن انظر إلى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقنع بها وسلم لي البلاد التي كانت مع أرطنا صاحب الروم في زمن الملك أبي سعيد، فمال ابن عثمان إلى ذلك، فبلغه أن التمرية أغاروا على كماخ ونهبوها فتحقق أبو يزيد أن تمر لا يحب الصلح ولا يذكره إلا تخذيلاً، فلما تقارب العسكران أظهر تمر الهزيمة خديعة فلم يفطن ابن عثمان لذلك وساق خلفه إلى مكان يسمى الآن المكسورة فلما قربوا منهم أخرج تمرلنك طائفة كانوا مستريحين وأراح المنهزمين فتلاقوا مع عسكر ابن عثمان وهم كالموتى من التعب، فلاقاهم أولئك على الفور فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم هجم عليهم كمين لتمرلنك فهزمهم،

ص: 225

وتوجه سليمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى جهةٍ برصا منهزماً ثم عدا إلى القسطنطينية ومعه أكثر العسكر، وأحاط التمرية ببقية العسكر وفيهم أبوه فأسروه وأتوا به إلى تمر وتفرقت العساكر شذر مذر، وخاض التمرية في بلاد الروم فأفسدوا ونهبوا وأحرقوا عدة قرى وأقاموا بالروم أربعة أشهر في الإفساد، ومات أبو بن مراد بن أردخان بن عثمان في أسر تمرلنك وكان مطلقاً فأدركه أجله إما من القهر أو من غيره، وفرق تمر ممالكه على من كانت بيده قبل انتزاع ابن عثمان لها منهم، ورجع تمرلنك إلى بلاده في شعبان من السنة بعد أن صنعوا في الروم نحو ما صنعوا في الشام، فمات السلطان محمود خان وكان تمر يدبر مملكته والاسم والفعل لهم وهو من ذرية جنكيز خان وكان حضر واقعة الشام مع تمر، وكان أبو يزيد بن عثمان من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من آبائه وذريته ولا دعي بسلطان ولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة، وكان مهاباً يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن؛ وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمع الأمير حسن الكجكني يقول دخلت معه لما توجهت إليه رسولاً الحمام فكان الحوض الذي يغتسل منه جميعاً فضة وكذا كانت أوانيه التي يأكل فيها ويشرب ويستعملها،

ص: 226

قال: وأخبرني شمس الدين ابن الصغير الطبيب وكان الملك الظاهر وجهه إليه بسؤاله في طبيب حاذق فلما وصل إليه أكرمه وأعطاه، قال: فكان بعد أن رجع يحكي أن ابن عثمان كان يجلس بكرة النهار في براح متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشياً بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحاً بالبضاعة فلا يتعرض له أحد، وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، ولكنه كان يصنع من الشهوات ما أراد، قال: وكان الزنا واللواط وشرب الخمر والحشيش فاشياً في بلادهم يتظاهرون به، ويكرمون كل من ينسب إلى العلم غاية الإكرام، وكان أبو يزيد لا يمكن أحداً من التعرض لمال أحد من الرعية حياً ولا ميتاً، وإن مات ولا وارث له يودع ماله عند القاضي، وكل من غزا معه لا يتعرض لشيء مما يحصل في يده؛ وترك لما مات من الأولاد سليمان ومحمداً وموسى وعيسى فاستقل بالملك سليمان وسار على طريقة أبيه، ثم ثار عليه أخوه عيسى فقتل ثم ثار أخوه موسى فغلب وقتل سليمان ثم ثار محمّد فقتل موسى، واستقل محمّد بالملك إلى أن مات في سنة

وقام بعده ولده مراد بن محمّد بن أبي يزيد بن عثمان.

ص: 227

وكان السبب في قصد اللنك بلاد ابن عثمان أن أحمد بن أويس وقرا يوسف كانا قد فرا إليه فأجارهما فراسله اللنك بعد أن غلب على بغداد فيهما فامتنع فجعل ذلك ذريعة إلى قتاله فتوجه إليه، وكان ابن عثمان قوي النفس فجمع العساكر ولم يقنع بالانتظار فكان ما كان.

وأول ما ملك اللنك قلعة كماخي وكانت في غاية الحصانة ثم راسل التتار الترك بالروم ومتّ إليهم بالجنسية ومنّاهم ووعدهم فوعدوه بالمعاونة، فمن الرأي الفاسد أن ابن عثمان أراد أن يدهم عسكر اللنك على غرة، فسلك بعسكره الجرار في مهامه وقفار ليصير من وراء العسكر ويظفر بهم فسار مجداً فتعبوا ولغبوا وجاعوا وعطشوا واستمر اللنك سائراً لا يرده أحد عن قرية ولا بلد بل سار بعسكره متمهلاً وقد بلغه ما صنعه ابن عثمان من جواسيسه فتباطأ في سيره وأراح جيوشه، فاتفق أنهم التقوا فتناجزوا القتال فانهزم التتار الذين كان قد خدعهم وانهزم الباقون بهزيمتهم، وكان ملتقاهم بمدينة أنقرة، فسار سليمان بن أبي يزيد بن عثمان بمن معه إلى جهة الساحل وركبوا البحر إلى القسطنطينية، وقبض على أبيه ابن عثمان فأحضر بين يدي اللنك فلامه وعنفه واستمر معه في الأسر وكانت الوقعة في ذي الحجة من هذه السنة.

وفيها أرسل تمرلنك رسلاً من عنده إلى صاحب ماردين بكتاب يرسله صحبة من يثق به من عنده إلى القاهرة ثم أرسل رسلاً في البحر من بلاد الروم منهم مسعود الكجحاني يستنجز إرسال أطلمش ويهددهم إن لم يرسلوه يقصدهم، فوصل إلى دمشق رسول صاحب ماردين وهو بدر الدين محمّد بن تاج الدين حسين بن بدر الدين

ص: 228

حسن بن شمس الدين بن حسام الدين عبد العزيز بن محمّد بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلي وهو ممن له حرمة في تلك البلاد ومكارم وإحسان وكلمة مسموعة وذكر أنه لم يحمله على المجيء في هذه الرسالة إلا قصد النصيحة للمسلمين، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة خمس وسبعين، ولما وصلوا إلى مصر بادر المصريون بتجهيزه إليه وصحبته هدية جليلة في جمادى الآخرة، وكان مسعود المذكور قد صحب تمرلنك لما طرق المملكة الشامية فجاء في الرسلية منه، وفي كتاب تمرلنك الآتي على يد مسعود أن مهما يقول مسعود ويقع الاتفاق معه عليه فهو بإذني، ومهما حلف عليه فهو لازم لي. وأرسل مع مسعود لواء مذهباً عليه اسم تمرلنك ووصل مع مسعود ولد ابن الجزري وأخبر أن أباه كان مع ابن عثمان فأسر وأحضر عند تمرلنك، فأكرمه لاشتهاره بعلم القراآت، ووصل أطلمش دمشق في جمادى الآخرة ووصل إلى حلب في رجب، ثم توجه إلى تمرلنك فالتقيا بعد رجوع تمر من بلاد الروم ورجعت الرسل الذين كانوا مع أطلش فوصلوا في شوال وحققوا توجهه إلى بلاد الدشت، ثم وصل من عند مسعود المذكور رسولاً ومعه هدية فيل وغيره وكتاب يشكر الأمراء على إرسال أطلش. وقرأت بخط الشيخ برهان الدين المحدث بحلب ما نصه

ص: 229

ورد رسول تمر مسعود بن محمود الكجحاني وصحبته شهاب الدين أحمد بن خليل وخاصكي من جهة الناصر فرج يقال له قانباي في ثاني ذي القعدة سنة خمس وصحبتهم هدية من تمر إلى الناصر فرج من جملتها فيل وفهد وبازي وسنقر وصقر وقبا قصيركم مزركش مريش وخوقاني؟ مزركش مريش مفرّى بقاقم وسولق وبند وقبع قال وكان الثلاثة المذكورون توجهوا في العام الماضي إلى تمر وصحبتهم الأمير أي أطلش الذي كان مسجوناً بالقاهرة من جهة تمر، قال وكان سبب وقوعه لأهل مصر أنه كان أميراً على بعض القلاع فنازله قرا محمّد فأمسكه وأرسل به إلى القاهرة فحبس بها، فلما دخل تمر الشام أرسل طلبه وتكررت رسله بطلبه فأرسلوه مكرماً وتوجهوا به من جهة طرسوس إلى أن اجتمعوا به وهو في أرض الروم ثم قدر بعد ذلك مجيء مسعود إلى هذه البلاد وباشر نظر الأوقاف في الدولة المؤيدية ومات بها.

وفي المحرم استقر صدر الدين الأدمي في كتابة السر بدمشق وعلاء الدين ابن أبي البقاء في القضاء بدمشق وزين الدين الكفري في قضاء الحنفية بها.

وفي صفر ضرب الحاجب فقيهاً ادعى عليه بمال عنده فأنكر ثم صالح عليه غريمه، فظن الحاجب أنه كاذب في إنكاره فعزره، فبلغ ذلك القاضي الشافعي فأرسل إلى الغريم وعزره وطيف به فبلغ ذلك الحاجب فشكي إلى النائب فسلمه الشاهد المذكور والشهود الذين عينهم فضربهم وطوف بهم ونادى عليهم جزاء من يرمي الفتن بين الحكام وتألم الناس لذلك.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر برز سودون طاز إلى ناحية المرج والزيات فنزل هناك بجماعته وأخوته منافراً ليشبك بسبب أنه ذكر له أنه قصد القبض عليه، فلم يخرج أحد إليه إلا أن بعض المماليك أغلظوا ليشبك في الرميلة وأفحشوا في القول

ص: 230

وساق بعضهم ليضربه فدخل بيت الأتابك بيبرس وأقام فيه أياماً ثم تراسلوا فأرسل السلطان إلى سودون طاز يترضاه فما رضي فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره خلع على إينال باي بن قجماس بوظيفة سودون طاز واستقر أمير آخور وأخرجت إقطاعات مماليك سودون طاز ومن يلوذ به ثم استعد السلطان لتحصين القلعة بالرماة ليخرج إليه فحصل بين بعض المماليك خلف، ثم اتفقوا ولبسوا السلاح يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر ثم خرجوا إليه في يوم الأربعاء سادسه فلما علم سودون طاز بتوجه السلطان ركب لجهة خليج الزعفران ثم خرج إلى جهة النيل حتى وصل إلى بولاق وسار إلى الميدان الكبير بالقرب من قناطر السباع، وأما العسكر فوصلوا إلى جهة المرج فقيل لهم إنه توجه إلى جهة البحر فرجعوا مسرعين فتلاقوا عند الكبش فانكسر وانهزم راجعاً فأمسك قانباي أخوه وجرح هو وجماعة من الطائفتين ومات من جراحه خازنداره فلما كان في اليوم الثالث من حربه قبض عليه وجيء به إلى بيت يشبك فرسم بحبسه في دمياط مكرماً ونزل على فرس إلى البحر وشيعه الأمراء إلى نزل إلى الحراقة وساروا به إلى دمياط مكرماً واستقر آقباي الكركي الخازندار على إقطاع سودون طاز فلم يلبث أن مات من جراحة كانت أصابته ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى، واستقر إقطاعه لسودون الحمزاوي وهو يومئذٍ شاد الشربخاناه.

وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل سودون الجلب إلى دمياط واجتمعت أخوة سودون طاز وأشاروا عليه بأن يسافر إلى الشام، فأرسل إلى والي دمياط فقبض عليه وهجم هو ومن معه على الطواحين فأخذوا منها ما شاءوا من الخيول وتوجهوا فنزلوا

ص: 231

على بكتمر بن بقر أمير العربان بالشرقية، فبلغ ذلك السلطان من بقر فأرسل إليه عسكراً فأحاطوا به وقبضوا عليه وعلى من معه وسمر سودون الجلب وبعض المماليك متاعه بالرميلية تسمير سلامة ثم أطلقوا وسجن سودون طاز بالإسكندرية وذلك في ثالث شهر رجب، ثم قبض على قانباي وحبس بالإسكندرية، ثم أمر في شهر رمضان بإرسالهم مفرقين إلى الحبوس في قلاع الشام.

وفي شعبان حبس نوروز وقانباي في الصبيبة وجكم في قلعة حصن الأكراد وسودون طاز في قلعة المرقب ثم حول إليها جكم.

وفي سادس عشر رجب استقر كمال الدين بن العديم في قضاء الحنفية بالقاهرة بعد صرف أمين الدين الطرابلسي، وكان كمال الدين قد قدم في أوائل السنة من حلب بعد أن أسره اللنك وأهانه فقدم ليسعى في أمور تنفعه بحلب فلقي الأمر بالقاهرة معدوفاً بالأمراء فداخلهم حتى استقر بالقاهرة.

وفيها أطلق جماز بن هبة الحسيني الذي كان أمير المدينة من سجن الإسكندرية وكان له به سبع سنين، وقرر في إمرة المدينة عوضاً عن ثابت بن نعير.

وفيها أمسك ابن غراب وأخوه فخر الدين الوزير وسلما للركن ابن قايماز، واستقر الركن أستاداراً وتاج الدين ابن البقري ناظر الخاص وعلاء الدين الأخميمي المعروف بالشريف وزيراً، وأصل ذلك أن سودون الحمزاوي تفاوض هو وابن غراب بحضرة الناصر في أواخر شعبان، فلما خرج ابن غراب من القلعة ضربه بعض المماليك ورموا عمامته، فهرب وألقى نفسه وحمل إلى باب السلسلة عند الأمير إينال

ص: 232

باي بن قجماس أمير آخور وانقطع عن الخدمة أياماً إلى أن أمر الناصر بمسكه في ثامن عشر رمضان وأمسك أخوه وجماعة من ألزامهما وعوق جمال الدين يوسف أستادار بجاس بباب يشبك ثم أطلق بعد قليل وعمل أستادارية الأمير بيبرس الأتابك مضافاً لأستادارية سودون الحمزاوي.

وفي مستهل شوال وصل يلبغا السالمي إلى القلعة وكان قد أمر بعد مسك ابن غراب بإطلاقه، واستقر في الوزارة مبارك شاه في رابع شوال وعزل الأخميمي ثم عزل في ثامن عشري شوال وقرر تاج الدين عبد الرزاق والي قطيا واستقر بالسالمي مشير الدولة فقط وسعر السالميّ الذهب الهرجة بستين والأفلوري بخمسة وأربعين وتسلم ابن غراب وأخاه فلم يمكن من ضربهما، ثم تسلّمهما ابن قايماز وضرب فخر الدين بن غراب بعض شيء ثم شفع فيهما يشبك وأطلقا في أواخر ذي القعدة.

وفي سلخ شوال عزل تاج الدين ابن الدماميني من نظر الجيش باستعفائه وأضيف إلى ابن البقري.

وفي سابع ذي القعدة استعفى تاج الدين والي قطيا من الوزارة واستقر كاشفا بالبحيرة، وفي سابع عشري ذي القعدة السالمي أستاداراً مع الإشارة.

وفي أول استقرار السالمي في الإشارة عزل ابن البلقيني من القضاء وأعاد ابن الصالحي في ليالي خروج الحاج، ويقال إنه التزم في ذلك بمال جزيل يزيد على ستة آلاف دينار.

ص: 233

وفي أواخر شوال استقر سودون الحمزاوي رأس نوبة كبيرا عوضاً عن سودون المارداني، واستقر المارداني أمير مجلس عوضاً عن تمراز، واستقر تمراز أمير عوضاً عن بكتمر، واستقر طوخ خازنداراً عوضاً عن سودون الحمزاوي.

وفيها نازل الإفرنج الإسكندرية فاهتم أهل الدولة لذلك وجهزوا عسكراً فيهم يلبغا الناصري وبكتمر وجركس المصارع وآقباي الحاجب وسودون المارداني وتمراز وتغرى بردى وغيرهم، وقدموا فيه برهان الدين المحلى بسؤاله في ذلك طلباً لنباهة الذكر فأنفق عليهم جملة كثيرة من ماله وتوجهوا في أواخر هذه السنة.

وفيها في أواخر السنة قفل المماليك أبواب القلعة على الأمراء بسبب النفقة، فنزل الأمراء من باب السر إلى الإصطبل وركبوا من خيوله إلى منازلهم، وتغيّب السالمي ثم حصلوه وعوّقوه في القلعة بسبب النفقة ثم تسلّمه أمير آخور إينال باي ابن قجماس.

وفي جمادى الأولى مات آقباي الخازندار.

وفيها في أثناء السنة كائنة ابن دقماق وجد بخطه حط صعب على الإمام الشافعي فطولب بذلك من مجلس القاضي الشافعي فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي فعزره القاضي جلال الدين بالضرب والحبس ولم يكن المذكور يستأهل ذلك.

وفيها استقر دمرداش في نيابة طرابلس وأحضر تغرى بردى إلى القاهرة وكذلك سودون الحمزاوي وقرر عوضه في نيابة صفد شيخ السليماني، واستقر سودون في وظيفة شيخ السليماني شاد الشربخاناه ثم قرر خازنداراً بعد موت آقباي الكركي في جمادى الآخرة ثم تزوج ابنة ابنة السلطان برقوق في رجب،

ص: 234

وفي ربيع الأول أعيد أبينا التركماني إلى مشيخة سرياقوس بعد موت حسن ابن الأمدي.

وفي جمادى الأولى استقر كريم الدين محمد الهوى في حسبة القاهرة عوضاً عن شمس الدين الشاذلي ثم صرف واستقر محمد بن شعبان في شعبان ثم ضرب بعد أيام بحضرة يشبك وعزل.

وفيها في رجب ارتفعت الأسعار فبلغ القمح سبعين والشعير أكثر من ذلك والفول تسعين والتبن خمسين، وارتفعت أسعار سائر المأكولات وكذلك الملابس.

وفي ذي الحجة قدم دمشق ابن الحربي المصري الذي ولي وزارة دمشق بسبب محاسبة الوزير المستقر على ما عنده ومحاسبة أهل الأوقاف على ما استفادوه، وشرع في مظالم كثيرة بدمشق، فبلغ ذلك نائبها وهو غائب فأرسل بمنعه فمنع وتوجه إلى القاهرة فأرسل في أمره فرجع وضربه ضرباً مبرحاً وسجنه بالقلعة بعد أن نودي عليه، ففرح الناس بذلك ودعوا له.

وفي جمادى الآخرة صرف علاء الدين على ابن أبي البقاء عن قضاء الشافعية واستقر شمس الدين بن عنان.

وفي ذي القعدة صرف ابن الآدمي عن كتابة السر وأعيد علاء الدين نقيب الأشراف فسعى ولده ناصر الدين بالقاهرة، واستنجز لشهاب الدين ابن حجي نظر الحرمين والغزالية وتدريسها.

ص: 235

وفيها استقر بدر الدين حسن الجابي في قضاء المالكية عوضاً عن الأُموي، ثم وصل توقيع عيسى قبل أن يباشر حسن فاستمر عيسى واستناب حسناً المذكور ورسم على الأموي بسبب ما تأخر عليه من الرشوة.

وفي رجب أغار التركمان أصحاب سالم الدوكاري على قارا وما حولها من القرى فاستباحوها ونهبوا حوالي ثلث البلد ولم يخرج إليهم نائب حلب ولا أزعجهم، وذكروا أنهم عاقبوا الناس على المال كصنيع التمرية.

وفي رجب أكملت عمارة دار السعادة بدمشق بعد إلزام النائب أهل البلد بعمارتها ومرمة ما يحتاج إليه السكنى منها وتحول إليها فسكنها.

وفي شعبان ولي شهاب الدين الأموي قضاء المالكية بدمشق وكان قبل ذلك قاضي طرابلس وقد ولي بعد ذلك قضاء مصر.

وفيه استقر كمال الدين بن جمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخشاب في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن عبد الرحمن بن الكفري، وفي رمضان ولي فتح الدين بن شمس الدين الجزري وكالة بيت المال بدمشق وتدريس الأتابكية انتزعها من جلال الدين ابن أبي البقاء.

وفي رمضان قتل نائب القدس، قتله العشير وكان خرج إليهم ليكبسهم فاستعدوا له فقتلوه.

وفي شوال ولي محيى الدين بن الأمدي كتابة السر بطرابلس.

وضرب قاضي حلب ابن

ص: 236

يحيى فقتل، ضربه رجل بسكين فمات، واستقر عوضه شمس الدين محمد بن أحمد البيري أخو جمال الدين الأستادار.

وفي شوال عزل عز الدين عبد الرحمن ابن الكفري عن قضاء الحنفية بدمشق، واستقر عوضاً عنه جمال الدين ابن القطب، قال ابن حجي وهو أحسن سيرة من ابن الكفري وإن اشتركا في الجهل.

وفيه هرب نجم الدين ابن حجي من حماة مغاضباً لنائبها علان لأنه اطلع منه على إرادة العصيان فكاتب فيه فاطلع علان على كتابه فأراد قتله ففر منه إلى دمشق.

وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي، بن كذا، بن صير الدين بن ولوى بن منصور بن عمر الملقب ولسمع، استقر في مملكة الحبشة للمسلمين بعد أخيه حق الدين، فسار على سيرته في جهاد الكفرة وكانت عنده سياسة وكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن يبيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة فيقال إنه لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها، وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعاً عظيماً وجهز عليهم أميراً يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز، وتحت يد كل واحد منهم عدة فقراء مسلكون عنده، واستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر، فحصروه فيها إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوفه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى الكفار

ص: 237

على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنائس وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدين وهم صير الدين علي ومعه تسعة من أخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولاً ومالاً فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة، فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمر صير الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكنائس وغنم عدة غنائم، وسيأتي خبر صير الدين في سنة خمس وعشرين.

وفي العشر الأخير من شوال سعى السالمي في إبطال مكس الذبيحة من الغنم والبقر وغيرهما، والسبب أن غالب المتجوهين أخذوا مراسيم بمساميح، بعضهم ببقرة وبعضهم بشاة أو أكثر، فما بقي لجهة الدولة شيء يتحصل من الجهة فنودي بإسقاط ذلك، ثم أعيد بعد مدة لكن بصورة أخرى وهي ترك الصوف والجلد لجهة الدولة.

وفيه سعر اللحم فالسليخ بدرهم ونصف، والسميط بدرهم وربع، والبقري بدرهم.

وفي أواخر ذي الحجة ثار الجند بالأستادار يلبغا السالمي وأغلق باب القلعة فهرب من باب السر، ثم أخرج من طاحون بالقرافة ورسم عليه السلطان وألزمه بتكفية العليق والنفقة وانسلخت السنة على ذلك.

وفيها خرج طاهر بن أحمد بن أويس على أبيه وحاربه وكسر جمعه وأطاعه العسكر بغضاً منهم في أبيه لسوء سيرته، ففرّ أحمد إلى الحلّة فتبعه ولده وحاربه ففرّ إلى بغداد ليأخذ وديعة له، فهجم عليه طاهر واستنقذ منه المال فاستنجد أحمد بقرا يوسف من تبريز فأعانه فاجتمعا على حرب طاهر فانهزم، واتفق أنه اقتحم فرسه في حال الهزيمة جانباً من دجلة لينجو منه إلى البر الآخر فغرق.

ص: 238