المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس عشرة وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

استهلت والناصر قد رحل في آثار الأمراء الذين خامروا عليه، فدخل دمشق كما قدمنا في سلخ السنة الماضية وخرج منها في سادسه، ووقع في أول يوم منه تقرير ابن الكشك في قضاء الحنفية وكان عماد الدين ابن القصاص قاضي الحنفية بحماة، قد جرت له مع يشبك ابن أزدمر وكائنة قبيحة جدا فخرج من حماة إلى دمشق فبذل لنوروز نائب الشام مالاً فولاه قضاءها، ثم عزل فتوجه إلى مصر فقرره طوغان وهو بغزة في قضاء الشام فوصل الى دمشق، فلم يتمكن من المباشرة لدخول الشريف ابن بنت عطاء بتوقيع قضاء الحنفية بدمشق فباشر، ثم دخل الناصر دمشق فأعاد ابن الكشك، فولى قضاء دمشق ثلاثة أنفس في عشرة أيام، وأفرج الناصر عن ناصر الدين ابن البارزي ونكباي الحاجب وسار إلى جهة حمص وقد بلغه أن الأمراء دخلوا بها، فبلغه أن الأمراء رحلوا إلى بعلبك فوصل ا، فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع على جهة وادي التيم لقصد القاهرة فتوجه م، فمضوا إلى جهة الصبيبة وهو يتبعهم حتى نزلوا باللجون، فأشار عليه نصحاؤه أن يرجع إلى دمشق حتى يستريح العسكر ثم يتوجه م فيأخذهم من الصبيبة، فأبى ولج في طلبهم وظن أنهم في قبضته وأن الذي أشار عليه بذلك غشه وأتهمه لهواه فيهم، ثم ركب في ساعته وساق فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره ولم يبق معه إلا اليسير، وذلك في ثالث عشر المحرم، وكان الأمراء قد دخلهم الخوف منه فعزموا على أن يتوجهوا في الليل من وادي عارا إلى جهة الرملة ثم يقصدوا حلب من طريق البرية ولم يخطر لهم أن يقاتلوه خوفاً منه وعجزاً عنه، فساعة وقوع عينه عليهم حمل واقتحم فيهم، فارتطمت خيول الذين معه في وحل كان هناك وخامرت طائفة منهم فقتل في المعركة مقبل الرومي وكان الناصر قد فسخ عقد

ص: 505

أخته من نوروز وزوجها لمقبل، فقصده نوروز فقتله في المعركة وقتل الطنبغا سقل وجرح سكب فمات من جراحه بعد ذلك بأيام، ووقعت في الناصر جراحة فانهزم راجعاً إلى دمشق، فأشار عليه بعض من ينصحه أن يتم مستمراً إلى القاهرة، فامتنع لما أراد الله من هلاكه وتوجه إلى دمشق فأدركه الليل في بيت تركماني فعرفه فأنزله عنده وكان معه حينئذ ثلاثة أنفس فأقام في الليل يسيراً حتى استراح، ثم قدم له التركماني حجرة وكان فرسه قد أعيا فركبها ووعده بمال وإقطاع وتوجه إلى دمشق فتحصن بالقلعة، واحتاط الأمراء بالخليفة والقضاة وكاتب السر وناظر الجيش وبجميع ما كان مع الناصر من المال والخيل مما لم يتركه محتسبا، فانتقل الأمراء من الخوف إلى الأمن ومن الذل إلى العز، وتقدم شهاب الدين الأذرعي أمام شيخ وهو ابن أخي بدر الدين ابن قاضي أذرعات فصلى بالقوم المغرب فقرأ " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فاوئكم وأيدكم بنصره " - الآية

فوقعت الموقع لمناسبة الحال وأصبح الأمراء ورأسهم شيخ ونوروز فاشتوروا فيما يفعلونه وكان كاتب السر فتح الله قد خاف من الناصر فأشار عليهما أن يكتبا إلى القاهرة بما اتفق بحفظ القلعة والبلد ويكتب الخليفة بمثل ذلك، وتوجه قجقارا القردمي بذلك فوصل آخر الشهر، ورحل الأمراء إلى دمشق فوصلوا في نصف المحرم، وكان الناصر قدم تلك الليلة وطلع القلعة واستدعى القضاة والأعيان، ورغبهم فيما لديه ووعدهم بالعدل والجميل فمالوا معه وشجعوه، فتلاحق به العسكر شيئاً بعد شيء، ووجد تغري بردى نائب الشام قد مات في ذلك اليوم فقرر عوضه دمرداش، واخذ بالاستعداد وأخرج الأموال والسلاح، فاجتمع له جمع كثير وانفق فيهم، وقواهم بالمدافع والمكاحل ورفع الجسور عن الخنادق، وأمر القضاة أن يركبوا مع القاضي جلال الدين البلقيني وكان قد تقدم

ص: 506

قبل الوقعة إلى دمشق وينادي بأن الناصر قد أبطل المكوس وأزال المظالم، ويطلب منهم الدعاء، فتعصب له عوام الشام، فلما كان في الثامن عشر من المحرم نزل الأمراء قبة يلبغا، فندب الناصر لهم عسكراً فخرج م سودون الجلب وسودون المحمدي فهزموهم ثم ارتحلوا فنزلوا غربي البلدة ووقفوا من جهة القلعة فتراموا بالنشاب، ثم نزل نوروز بدار الطعم وشيخ بدار غرس الدين الأستادار وضم معه الخليفة وكاتب السر والقضاة ونزل بكتمر جلق وقرقماش، فمنعوا الميرة عن الناصر وقطعوا نهري دمشق، فتعطلت الحمامات وغلقت الأسواق وعظم الأمر واشتد القتال وكثرت الجراحات.

وفي ثالث عشري المحرم لحق بالأمير شيخ ناصر الدين ابن العديم قاضي الحنفية وشهاب الدين الباعوني وشهاب الدين الحسباني وكانوا بالصالحية. وناصر الدين البارزي وصدر الدين الأدمي وكانا من أخصاء شيخ فأنس بهما وعرفاه بأحوال البلد مفصلة، وبسط ناصر الدين ابن العديم لسانه في الناصر فبلغ ذلك الناصر، فقرر ابن الشحنة في قضاء الحنفية بالقاهرة عوضا عنه ويقال، إن ناصر الدين المذكور كان ممن شهد الوقعة باللجون وأحيط به مع الخليفة والمباشرين.

وفي الرابع والعشرين من المحرم وسط بلاط أشق شاد الشربخاناة وبلاط أمير علم وكان كل منهما يذبح المماليك الظاهرية بين يدي الناصر بالقاهرة.

وفي يوم السبت خامس عشري المحرم أشهر غلبة الخليفة بخلع الناصر من الملك لما ثبت عليه من الكفريات الانحلال والزندقة وحكم ناصر الدين ابن العديم بسفك دمه.

واستقر في السلطنة الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل العباسي، ولم يغير لقبه، وبايعه الأمراء ومن حضره، وكان رأي الأمراء قد اجتمع على ذلك، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدة وتوثق منهم بالإيمان فاشتد امتناعه وصمم فبادر كاتب السر

ص: 507

فتح الله فأرسل جماعة منهم محمد بن مبارك الطازي، هو أخو الخليفة لأمه ورتب معه ورقة فيها مثالب الناصر وأن الخليفة عزله من السلطنة فلا يحل لأحد من المسلمين القتال معه ولا مساعدته فإنه فعل وفعل - وعدد مثالب الناصر، وقرأه شخص منهم جهراً ودار بها على الوطاق كله حتى بلغ ذلك الناصر وتحققه وتوعد الخليفة بكل سوء ظنا منه أن ذلك من تدبيره، فبلغ ذلك الخليفة فسقط في يده وأيس من صلاح الناصر له، فأجاب إلى ما التمسوه منه من القيام بالأمر، فبايعوه كلهم فحلفوا له على الوفاء وأحضروا له لباس الخظيب الأسود فلبسه وجلس على كرسي وقام الكل بين يديه وقرر بكتمر جلق في نيابة الشام وقرقماش في نيابة حلب وسودون الجلب في نيابة طرابلس والأميرين شيخ نوروز في ركابه يدبران الأمر، ونادى منادي الخليفة ألا أن فرج بن برقوق خلع من السلطنة ومن حضر إلا أمير المؤمنين وابن عم رسول الله فهو آمن، فتسلل الناس عن الناصر، وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له، وأمر يلبغا الناصري بحفظ البلد، فلما كان صبحة هذا اليوم قدم الحاج فتلقاهم شيخ وبعث كل طائفة إلى الجهة التي قصده ومنعهم أن يمروا تحت القلعة.

وفي سابع عشري المحرم استقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضا عن البلقيني وشهاب الدين الحسباني في قضاء الشافعية بدمشق عوضا عن الإخنائي واشتغل الأميران بحصار الناصر، وقتل في هذه الفتنة خلق من الأمراء منهم يشبك العثماني، ولما بلغ الناصر ما صنع فتح الله عزله من كتابة السر وقرر عوضه فخر الدين ابن المرزوق وأضاف نظر الخاص إلى الوزير سعد الدين بن البشيري وكان معه بدمشق.

ص: 508

وفي ثاني صفر قدم قجقار القردمي القاهرة فذكر الواقعة، فأراد اسنبغا الزردكاش أن يقبض عليه فمنعه يلبغا الناصري وقرأ كتبه واشتهر الخبر، ورتب الناصري لقجقار ما يليق به وبمن معه وهم نحو ثلاثين نفرا، ثم قدم كزل العجمي وعلى يده كتب من الخليفة والأمراء بما تقدم من خلع الناصر، وقدم بعده ساع من عند الناصر يخبر فيه بأنه ملتجئ إلى القلعة، ثم قدم قصروه وعليه خلعة الخليفة وكتاب إلى الناصري ومن بالقاهرة من الأعيان فقرئ، وأرسل إلى الجامع الطولوني فقرأه ابن النقاش ثم إلى الجامع الأزهر فقرأه مسطرها - كما سيأتي.

وفي السادس من صفر شاع بين الناس أن قرا يلك وغيره من التركمان قد وصلوا نجدة إلى الناصر فنادي شيخ بتكذيب ذلك وأن المذكورين جاليش تمر لنك فاحذروهم، ثم اجتمع الجميع وأعادوا بيعة المستعين وجددوا له الأيمان وأنهم رضوا بأن يكون حاكماً عليهم وأنه المستبد بالأمور من غير معارضة أحد منهم له.

وفي الثاني من صفر اشتد القتال وحمل شيخ بمن معه فانهزم أصحابه وثبت هو ثم تراجعوا وصدقوا الحملة فانهزم أصحاب الناصر ووصل شيخ إلى طرف القنوات، فجاء دمرداش فأعلم الناصر أنه قد سهل القبض عليه وسأله أن يندب معه رجالاً، فناداهم فلم يجبه أحد فأعاد فأجابه بعضهم بجواب فيه جفاء وإذا العسكر قد احتيط بأن نوروز كبسهم، فهربوا بحيث لم يبق بين يدي الناصر أحد، فملك شيخ الميدان والإصطبل، فأشار دمرداش على الناصر أن يرحل إلى حلب، فقام فدخل حريمه ليلاً وتجهز فلم يخرج، فاستبطأه دمرداش فتركه وسار، وقام ناس على الأسوار فنادوا: نصر الله أمير المؤمنين! فلما سمع الرماة ذلك تخوفوا على أنفسهم ففروا، فركب الناصر فرسه ودار

ص: 509

على السور فلم يجد أحدا فعاد إلى القلعة، فركب شيخ ودخل من باب القصر وملك المدينة ونزل بدار السعادة، وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب فبالغوا، ونزل المستعين في البلد، ويقال إن دمرداش لما رأى أن حال الناصر تلاشى احتال لنفسه فقال للناصر: أروح أنا وابن أخي واجمع عسكراً من التركمان وغيرهم فمال الناصر لكلامه وأعطاه مالاً كثيراً لذلك فتوجه من دمشق ومعه نحو مائتي نفس، فلما رأى الذين مع الناصر ذلك خارت قواهم ووهنوا، فرأى الناصر علامة الخذلان فقال لهم: من شاء أن يستوثق لنفسه فليفعل، فتفرقوا، ثم تحول شيخ إلى الإصطبل، وأنزل بكتمر جلق في دار السعادة، فلما كان يوم الأحد بعث الناصر يطلب الأمان ويستحلف الأمراء، فحلفوا له على ما أراد وأرسلوا له أخا الخليفة لأمه محمد بن مبارك الطازي فطال بينه وبينه الكلام ولم يفترقا على طائل فعاد والرمي عليهم من أعلى القلعة فعادوا الحصار، فاضطره الأمر إلى أن ينزل ليلة الاثنين ومعه أولاده يحمل بعضهم ويحمل معه بعضهم وهو يمشي من باب القلعة إلى الإصطبل، فلما رآه شيخ قام وقبل الأرض وأجلسة بصدر المجلس فسكن روعه فبات تلك الليلة، وأصبح شيخ يوم الاثنين فلم يجتمع به، واجتمع الأمراء عند المستعين يوم الثلثاء بدار السعادة فاشتوروا فيما يصنعونه بالناصر، فاتفق رأيهم على أن يمضوا فيه حكم ابن العديم، فأخذ في ليلة الأربعاء من الإصطبل فحبس في مكان من القلعة وحده لا يصل إلا من يناوله حاجة المأكول والمشروب خاصة وترك فريداً إلى ليلة السبت سادس عشر صفر، فدخل عليه محمد بن مبارك الطازي ورجل من خواص شيخ وآخر من خواص نوروز ورجلان من المشاعلية، فلما رآهم أحس بالشر فقام ودافع عن نفسه فبادره المشاعلية حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه وتقدم أحدهما فخنقه، فلما ظن أنه أتلفه قام عنه فتحرك فعاد مرة بعد مرة ففرى أوداجه بخنجر كان معه ثم سحبه بعد ما سلبه فألقاه على مزبلة تحت السماء ليس عليه سوى لباسه وعيناه مفتوحتان، يمر به القريب والبعيد وقد صرف الله قلوبهم عنه فلا أحد يترقق له ولا يحن له بل ربما مد بعضهم يده فعبث بلحيته ثم حمل

ص: 510

ليلة الأحد فغسل وكفن وصلى عليه ودفن بقبر بباب الفراديس، ولم تكن له جنازة مشهودة فسبحان المعز المذل! وكان شيخ يحلف أنه لم يكن يريد قتله ولم يرد إلا أن يسجنه ببعض الأماكن مرفها ويرتب له ما يأكل ويشرب ووافقه جماعة من الأمراء منهم يشبك ابن أزدمر إلا أن نوروز وبكتمر جلق لم يأمنا عاقبته فحرضا على قتله وساعدهما حكم ابن العديم فقتله بسيف الشرع فقتل، ولقد كان الناصر هذا أعظم الناس خذلاناً لدين الإسلام وأشأمهم طلعة على المسلمين والعجب أنه ولد لما أقبل يلبغا الناصري ومنطاش فبشر أبوه فسماه بلغاق - يعني فتنة، فما خلص أبوه من الكرك سماه فرجا فكان اسمه الأول هو الحقيقي.

وفي عاشر صفر قبض على الإخناي وابن المزوق والغرس الأستادار وعبد الرزاق ناظر الجيش وصودروا، وخلع على صدر الدين ابن الأدمي بكتابة السر بدمشق، وعلى الأموي بقضاء المالكية بها، وتقرر الأمر بين الأمراء أن يكون الأميران مدبران الأمر بين يدي الخليفة وأن ينزل شيخ بباب السلسلة وينزل نوروز في بيت قوصون، فلما كان الخامس والعشرين من صفر التمس نوروز من الخليفة أن يقرره على نيابة الشام فأجابه إلى ذلك وخلع عليه وصرف عنه بكتمر جلق واستقر أميراً كبيراً بالقاهرة، واعتل نوروز بأنه يخشى وقوع الفتنة وأن التدبير لا يكون إلا لشخص واحد، فأجيب لذلك وفوضت له كفالة الشام كله، وجعل له تعيين النواب في البلاد وتعيين الإقطاعات لمن يراه وكذلك أمر القضاة والمباشرين، فيطالع الخليفة بمن يرى تقريره فيكتب له تقليده.

ص: 511

وفي السابع والعشرين من صفر أعيد جلال الدين البلقيني إلى قضاء الشافعية بالقاهرة وعزل الباعوني، فكانت مدته نحو شهر اسما بلا مباشرة، وصرف نوروز ابن الأدمي عن كتابة السر وقرر فيها البصروي وصرف الحسباني عن قضاء الشافعية بدمشق وقرر الأخناني فتوجه مع الحسباني إلى وطاق الخليفة، فكتب له توقيعاً بخطابة الجامع ونظر الأسرى ومشيخة السميساطية ونصف الناصرية، فضرب نوروز على الخطابة وأبقاها مع الباعوني، ثم بقي نصف الناصرية مع شهاب الدين ابن نقيب الأشراف، ثم قرر الباعوني في المشيخة، فلم يبق مع الحسباني سوى نظر الأسرى ثم انتزعت منه.

وفي ثامن صفر وصلت الأخبار إلى القاهرة صحبة كزل بما جرى للناصر وقرئت الكتب بذلك على الناس، وكذب اسنبغا الزردكاش ذلك وأراد إثارة فتنة، فساس يلبغا الناصري الأمر حتى سكن اضطرابه، ووصل كتاب الخليفة بأن يسلم يلبغا القلعة فأذعن له وتوجه إلى داره، وصدرت الكتب من الخليفة إلى أمراء التركمان والعربان والعشير ومفتتحها: من عبد الله ووليه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين، المفترضة طاعته على الخلق أجمعين، أعز الله ببقائه الدين إلى فلان.

وفي الثامن من ربيع الأول توجه الخليفة وشيخ ومن معهما إلى القاهرة فدخلوا في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الآخر بعد أن تلقاهم الناس إلى قطيا وإلى الصالحية وإلى بلبيس، وحصل للناس من الفرح بذلك ما لا يزيد عليه، ونادوا في الناس برفع المظالم والمكوس.

وفي سادس عشرة توجه نوروز من دمشق إلى حلب وقرر في نيابتها سودون الجلب فمات معه في حادي عشر ربيع الأول، واستقر يشبك ابن أزدمر في نيابة طرابلس وخرج نوروز من حلب وطلب دمرداش فوصل إلى عينتاب فقطع دمرداش الفرات، فرجع نوروز فوجد سودون الجلب قد مات فقرر في نيابة طرابلس طوخ ورجع إلى دمشق فدخلها في أوائل رجب، وتوجه الطنبغا القرمشي نائبا على صفد،

ص: 512

وقد ضرب نوروز الدراهم الخالصة زنة الواحد نصف درهم والدينار بثلاثين منه، وفرح الناس بها وكانت معاملاتهم قد فسدت بالدراهم المنشوشة النيروزية وكان منه بها قديما في كل درهم عشرة فضة وتسعة أعشاره نحاس.

وفي شهر ربيع الأول استقر الشيخ محب الدين محمد بن الأشقر شرف الدين عثمان الكراوي في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس وكان شيخها شهاب الدين ابن أوحد قد قام عليه الصوفية لما بلغهم خير الملك الناصر لأنه كان يستطيل عليهم بصحبته فآذوه ورموه بكل عظيمة وكان جديراً بذلك، فخشي على نفسه منهم فبادر بالنزول عن الخانقاه المذكورة للمذكور لمعرفته بمحبة الناس له لحسن سياسته، فأمضى له يلبغا الناصري النزول واستقر بها، وخرج ابن أوحد إلى ملاقاة معارفه من المصريين في العسكر، واستقرت قدم بن أشقر في سرياقوس، وكان قد تزوج بنت البرهان المحلى وهي أخت زوجة الخليفة، فخرج إلى لقائه فتلقاه بإكرام وتعظيم.

وفي الثاني من ربيع الأول دخل الخليفة القاهرة فشقها والأمراء بين يديه فاستمر إلى القلعة فنزلها، ونزل شيخ الإصطبل بباب السلسلة، وكان شيخ يظن أن الخليفة يتوجه إلى بيته ويستعفي من السلطنة، فلما لم يفعل ذلك أعرض عنه وأبقى له من يخدمه من حاشيته، واستقرت الخدمة عند شيخ وأمسك اسنبغا الزردكاش، فادعى عليه مدع بموجب القتل فقتل، وقبض على أرغون وسودون الأسندمري وكمشبغا، المزوق، وقرر في نيابة الإسكندرية خليل الحشاري عوضا عن قطلوبغا الخليلي بحكم موته.

ص: 513

وفي الثامن منه صعد شيخ والأمراء إلى القصر وجلس الخليفة على تخت الملك فخلع على شيخ خلعة عظيمة بطراز لم يعهد مثله وفوض أمر المملكة بالديار المصرية في جميع الأمور وكتب له أن يولي ويعزل بغير مراجعة وأشهد عليه بذلك ولقب نظام الملك، وقرر طوغان دويدارا وشاهين الأفرم أمير سلام وإينال الصصلائي في الحجوبية، وخلع على يلبغا الناصري وسودون الأشقر، وقرر الطنبغا العثماني في نيابة غزة عوضا عن سودون بن عبد الرحمن، ونزلوا كلهم في خدمة شيخ، فلما كان في اليوم الذي يليه عرض شيخ الأجناد وفرق الإقطاعات وقرر جمقمق دويدار في خدمة الخليفة وأسكنه القلعة وتقدم بأن لا يمكن الخليفة من كتابة علامة إلا بعد عرضها على شيخ، فاستوحش الخليفة حينئذ وضاق صدره كثر قلقه واتضع جانبه وصار الملك كله لشيخ فسبحان من له الأمر كله.

وفي حادي عشر استقر صدر الدين ابن العجمي في حسبة القاهرة وصرف ابن الدميري، وخلع على المباشرين باستقرارهم على عادتهم، وخلع على تاج الشويكي، واستقر والي القاهرة واستقر بدر الدين حسن ابن محب الدين أستادارا وسكن بيت جمال الدين واستقر شهاب الدين أحمد الصفدي ناظر المارستان عوضا عن فتح الله وناظر الأحباس عوضا عن تاج الدين ابن نصر الله أخي ناظر الجيش بدر الدين وقام جد القيام في دفع ذلك فلم يجب سؤاله، واستقر ناصر الدين البارزي في توقيع الأمير عوضاً عن تاج بن نصر الله وشرف الدين ابن التباني في وكالة ببيت المال ونظر الكسوة وفي قدوم القوم إلى القاهرة انحلت الأسعار ورخصت الغلال، وزاد النيل زيادة وافرة

ص: 514

بحيث أنه عند الناروز كان قد وفى ثمانية عشرة ذراعا واستبشر الناس بذلك، وخف الظلم جداً وتعطلت الرمايات والمصادرات وبيع الأنفس الأحرار والمجاهرة بالمحارم في الجملة.

وفي السادس عشر من جمادى الأولى قرئ تقليد الأمير شيخ بتفويض الخليفة له بأمور المملكة وجميع ما قد اشتهر من خلافته.

وفي ثالث عشر منه جلس في الحراقة وبين يديه القضاة والأمراء والمباشرون وقرأ كاتب السر عليه القصص كما جرت العادة عند السلاطين في دار العدل ولم يبق له من السلطنة سوى اسمها والسكة والخطبة، واستمر يعمل عنده الخدمة كل اثنين وخميس.

وفي رابع عشر منه قرر صدر الدين ابن الأدمي في قضاء الحنفية بالقاهرة وصرف ابن العديم بالمال حتى أعيد إلى الشيخونية في رجب، وصرف أمين الدين من الطرابلس وأرسل جقمق إلى بلاد الشام بتقاليد النواب من جهة الخليفة.

وفي الثامن من جمادى الآخرة مات بكتمر جلق وكان قد لسعته عقرب من مدة شهرين فتمرض منها حتى مات، ونزل شيخ للصلاة عليه راكبا والناس مشاة فخلا الجو لشيخ بموت بكتمر، وفيه جهزت سارة بنت الملك الظاهر إلى زوجها نوروز بدمشق فخرج يلقاها إلى الرملة فوصلت وهي ضعيفة، فتوجه بها إلى القدس فماتت هناك.

ولما دخل القدس اتصل به شمس الدين محمد بن عطاء الله الهروي، فقرره في تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ زين الدين القمني وكان الوظيفة بيد القمني ويستنيب فيها شهاب الدين ابن الهائم، فمات ابن الهائم فخلت عن تدرس فوثب عليها الهروي، وفي جمادى الآخرة قرأ البارزي موقع شيخ بين يديه القصص في غير أيام الخدمة فكثر الناس على بابه وقل تردادهم على فتح الله فبدأ جانبه في الانحطاط،

ص: 515

وفي يوم السبت تاسع عشرين رجب عقد مجلس بين يدي شيخ بسبب مدرسة جمال الدين وادعى أخوه شمس الدين علي فتح الله كاتب السر أنه واضع يده عليها ظلماً فأجاب بأنها صارت للناصر بوجه شرعي وأنه فوض له النظر عليها، فبدر ابن الأدمي فقال: حكمت بإعادتها إلى وقف جمال الدين وكذلك أوقافها على ما كان جمال الدين وقفها، وانفصل الأمر على ذلك.

وفي رجب شكى أخو جمال الدين الأستادار وعائلته ما أصابهم من الناصر وانتزاع أوقافهم، فحكم صدر الدين ابن الأدمي بإبطال ما صنعه الناصر وبإعادة وقف جمال الدين على حاله وصرف الفرائض من الربع إلى ورثة جمال الدين، وكان فتح الله سعى في ضد ذلك فلم يجب سؤاله واتضع جانبه جدا وسعى أخو جمال الدين حينئذ فاستعاد البيبرسية بحكم أنها كانت بيده وخرجت عنه لعلاء الدين الحلبي ثم نزل عنها لكائنة، فلم يزل أخو جمال يسعى إلى أن اشترك معه في المشيخة.

ثم انتزعها كلها في سنة عشرة ثم استعادها كاتبه كلها في سنة ثماني عشرة.

وفي مستهل شعبان بويع الأمير شيخ بالسلطنة باتفاق من أهل الحل والعقد الذي حضروا من الأمراء والقضاة والمباشرين ثم صعد إلى القصر فجلس على تخت الملك، وقبل الأمراء الأرض فصافحه القضاة وأصحاب الوظائف، وقررهم على وظائفهم، وأرسل إلى الخليفة ليشهد عليه بتفويض السلطنة له على عادة من تقدمه فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته، فلم يوافقه السلطان على ذلك بل استنظره أياماً، ولقب السلطان بالملك المؤيد بعد أن شاوروه في ذلك فاختار هو هذا اللقب، وكنت حاضراً في وظيفة إفتاء دار العدل فاتفق أنهم اختلفوا في تكنيته فقلت الذي يوافق التأييد هو النصر فاتفقوا على تكنيته أبا النصر وافترق المجلس على ذلك،

ص: 516

واتفق في يوم سلطنته قدوم جمقمق الدوادار راجعاً إلى دمشق لتقليد النواب - فتلقاه نوروز وخلع عليه ظانا أن الأمر على ما كان عليه، فلما كان في ثامن عشرة رجع إلى دمشق فقبض عليه نوروز وسجنه.

وفي السادس من شعبان توجه طرباي بخلعه استقرار لنوروز في نيابة الشام فلما بلغه ذلك أعاد جواباً قبيحا وأفحش في الرد وكاتبه كما كان يكاتبه من قبل فرجع الرسول مسرعا فوصل في أول يوم من رمضان فجهز المؤيد الشيخ شرف الدين ابن التباني في ثامن عشرة رسولا إلى نوروز يعظه ويشير عليه بالدخول في الطاعة، فقدم عليه في سابع شوال، فلم يلقه بإكرام ومنعه من الاجتماع بالناس، وقبض على نجم الدين ابن حجي وكان خرج مع الحجاج فوشي به إلى نوروز أنه يريد التوجه من مكة إلى مصر فحبسه بالقلعة ثم أفرج عنه بعد خمسة عشر يوما وأرسل نوروز إلى الأمراء من البلاد أن يوافوه بدمشق لحرب المؤيد، فوصل تغري بردي ابن أخي دمرداش وطوخ وقمش ويشبك بن أزدمر، فاستقر الرأي أن يرجعوا إلى بلادهم ويتجهزوا ويعودوا إلى دمشق، ثم وصل الخبر بمجيء إينال الرجبي وجانبك الصوفي في عسكر من جهة المؤيد إلى غزة فملكوها، وهرب كاشف الرملة إلى نوروز فجهز نوروز جيشاً إلى غزة فتوجه معه كاشف الرملة فكبسوا إينال الرجبي بالقدس فكسروه وأرسل إلى دمشق وكان زوج أخت نوروز فخامر عليه، فلما حضر إلى نوروز بصق في وجهه ثم أطلقه وتوجه عسكر نوروز فأخذوا غزة، فهرب جانبك الصوفي إلى صفد.

ص: 517

وفي الثامن من شعبان عمل المؤيد الخدمة بدار العدل في الإيوان وكانت قد انقطعت من مدة طويلة وقرر الأمراء فيلبغا الناصري أتابك العساكر وطوغان دويدارا كبيرا وشاهين الأفرم أمير سلاح، وقانباي المحمدي أمير أخور وسودون الأشقر رأس نوبة، خلع على القضاة والمباشرين.

واستقر شمس الدين التباني في قضاء العسكر عوضا عن جمال الدين ابن القطان.

وكان استقر في الوظيفة بعناية الخليفة فعزل.

وفي هذا اليوم صرف نوروز شهاب الدين الأموي عن قضاء المالكية وأعاد عيسى فرحل الأموي إلى القاهرة.

وفي شعبان تجهز طوغان ومعه عسكر إلى البحيرة لدفع عرب لبيد وكانوا قد أفسدوا فقتل منهم جماعة فرحلوا إلى الإسكندرية فحاصروها فتجهز م قرقماش ابن أخي دمرداش.

وفي الثاني من رمضان جمع ود والنصارى، وحضر جماعة من أهل العلم منهم ابن النقاش وشمس الدين التباني وشهاب الدين بن سنقري مع المحتسب ابن العجمي وكتب أسماء أهل الذمة وقررت عليهم الجزية على قدر أحوالهم، على الغني أربعة دنانير والوسط ديناران والفقير دينار واحد، فبلغت الجزية في هذا السنة عشرة آلاف دينار، وكانت في العام الماضي ألفا وخمسمائة فقط.

وفي شوال أرسل المؤيد آقبغا الأسندمري إلى دمرداش بتقريره نائباً بحلب، وفي تاسعه قبض على سودون المحمدي بالقاهرة وأرسل إلى الإسكندرية لأنه كان يميل إلى نوروز، وقبض على كاتب السر فتح الله وعوق بالقلعة وأحيط بداره - وقبض على حواشيه، ثم صرف في ليلة الجمعة وألزم بمائة ألف دينار، وحمل في ليلة الأحد إلى بيت الأستادارا وشرع في بيع حواصله،

ص: 518

وقرر ناصر الدين البارزي في كتابه السر عوضا عن فتح الله، وكان صدر الدين الأدمي قد عين لذلك من قبل فاتفق له رمد أشفى منه على العمى، فاستقر البارزي وسجن فتح الله بالقلعة في أواخر شوال، ثم عوقب في سادس ذي الحجة على ظهره عقوبة بالغة وعصر حتى كاد أن يموت، ثم أهين إهانة بالغة ثم حول في ثامن ذي الحجة إلى ناظر الخاص فانزله في دار مضيفاً عليه وكان المؤيد وقد نقل الخليفة المستعين من القصر فأنزله في دار من دور القلعة ومعه أهله ووكل به من يمنع من الاجتماع به، فبلغ ذلك نوروز فجمع القضاة والعلماء في سابع ذي القعدة واستفتاهم عما صنعه المؤيد بالخليفة من خلعه وسجنه فأفتوا بعدم جواز ذلك وافترقوا عن غير شيء، وفي هذا الشهر انتهت عمارة قلعة دمشق إلى أن صارت أحسن مما كانت وأعمر، وتوسع نوروز في النفقات والعطايا حتى أنه أعطى تغري بردى ابن أخي دمرداش ثمانية آلاف دينار ويشبك بن أزدمر خمسة آلاف دينار - وقس على ذلك، وكثرت مصادراته للناس فأخذ من خليل الأستادارا وحده مائتي ألف دينار، ويقال إنه وجد مع ناس من أهل البقاع ذهباً فأنكر عليهم، فاعترفوا أنهم نبشوا لدفن ميت فوجودا ناووسا ففتحوه فوجدوا فيه ذهباً كثيراً فاقتسموه فتتبع نوروز من أخذه واستعاد منه ما قدر عليه، فحصل له نحو ثلاث غرائر ملأى ذهباً فيما قيل.

وفي تاسع شوال سجن سودون المحمدي بالإسكندرية.

وفي ذي القعدة قطع الدعاء للخليفة بمكة ودعي للمؤيد وحده وكان من أول دولة المستعين يدعى لهما.

ص: 519

وفيه مات طوغان نائب قلعة الروم فتغلب عليها دمرداش ثم وصل تقليد بنيابة حلب فسار ا، واستقر في تاسع ذي الحجة وخطب باسم المؤيد بها، وكان أهل حلب قد ركبوا على يشبك بن أزدمر وأخرجوه منها بسبب كثرة ظلمه لهم وأخذ أموالهم بغير تأويل، فلما خرج إلى البر يتنزه أغلقوا في وجهه أبواب البلد، فوقعت بينهم حروب ببانقوسا فكسروه فرجع إلى دمشق مستنصراً بنوروز، وأرسل أهل حلب إلى دمرداش وكان مقيما بقلعة الروم من حين هرب من دمشق والناصر في الحصار فأمروه عليهم، وأثار أهل طرابلس بأصحاب طوخ وكان مقيما بحماة فقتلوه أستاداره وولده وأخرجوا الحاجب بعد ما خرج، وأرسل نوروز من استولى على غزة، وهرب نائبها فلجأ إلى العرب فأقام عندهم.

وفي الثالث من ذي الحجة قرر المؤيد قرقماش ابن أخي دمرداش في نيابة الشام وأمره بقتال نوروز فوصل إلى الرملة ثم رجع بغير قتال، وكان نوروز قد راسل المؤيد يسأله أن يستمر في نيابة الشام وأن يستبد بها فلم يجب على سؤاله وعرف أنها مكيدة.

وفي الثالث من ذي الحجة استقر شرف الدين ابن التباني بعد أن وصل من الرسلية لنوروز في تدريس الشيخونية ومشيختها عوضا عن ابن العديم، وكان ابن العديم حج واستخلف في التدريس الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، وفي المشيخة شهاب الدين ابن سفري.

وفي أواخر ذي الحجة صرف ابن العجمي من الحسبة وألزم بمال حمله واستقر محمد بن شعبان على بذل خمسمائة دينار دفعة واحدة معجلة وفي كل شهر مائة دينار، وكان سعر الغلال في هذه السنة رخيصة بمصر جدا حتى بلغ الشعير

ص: 520

كل ويبة دينارين ونوى التمر واسمه الفصا دينارا وكل ثلاثة أرطال بقسماط بدينار، وفيها غلا سعر الفلفل جدا، ووصل الفرنج على العادة فأبى تجار المسلمين أن يبيعوه لهم إلا بسعر مائتين وأربعين فوصلوهم إلى مائتين وعشرين فامتنعوا ورجعوا ولم يشتروا شيئاً، وذلك في سنة خمس عشرة فدخلت سنة ست عشرة والأمر على ذلك، وكان السلطان جهز مع شيخ علي الكيلاني أحد التجار بخمسة آلاف دينار يشتري له بها من الفلفل بقصد التجارة، فاتفق أن صاحب اليمن أرسل إلى مكة جملة مستكثرة من الفلفل وأمر قاصده أن يعتمد على ما يشيره شيخ علي فبلغ سعره بخمسة وعشرين كل مائة من، فأخذ منها بالخمسة آلاف التي هي للسلطان بهذا السعر فأتى على أكثره وباع القاصد بقية ما معه على التجار بسعر خمسة وثلاثين، ولما وصل الذي اشترى للسلطان بيع باثني عشر ألف دينار فعظم قدر شيخ علي عنده جدا.

وفي آخرها غلا الكتان جداً وغلا بسبب ذلك القماش المعمول من الكتان وتبعه جميع الأقمشة القطنية.

وفيها اشتد البلاء على أهل فاس باستمرار حصار السعيد إياها إلى أن قدرت هزيمته أيضاً في شعبان، ثم عاد في شوال فخرجوا فقاتلوه فكبا به فرسه فأخذ وقتل.

وفي أثناء ذلك وقع الفساد في تلك البلاد واستولى المفسدون وقطعت الطرقات ومات بفاس من الناس مالا يحصى عدده جوعا، ثم أعقبه الوباء حتى يرى الدار ليس فيه أحد حي.

ومن النوادر أن قلعة دمشق لما كملت عمارتها على يد نوروز حضر عنده شخص عجمي

ص: 521

فقطع له آلة بطريق الهندسة بحيث يطلع الماء من النهر في دلوين يديرهما شخصان من نحاس فيجري الماء إلى الطارمة بالقلعة بغير علاج بهيمة ولا حامل يصعد الدلو فيصب في الإناء الذي أعد له وينزل فيطلع الأخر كذلك، وأظهر نوروز في إمرته هذه بدمشق من العدل ما لا يوصف حتى توفرت الدواعي من الواردين على حكاية ذلك حتى أن المؤيد كان أرسل إلى القدس أميرين وهما جانبك الصوفي وإينال الرجبي في عسكر فخرج نائب القدس وظفر بإينال وفر جانبك إلى صفد، وأرسل نائب القدس إينال إلى نوروز، فلما وصل أكرمه وخلع عليه وأعطاه واستقر عنده.

وفيها مات شاهين الحسني وكان تقدم في دولة الناصر وحج بالناس وولي نظير البيبرسية وغيرها فمات، وعلي بن مبارك بن رميشة الحسني كان عين لإمرة مكة عند غضب الناصر على حسن بن عجلان في سنة اثنتي عشرة ولم يتم أمره.

ص: 522