المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة عشر وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة عشر وثمانمائة

‌سنة عشر وثمانمائة

في أوائلها نازل التركمان مدينة حلب فحصرها علي بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر ومعه عدة أمراء من التركمان وعدّة من أمراء العرب فنازلوا حلب أياماً وقاتلهم العوام ومن بها وكان بها يومئذ تمربغا المشطوب قد استنابه الناصر بها بعد قتل جكم فرحلوا ولم يظفروا بشيء في تاسع المحرم، وكان لعلي بك ولد محبوس بقلعة حلب فصانع أهل حلب أباه بإرساله إليه مكرّماً فما أفاد ذلك وجد في الحصار ونازل العجل ابن نعير حماة وحاصرها ونهب علي بك ومن معه القرى التي حول حلب وجدوا في الحصار، وبالغ أهل حلب في الذّبِّ عن أنفسهم وانتدبوا للقتال وهان عليهم الأمر خشية على أموالهم وحرمهم بحيث أنهم كانوا كل يوم لا يرجعون إلاّ وقد أنكوا في التركمان نكاية كبيرة، وكان القائم معهم في ذلك تمربغا المشطوب، فلم يزالوا على ذلك إلى ثاني عشر صفر فرجعوا لمملكتهم لما بلغهم أن نوروز أوقع بالعجل ومن معه من العرب على حماه وكسرهم وتجهز من حماه إلى جهة حلب، فلما دخل نوروز حلب وصل الناصر إلى دمشق، ثم راسله الناصر وقرره في نيابة دمشق وقرر تمربغا المشطوب في نيابة حلب واستهلت، فارتفع الطاعون من الديار المصرية بعد أن كان اشتدّ الخطب به.

وفي أول المحرّم تجهزّ الناصر إلى الشام لحرب نوروز، وفي الثامن منه وصل عدة مماليك، فقبض عليهم شيخ في وقعة غزة الآتي ذكرها ثم قدم كتابه يستحث الناصر على التوجه إلى الشام، فخرج السلطان في العشر الأخير من المحرم ورخص الشعير في هذه السنة جدا بحيث كان يباع بالصالحية مع وجود العسكر كل إردب بدرهمين فضّة.

ص: 378

وفي العشرين من المحرم درس ناصر الدين ابن العديم وهو شاب أول ما بلغ في المنصورية، نزل له أبوه عنها فحضره يشبك فمن دونه من الأمراء والقضاة وكان حينئذ أمرد، ونهب حاج المغاربة ومن انضمّ إليهم من الإسكندرية وغيرهم في رجوعهم بين المدينة وينبع.

وفيه أرسل قرا يلك رأس جكم إلى العجل بن نعير فأرسله إلى القاهرة فوصل إلى الشام في المحرم.

وفي المحرم أرسل الناصر إلى نوروز في طلب الصلح، فأذعن لذلك وأرسل له الأمير بلاط الذي كان في أسره في العام الماضي، ثم أرسل نوروز تاج الدين ابن الزهري وعبد الملك ابن الشيخ أبي بكر الموصلي وجماعة إلى شيخ في طلب الصلح فلقوه في بحيرة قدس، فأعاد الجواب بالإذعان إلى الصلح، واعتذر لما طلب نوروز منه أن يشفع له إلى السلطان بأن يعطيه نيابة حلب بأن الأمر فات، ووصلت عساكر السلطان إلى غزة وشاع في دمشق أن شيخ يريد التوجه إلى دمشق، فاستعدّ له نوروز وبرز إلى سطح المزّة، وفي غضون ذلك وصل بكتمر جلق من ناحية طرابلس منهزماً، أوقع به شاهين الدويدار الشيخي، فأرسله نوروز إلى جهة شيخ مع عسكر فلم ينل طائلاً.

وفيها كملت عمارة قلعة دمشق وكان ابتداؤها في العام الماضي، وصرف على عمارتها مال كثير جداً، وظلم بسببه أكثر الخلق من الشاميين وغيرهم وعاد رسل نوروز إليه بأمر شيخ كما تقدم وبأنه وصلت إليه خلعة النيابة من السلطان، وكان خروج الجاليش من القاهرة وأنه لا يقاتل نوروز ولا يواقعه بل ينتظر مجيء السلطان،

ص: 379

فلما تحقق نوروز ذلك خذله بعض أصحابه منهم قجقار وقمش وتوجهوا إلى شيخ، فرحل نوروز إلى برزة وتوجه نحو البلاد الشمالية، ودخل شيخ دمشق بغير قتال في تاسع صفر ووصل معه الطنبغا العثماني وكان الناصر أمره على نيابة طرابلس، وفي الثامن عشر من المحرم وصل رأس جكم ورأس ابن شهري صحبة حاجب بن نعير وعلّقا بالقاهرة، وكان خروج الجاليش من القاهرة في ثاني عشري المحرم وفيه يشبك وتغري بردي وبيغوت وسودون بقجة وعلان، وخرج الناصر في الثامن والعشرين منه وتوجه من الريدانية في ثاني صفر، واستناب في غيبته تمراز ومعظم الأمر والنهي لجمال الدين الأستادار، وقد ضربت عنق والي الفيوم بحضرته في داره بأمر اقتضى عنده قتله فقتل، فلما كان في السابع عشر من صفر خرج شيخ لملاقاة الجاليش، ودخل يشبك ومن معه في تاسع عشره، ودخل السلطان في الثاني والعشرين من صفر بأبّهة السلطنة في احتفال زائد، وحمل نائب الشام القبة على رأسه بين يديه، ودخل جمال الدين الأستادار وقد جمعت له الوظائف المتعلقة بالمباشرين من قبل أن يخرج السلطان من مصر مثل الوزارة والإشارة ونظر الخاص والأستادارية والكشف ونحو ذلك، فرسم على القضاة وعلى كاتب السر والوزير الشاميين وأهانهم وطلب منهم أموالاّ عظيمة، وضرب الوزير بالمقارع، وضرب المالكي تحت رجليه ونسبه إلى أنه حكم بغير ولاية، وقرر عوضه عيسى، وهرب الحنفي ابن القطب دونهم فقرر عوضه صدر الدين الأدمي،

ص: 380

وفي خامس عشري صفر قبض على يشبك وشيخ بين يدي الناصر واعتقلا بدار السعادة، فبلغ ذلك جركس المصارع فهرب وهرب شاهين دوادار شيخ وجماعة، ثم هرب أتباع شيخ وأتباع يشبك أوّلاً فأوّلاً ثم هرب علان وجانم وأينال المنقار وخلق كثير فوق الخمسمائة من الأمراء والخاصكية والمماليك فتفرقوا في البلاد، ووصل كثير منهم إلى نوروز منهم علان وأينال المنقار وجانم وجقمق أخو جركس فآواهم، وجقمق هذا هو الذي ولي السلطنة بعد اثنتين وثلاثين سنة من هذا الوقت، واستقر بيغوت في نيابة الشام.

وفي تاسع ربيع الأول قبض على تمراز نائب الغيبة بالقاهرة وحبس بالبرج بأمر الناصر واستقر مكانه سودون الطيّار، وكان تمراز قد صرف الشيخ محمّد البلالي عن مشيخة سعيد السعداء وقرر فيها الخادم خضر السراي، فلم يلبث أن قبض عليه بعد اثني عشر يوماً فعدّ ذلك من كرامات البلالي، وتكلموا له فأعيد وعزل خضر، ولما جلس يشبك وشيخ بالقلعة خدعا نائب القلعة ووعداه وأوسعا له في الأماني، فانخدع وعمل على إخراجهما والهرب معهما، وكان الناصر قد دخل عليهما ليلاً وبيده سيف فعاتبهما وأراد قتلهما، فاتفق أنهما ترققا له فتركهما تلك الليلة فأصبحا هاربين وذلك في ثالث ربيع الأول، فهرب كل واحد في جهة، فأرسل الناصر بيغوت الذي قرره في نيابة الشام في جيش، فاتفق أنهم أدركوا نائب القلعة واسمه مُنْطَق فقتلوه ورجعوا برأسه، وخفي خبر يشبك وشيخ، فأما شيخ فإنه اختفى بدمشق بغير اختياره فإنه واعد فرسه في مكان معيّن فأبطأ عليه حتى فضحه الصبح فاختفى لما أراد الله من بقائه، وأما يشبك فإنه استمر هو وسودون بقجة وجركس وتمام أربعين نفساً اجتمعوا عليه وساروا إلى جهة حمص، ثم لحق به شيخ وطائفة كثيرة وأرسلا شاهين إلى جهة حلب يكشف الأخبار، فظفر به نوروز فسجنه بقلعة حلب، وروفع

ص: 381

حسين بن منصور المحتسب باختفاء شيخ عنده فضرب بالمقارع، ثم ظهرت براءته فخلع عليه بالحسبة، ثم سأل الناصر عن نوروز فقيل له إنه هرب إلى حلب، فأرسل إليه خلعة بنيابة الشام بشرط أن يرسل إليه الأمراء الذين خامروا على السلطان، فقبض عليهم نوروز وأرسلهم، منهم أينال المنقار وعلان وجقمق واسن باي، أرسلهم صحبة سلامش فولاّه السلطان نيابة غزة، وأرسل إلى نوروز بنيابة الشام، فقبلها وشرط أن لا يدخل الشام حتى يخرج الناصر منها، فرحل الناصر من دمشق وصحبته هؤلاء الأمراء، وقبض أيضاً على سودون الحمزاوي وأقبردي وجماعة كثيرة من الأمراء الصغار عدّتهم سبعة عشر أمير واستقر بكتمر جلق في نيابة طرابلس، وكان دخول الناصر إلى القاهرة في رابع عشري ربيع الآخر، فأمر بقتل الأمراء المذكورين، فقتلوا إلا أينال المنقار وعلان فحبسا بالإسكندرية وكذلك يلبغا الناصري. وكان الناصر قد جدّ في هذه النوبة في السير إلى مصر بحيث أنه أقام في الطريق عشرة أيام فقط وطلع القلعة والأمراء بين يديه قد أركبوا خيولاّ مقيّدين من تحت آباط الخيل ووراء كل واحد وجاقي راكب بيده سكين مصوب بها إلى ناحية بطنه، وأما يشبك فإنه لما هرب ومن معه ولحق بهم شيخ وكثر جمعهم وتحققوا رحيل السلطان من دمشق وقد جعل فيها بكتمر جلق نائب الغيبة عن نوروز وأمره إذا وصل نوروز أن يتوجّه إلى نيابة طرابلس، فلما بلغهم ذلك رجعوا إلى دمشق فهجموا عليها في الثامن من ربيع الآخر، فهرب بكتمر جلق نائب طرابلس ودويدار نوروز، وكان قد قدم إلى الناصر قبل رحيله وقبض على الغرز أستادار نوروز وغيره وشرعوا في جباية الأموال والخيول بعد النداء بالأمن، ورجع الذين ودّعوا الناصر فاختفى بعضهم، وظهر بعضهم واستخرج شيخ من دار السعادة مالاً له كان مدفوناً وأجمعوا أمرهم واجتمع عليهم من يرى رأيهم، فبلغهم في حادي عشر ربيع الآخر أن بكتمر

ص: 382

جلق وطائفة معه قليلة قد نزلوا ببعلبك، فخرج يشبك وجركس ومن معهما ليوقعا به، وتأخر شيخ بدمشق، فخرجوا إلى بعلبك من طريق حمص لئلاّ يفطن بهم، فصادفوا مجيء نوروز وعسكره وقد انضم إليه بكتمر جلق ومن معه فوقعت العين على العين فتحاربوا عند وادي معنه من كروم بعلبك، فكاثرهم نوروز بمن معه فقتل يشبك وجركس وفارس دوادارهم، وأرسلت رؤوسهم إلى الناصر فوصلت إليه إلى القاهرة وكان علم بذلك وصل إليه وهو بالطريق في العريش، فلما بلغ شيخ خبرهم خرج من دمشق على طريق جرود في ليلة الجمعة ثالث عشره، ودخل نوروز دمشق في رابع عشر ربيع الآخر ونودي بالأمان، ورجع بكتمر جلق نائب طرابلس إلى بلده ويشبك ابن ازدمر نائب حماة إلى بلده في العشرين منه، وفي سادس عشري ربيع الآخر حكم بعض القضاة بقتل سودون الحمزاوي قصاصاً بأمر السلطان، فقتل بين يديه، ثم شاع أنه ذبح بين يديه كثير من الأمراء المأسورين وغيرهم، وفي ثالث جمادى الأولى استقر تغري بردي أتابك العساكر بالقاهرة عوضاً عن يشبك وكمشبغا المزوق عوضاً عن جركس المصارع، وذلك في اليوم الذي قدم فيه قاصد نوروز

برؤوسهما، وفي آخر جمادى الأولى تجهز نوروز إلى الجهة الشمالية لمحاربة شيخ، ثم قيل إنه كاتبه وإنهما قصدا الاجتماع والتصافي، فاجتمعا في الطريق وانفرد كل منهما عن جماعته، واتفق مجيء دويدار السلطان ومن معه مكاتبات كثيرة، فلما سمع باتفاق الأميرين رجع إلى مصر وتوجه الأميران بعسكرهما إلى بلاد ابن بشارة فأوسعوها نهباً، وهرب ابن بشارة ثم قبض عليه نائب صفد.،

ص: 383

وفي سابع رجب سجن بكتمر جلق بقلعة دمشق، ودخل الأميران دمشق في ثامن رجب بعد أن رضي شيخ بطرابلس وأخذ في التجهيز إليها، ثم خرج في ثامن عشر رجب وودّعه نوروز، واستقر معه في قضاء طرابلس تاج الدين محمّد بن القاضي شهاب الدين الحسباني، ثم فرّ بكتمر جلق في عاشر رمضان من سجن قلعة دمشق، فتوجه إلى صفد ثم إلى غزة، ثم بسط نوروز يده في المصادرات فبالغ في ذلك حتى أن بعض التجار كانوا يترحّمون على تمرلنك، وفرض على جميع الجهات جليلها وحقيرها حتى الخانات والحمّامات وأرباب المعايش حتى الذين يبيعون الخزف تحت القلعة حتى باعة السراطين حتى الباعة في الطبالي حتى انقطعت الأسباب وتعطلت المعايش، نقلت ذلك من تاريخ ابن حجي.

وفي رجب ضرب عبد الله المجادلي بين يدي نوروز ضرباً مبرحاً لكثرة شكوى الرؤساء منه أنه يؤذيهم بلسانه وسعيه، ثم شفع فيه فأرسل، وفي شعبان قبض نوروز على يشبك الموساوي، وكان السلطان أرسله إلى نيابة الكرك وكان نوروز قد أرسل إليها سودون الحاجب فمنع يشبك المذكور، فرجع إلى غزة وفيها سلامش فحاربه فأسر يشبك، وقعت فرسه في طين فوقع، فأرسله إلى نوروز فسجنه بدمشق في أول رمضان.

وفيه كان السيل العظيم بطرابلس، قيل إنهم ما رأوا مثله، فهدم أبنية كثيرة وهلك بسببه خلق كثير.

وفي رمضان هرب بكتمر جلق من القلعة فتوجه إلى نابلس، فبلغ ذلك نوروز فخرج إليه ففر إلى غزة، ثم وصل يشبك بن أزدمر من حماة، فبلغه وهو في حمص أن تمربغا المشطوب نائب حلب قصد النزول على التركمان فبيتوه وكسروه ورجع منهزماً، فردّ

ص: 384

يشبك جماعته إلى حماة لحفظ البلد وأقام هو بدمشق في ناس قليل وأرسل إلى نوروز يعلمه بذلك، فقدم نوروز دمشق ورجع يشبك إلى حماة، ودار نوروز في الرملة وقاقون والغور أكثر من شهر، ثم رجع وكان قد نهب للعرب إبلاً كثيرة، فلما تحققوا أنه دخل دمشق كبسوا عليها فاستنقذوها وبلغه ذلك فخرج إليهم فلم يظفر بهم، ثم قبض على نقيب الأشراف علاء الدين كاتب السر ونسبه إلى مكاتبة المصريين، ثم بذل الشريف مالاً وأطلق، ثم عزل ابن القطب من قضاء الحنفية بدمشق وولي ابن القضامي قاضي حماة وكان هرب من نائبها فسعى فولى والواقع في نفس الأمر أن القضاء باسم صدر الدين بن الأدمي من الناصر، وفي رمضان صرف الباعوني من خطابة القدس واستقر شهاب الدين بن حجي في الخطابة بجامع دمشق، وفي شعبان كاتب شيخ الناصر يسأله أن يوليه نيابة الشام بشرط أن يكفيه جميع أعدائه ويقبض عليهم فأجابه إلى ذلك، وكان بمصر يومئذ صدر الدين بن الأدمي وقد هرب منذ هرب شيخ ويشبك خوفاً من نوروز فأقام بالقاهرة، فولاّه الناصر قضاء الحنفية بدمشق وولى نجم الدين ابن حجي قضاء الشافعية بها، وأرسلهما إلى شيخ وهو بطرابلس ليعلماه برضى السلطان عنه وتفويض نيابة دمشق إليه، وحضرا حلف السلطان والأمراء له، وخرجا من القاهرة في أول شوال ومعهما الطنبغا شلاق الحاجب والطنبغا شقل ومعهما تقليد بكتمر جلق بنيابة طرابلس ويشبك ابن أزدمر بنيابة حماة، فوصلوا إلى شيخ في البحر في شهر ذي الحجة وهو على المرقب، وكانوا توجهوا في النيل إلى دمياط ثم إلى عكّا ثم إلى صفد ثم إلى طرابلس في البحر الملح، وتلقاهم شيخ وقبل الرسالة ولم يلبس خلعة النيابة، وأرسل قاصده إلى نوروز يخبره بذلك، وكان نوروز قد بلغه الخبر فأرسل فأصدا يستكشف ذلك فأرسل إليه شيخ

ص: 385

الخلعة والتقليد وابن الأدمي القاضي الحنفي وجماعة من الأمراء، فوصلوا إلى نوروز وأعلموه بعدم قبول شيخ النيابة وأحضروا إليه التقليد والخلعة، فرضي بذلك وأمر بتزيين البلد، وكان قد نادى في العسكر بالتجهيز ففترت همته بذلك، وكان نجم الدين بن حجي قد تغيب فلم يصل صحبة المذكورين.

وفي ذي القعدة قدم نائب حلب تمربغا المشطوب إلى دمشق لتأكيد الاتفاق بينه وبين نوروز، وكان بلغ نوروز عنه أنه مالأ عليه فقدم ليظهر لنوروز كذب ما نقل عنه، فأقام أسبوعاً ورجع، وفي أوائل ذي الحجة حاصر شاهين دويدار شيخ صهيون، فغلب عليها وأرسل إلى دمشق بذلك، فضربت البشائر.

وفي هذه السنة استقر أرغون شاه النوروزي في الأستادارية بدمشق، ولم يزل تنتقل به الأحوال حتى ولي الوزارة بالقاهرة في الدولة المؤيدية ثم ولي الأستادارية بالقاهرة في الدولة الصالحية.

وفي سادس جمادى الأولى توجه السلطان بثياب جلوسه إلى بيت قراقجا وكان مريضاً فعاده، ثم توجه إلى بيت الأستادار فقدم له طوالة خيل، ثم توجه إلى تربة والدته بين القصرين في مدرسة والده فزارها وأنعم على أهل المدرسة ببلد أنبوبة، ليزداد خراجها في معاليمهم وفرحوا بذلك واستمر بقية عمره، ثم توجه إلى بيت رأس نوبة الكبير وهو بالقرب من الجامع الأزهر فدخل إليه، ثم توجه إلى بيت الحاجب الكبير كزل وهو بالقرب من باب البرقية فدخل إليه، ثم صعد القلعة، وكان عهد الناس بعد بعداً شديداً من سلطان يفعل مثل هذا التبذل ولم يعرف ذلك وقع لملك من ملوك مصر قبله، وقد تبعه على ذلك من جاء بعده.

وفيها قتل دريب بن أحمد بن عيسى الحرامي أمير حلى المدينة التي بين مكة واليمن

ص: 386

على ساحل البحر في حرب بينه وبين كنانة وهم العرب النازلون بها، واستقل أخوه موسى بالإمرة وكان شريك أخيه دريب فيها لكن لا كلام له معه، فلما قتل موسى انفرد موسى بالإمرة، فلما أن غلبت كنانة ثار حسن بن عجلان عليه فانتزع منه البلد فلجأ موسى إلى الناصر صاحب اليمن، فسأل ابن عجلان أن يكف عنه فترك له بلده، فاستمر بها إلى أن مات كما سيأتي في سنة ثمان عشرة.

وفي أواخر ربيع الآخر أحضر زين الدين عبد المعطي الكوم الريشي إلى منزل جمال الدين الأستادار فضربه بحضرة القضاة الأربعة سبعمائة عصى وسجنه، وحصل له من الناس مجيئه وتوجهه إلى الحبس صفع عظيم، وكان السبب في ذلك أنه كان يتردد إلى أقباي الحاجب فأقامه في عمارة له برأس البندقانيين وأقباي يومئذ نائب الغيبة وكان المذكور ينوب عن الحنفي في الحكم وعنده رسل فيأمرهم بصفع من يريد ممن يتحاكم إليه فتحاماه الناس، فصار يرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس فيصفع بحضرته، وشاع عنه انه رفع له شاب نحو العشرين سنة وأدعى عليه أنه أكره صغيراً مراهقاً حتى فسق به فأمر في الحال من بحضرته من الفعلة الذين في العمارة أن يفسقوا به قصاصاً بزعمه، فعظمت الشناعة عليه بذلك، فأرسل الأمير أحمد ابن أخت الأستادار وهو يومئذ ينوب عن خاله إليه فهرب واحتمى بأقباي، فعلم أقباي بصورة الحال فأرسله إلى نائب الأستادار فضربه، واجتمع عليه من تقدم له منه أذى من العوام فكادوا يقتلونه، وبالغوا في إهانته وصفعه ثم خلص وعاد إلى ما كان عليه، فلما قدم العسكر شكى ولد القاضي الحنفي له ما جرى وكان هو يبالغ في الإساءة لولد الحنفي ويزدري بجميع النواب، فتمالئوا عليه وأنهوا إلى الأستادار قضيته فضربه كما تقدم وسجنه، ثم بلغ خبره السلطان فأمر بإحضاره فضربه بالمقارع، وأقام في الحبس مدة طويلة، ثم خلص بعهد ذلك بمدة وتناسى الناس الخبر، وأظهر هو الرجوع عن تلك

ص: 387

الطريقة فعاد إلى نيابة الحكم عن قضاة الحنفية وبلغ من أمره في سلطنة الأشرف أن القاضي زين الدين التفهني امتنع من استنابته فأرسل إليه ناظر الجيش وكاتب السر برهان الدين الشريف برسالة عن السلطان بأمر القاضي باستنابته، وصار يحضر مجلس السلطان أحياناً فيسخر منه، وحضر المولد النبوي، واستمر على طريقته ومجونه إلى أن مات في أواخر سنة ثلاث وثلاثين مقهوراً بسبب أنه كان له صرّة ذهب خشي عليها من السراق فأودعها عند بعض القضاة، ثم احتاج إلى شيء منها فادّعى أنها سرقت من منزله وحلف له على ذلك، فما استطاع أن ينازعه في ذلك لشدّة سطوة القاضي المذكور وبادرته فكمد فمات.

وفيها أرسل ملك الهند ببنجالة واسمه أحمد خان بن مير خان ابن ظفر خان وكان أبوه كافراً فأسلم هو وقيل حده وأحرق عم أبيه واسمه لاك فأرسل إلى مكة خيمة حمراء كبيرة جدا ليظل بها الطائفين حول البيت، فنصب بعضها وأخر أكثرها متوقفاً على إذن صاحب مصر، ثم تنوسيت وتملكها صاحب مكة لنفسه.

وفيها بنيت المدرسة البنجالية بالجانب اليماني مما يلي صنعاء وصرف عليها ألوف دنانير ورتب بها مدرسين وطلبة وغير ذلك، وأهدى ملك بنجالة لأهل مكة شاشات كثيرة جدا حتى قيل إن الذي خص صاحب مكة وحده ألف شاش.

وفيها بدأ جمال الدين الأستادار في إنشاء مدرسته برحبة باب العيد وذلك في خامس جمادى الأولى.

وفيها بعد قتل جكم جمع خليل بن قراجا بن علي بن دلغادر التركماني الذي يقال له علي بك جمعاً من التركمان وقصد حلب لإخراج من فيها من اتباع جكم وكان جكم قد حبس ولده بالقلعة، فلما وصل إلى مرج دابق أرسلوا إليه ولده، فتوجه إلى أن نزل بالميدان الأخضر شمالي البلد، وخرج أهل البلد لقتاله فكسرهم، وذلك في سادس عشر

ص: 388