الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات سنة 813.
سنة ثلاث عشرة وثمانمائة
استهلت والأمير شيخ يحاصر الأمير نوروز بحماة وبيد شيخ غالب المملكة الشامية وفي تلك المدة اتصل القاضي ناصر الدين البارزي بالملك المؤيد، فلم يزل في خدمته إلى أن مات في أيام سلطنته.
وفي خامس المحرم استولى شاهين دويدار شيخ على حلب وحاصر القلعة ووصل إلى شيخ الطنبغا القرمشي راجعاً من المرقب وقد حبس فيه المأسورين فعمل نائب الغيبة فأذن لسودون بقجة أن يخرج إلى الدورة فيحصل منها ما يمكن تحصيله ويأخذه لنفسه.
وفي الثالث والعشرين من صفر خرج جاليش الناصر إلى قصد الشام وفيه من الأمراء بكتمر جلق وطوغان ويلبغا الناصري وشاهين الأفرم وغيرهم.
وفي سابع عشر منه توجهوا من الريدانية وخرج السلطان في رابع ربيع الأول بالعسكر بعد أن عمل المولد النبوي في أول ليلة من ربيع الأول، وجلس عن يمينه ابن زقاعة ودونه الشيخ نصر الله ودونه بقية المشايخ، وعن يساره القضاة، وأنعم في هذه السنة على قاضي الحنابلة بمائة دينار ليتجهز بها دون بقية القضاة، وقرر في مشيخة التربة التي أكمل عمارتها، وكان أبوه أسسها صدر الدين أحمد ابن العجمي ورتب عنده الصوفية.
وفي السادس منه أمر بأخذ ما في الطواحين والمعاصر من الخيل والبغال فصيرت إلى العسكر، وبلغ الأميرين تحرك الناصر إليهما من القاهرة فأذعنا إلى المصالحة على أن يكون دمشق وما معها لشيخ وحلب وما معها لنوروز وأن يستقل كل منهما بمملكته، وتركا ذكر اسم الناصر من مكاتباتهما وصارا يكتبان بدل الملكي الناصري الملك لله، فلما تقرر ذلك عزما على مسك دمرداش وابن أخيه قرقماش فهرب دمرداش ولحق بالعجل بن نعير ثم سار إلى الناصر، وهرب أيضاً مقبل الرومي فلحق بالناصر لما قدم غزة ورجع شيخ إلى دمشق ومعه يشبك بن أزدمر وأفرج عن سودون الجلب وغيره من المأسورين بقلعة المرقب وأشاع أنه يريد التوجه إلى عسكره فتوجه إلى العربان فأوقع بهم وأخذ لهم جمالاً وأغناماً كثيرة، وخرج من دمشق ومعه جانم نائب حماة متوجهاً إلى جهة حلب ووصل القاضي شمس الدين الإخناي مع الناصر فأعيد إلى قضاء دمشق وصرف الباعوني عن خطابة القدس وخطب الإخناي، وأما نوروز فمضى إلى حلب فتسلمها واستمر السلطان في السير إلى الشام وقرر في نيابة الغيبة أرغون نائب السلطنة وكمشبغا الجمالي في القلعة وإينال الصصلاني الحاجب لفصل الحكومات وأنفق في هذه السفرة من الموال ما لا يدخل تحت الضبط فأعطى لتغري بردي وبكتمر جلق ستة آلاف دينار ولكل مقدم ألفي دينار ولكل طبلخاناه خمسمائة ولكل أمير عشرين ثلاثمائة ولكل أمير عشرة مائتين ولكل مملوك مائة فكانت النفقة وحدها نحو خمسمائة ألف دينار خارجاً عن الخيول والجمال وما يحتاج هو إليه من الترك والخلع وغير ذلك
فلما وصلوا إلى غزة بلغهم خبر شيخ فبادر بكتمر جلق فأسرع السير فوصل إلى دمشق في سابع عشري ربيع الأول صبيحة خروج شيخ منها فأدرك جماعة من أصحاب شيخ فقبض عليهم، وقدم الناصر صبيحة ذلك جريدة ليكبس شيخ ففاته، ثم قدمت أثقال الناصر ونودي بالأمان وقرر الناصر في نيابة دمشق نوروز ونودي بذلك ليطمئن ويحضر إليه، وقرر في نيابة طرابلس يشبك الموساوي بعد أن بذل فيها مائة ألف دينار. وبرز الناصر إلى برزة في العشر الأول من ربيع الأول واستناب بدمشق شاهين الزردكاش وقبض على شرف الدين موسى الملكاوي واتهمه بإخفاء صدر الدين ابن الأدمي وكان إذ ذاك قاضي الحنفية وكاتب السر عند شيخ فدلّ عليه، فلما أتاه الطلب هرب ثم قبض عليه فسجن بقلعة دمشق في سابع جمادى الأولى واستمر مسير الناصر إلى حلب ثم خرج منها في نصف الشهر، فلما أحسّ الأمراء بمسيره مضوا إلى مرعش فتلقاهم علي بك وناصر الدين بك ولدا خليل بن بلغادر فأقاموا عندهما، ثم بلغهم خروج الناصر من حلب في طلبهم فرحلوا إلى غلوا ثم إلى قيسارية فنزل الناصر بالابلستين وكتب إلى شيخ ونوروز يخيّرهما بين الخروج عن مملكته أو الوقوف لمحاربته أو الوصول إلى خدمته ليفعل فيهما ما شاء وأنه عزم على الإقامة بمكانه السنتين والثلاث حتى ينال غرضه منهم، فأجابه شيخ يعتذر بما خامر قلبه من الخوف وأنه المانع من الحضور وأنه لا يقابل السلطان أبداً وأنه إن لم يسمح له السلطان بنيابة دمشق فلينعم عليه بنيابة أبلستين ولنوروز بنيابة ملطية وليشبك بن أزدمر بعينتاب ويفرق القلاع على بقية الأمراء ليحفظوها فإنهم أحق من التركمان والأكراد المفسدين، فلم يرض السلطان بذلك وأرسل إلى دمشق يستدعي الأموال وأمرهم
أن يوزعوا البساتين وغيرها من الطواحين والحمامات وغيرها نصف ما كان يأخذه نوروز، وأهل القرى حينئذ يجبى منهم الشعير وأحدثوا عليهم شعيراً آخر ليزرع للفصيل التي ترعاه الخيل. ووصل إلى الناصر من التركمان والعربان ونواب القلاع خلق كثير، ووصلت إليه رسل قرا يوسف ورسل صاحب ماردين ورسل قرا يلك بتقادمهم وهداياهم، فكثرت العساكر وقلت الأقوات وظهر الملل في العسكر وبدت نفرتهم من طول الإقامة فألزم ولدا دلغادر محمّد بك وعلي بك بالقبض على نوروز وشيخ ومن معهما وطردهما من البلاد ورجع إلى حلب، فلما رجع توجه سودون الجلب من عسكر نوروز وشيخ فغلب على الكرك، وخرج نائب دمشق في طلبه فلما بلغه أنه مر عليه فلم يدركه وفاتهم أيضاً جانم وقرقماش فتوجها إلى ملطية ثم افترقا فقدم قرقماش على الناصر بحلب فأكرمه وولاه نيابة صفد، ثم قدم جانم فولاه نيابة طرابلس، ثم قدم تغرى بردى ابن أخي دمرداش فقرر في نيابة صفد وعوض عنها أخوه قرقماش بحلب وكان استناب في دمشق
بكتمر جلق وكان استناب حيدر نائب قلعة المرقب على طرابلس فتوجه إليها، وبها حسن بن محب الدين أستادار شيخ وعلم الدين وصلاح الدين ولدا ابن الكويز من جهته فحاصرهم ثم صرف عن النيابة وسار إليها جانم المذكور قبل، وأرسل الناصر إلى الطنبغا العثماني وقانباي المحمدي يطلبهما من دمشق فتوجها إليه في خامس رجب، ووصل بكتمر جلق في السادس منه فاستقر بها ووصل فيروز الخازندار لإخراج من بقي من المماليك بدمشق، ووقعت بين نائب البيرة وبين سودون المحمدي حرب، وأرسل الناصر من أخذ قلعة الروم، وأرسل بلبان يحاصر كزل من الشيخية بصهيون وأرسل تنكز إلى حصن الأكراد ومعه ابن إينال، وأرسل إلى دمشق بالقبض على جماعة من المخامرين. تمر جلق وكان استناب حيدر نائب قلعة المرقب على طرابلس فتوجه إليها، وبها حسن بن محب الدين أستادار شيخ وعلم الدين وصلاح الدين ولدا ابن الكويز من جهته فحاصرهم ثم صرف عن النيابة وسار إليها جانم المذكور قبل، وأرسل الناصر إلى الطنبغا العثماني وقانباي المحمدي يطلبهما من دمشق فتوجها إليه في خامس رجب، ووصل بكتمر جلق في السادس منه فاستقر بها ووصل فيروز الخازندار لإخراج من بقي من المماليك بدمشق، ووقعت بين نائب البيرة وبين سودون المحمدي حرب، وأرسل الناصر من أخذ قلعة الروم، وأرسل بلبان يحاصر كزل من الشيخية بصهيون وأرسل
تنكز إلى حصن الأكراد ومعه ابن إينال، وأرسل إلى دمشق بالقبض على جماعة من المخامرين.
فلما كان السادس من رجب ركب بكتمر جلق ورفع علم السلطان ونادى من أطاع السلطان فليقف تحت العلم فتسارعوا إليه إلا قليلاً مضوا إلى الميدان ودقوا طبلاً، وقبضوا على قانباي ونكباي وتوجهوا فتبعهم بقية العسكر فلم يلحقوهم واستمر أولئك إلى أن دخلوا الكرك وكبيرهم بردبك الخازندار، فلما بلغ الناصر خبر الكرك أرسل تقليد نيابتها لسودون الجلب ليستميله بذلك، ثم رحل الناصر فوصل إلى دمشق في أواخر رجب، ولما تحقق شيخ ونوروز رحيله من حلب توجها إلى عينتاب وسلكا البرية طالبين الشام، فركب الناصر من حلب على حين غفلة فقدم دمشق في أربعة أيام، واستأذنه القاضي جلال الدين في التوجه إلى القاهرة بسبب تجهيز صرر الحرمين فأذن له فسار منها في ثامن شعبان، وسار أيضاً مجد الدين ابن الهيصم ناظر الخاص فقدم القاهرة في ثامن عشر شهر شعبان، وبالغ في المصادرات وطلب الأموال من غير حقها حتى أنه أحضر صحبته مراسيم بإبطال المواريث الأهلية حتى صار أنه من له ولد أو والد فلم يمهل ومات في ليلة العشرين منه وسر الناس بموته، وظفر الناصر بستة من أصحاب شيخ بدمشق فأمر بهم فوسطوا، وقدم الخبر بوصول شيخ ونوروز إلى أرض البلقاء في مائتين وخمسين فارساً، وكان سبب ذلك أنهم تفرقوا بعد رجوعهم عن قيسارية عند تل ياسر؛ ولحق بدمشق وحلب منهم عدة وافرة واختفى آخرون
ومر شيخ ونوروز في خواصهما إلى تدمر فامتاروا منها ثم مضوا إلى صرخد ولم يستقروا بها ثم مضوا إلى البلقاء ودخلوا إلى القدس، ثم رجعوا إلى غزة فدخلوها في سادس عشري شعبان ومات منهم بالبلقاء تمربغا المشطوب وإينال المنقار بالطاعون في حسبان ولحق بهم سودون الجلب من الكرك فاخذوا من غزة كثيراً من الخيول ثم رحلوا منها في صبيحة الثالث من رمضان ورجع الجلب إلى الكرك فجهز الناصر في أثرهم بكتمر جلق على عسكر كثير، فسار إلى زرع ثم ألحقه بطوغان، فساروا في أواخر شعبان فاجتمعوا بقاقون في الثاني من رمضان فساروا جميعاً إلى غزة فقدموها في ثالثه، وقد رحل منها شيخ وأصحابه بكرة النهار فوجدوا نائب غزة جاني بك قد تبعهم إلى الزعقة فاستراحوا بغزة وبعث بكتمر شاهين الزردكاش وغيره على البرية إلى القاهرة يحذرهم مجيء شيخ ومن معه وخرج من غزة في الخامس من رمضان واستمر شيخ ومن معه متوجهين إلى القاهرة فمات شاهين دويداره بالصالحية، فدفنه هناك، وحزن عليه كثيراً وكان من الفرسان المعدودين ميمون النقيبة لم يرسله أستاذه في جهة إلا وكان على وجهه النصر واستمر شيخ ومن معه إلى القاهرة، فاستعد أرغون نائب الغيبة ومن معه للحصار، فوصلوا في الثامن من رمضان وهم شيخ ونوروز ويشبك بن أزدمر وبردبك وقنباي وسودون بقجة وسودون المحمدي ويشبك العثماني وقمش وأتباعهم، والتف عليهم جمع كثير من عرب الشرقية فتوجه شيخ من ناحية المطرية إلى بولاق إلى الميدان الكبير إلى الصليبة إلى الرملة فبرز لهم أينال الصصلاني الحاجب فصدهم عن القلعة فتوجهوا إلى بيت نوروز بالرملة واجتمع عليهم خلق كثير من الغوغاء وأرسل شيخ رجلاّ إلى القاهرة فنادى بالأمان ورفع الظلم ورخص سعر الذهب والقمح، فمال الناس إليه وساعدوه
فتوجه بمن معه إلى مدرسة الأشرف فملكها ثم مدرسة حسن ورموا على الإصطبل ففر منهم أرغون فدخل القلعة بمفرده وأمر شيخ بإخراج من في جميع الحبوس من المسجونين فأطلقوا وكان بعض ذلك بمباشرة يشبك بن أزدمر بحيث أنه هدم ما فوق خوخة إيدغمش وسهل الدخول للراكبين منها فدخلوا وفتحوا باب زويلة، فهرب حسين والي القاهرة وتوجه إلى حبس الديلم فكسر بابه وأخرج من فيه وأمر شيخ بتتبع الخيول من الإصطبلات وغيرها فأخذ منها ما يحتاج إليه ثم هجم على باب السلسلة فأخذ الإصطبل وجلس في الحراقة وتوجهوا إلى باب القلعة فطلبوا فتحه فكلمهم الزمام من وراء الباب فقال إن حريم السلطان في القلعة فقالوا: مالنا غرض في النهب بل نريد أن نأخذ ابن السلطان فنسلطنه، فقال: ليحضر منكم إلى باب السر اثنان أو ثلاثة فيحلفوا وأنا أسلمه لكم وقصد إعطاءه ليحضر العسكر السلطاني فباتوا، فلما أصبحوا لاحت بوارق العسكر وارتفع العجاج وأشيع أن الناصر وصل فارتفعت الأصوات في القلعة بذلك وهللوا وكبّروا، فركب شيخ وأصحابه من ساعتهم نحو باب القرافة فكبا بالأمير شيخ جواده، فبادر أصحابه فأركبوه غيره ولم يجسر أحد على
اتباعهم وكان العسكر الواصل فيه بكتمر جلق وطوغان ومن معهما فقبضوا من المذكورين على جماعة منهم بردبك وبرسباي وقراكشك وكان السبب في قدوم هؤلاء بهذه السرعة أن الناصر لما وصل دمشق وقيل له إن نوروز ومن معه توجهوا إلى صرخد جهز بكتمر جلق وطوغان الدويدار ويشبك الموساوي وقنباي واسنبغا الزردكاش والطنبغا العثماني ومن معهم وكانوا قدر ألف نفس ليحاصروا نوروز ومن معه، ويقبضوا عليهم فلما وصلوا إلى صرخد قيل لهم قد توجهوا إلى غزة فاستمروا خلفهم إلى غزة فقيل لهم توجهوا نحو مصر، فاختلفوا فقال بكتمر ومن معه: ما معنا مرسوم بالرواح لمصر، وخالفهم الأكثر فاحتاج أن يوافقهم وتوجهوا إلى مصر مسرعين فاتفق وصولهم حين أراد نائب الغيبة بالقلعة أن يسلم القلعة فبطل ذلك فجأة، وظن شيخ ومن معه أن السلطان في العسكر المذكور فانهزموا، ولو تحقق أن رأسهم بكتمر لما انهزم لعلمه أن بكتمر المذكور لا يقوم قدامه، واعتذر من قدم من عدم اتباعهم للمنهزمين أن خيولهم كانت أعيت، وكذلك الرجال من توالي الركض حتى أدركوا ما أدركوا، فسار شيخ بمن معه إلى إطفيح ثم إلى السويس، فأخذوا منها عليقاً وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل وافترقوا حينئذ فرقتين: فرقة رأسها نوروز ومعه يشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة فيها شيخ ومعه سودون قراصقل وسودون المحمدي، فوصلوا إلى الشوبك ثم إلى الكرك فتلقاهم سودون الجلب وأدخلهم المدينة، فلما كان في وسط ذي القعدة توجه شيخ إلى الحمام بالكرك ومعه قنباي المحمدي وسودون وطائفة يسيرة، فبادر أحمد بن أبي العباس الحاجب بالكرك وأراد الفتك به ومعه جمع كثير فاقتحموا الحمام فسبقهم بعض مماليك شيخ فأعلمه، فنهض وفي وسطه مئزره وفي يده طاسة الحمام فقاتلهم فأخرجهم من الحمام، ثم تكاثروا عليه فأدركه نوروز في جماعة فكسرهم، وقد أصاب شيخ سهم فخرج منه بسببه دم كثير فسقط مغشياً عليه، فحمل على بساطه وأقام أياماً لا يعقل، وقتل في هذه الكائنة سودون بقجة وكان شاباً وكان زوج بنت تمراز وكان مع ذلك محبّاً في العلماء، فلما وقع ذلك خشي سودون الجلب من الأمراء أن ينسبوه إلى الفتنة المذكورة، فهرب منهم إلى ماردين وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فبلغه أنه مشغول بمحاربة ملوك الترك مثل إيدكي وإبراهيم الدربندي وشاه رخ بن تمرلنك، فتأخر عن المضي إليه ونودي بالقاهرة بتهديد من آوى أحدا من الشيخية والنوروزية، وبسط حسام الدين الوالي في أذى من ينسب إليهم حتى منعه بعد ذلك نائب الغيبة، وأخذ بكتمر جلق من الأستادار السلطاني ألف دينار وألزم المحتسب ببيع قمح له بألفي دينار وإحضار ثمنها، فعجز عن ذلك وهرب وعزل نفسه، وهو شمس الدين بن الدميري ومات بعد قليل في رمضان وأخذ بكتمر من تجار الشام مالا جزيلا قرضاً، وتوجه في السادس عشر يريد دمشق، فوصل إلى غزة في الثاني والعشرين منه. اعهم وكان العسكر الواصل فيه بكتمر جلق وطوغان ومن معهما فقبضوا من المذكورين على جماعة منهم بردبك وبرسباي وقراكشك وكان السبب في قدوم هؤلاء بهذه السرعة أن الناصر لما وصل دمشق وقيل له إن نوروز ومن معه توجهوا إلى صرخد جهز بكتمر جلق وطوغان الدويدار ويشبك الموساوي وقنباي واسنبغا الزردكاش والطنبغا العثماني ومن معهم وكانوا قدر ألف نفس ليحاصروا نوروز ومن معه، ويقبضوا عليهم فلما وصلوا إلى صرخد قيل لهم قد توجهوا إلى غزة فاستمروا خلفهم إلى غزة فقيل لهم توجهوا نحو مصر، فاختلفوا فقال بكتمر ومن معه: ما معنا مرسوم بالرواح لمصر، وخالفهم الأكثر فاحتاج أن يوافقهم وتوجهوا إلى مصر مسرعين فاتفق وصولهم
حين أراد نائب الغيبة بالقلعة أن يسلم القلعة فبطل ذلك فجأة، وظن شيخ ومن معه أن السلطان في العسكر المذكور فانهزموا، ولو تحقق أن رأسهم بكتمر لما انهزم لعلمه أن بكتمر المذكور لا يقوم قدامه، واعتذر من قدم من عدم اتباعهم للمنهزمين أن خيولهم كانت أعيت، وكذلك الرجال من توالي الركض حتى أدركوا ما أدركوا، فسار شيخ بمن معه إلى إطفيح ثم إلى السويس، فأخذوا منها عليقاً وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل وافترقوا حينئذ فرقتين: فرقة رأسها نوروز ومعه يشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة فيها شيخ ومعه سودون قراصقل وسودون المحمدي، فوصلوا إلى الشوبك ثم إلى الكرك فتلقاهم سودون الجلب وأدخلهم المدينة، فلما كان في وسط ذي القعدة توجه شيخ إلى الحمام بالكرك ومعه قنباي المحمدي وسودون وطائفة يسيرة، فبادر أحمد بن أبي العباس الحاجب بالكرك وأراد الفتك به ومعه جمع كثير فاقتحموا الحمام فسبقهم بعض مماليك شيخ فأعلمه، فنهض وفي وسطه مئزره وفي يده طاسة الحمام فقاتلهم فأخرجهم من الحمام، ثم تكاثروا عليه فأدركه نوروز في جماعة فكسرهم، وقد أصاب شيخ سهم فخرج منه بسببه دم كثير فسقط مغشياً عليه، فحمل على بساطه وأقام أياماً لا يعقل، وقتل في هذه الكائنة سودون بقجة وكان شاباً وكان زوج بنت تمراز وكان مع ذلك محبّاً في العلماء، فلما وقع ذلك خشي سودون الجلب من الأمراء أن ينسبوه إلى الفتنة المذكورة، فهرب منهم إلى ماردين وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فبلغه أنه مشغول بمحاربة ملوك الترك مثل إيدكي وإبراهيم الدربندي وشاه رخ بن تمرلنك، فتأخر عن المضي إليه ونودي بالقاهرة
بتهديد من آوى أحدا من الشيخية والنوروزية، وبسط حسام الدين الوالي في أذى من ينسب إليهم حتى منعه بعد ذلك نائب الغيبة، وأخذ بكتمر جلق من الأستادار السلطاني ألف دينار وألزم المحتسب ببيع قمح له بألفي دينار وإحضار ثمنها، فعجز عن ذلك وهرب وعزل نفسه، وهو شمس الدين بن الدميري ومات بعد قليل في رمضان وأخذ بكتمر من تجار الشام مالا جزيلا قرضاً، وتوجه في السادس عشر يريد دمشق، فوصل إلى غزة في الثاني والعشرين منه.
وفي رمضان قبض على شرف الدين وشمس الدين ولدي التباني وعلي محب الدين ابن الشحنة وشهاب الدين ابن شغري من حلب فقيدوا وأحضروا إلى دمشق فسجنوا بالقلعة، وأرسل الناصر إلى جانم نائب طرابلس وتغري بردي نائب صفد فقدما عليه بدمشق، فأرسلهما في عسكر إلى جهة شيخ فخرجوا في سابع عشر رمضان، فوصل الخبر بما اتفق في القاهرة، فاستعادهم وأرسل أقبغا دويدار يشبك إلى القاهرة بخلع إلى الأمراء المذكورين مع الثناء عليهم بما فعلوه، وكان الخبر قد اتصل إلى الناصر بتقاعد طوغان وبكتمر عن القبض على شيخ ونوروز ومن معه مع قدرتهم على ذلك فأسرّ ذلك في نفسه، ثم جاءه الخبر بأخذ أصحابه قلعة صرخد.
وفي العشرين من شوال أخرج بالذين قبض عليهم الناصر من دمشق مقيدين للتوجه بهم إلى مصر، ثم توجه دمرداش إلى بلد الخليل ومعه عسكر لكشف أخبار الأمراء الهاربين من القاهرة.
وفي العاشر من ذي القعدة نودي بالعسكر أن يخرجوا إلى باب النصر، وتتبعت الحمير من الدواليب والبساتين ليحمل عليها الأمتعة السلطانية، فتضرّر الناس بذلك كثيراً وكثر الدعاء عليه.
وفي الخامس عشر منه خرج السلطان إلى الغوطة فنهب عقربا، وكان قد سعى عنده أن الأمراء الهاربين بها، فلم يجد منهم أحداً وعظم الضرر بالناحية المذكورة.
وفي سابع عشره خرج الناصر من دمشق ونزل بقبة يلبغا ورجع بكتمر جلق بخلعة على نيابة الشام، فلما كان في سلخ ذي القعدة ألزم قضاة الشام بعشرة قراقل والتجار بعشرة أخرى وفي ذي القعدة خامر أقبغا شيطان وكان على المرقب من جهة شيخ فسار إلى جهة حلب مظهراً لطاعة السلطان، وتوجه السلطان إلى جهة الكرك لما تحقق حلول الأمراء بها، وأرسل حريمه إلى القاهرة فوصلوا ووصل صحبتهم أكثر الأثقال والقضاة في ذي الحجة، ووصل الناصر إلى الكرك فحاصرها، فمشى تغري بردي وتمراز الناصري في الصلح بين الناصر وبين الأمراء إلى أن استقر الأمر على أن يكون شيخ في نيابة حلب وتستمر قلعة المرقب بيده، وأن يكون نوروز في نيابة طرابلس وشرط الناصر عليهما أن لا يخرجا إمرة ولا إقطاعاً ولا وظيفة إلا بأمره وان يسلما قلعة الكرك ومدينتها له، وكذلك يسلم شيخ قلعة صرخد وقلعة صهيون وحلف الجميع على الوفاء بذلك وخلع عليهم وعلى من معهما خلعاً كثيرة وقرر يشبك بن أزدمر أتابك العساكر بدمشق وسودون بن عبد الرحمن أميراً بمصر وقايتباي المحمدي أميراً بحلب، ونزلوا الجميع إلى الناصر وأكلوا على سماطه وعملوا الخدمة عنده، ورحل الناصر من الكرك إلى القدس وسار تغري بردي إلى جهة دمشق وقد استقر نائبها عوضاً عن بكتمر جلق، فأقام الملك الناصر بالقدس خمسة أيام ورجع متوجهاً إلى القاهرة.