الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وثمانمائة
في ثالث المحرم وصلت رسل تمرلنك الذين قدمنا ذكرهم وفي رابع المحرم بعد أن أمسك السالمي قرر ركن الدين عمر بن قايماز في الأستادارية وتوارى ابن البقري فطلب جمال الدين ليستقر وزيراً، فاستعفى من ذلك وصمم وأشار بأن يستقر أبو كُمّ في الوزارة ونظر الخاص، فأقام خمسة عشر يوماً، ثم ظهر ابن البقري فأعيد إلى الوزارة ونظر الخاص مضافاً إلى نظر الجيش، ثم أرسل إلى الإسكندرية في صفر بعد أن كان سلم لابن قايماز، فحبسه في مكان كان السالمي أعده لحبس من يصادره وكان ابن قايماز سكن في بيت السالمي بإذن من السلطان، ثم نقل السالمي إلى الأصطبل عند أمير آخور، فعرضت عليه آلات العقوبة بحضرة السلطان فكتب خطه بمال جزيل فسلم لشاد الدواوين ليستخلصه منه وكانت ولايته لذلك في هذه الأيام مضافة إلى ولاية القاهرة والحجوبية، وشرع السالمي في بيع ثيابه وكتبه ورفق به الوالي فحمل ما قدر عليه، وفي الثالث من المحرم وصلت الرسل المتوجهة بأطلمش إلى اللنك ومعهم علمان أخضران وهدية للسلطان وهي فيل كبير وفهدان وصقران وملبوس للسلطان على صورة الخلعة له من اللنك بأن يكون نائبه على الديار المصرية والشامية فدخلوا القاهرة وكان بعض الرسل ينشر العلمين الأخضرين بيده وهو راكب الفيل.
ولما كان في السادس من المحرم عملت الخدمة بالإيوان وعرضت الهدية، فأمر للرسل بالنزول في دار الضيافة ولم يخلع عليهم ولا لبس الخلعة ومنع الناس من الدخول عليهم، ثم أذن لهم في الركوب والتصرف في شوارع البلد والتنزه في مواضع النزه، وكان من جملة
الرسالة أن يتزوج الناصر بنت ملك من ملوك الشرق لتكمل المودة والمحبة فأقاموا مدة ثم كتب لهم الأجوبة وتوجهوا مقهورين.
وفي أواخر المحرم رجم المماليك السلطانية الوزير بسبب تأخر معاليمهم ثم هرب في جمادى الأولى واستقر في الوزارة تاج الدين والي قطيا، وأعيد ابن غراب إلى الأستادارية وأضيف له نظر الجيش وذلك..... وقرر في الخاص بدر الدين حسن بن نصر الله في خامس جمادى الأولى، ثم أعيدت الوظيفتان الوزارة ونظر الخاص إلى ابن البقري في أواخر جمادى الآخرة، ثم هرب ثم أمسك في سابع عشر شوال منها واستقر بدر الدين بن نصر الله في الوظيفتين.
وفي ثالث عشر المحرم استقر شمس الدين الإخنائي قاضي الشام في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضاً عن الصالحي لما مات.
وفي أول جمادى الأولى استقر كريم الدين ابن النعمان الهوى في حسبة القاهرة وكان اتصل بالسلطان ونادمه فولاه الحسبة عوضاً عن البجاسي فاتفق أن البجاسي مات بعد ثلاثة أيام، ثم صرف الهوى عن الحسبة بعد أيام واستقر شمس الدين الشاذلي، ثم صرف في شعبان واستقر محمّد بن شعبان، وفي رابع ربيع الأول صرف الإخنائي عن قضاء الشافعية بالقاهرة واستقر القاضي جلال الدين البلقيني وهي المرة الثانية، وصرف ابن خلدون في سادس ربيع الأول عن قضاء المالكية واستقر جمال الدين يوسف البساطي، ثم أعيد الإخنائي في شعبان ثم صرف في ذي الحجة وأعيد البلقيني وهي الثالثة للبلقيني.
وفيها زاد فساد مماليك السلطان وأضروا بالمسلمين جداً واستلبوا النساء من الحمامات والصبيان من الطرقات للفساد بهم.
وفيها وصل الذين جردوا إلى الإسكندرية بسبب الفرنج سالمين.
وفيها نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعاً فانهزموا وأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته ثم توجه الفرنج إلى بيروت وكانوا في نحو من أربعين مركباً فواقعهم دمرداش ومن معه من الجند والمطوعة وقتل بعض الناس من الفريقين وجرح الكثير وكان نائب الشام ببعلبك فجاءه الخبر فتوجه من وقته وأرسل إلى العسكر يستنجده ومضى على طريق صعبة مشقة إلى أن وصل إلى طرابلس في المحرم، ثم توجه من فوره إلى بيروت فوجده قد نهبوا ما فيها وأحرقوها وكان أهلها قد هربوا إلى الجبال إلا المقاتلة منهم فوقع بين الفريقين مقتلة عظيمة فأمر النائب بإحراق قتلى الفرنج ثم توجه إلى صيدا ومعه العساكر فوصل إليها وقد أخذ الفرنج من البهار الذي للكيتلان شيئاً كثيراً فوصل النائب بالعسكر فوجدهم في القتال مع أهل صيدا ولم يتقدمه أحد بل كان معه عشرة أنفس لا غير فحمل على الفرنج فكسرهم وفروا إلى مراكبهم وفروا راجعين إلى ناحية بيروت ثم نزلوا لأخذ الماء فمانعهم بعض أصحاب النائب فغلبوه على الماء وأخذوا حاجتهم وتوجهوا إلى جهة طرابلس ثم مروا عنها إلى الماعوضة فركز النائب طائفة بصيدا وطائفة ببيروت وتوجه إلى دمشق وكانت مدة غيبته دون نصف شهر، ولما رجع لاقاه الناس فلام القضاة على تأخرهم عن الغزاة فأجابه الحنفي بجواب أغضبه فأهانه واستهزأ به.
وفيها في ليلة الرابع عشر من المحرم توقف النيل بمصر مدة أيام فاتفق خسوف القمر بتمامه وهو في برج الدلو بحيث لم يبق من ضوئه شيء أصلاً فاستشعر الناس عدم الزيادة فأمر الخطباء أن يستسقوا في الخطب ففعلوا فزاد في الجمعة التي تليها واطمأن الناس بعد أن اضطربوا ثم توقف فمضت مسرى من شهور القبط ولم يوف ثم نزل إصبعين في أيام النسيم ثم إصبعين فبادروا في أول يوم من توت وهو في العشرين من صفر وخلّقوا المقياس وكسروا السد بغير وفاء ثم لم يزد بعد ذلك سوى نصف ذراع ثم انهبط دفعة واحدة فلم يصبح في الخلجان ماء وشرق غالب البلاد وذعر الناس بسبب ذلك وذلك في صفر وخرج القاضي جلال الدين ماشياً إلى الجامع الأزهر بعد الظهر فاستمر فيه إلى العصر في الدعاء والتضرع والقراءة وانضم إليه جمع كبير على ذلك فبلغ ذلك القضاة وشيوخ الخوانق فاستمروا إلى قريب المغرب وذلك في تاسع صفر ثم توجه إلى الآثار يوم السبت ثالث عشر صفر فوضعها على رأسه وهو واقف في المحراب يتضرع ويبكي ويدعو ثم رجع.
وفي أول ربيع الأول وقع الغلاء في القمح واشتد الأمر وشرق غالب البلاد وقدر الله تعالى أن الذي وقع في الري من البلاد زكت الأرض بالزرع حتى جاء الفدان الواحد من الشعير في الفيوم إحدى وسبعين إردباً بكيل الناحية يكون بالكيل المصري مائة إردب وجاء الفدان في غير الفيوم بثلاثين إردباً إلى عشرة
وثمانية وخرج الناس إلى الصحراء يستسقون بعد صيام ثلاثة أيام فخطب فيهم الحافظ زين الدين العراقي أوائل ربيع الآخر ثم رجعوا فتزايد السعر في القمح وجميع الغلال إلا أن المأكولات كثيرة جداً والبيع والشراء ماش الحال وأعيد البجاسي في هذه الحالة إلى الحسبة.
وفي ربيع الأول منها استقر شمس الدين البيري أخو جمال الدين يوسف الأستادار في قضاء الشافعية بحلب وهي أول نيابة أخيه جمال الدين بالقاهرة وذلك أنه كان عمل أستادارية سودون طاز ثم أستادارية سودون الحمزاوي ثم عمل أستادارية بيبرس ابن عم السلطان في سنة خمس وثمانمائة فظهرت حسن مباشرته وأهل للوظائف الكبار وعين للوزارة فامتنع وأصر على ذلك وصارت له كلمة نافذة وأحبه الناس.
وفي جمادى الآخرة حدث بالقاهرة سعال عقب هبوب ريح جنوبية شديدة البرد كثيرة الرطوبة وفشا السعال ثم الحمى وجاء الشتاء شديداً أزيد من العادة ففشا الموت في أهل المسكنة وكان يموت بالجوع والبرد في كل يوم فوق الألف وقام أهل المروءة بتكفين من يموت منهم مثل سودون المارداني وسعد الدين ابن غراب خارجاً عما يكفن من المارستان ووقف الطرحي فيقال كان عدة من تكفل ابن غراب بمواراته إلى سلخ شوال اثني عشر ألف نفس وسبعمائة نفس.
وفي شوال تزايد هبوب الريح المريسي وكثرت الأمراض ووقع الطاعون والأمراض الحادة وغلت الأدوية حتى بيع القدح من لب القرع بمائة درهم وبيع الرطل الشيرشخت
بمائة وثلاثين، والقنطار البطيخ الصيفي بثمانمائة درهم والفروج الواحد بسبعين درهماً والزهرة الواحدة من النيلوفر بدرهم والخيارة الواحدة البلدية بدرهم ونصف.
وفي رجب غلت الأسعار جداً حتى وصل القمح إلى أربعمائة وهو بالذهب خمسة مثاقيل والفول والشعير إلى مائتين وخمسين ونحو ذلك.
وفي ذي الحجة غلت الأنعام لأجل النحر حتى بيع العجل الصغير بألفي درهم.
وفي أوائل هذه السنة عزل دقماق عن نيابة حلب وأمر بمجيئه إلى القاهرة واستقر عوضه آقبغا الجمالي الأطروش فهرب دقماق ثم مات آقبغا في وسط هذه السنة فجاء دقماق وقد جمع جمعاً كثيراً من التركمان واستولى على حلب فقرر السلطان دمرداش نائب طرابلس في نيابة حلب وقرر في نيابة طرابلس شيخ السليماني وكان نائب صفد وقرر في نيابة صفد بكتمر جلق وكان من أمراء دمشق، ولما استقر دمرداش بحلب كاتب نعير فيه إلى الناصر بأنه جمع جماعة وعصب عصبة وكذلك دقماق وأن كلاً منهما لا يصلح للإمرة وأن نعيراً التزم أنه لا ينصر واحداً منهما ويشير بأن يولى غيرهما ليكون معه من جهة السلطان. وفي رجب تجهزت رسل تمرلنك.
وفيها توجه تمرلنك بعساكره إلى سمرقند بسبب جماعة خانوه في أموال أرسلها معهم إلى بعض القلاع فعصوا عليه وكان بعد رجوع اللنك من بلاد الروم أغار على بلاد الكرج فنازلهم وأبادهم ولم يزل يحاصرهم إلى أن غلب عليهم فطلبوا الأمان فأمنوا وشفع فيهم الشيخ إبراهيم الحاكم بشيروان فشفعه فصالحهم على مال ورحل عنهم.
وفيها توجه منكلي بغا رسولاً بهدية إلى تمر من الناصر فرج وفيها زرافة فدخلوا حلب يوم عيد الفطر سنة ست وكان الناصر لما وردت عليه هدية تمر بالفيل وغيره وتوجهوا في شوال.
وفيها في الثامن من شعبان زلزلت بحلب وأعمالها زلزلة شديدة وأخربت أماكن كثيرة وزلزلت قبل ذلك في يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة وقت الاستواء ثم سكنت ثم زلزلت زلازل كثيرة متفرقة في طول السنة وكانت الزلازل بالجهة الغربية منها أكثر، وفي ذي الحجة أفرج دمرداش لما تحول من طرابلس إلى حلب عن سودون طاز وجكم الدويدار وكان دمرداش أخرج جكم من السجن بالمرقب وصحبه معه في حركاته ثم سجنه لما حارب التركمان بالقصر ثم أفرج عنه وأخذه معه إلى حلب ثم فر منه إلى حماة ثم إلى أنطاكية، فلما أوقع دمرداش بأمير أنطاكية ورجع إلى حلب وصل الأمر السلطاني بالإفراج عن جكم وأن يسكن حيث شاء من البلاد، فتوجه إلى طرابلس واستولى عليها وأخرج شيخ السليماني نائباً عنها، ثم نازل حلب فهزم دمرداش ودخلها عنوة واستقرت قدمه بها إلى أن اتفقت حركة يشبك في ركوبه على السلطان ثم انهزم ومن معه إلى الشام واقتضى رأيهم خلع الناصر من الملك، فكاتبوا نواب البلاد فأطاعوهم إلا دمرداش،
ثم كانت وقعة السعيدية فتفرقوا ورجع جكم إلى حلب فاستولى عليها وكسر التركمان ودعا أهل حلب إلى مبايعته بالسلطنة فأجابوه، وذلك في تاسع شوال وكان قطع الخطبة للناصر من جمادى الآخرة وتلقب العادل ولم يتسلطن إلا في شوال، وخطب له على المنابر ولبس خلعة السلطان في عاشره وركب من دار العدل إلى القلعة، وكتب إلى نواب الشامات فأطاعوه إلا القليل، وبلغ ذلك الناصر فخرج طالباً قتاله فقتل سودون طاز، قتله دويدار دمرداش بغير أمره وهرب جكم.
وفيها هرب قانباي العلائي من محبسه بقلعة الصبيبة وكان مع نوروز وغيره.
وفي ذي الحجة تقلد القاضي عز الدين عبد العزيز البغدادي الحنبلي قاضي القدس سيفاً ووقف بالمسجد الأقصى وجمع الناس وأشهد على نفسه أنه حكم بزندقة القاضي شهاب الدين الباعوني خطيب المسجد الأقصى ومنع الناس من الصلاة خلفه، فسئل عن مستنده في ذلك فذكر أنه سمعه يقول إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل يد الباعوني، فاستفتى الباعوني عند ذلك العلماء بالقدس، فأفتوا بأن ذلك لا يقتضي كفراً ولا زندقة، فوصل الباعوني إلى دمشق في المحرم من السنة المقبلة فشكاه إلى نائب دمشق فأرسل إليه ليحكم بينهما ففر إلى العراق.
وفيها حاصر قرا يوسف التركماني صاحب تبريز بغداد فهرب صاحبها أحمد بن أويس إلى جهة الشام فوصل إلى دمشق فغلب قرا يوسف على بغداد، فجهز إليه تمرلنك طائفة فكسرهم، فبلغ ذلك تمرلنك فجهز إليه ولده مرزا شاه في مائة ألف، فنازلوا قرا يوسف فهزموه فهرب إلى الرحبة ولم يمكن من دخولها، وتعصب عليه جماعة من جهة نعير فهرب أيضاً إلى جهة الشام، فوقع بينه وبين نعير وقعة فانكسر قرا يوسف ووصل إلى الشام في ربيع الآخر، فأكرمه النائب وكان قد تعب وجهد منذ
توجه من الرحبة إلى دمشق في البرية بلا ماء ولا زاد حتى وصل إلى بيروت وهو لا يشعر فلم يفجأه إلا وقاصد النائب يطلبه فتوجه إليه فبلغ ذلك الأمراء بمصر فأرسلوا بطلبه، فشفع فيه نائب الشام شيخ المحمودي فقبلت شفاعته، واستقر بالشام أميراً يركب في خدمة النائب، واعتقل أحمد بن أويس ملك بغداد بدار السعادة، وكان وصوله إلى بعلبك بعد وصول قرا يوسف إلى دمشق وذلك في ربيع الآخر، ودخل دمشق في سادس جمادى الأولى، وتلقاه النائب فأنزله بدار السعادة وكاتب فيهما فوصل الجواب بالقبض عليهما، والسبب في ذلك ما وقع من الاتفاق مع تمرلنك أن من جاء من عنده يحبس حتى يكاتب فيه وكذا من جاء من عندنا إليه، فقيد أحمد وقرا يوسف وسجن أحدهما ببرج السلسلة والآخر ببرج الحمام، ثم وصل مرسوم السلطان في شعبان بقتلهما، فتوقف النائب وراجع في ذلك، ثم وصل كتاب تمر في شوال إلى نائب الشام يعاتبه على إكرامه قرا يوسف ويستبطئ مجيء رسوله مسعود وكان قد توجه في رمضان من حلب، وكان وصل كتاب نعير يخبر فيه أن تمرلنك أرسل إليه يهدده إن أمكن قرا يوسف من دخول الشام فانزعج الناس لذلك، ومع ذلك فلم يذكر النائب لقرا يوسف ذلك وكان السلطان قد جهز مسعوداً ومن معه من رسل اللنك وصحبتهم منكلى بغا الحاجب وصحبته هدية جليلة وتوجهوا في رجب وصحبتهم زرافة، وكان وصولهم إلى حلب يوم عيد الفطر، وتوجهوا منها إلى جهة الشرق.
وفيها شرع نائب الشام في إعادة عمارة الجامع الأموي.
وفي المحرم عزل عز الدين الحنبلي عن قضاء الشام بابن عبادة، ثم أعيد في ربيع الآخر، ثم عزل في جمادى الأولى بابن عبادة، ثم أعيد في شعبان.
وفي ربيع الأول أعيد زين
الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن ابن القطب، ثم عزل في ربيع الأول بمحيي الدين بن العز ولم يباشر فباشر ابن القطب ثم عزل بابن الكفري في رمضان ثم أعيد ابن القطب في ذي القعدة.
وفي جمادى الآخرة استقر علاء ابن أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن ابن خطيب يبرين وكان، ابن الخطيب استقر في ذي القعدة في العام الماضي عوضاً عن شمس الدين بن عباس وكان الحصفاوي الذي ولى قضاء حلب قد سعى في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه، فسعى ابن العديم في الحط عليه وعقدت له مجالس فبطلت قضيته، ووصل كتاب النائب يشفع في عود علاء الدين ابن أبي البقاء فأعيد، ثم وصل مرسوم السلطان إلى النائب أن يقبض من ابن أبي البقاء مائتي ألف درهم وهي التي جرت عادة القضاة بدمشق ببذلها للسلطان وأن السلطان أنعم بها على إينال حطب وأن إينال كتب إلى ناظر الجيش أن يقبضها ويشتري له بها أمتعة، فكانت هذه الكائنة من أقبح ما نقل ثم وصل الخبر باستقرار أبي العباس أحمد الحمصي قاضي حمص في قضاء دمشق ولم يصل فكاتب النائب أيضاً فيه.
وفي ربيع الآخر قدم الشهاب أحمد الأموي على قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن عيسى، فلم يمكن من المباشرة وكوتب فيه فأعيد شرف الدين، ثم عزل في شوال بحسن الجابي وكان النائب توقف عن إمضاء ولايته وأهانه ثم أمضاها ثم أعيد في ذي القعدة.
وفي سابع جمادى الأولى صرف الهوى عن الحسبة واستقر الشاذلي، ثم صرف في ثالث عشري شعبان واستقر ابن شعبان.
وفيها استقر عبد الله المجادلي في وكالة بيت المال عوضاً عن فتح الدين بن الشيخ شمس الدين الجزري.
وفيها باشر شمس الدين محمّد بن يوسف الحلاوي وكالة بيت المال ونظر الكسوة بالقاهرة.
وفي رمضان باشر الشيخ شهاب الدين ابن حجي خطابة الجامع بدمشق ومشيخة السميساطية انتزعتا من القاضي الشافعي وهو ابن خطيب يبرين.
وفي ذي الحجة أوقع نائب الشام بعرب آل فضل وكان كبيرهم علي بن فضل قد قسم بلاد الشام سنة ثلاث وثمانمائة فطمع أن يفعل ذلك في هذه السنة، فبلغ ذلك النائب فاحتال عليه إلى أن قبض عليه وكبس بيوته ونهب ما فيها.
وفيها وقع بين نعير أمير عرب آل فضل وبين دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني وقعة عظيمة قتل فيها ابن سالم وانكسر عسكره وغلب نعير وأرسل برأس ابن سالم إلى القاهرة وكان ذلك في رمضان، قرأت في تاريخ القاضي علاء الدين أن دمشق خجا كان أمير جعبر وأن محمّد ابن شهري لما أراد القيام على دقماق نائب حلب استعان به فوصل في جمعه وحاصرا دقماق إلى أن هرب وطاف عسكر دمشق خجا في أعمال حلب وأفسدوا فيها الفساد الفاحش أشد من فعلات اللنكية ولم يرحموا أحداً بل بالغوا في النهب والعقوبة والفسق وذلك في بلاد عزاز وغيرها، ثم رجع المذكور إلى جعبر في رجب فدهمه نعير أمير آل فضل
وكان يعاديه فتواقعا فيها بين جعبر وبالس واستمر القتال أياماً إلى أن قتل دمشق خجا في سابع عشر شهر رمضان، قال: وكان من المفسدين في الأرض كهفاً للصوص وقطاع الطريق فأراح الله البلاد والعباد منه برأفته ورحمته.
وفي جمادى الأولى أبطل النائب من دمشق مكس الخضراوات وكاتب في إبطاله إلى مصر، فجاء التوقيع بحسب ما رسم به واستمر ذلك وكتب في صحيفته.
وفيها جهز النائب المحمل المكي وطيف به في شهر رجب على العادة وقد كان تعطل الحج من طريق دمشق إلى مكة، وخروج المحمل سنة ثلاث واللتين بعدها، فاهتم النائب بأمره في هذه السنة وجهزه فخرجوا في نصف شوال وأمير الحاج فارس دويدار تنم وحج من الأمراء برش باي أحد الأمراء ويحيى بن لاقي وكان نقيب الجيش.
وفي رمضان كمل الجامع الذي بناه سودون من زاده ظاهر القاهرة وخطب به ابن الطرابلسي ودرس به عز الدين البلقيني للشافعية وبدر الدين المقدسي للحنفية.
وفيه عزل الشريف النسابة من مشيخة الخانقاه البيبرسية واستقر شهاب الدين النبراوي إمام السلطان في المشيخة، وفي النظر شاهين السعدي.
وفيها رسم بإبطال القاضيين المالكي والحنبلي من القدس فأبطلا منه ومن غزة فعزل عبد العزيز البغدادي فجاء إلى دمشق في ذي القعدة فسعى في العود.
وفي ذي القعدة نقب برج الخيالة بقلعة دمشق وهرب منه قطاع الطريق وكانوا أمسكوا بعد أن قطعوا الطريق على ابن المغربل التاجر وباعوا بدمشق بعض الأمتعة ورجعوا إلى نابلس ففطن بهم فقبض عليهم ثم هربوا إلا واحداً منهم ضخماً لم يستطع الخروج فقتل، وأرسل في آثارهم فأخذوا من عكا فوسطوا إلا واحداً منهم هرب ووسط معهم السجان.
وفي ذي الحجة بلغ نائب دمشق شيخ المحمودي أن سودون الحمزاوي تعين لنيابة الشام فشق عليه ذلك وتوجه إلى نوروز وهو في سجن الصبيبة ليتفق معه فلم يقع ذلك وانسلخت السنة والأمر على ذلك.
وفي أواخرها وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش، وكان النيل في هذه السنة احترق حتى أنهم اعتبروا المقياس في أواخر يوم على العادة: جاء القاع ذراعاً واحداً ونصفاً بنقص إصبعين ولم يسمع بمثل ذلك قبلها، فزاد إلى أن انسلخت السنة أربعة أذرع وثلثي ذراع، ونقص سعر القمح من ثلاثمائة إلى مائتين وخمسين.
وفيها مات محمد سلطان ابن خان تنكز بن اللنك وكان ولي عهده وكان يحب العدل ويلوم جده على القتل، ويحب العلماء والفضلاء فاتفق أن اللنك لما عزم على الدخول لبلاد لروم أرسل إليه أن يحضر هو وجنوده فحضر إليه فمات بعد الوصول والظفر بابن عثمان فبدّل فرح اللنك ترحاً وحزناً عظيماً بحيث أنه جعله في تابوت وحمله إلى سمرقند فدفنه بمدرسته التي أنشأها هناك، واتفق وفاة محمد سلطان ووفاة أبي يزيد بن عثمان في وقت واحد، ويقال: إن ابن عثمان قال للّنك: إني أعرف أني لا أبقى معك ولكني أوصيك بثلاث: لا تسفك دماء الروم فإنهم ردء الإسلام، ولا تترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أهل الفساد، ولا تخرب قلاع المسلمين وحصونهم
فتسلط الكفرة عليهم، فقبل وصيته في الأمور الثلاثة وعمل حيلة قتل بها غالب رجال التتار.
وفيها بعد قتل اللّنك ابن عثمان أخرج محمداً وعليّاً ولدي ابن قرمان من حبس ابن عثمان، وخلع عليهما، فاستولى كل منهما على جهة، ووصل اسفنديار أحد ملوك الروم وكان ممن يعادي ابن عثمان فأكرمه أيضاً، ومن ممالكه سبتيون وتلقب جزيرة العشاق يضرب بظرفها المثل، فأقبل اللّنك عليه وأكرمه.
وفيها زلزلت بحلب زلزلة عظيمة فخرب من الجهة الغربية أماكن كثيرة ثم كثرت الزلازل فيها، وفي السنة التي بعدها زلزلت بحلب أيضاً وكانت عظيمة وبقيت ساعة، وذلك في جمادى الأولى، وجأر الناس بالدعاء والتوبة.
وفيها انضم جكم بعد هروبه إلى فارس ابن صاحب الباز التركماني بإنطاكية، فبلغ ذلك دمرداش فحاصرهم مدة ولم يظفر بطائل، وراسل جكم الحاجب بطرابلس فقبض على النائب بها وهو شيخ السليماني ودخلها جكم فغلب عليها ثم كان ما سنذكره في سنة سبع.