الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين
في المحرم استقر قراجا شاد الشربخاناة دويداراً كبيراً عوضاً عن قجاجق بحكم موته فلم ينشب أن مات وهو متوجه صحبة العسكر بالصالحية في ثالث صفر، ودفن في جامعها ثم نقل بعد ذلك إلى القاهرة. قال العينتابي: كان فاسقاً قليل الخير وخلف موجوداً كثيراً احتاط عليه السلطان، وفيه أولم بكتمر جلق على عرس بنت الناصر وبنى بها ليلة الجمعة حادي عشره.
وفي ليلة الحادي والعشرين منه اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فاصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا اثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما، وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجاً لرؤيتهما والاعتبار بحالهما، وفيه فشا الطاعون بطرابلس وحوران وبالس ودمشق، ووقع جراد بالرملة والساحل، وفيه توجه أحمد ابن أويس في عسكر بغداد إلى تبريز ليستولي عليها وقد سار صاحبها قرا يوسف إلى أرزنكان لقتال قرا يلك التركماني وكان بينهما عداوة، فبلغ ذلك قرا يوسف وأن أحمد ابن أويس اتفق مع شاه رخ بن تمرلنك وغيره على قرا يوسف، فرجع قرا يوسف عن محاربة قرا يلك، وتوجه إلى تبريز فجمع أحمد بن أويس عسكراً كثيراً فيهم ابن الشيخ إبراهيم الدربندي وأمراء البلاد، فاقتتلوا في يوم
الجمعة ثاني عشري ربيع الآخر، فانكسر ابن أويس، وفقد ابن أويس وولده علي وكثير من الأمراء، وأسر ابن الشيخ وعدة من الأمراء، واستولى قرا يوسف على تبريز وغيرها، ويقال إن ابن أويس اختفى في عين ماء فدخل عليه بعض الفرسان فأراد قتله فعرفه بنفسه فأحضر إلى قرا يوسف فأكرمه واستمر معه في الاعتقال فيقال إنه قتل خنقاً، وحاصر محمّد بن قرا يوسف بغداد أشهراً وبها بخشاش مملوك أحمد فلم يصدق بموت أحمد، واستمر على الخطبة له ثم أقام صبياً يقال له أويس ابن أخي أحمد فسلطنه، ثم قامت ببغداد ضجة في الليل قتل فيها بخشاش وأشيع أن الذي أمر بقتله أحمد بن أويس وأنه حي يرزق وأنه ظهر ببغداد وصارت الأوامر تخرج من دار أحمد على لسانه، واستقر عبد الرحيم بن الملاح موضع بخشاش وأعيدت الخطبة باسم أحمد وبطل أمر أويس، فرجع محمّد بن قرا يوسف بمن معه عن حصار بغداد ثم قتل عبد الرحيم بن الملاح وأشاعت أم الصبي أويس أن أحمد بن أويس قتل، فأعادوا ابنها إلى السلطنة، فعاد عليهم محمّد فحاصرهم، فأشيع ثانياً أن أحمد حي وقد وقعت ضجة عظيمة وشاع أن أحمد ظهر فاجتمع الناس إلى داره، فخرج إليهم شخص في زي أحمد على فرس فقبلوا له الأرض وذلك ليلاً فسألوه أن يظهر لهم نهاراً فواعدهم وظهر لهم عند غروب الشمس فصاحت العامة هذا السلطان أحمد! وظنوا ذلك حقيقة، ثم ظهر فساد ذلك وأن ذلك كله تخرج على أم أويس، وآل الأمر إلى غلبة محمّد بن قرا يوسف على بغداد، ونزح عنها أويس بمن معه فسار إلى تستر فملكها وانقضى أمر أحمد بن أويس، وكانت غلبة محمّد على بغداد في أول سنة أربع عشرة
وهربت مرضعة حسن بن أحمد بن أويس إلى حلب، فقدمت به في رمضان، وقيل إن قرا يوسف لما ظفر به سلمه لبعض أصحابه وقال إني لم أنصر عليه بقوتي لكن بغدره وكان قرا يوسف لا يحب القتل فخشي من فر إلى قرا يوسف من أحمد أن يطلقه فيهلكهم فتسببوا في قتله إلى أن لم يجد بداً من الأمر بقتله فأمر بخنقه ظاهراً وأسر إلى من يخنقه أن يبقى عليه، ثم أحضر شخصاً شبهه، فشنقه فرضي أصحابه بذلك ولهذا كان قرا يوسف وولده محمّد ومن عرف القصة إذا أشيع أن أحمد حي يصدقون بذلك ولا يتوقفون وقد أشيع بعد ست سنين من هذا التاريخ أنه حي.
وفيه في ثالث عشري صفر نودي بالقاهرة أن تكون الفلوس باثني عشر درهماً لكل رطل، وكانت بستة والذهب بمائتين منها واشتد الأمر وفقد الخبز وغلقت الأسواق فغضب الناصر من ذلك وكان قد حصل من الفلوس جملة كثيرة لتحسين بعض الناس له ذلك وسولت له نفسه أنه إذا صيرها باثني عشر لكل رطل ربح في كل ألف ألفاً أخرى فاشتد عليه مخالفتهم لأمره وهم أن يضع السيف في العامة وبات الناس في كرب ثم لم يزل به الأمراء حتى أذن أن يكون بتسعة كل رطل، فنودي بذلك فسكن الحال قليلاً وظهرت المآكل ثم شفع إليه الأمراء أن يعيدها لما كانت عليه لما حصل لهم من العطلة في تجهيزهم إلى السفر فنودي عليها بستة فضجت الأسواق وقيل كان السبب أنه سأل عن سعر الحديد الذي ينعل به الخيول والبغال وعن سكك الحديد والسلاسل، فقيل له كل رطل باثني عشر فأنكر ذلك، وقال الفلوس من النحاس وهو أغلى من الحديد فكيف يكون النحاس أرخص من الحديد، فلما تخيل المماليك أن ذلك بسببهم ونفروا منه رجع عن ذلك.
وفيها انحط سعر الغلال بعد سفر الناصر إلى الشام حتى وصل الشعير من مائة وخمسين إلى ستين وقس على ذلك.
وفي هذه السنة كثرت الفتن بجبل نابلس بين ابن عبد الستر وابن عمه عبد القادر شيخي العشير وعظم البلاء بحيث أن الدرب انقطع من السالك.
وفي جمادى الأولى استقر محمّد التركماني في نيابة الكرك.
وفيه توجه عثمان بن طرغلي المعروف بقرا يلك إلى أرزنكان وحرق ديارها وجلا أهلها معه إلى بلاده.
وفيه اقتتل سليمان بن أبي يزيد مع أخيه موسى وهزمه وحصره بأخلاق وآل الأمر إلى استيلاء موسى على مملكة أخيه ومات أخوه في هذا العام.
ووقع بين ابن قرمان وبين ابن كريمان قتال، وكثرت الفتن بين التركمان، واستعرت البلاد ناراً فلله الأمر.
وفي جمادى الآخرة وصل الفرنج الذين استأذنوا الناصر في العام الماضي لما دخل القدس أن يجددوا عمارة بيت لحم، فواصلوا في هذا العام إلى يافا ومعهم عجل وصناع وأخشاب فاخرجوا المرسوم واستدعوا الصناع للعمل بالأجرة فأتاهم عدة وشرعوا في إزاحة ما بطريقهم من الأوعار ووسعوا الطريق بحيث تسع عشرة أفراس ولم تكن تسع غير فارس وأحضروا معهم دهناً إذا وضعوه على الصخرة سهل قطعها فلما رجع الناصر إلى دمشق عرف نصحاؤه بسوء القالة في ذلك فكتب إلى أرغون كاشف الرملة يمنعهم من ذلك والقبض عليهم وعلى من معهم من الصناع وآلات السلاح والجمال والدهن فختم على مخازنهم وحملهم ومعهم
ما رسم به إلى الناصر.
وفي ثاني عشري رمضان استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن نصر الله في نظر الكسوة ووكالة بيت المال بعد موت الطويل.
وفي سابعه استقر شهاب الدين ابن الكشك في قضاء الحنفية بدمشق ونجم الدين ابن حجي في قضاء الشافعية بطرابلس.
وفي رمضان أوقع قرقماش بالتركمان، ونهب منهم غنماً كثيراً وجمالاً ومالاً، فوافاه كتب الناصر يأمره بالوصول إليه، فوصل وأهدى له من كسبه من التركمان أربعة آلاف رأس غنم.
وفي شوال قبض الناصر على جانبك القرمي فضربه ضرباً مبرحاً، وسجنه بالقلعة.
وفي ذي القعدة قدم الأستادار تاج الدين ابن الهيصم والوزير سعد الدين البشيري إلى القاهرة لتحصيل الأموال، فأظهر الأستادار مرسوم الناصر بقبض ترك الموتى جميعها من ذوي الأموال مطلقاً سواء من كان له وارث أم لم يكن، فعظمت المصيبة وكثرت الشناعة وبالغ في استرجاع الميراث ممن أخذه بحق من ولد وأخ وزوج وزوجة وغير ذلك، فشاع بين الناس أن الناصر أمر بتغيير حكم الله.
وفي هذه السنة كان في أول العام وباء ببلاد فلسطين وحوران وعجلون ونابلس وطرابلس فمات خلق كثير جداً، ثم كان في آخرها الطاعون بدمشق ونواحيها، وفيها تناقصت الأسعار بالقاهرة فبلغ القمح مائة وثلاثين والشعير مائتين والذهب مع ذلك غال جداً فبلغ الإفرنجي مائتي درهم والهرجة مائتين وعشرين، وفيها جدد مرجان الهندي خازندار شيخ الجامع بحكر السماق، ورتب في إمامته شهاب
الدين الأذرعي ابن أخي قاضي أذرعات إماماً، ورتب فيه كمال الدين الزابحي متصدراً لسماع الحديث.
وفيها عزر القاضي شمس الدين الإخنائي قاضي الشام جمال الدين عبد الله المجادلي بسبب ما يكثر من المذكور من النميمة بين الناس فضربه وحبسه، وشكره الناس على ذلك قرأت ذلك بخط ابن حجي.
وفي هذه السنة كانت الحادثة العظيمة بفاس من بلاد المغرب حتى خربت وذلك أن ملكها وهو أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق قرر في تدبير مملكته الحاجب عبد الله بن الطريفي فأوقع بينه وبين أبي فارس صاحب إفريقية، وجهز محمّد بن أبي يحيى بن زكريا بالعسكر ليحاصر تونس، فما زال أبو فارس ينصب له أشراك المكايد حتى أوقعه وهزمه ومزق عسكره، فلما تمكن من ذلك كاتب ابن الأحمر بأن يفرج عن محمّد بن عبد العزيز بن أبي سالم، وكان معتقلاً عنده مع جماعة من ذرية بني مرين ممن يرشح للملك، فأفرج عنه وسلطنه في أول شعبان منها وجهزه، فأجاز البحر حتى نازل فاس في ذي الحجة، فخرج عبد الله بن الطريفي لقتاله فكبا به فرسه، فقبض عليه محمّد وأمر به فأحرق، واستمر في حصار فاس وكان ما سنذكره في التي بعدها إن شاء الله تعالى.