المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

استهلت والناصر مصمم على قصد دمشق للقبض على نائبها شيخ لكونه امتنع من إرسال الأمراء الذين طلبهم منه، وقبض على رسوله لذلك وهو كمشبغا الجمالي، وكان جمال الدين الأستادار قد جهز ولده أميراً على الحاج فتكاسل بالتجهيز ليحضر ولده قبل رحيلهم، والناصر يستحثه وهو يسوف إلى أن تحقق مكره فصمم عليه، فخرج في السابع من المحرم تغرى بردى مقدم العسكر ومعه من المقدمين أقباي وطوغان وعلان وإينال المنقار وكمشبغا المزوق ويشبك الموساوي وغيرهم من الطبلخانات والمماليك ونزلوا بالريدانية، وسعى ابن العديم في قضاء الحنفية فأعيد إليها وصرف ابن الطرابلسي وكان قد قبض نفقة السفر فلم يستعدها منه جمال الدين بل أضاف إليها مشيخة الشيخونية انتزعها من ابن العديم، وركب الناصر من القلعة في الحادي عشر منه فرحل تغرى بردى ومن معه في ذلك اليوم وقرر الناصر أرغون الرومي في نيابة الغيبة بالاصطبل ويلبغا الناصري لفصل الحكومات بالقاهرة، وقرر أحمد ابن أخت جمال الدين نائب غيبة عن خاله في الأستادارية وكزل الحاجب الكبير على عادته.

ص: 420

وفي أوائل المحرم برز شيخ إلى المرج فأقام بها ثم أرسل إلى القضاة في حادي عشره وأرادهم على أن تقطع الأوقاف، فتنازعوا في ذلك إلى أن صالحوه بثلث متحصل تلك السنة، وأرسل إلى قلعة صرخد فحصن بها أهله وما يعز عليه وملأها بالأقوات والسلاح، واستفتى العلماء في جواز مقاتلة الناصر، فيقال إن ابن الحسباني أفتاه بالجواز، فنقم عليه الناصر بعد ذلك لما دخل دمشق وسجن، وكان ممن قام في ذلك أيضاً شمس الدين محمّد التباني وكان قد رحل من مصر إلى شيخ بدمشق فأكرمه وبلغ ذلك الناصر فأهانه فيما بعد، ثم أطلق شيخ المسجونين من الأمراء بدمشق وأرسل سودون المحمدي إلى غزة وشاهين دواداره إلى الرملة وقبض على يحيى بن لاقي، وكان يباشر مستأجرات الناصر وعلى ابن عبادة الحنبلي وصادره على مال كثير واستناب بدمشق تنكز بغا ونزل بالمرج إلى جهة زرع ووصل الناصر إلى غزة في ثالث عشري المحرم، ففر المحمدي ونزل تغرى بردى الرملة في حادي عشريه ففر منه شاهين ووصل هو والمحمدي إلى شيخ فتحول إلى داريا، فقدم عليه قرقماش ابن أخي دمرداش فاراً من صفد وكان الناصر استناب فيها الطنبغا العثماني فقدم بها ففر منه قرقماش ثم قدم نائب حماة جانم في أواخر المحرم فرحلوا جميعاً نحو صرخد، واستصحب جماعة من التجار الشاميين وألزمهم بعشرة آلاف دينار فوصل ثاني يوم رحيله كتاب الناصر إلى من بدمشق بإنكار أفعال شيخ ويحث عليهم في محاربته لمخالفة أمر السلطان.

وفي أول صفر نم أقبغا دويدار يشبك على جماعة من الأمراء مثل علان وإينال المنقار وسودون بقجة وغيرهم من الظاهرية أنهم يريدون الركوب على الناصر لتقديمه مماليكه عليهم وكان جمال الدين الأستادار وافقهم على ذلك ولم يعلم أقبغا بذلك فماج العسكر ليلة الأحد ثانيه، واضطرب الناس وكثر قلق الناصر وخوفه إلى أن طلع الفجر، وكان نادى في العسكر بالتوجه إلى جهة صرخد لقتال شيخ فأصبح سائراً إلى جهة دمشق، وكان استشار

ص: 421

كاتب السر والأستادار فيما يفعل فاتفقوا على أنه يقبض على علان وإينال وسودون بقجة المغرب ويركب الأستادار إلى ظاهر العسكر ليقبض على من يفر من المماليك إلى جهة شيخ، فلما تفرقوا راسل الأستادار المذكورين بما هم به السلطان فهربوا، ومنهم تمراز وقرا يشبك وسودون الحمصي وآخرون، فنزل الناصر الكسوة في سادس صفر ودخل دمشق في سابعه وطلب ابن الحسباني فاعتقل وابن التباني فهرب، وأطلق الناصر المسجونين بالصبيبة، وقرر بردبك في نيابة حماة عوضاً عن جانم ونوروز في نيابة حلب، ثم عزل وقرر دمرداش على حاله وبكتمر جلق في نيابة الشام.

وفي نصف صفر أو بعده قدم بكتمر جلق نائب طرابلس ودمرداش نائب حلب إلى الناصر.

وفي السادس عشر منه وجه الناصر إلى قرى المرج والغوطة وبلاد حوران وغيرها بطلب الشعير للعليق وقرر على كل ناحية قدراً معيناً فعظم الخطب على الناس في جبايته.

وفي العشرين من صفر ظفر جمال الدين بناصر الدين ابن البارزي وكان قد اتصل بخدمة الشيخ فولاه خطابة الجامع الأموي وصرف الباعوني، فشكاه الباعوني لجمال الدين فأحضره بين يديه وضربه ضرباً شديداً واستعاد منه معلوم الخطابة وأمر باعتقاله، وكان السبب في ذلك أن جمال الدين انتزع خطابة القدس من الباعوني لأخيه شمس الدين البيري فترامى عليه الباعوني فعوضه بخطابة دمشق فتعصب جمال الدين يومئذٍ للباعوني لهذا السبب.

وفي ثاني عشري صفر أمر جمال الدين بقتل شرف الدين محمّد بن موسى بن محمّد بن الشهاب محمود، وكان قد عمل كتابة السر بحلب فحقد عليه جمال الدين أشياء أضمرها في نفسه منه لما كان خاملاً بحلب.

ص: 422

وفيه استعفى نجم الدين ابن حجي من قضاء دمشق، فولاه الناصر الباعوني وقرر ابن حجي في قضاء طرابلس، وصرف ابن القطب من قضاء الحنفية وقرر شهاب الدين ابن الكشك.

وفي آخر صفر ركب الخليفة والقضاة بأمر الناصر ونادى في الناس بدمشق يحضهم على مقاتلة شيخ في كلام طويل يقرأ من ورقة.

وفي الثاني من ربيع الأول برز الناصر إلى جهة صرخد ففر إليه من الشيخية برسباي وسودون اليوسفي ووصل إلى قرية عيون تجاه صرخد.

وفي السابع من ربيع الأول وقعت الحرب فقتل من الفريقين ناس قليل وفر جماعة من السلطانية إلى شيخ، فاشتد حذر الناصر من جميع من معه وتخيل أنهم يخذلوه إذا التقى الجمعان، فبادر إلى القتال فانهزم تمراز وكان في مقدمة شيخ وثبت شيخ ولم يزل يتقهقر إلى أن دخل جذلان مدينة صرخد وانتهب السلطانية وطاقه وجميع ما كان لأصحابه من خيل وأثاث، وفر شيخ فدخل القلعة ومعه ناس قليل فأصعد الناصر طائفة من مماليكه إلى أعلى منارة الجامع ورموا عليهم بالنفط والحجارة والأسهم الخطابية، وانتهب مدينة صرخد، وانهزم تمراز وسودون بقجة وسودون الجلب وسودون المحمدي وتمربغا المشطوب في عدد كثير إلى جهة دمشق، وأرادوا أن يهجموها فمنعتهم العامة، فرجعوا إلى جهة الكرك وتسلل كثير منهم فدخلوا دمشق، ووصل كتاب الناصر عقبهم بأن من ظفر بأحد من المنهزمين وأحضره فله ألف دينار، فاشتد الطلب عليهم.

وفي نصف ربيع الآخر قبض على الكليتاني والي دمشق وضرب ضرباً شديداً وعلى علم الدين وصلاح الدين ولدي ابن الكويز لكونهما من جهة شيخ وكذلك الصفدي فتسلمهم نوروز، وطلب الناصر المنجنيق من دمشق إلى صرخد فنصبه على القلعة وكان شيئاً مهولاً وصل إليه على مائتي جمل، واستكثر من طلب المدافع والمكاحل من الصبيبة وصفد ودمشق ونصبها حول القلعة، فاشتد الخطب على شيخ ومن معه فتراموا على تغرى بردى

ص: 423

الأتابك وألقوا إليه ورقة في سهم من القلعة يستشفعون به، فجاء إلى السلطان وشفع عنده وألح عليه إلى أن أذن له أن يصعد إليهم ويقرر الصلح، فتوجه صحبته الخليفة وكاتب السر وجماعة من ثقات السلطان وذلك في أواخر الشهر، فجلسوا كلهم على شفير الخندق وجلس شيخ داخل باب القلعة ووقف أصحابه على رأسه، فطال الكلام بينهما إلى أن استقر الأمر على أنه لا يستطيع أن يقابل السلطان حياء منه، فأعيد الجواب عليه فأبى إلا أن ينزل إليه ويجتمع به، فلم يزل تغرى بردى به إلى أن أجاب إلى الصلح فرجع هو وكاتب السر فسلم لهما كمشبغا الجمالي وأسنبغا دلاهما بحبل ثم أرخى ولده وعمره سبع سنين ليرسله إلى الناصر فصاح وبكى من شدة الخوف، فرحمه الحاضرون فرد إلى أبيه، واستبشر الفريقان بالصلح وكان العسكر الناصري قد مل من الإقامة بصرخد لكثرة الوباء بها وقلة الماء والزاد هذا مع كون الأهواء مختلفة، وأكثر الناصرية لا يحبون أن يظفر الناصر بشيخ لئلا يتفرغ لهم فطلعوا في آخر يوم من الشهر وحلفوا الأمراء وأفرج شيخ عن ابن لاقي وعن تجار دمشق، وبعث للناصر تقدمة عظيمة ولبس تشريفه واستقر في نيابة طرابلس، وما فرغ من ترتيب ذلك إلا وأكثر المماليك السلطانية من مصر قد ساروا إلى جهة دمشق، فاضطر الناصر إلى الرحيل إلى دمشق فتوجه وجهز شيخ ولده الصغير في أثر السلطان، فوصل مع تغرى بردى فأكرمه وأعاده إلى أبيه ورحل الناصر عن دمشق في ربيع الآخر فوصل إلى غزة بعد أن زار بيت المقدس في سابع عشر منه.

وأما شيخ فخرج من صرخد وانضم إليه جمع كثير من أصحابه وتوجه إلى ناحية دمشق، وأرسل إلى بكتمر جلق نائب الشام يستأذنه في دخول دمشق ليقضي أشغاله ويرحل إلى طرابلس، فمنعه حتى يستأذن السلطان، وكتب إليه بحيلة من دخوله دمشق، فأجابه بمنعه من دخولها وإن قصد دخولها بغير إذن يقاتلوه، فاتفق وصول شيخ إلى شقحب في عاشر جمادى الأولى فأوقع بكتمر جلق ببعض أصحابه، فبلغه ذلك فركب بمن معه فلم يلبث بكتمر أن انهزم، ونزل شيخ قبة يلبغا ثم دخل دمشق في حادي عشره، وهو اليوم الذي وصل فيه الناصر إلى القلعة بمصر وتلقاه الناس، فأظهر بأنه لم يقصد القتال ولا الخروج

ص: 424

عن الطاعة، وأنه لم يقصد إلا النزول في الميدان خارج البلد ليتقاضى مهماته ويرحل إلى طرابلس وأن بكتمر هو الذي بغى عليه، ثم استكتبهم في محضر بصحة ما قال وجهزه إلى السلطان صحبة أمام الصخرة المقدسة فوصل في آخر جمادى الآخرة، فغضب السلطان وضرب الإمام بالمقارع ووسط الجندي الذي كان رفيقه، واستمر بكتمر في هزيمته إلى جهة صفد فأقام شيخ بدمشق وأعطى شمس الدين ابن التباني نظر الجامع الأموي وشهاب الدين ابن الشهيد نظر الجيش بدمشق، ثم صرفه في جمادى الآخرة، وقرر صدر الدين ابن الأدمي وقرر في خطابة الجامع شهاب الدين الحسباني ثم أعاده ثم قسم الوظائف بينهما، واستقر الحسباني في قضاء الشافعية، ثم توجه شيخ بعساكره إلى جهة صفد فطرقها شاهين الدويدار في جماعة على حين غفلة، فاستعدوا لهم فرجعوا واستمر شيخ في طلب بكتمر إلى غزة، وكان بكتمر قد سار متوجهاً إلى القاهرة، وصحبته بردبك نائب حماة ونكباي حاجب دمشق والطنبغا العثماني نائب صفد ويشبك الموساوي نائب غزة فتلقاهم السلطان، فلما يئس منهم شيخ رجع إلى دمشق بعد أن قرر في غزة سودون المحمدي وبالرملة جاني بك، ثم أرسل الناصر يشبك الموساوي في جيش إلى غزة فحارب سودون المحمدي فانكسر ونهب الذي له ولحق بجهة الكرك، ثم جمع عسكراً ورجع إلى غزة فانكسر الموساوي ورجع إلى القاهرة، وقتل علان نائب صفد، فأرسل شيخ إلى سودون المحمدي بنيابة صفد فوليها في نصف شعبان.

وفي أواخر جمادى الأولى قدم نوروز وقد خلص من التركمان إلى حلب، فتلقاه دمرداش وأكرمه وكاتب الناصر يعلمه به ويسأله أن يعيد نوروز إلى نيابة الشام، ويشبك ابن أزدمر إلى طرابلس وتغرى بردى ابن أخي دمرداش إلى حماة، فأعجب الناصر ذلك وأجاب سؤاله وجهز إليه مقبل الرومي ومعه التقاليد بذلك، وصحبته خمسة عشر ألف دينار مدداً لنوروز، وتوجه في البحر لخوفه من شيخ أن يسلك البر، وكان يشبك ابن أزدمر وتغرى

ص: 425

بردى قد توجها إلى حماة، ففر منهما جانم الذي من جهة شيخ فغلبا عليها، ووصل مقبل إلى نوروز بحماة ومعه تقليده بنيابة الشام فلبس الخلعة.

وفي سابع عشر جمادى الآخرة قبض سبان نائب قلعة صفد على الطنبغا العثماني، فوصل علان من جهة شيخ فغلب على صفد فثار عليه أهل صفد لما بلغهم خبر غزة، ففر إلى دمشق فدخلها وتوجه أبو شوشة صديق التركماني من صفد بطائفة، فكبسوا من كان بها من جهة شيخ فهربوا إلى دمشق.

وفي رابع عشريه برز شيخ برزة بعساكره قاصداً حماة وقدم دمرداش إلى حماة لنجدة نوروز ومعه عساكر حلب وطوائف من التركمان ومن العرب وشيخ يحاصر حماة، فلما بلغه قدومهم ترك وطاقه وأثقاله، وتوجه إلى ناحية العربان، فركب دمرداش فأخذ الوطاق واشتغل أصحابه بالنهب فرجع شيخ بأصحابه عليهم، فاشتدت الحرب بينهم فقتل جماعة وأسر آخرون وكسرت أعلام دمرداش وأخذت طبلخاناته، ونزل شيخ على بعيرن واستمر في حصار حماة.

وأما دمشق فإن سودون المحمدي بعد أن استماله نوروز بعث به إلى دمشق بعد أن عاث في بلاد صفد وصادر أهل قراها وكان جقمق دوادار شيخ بدمشق، قد وزع على القرى والبساتين مالاً لنفقة عسكر أستاذه، فزحف سودون المحمدي إلى داريا في سابع رمضان، فقاتله الشيخية منهم الطنبغا القرمشي ومن معه.

وفي أثناء ذلك قدم سودون بقجة وإينال المنقار مدداً للشيخية فتقنطر المحمدي عن فرسه، فأركبوه وتفرق جمعه، ولحق بنوروز وقبض على نحو الخمسين من أصحابه، وقد شاهين دوادار شيخ يستحث على استخراج المال، وتأهب سودون بقجة للتوجه إلى صفد نيابة عن شيخ، وكتب شيخ إلى الناصر كتاباً يخدعه فيه ويعلمه أن نوروز يريد الملك لنفسه، ولا يطيع أحداً أبداً ويقول عن نفسه

ص: 426

إنه لا يريد إلا طاعة السلطان والانتماء إليه، ويعتذر عما جرى منه ويصف نفسه بالعدل والرفق بالرعية، ويصف نوروز بضد ذلك ونحو ذلك من الخداع، فلم يجبه الناصر عن كتابه.

وفي الثالث عشر من شوال وصلت عساكر شيخ إلى صفد فنازلوها وفيها شاهين الزردكاش فجرت لهم حروب وخطوب إلى أن جرح شاهين في وجهه ويده وهرب وأسر أسندمر كاشف الرملة فوصل إلى صفد يشبك الموساوي من القاهرة، وسودون اليوسفي وبردبك من جهة نوروز، فقوي بهم أهل صفد، فرجع من الشيخية قرقماش إلى دمشق، وأمده شيخ بنجدة كبيرة، وأخذ من دمشق آلات القتال، ورجع إلى صفد، فاشتد الخطب واشتد القتال بين الفريقين، وكانت الدائرة على الشيخية، وانهزم قرقماش وجرح وقتل عدة من أصحابه، وأسر أهل صفد لكنهم بين قتيل وجريح، وقتل ابن مهنا الأكبر وعورت عين ابنه الآخر، وأصيبت رجل ابنه الثالث وأبلى هو بلاء عظيماً، وكذلك محمّد بن هيازع، وهؤلاء عربان تلك البلاد فخرجوا بعد الوقعة فعاثوا في البلاد وأفسدوا، ورجع يشبك الموساوي إلى غزة، فكاتب الناصر بما اتفق، واشتد الخطب على أهل دمشق بسبب ذلك، وجبيت منهم الخيول والأموال، وكل ذلك وشيخ بحمص يحاصر نوروز ومن معه بحماة، فلما بلغه ذلك جهز عسكراً إلى أصحابه يمدهم به، فمضوا إلى نيسان وكبسوا محمّد بن هيازع أمير عرب آل مهدي، وأخذوا ما كان معه، وتوجهوا إلى صفد فحاصروا شاهين الزردكاش أيضاً.

ص: 427

وفيها طرق قرا يوسف بغداد فملك عراق العجم وديار بكر ووصل إلى الموصل فملكها وسلطن ابنه محمّد شاه، وكتب بذلك إلى شيخ وأعلمه أنه تفرغ من تلك الجهات، وأنه عزم على الحضور إلى الشام نجدة للأمير شيخ لما بينهما من المودة والعهود، فاستشار شيخ أصحابه فأشاروا عليه بأن يجيبه إلى ما طلب من الحضور إليه ليستظهر بهم على أعدائه، فخوفه تمراز الناصري من عاقبة ذلك وأشار عليه بأن يكاتب الناصر بحقيقة ذلك، وأنه يخشى من استطراق قرا يوسف في بلاد الشام أن يتطرق منها إلى مصر فأخرجوا به.

وفي السادس من ذي الحجة توجه الدويدار إلى البقاع للاستعداد لبردبك لما طرق الشام، فوصلت كشافة بردبك في التاسع عشر إلى عقبة بيحورا، ثم نزل هو شقحب فتأهب من بالقلعة بدمشق، وخرج العسكر مع سودون بقجة والقرمشي، فوقع القتال فانكسر جاليش سودون بقجة والقرمشي، وحمل هو على عسكر بردبك فكسرهم، ثم انهزم بردبك على خان ابن ذي النون، فرجع إلى صفد، ونهب من كان معه، واجتمع جميع الشيخية وتوجهوا قاصدين غزة.

وفي هذا الشهر اشتد الحصار على نوروز ودمرداش بحماة، فقتل بينهما أكثر من كان معهما من التركمان، وانضم أكثر التركمان إلى شيخ ووصل إليه العجل بن نعير نجدة له بمن معه من العرب في ثاني عشر ذي الحجة فخيم بظاهر حماة، فوقع القتال بين الطائفتين واشتد الخطب على النوروزية، فمالوا إلى الخداع والحيلة، ولم يكن لهم عادة بالقتال يوم الجمعة، فبينما الشيخية مطمئنين إذ بالنوروزية قد هجموا عليهم وقت صلاة الجمعة، فاقتتلوا إلى قبل العصر، فكانت الكسرة على النوروزية فرجعوا إلى حماة، وأسر من النوروزية جماعة منهم سودون الجلب وشاهين الأباشي وجانبك القري وغيرهم فأرسلوا إلى السجن بدمشق ثم إلى المرقب، وغرق بردجا أمير التركمان بنهر العاصي وكذلك أرسطاي أخو يونس وآخرون وتسحب منهم جماعة

ص: 428

وغنم الشيخية منهم نحو ألف فرس، وتفرق أكثر العساكر عن نوروز، ولحق كثير منهم بشيخ فتحول إلى الميدان بحماة، ونزل هو والعجل به، وكتب إلى دمشق بالنصر، فدقت بشائره وزينوا البلد.

فلما كان ليلة الاثنين سادس عشر ذي الحجة، ركب تمربغا المشطوب وسودون المحمدي وتمراز نائب حماة في عسكر ضخم فكبسوا العجل بن نعير ليلاً، فاقتتلوا إلى قريب الفجر فركب شيخ نجدة للعجل واشتد القتال، فخالفهم نوروز إلى وطاق شيخ فنهبه ورجع إلى حماة، وكتب دمرداش إلى الناصر يستنجده ويحثه على المجيء إلى الشام وإلا خرجت عنه كلها، فإنه لم يبق منها إلا غزة وصفد وحماة وكل من بها من جهته في أسوء حال.

وفي ذي الحجة مال أكثر التركمان إلى شيخ وأطاعوه، وجاءه الخبر بأن أنطاكية صارت في حكمه وجهز شاهين داوداره وإيدغمش وملكوا حلب فصارت بأيديهم، واشتد الأمر على دمرداش ونوروز فاستدعيا أعيان أهل حماة فألزماهم بأن كتبوا إلى العجل كتاباً يتضمن أن نوروز هرب من حماة، ولم يتأخر بها غير دمرداش، وسألوه أن يأخذ له الأمان من شيخ، فظن العجل أن ذلك حق فركب إلى شيخ وأعلمه بذلك فظنه حقاً، وبعث فرقة من مماليكه ومن عرب العجل، فتسوروا على سلالم ونزلوا المدينة من السور ظانين قلة بالبلد من النوروزية، فوثبوا عليهم وقتلوهم جميعاً وعلقوا رؤوسهم على السور، وأتوا رجلين من جهة العجل فألزموهما أن كتبا إلى العجل بأن نوروز قد أسرنا وقد أطلعنا على أنه تصالح مع شيخ على أن شيخ يسلك إليه ويصطلحا على البلاد، فظن العجل ذلك صحيحاً فركب لوقته متوجهاً إلى بلاده، فبلغ ذلك الشيخية، فركب شيخ في طائفة ليسترضيه ويرده، فأعقبه نوروز ودمرداش في أثره فنهبوا وطاقه وخيله واستمر العجل ذاهباً، فرجع شيخ فوجد أثقاله قد نهبت فرجع من حمص إلى العريسين، فكاتب نوروز في طلب الصلح فلم يتم ذلك وانسلخت السنة وهم على ذلك.

ص: 429