المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأعيان

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانمائة من الأجناد

- ‌أول القرن التاسع من الهجرة

- ‌سنة إحدى وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث

- ‌ذكر من عزل من الأمراء

- ‌من أصحاب الوظائف

- ‌ذكر من ماتفي هذه السنة من الأكابر

- ‌سنة اثنتين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع وثمانمائة

- ‌ذكر من توفيفي سنة أربع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة تسع وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشر وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشر وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر حوادث أخرىغير ما يتعلق بالمتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة أربع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

‌سنة إحدى عشرة وثمانمائة

استهلت هذه السنة ومصر في غاية الرخاء كثير جدّا، والقمح بنحو مائة درهم والشعير بنحو سبعين والذهب يومئذ بمائة وأربعين المثقال، وفي الثاني من المحرم برز نوروز إلى صفد، ثم انثنى إلى شعسع، ثم انثنى إلى بكتمر جلق ومعه محمّد وحسين وحسن بنو بشارة فاقتتلوا، فقتل بينهم جماعة وحرقت الزروع وخربت القرى وكسرهم وأقام بالرملة، وكان قد جهز الناصر عسكراً إلى سودون المحمدي بغزة ليستنقذوها منه صحبة نائبها الطنبغا العثماني ثم مضوا إلى صفد فخرجوا في النصف من المحرم وفيهم باش باي وهو يومئذ رأس نوبة الكبير والطنبغا العثماني وطوغان وسودون بقجة، وكان بكتمر جلق وجانم قد خرجا قبل ذلك من صفد إلى غزة فملكاها، ففر منها سودون المحمدي فلحق بنوروز، فرجع نوروز فقاتلهم كما تقدم، وأقام بالرملة، فبلغ ذلك العسكر المجهز من مصر وهم بالعريش وكان فيهم طوغان وباش باي وسودون بقجة فدخلوا إلى مصر في صفر، ولما تحقق نوروز رجوعهم قصد صفد ليحاصرها، فقدم عليه الخبر بحركة شيخ إلى دمشق، وكان قد جمع من التركمان والعرب والترك جمعاً وسار من حلب في ثاني عشر ربيع الأول، فرجع نوروز فسبقه إلى دمشق ثم برز إلى برزة، فقدم عليه سودون المحمدي هارباً من بكتمر جلق وكان قد خالف نوروز إلى غزة فغلب عليها وفرّ سودون منه فتراسل شيخ ونوروز في الكف عن القتال ولم ينتظم لهما أمر، وصمّم شيخ على أخذ دمشق، وباتا على أن يباكرا القتال، فأمر شيخ بوقيد النيران في معسكره واستكثر من ذلك ورحل جريدة إلى شعسع فنزلها وأصبح نوروز فعرف برحيله فتوجه إلى دمشق فدخلها في الخامس من صفر

ص: 395

وفي ثانيه قدم عليه تمربغا المشطوب من حلب، وشرع نوروز في بيع الغلال التي كان أعدها بقلعة دمشق، وفي الرابع عشر منه نزل قبة يلبغا وسار إلى شعسع فلقي بها شيخ وهو يومئذٍ في نفر قليل نحو الألف وقد تفرق أصحابه فالتقيا فتقاتلا فانكسر نوروز ويقال كان معه أربعة آلاف نفس ولم يكن مع شيخ سوى ثلاثمائة نفس، وركب شيخ أقفيتهم، فدخل نوروز دمشق في الثاني عسر من صفر مجتازاً وأعقبه شيخ فدخل دمشق بغير قتال ودخل دار السعادة ونادى بالأمان، ولبس خلعة النيابة التي وافته من السلطان بعد أن سار إلى قبة يلبغا فركب من ثم وركب معه القضاة والأعيان، ومن جملتهم نجم الدين ابن حجي بقضاء الشافعية، وقبض على جماعة من النوروزية وأفرج عن جماعة من المسجونين وجهز بكتمر جلق ودمرداش لحرب نوروز فبرزا في عسكر في أواخر صفر قاصدين حلب، وكان نوروز لما انهزم استصحب معه يشبك الموساوي أسيراً فسجنه بقلعة حلب ثم اختلف نوروز وتمربغا المشطوب فصعد تمربغا القلعة وأطلق الموساوي، وكان المشطوب تلقى نوروز وأكرمه وقام له بما يليق به وأشار عليه بالطاعة للسلطان وأن يرسل بطلب الأمان، فامتنع من ذلك ورحل عن حلب إلى جهة ملطية فقدم الموساوي دمشق في أواخر صفر يريد القاهرة، ثم أطلق شيخ جماعة من المسجونين الأمراء وغيرهم وظهر جماعة ممن كان اختفى منهم وفي ربيع الآخر قبض على ناظر الجيش تاج الدين ابن رزق الله وعلى أخيه وصودرا على ستة آلاف دينار وصودر المحتسب على ألف دينار واستقر في نظر الجيش علم الدين ابن الكويز وفي ديوان شيخ صلاح الدين ابن الكويز وشهاب الدين الصفدي في كتابة السر بدمشق وشهاب الدين الباعوني في الخطابة بالجامع الأموي، وفي الأستادارية بدر الدين ابن محب الدين فبسط يده في المصادرة فأخذ من ابن المزلق خمسة آلاف

ص: 396

دينار حصلها من التجار، وصالح القضاة على ألف وخمسمائة دينار، ففرضوها على المدارس، وفرض على جميع القرى ما يحتاج إليه من الشعير، وجمع شيخ العساكر وخرج إلى نوروز وكان تمربغا بحلب ومعه يشبك بن أزدمر.

وفي ربيع الآخر قدم صدر الدين ابن الأدمي إلى دمشق وبيده ولاية القضاء وكتابة السر، وكان قد قدم بذلك من العام الماضي فما مكنه من المباشرة وأهانه وتعوق بسبب ذلك في البلاد الشمالية، فلما وصل أمضى له شيخ وظيفة القضاء خاصة، ثم توجه شيخ إلى جهة حلب وأرسل عسكراً فحاصروها، فسلمها لهم تمربغا المشطوب، واجتمع عنده أحمد بن رمضان وغيره من التركمان وفر إليه جماعة من النوروزية منهم سودون المحمدي وسودون اليوسفي، فرحل في طلب نوروز فلحق أعقابه وقبض على جماعة من أصحابه وكان قرر في حلب قرقماس ابن أخي دمرداش وأرسل عسكراً في طلب نوروز، ورجع إلى دمشق فدخلها في أبهة عظيمة، ولحق العسكر بالتركمان بأنطاكية، وأوقعوا بهم واستنقذوها منهم، وقتل حسين بن صدر الباز في المعركة، وغلب أحمد بن رمضان على نوروز، فمنع عنه العسكر وقتل قطلوبغا الجاموس نائب قلعة حلب، ثم فر نوروز من أسر التركمان فاستولى على قلعة الروم، وكان يشبك بن أزدمر قد فر إلى نوروز واجتمعا بأنطاكية، ولما رجع شيخ إلى دمشق أطلق ناظر الجيش من الترسيم وكذلك الوزير المنفصل، وقرر ابن الموصلي في الحسبة وشرط عليه أن لا يأخذ من الباعة ضيافة القدوم، فكان المشاعلي ينادي بين يديه بذلك وهو لابس الخلعة.

وفي جمادى الأولى قبض الناصر على جماعة من الأمراء وذبحهم وسجن منهم بيغوت وسودون بقجة بالإسكندرية، وفي أواخره استقر أرغون الرومي أمير آخور وصرف كمشبغا المزوق، وفي أول رجب دخل شيخ دمشق راجعاً من حلب وبعث بجماعة من الأمراء فسجنهم بقلعة الصبيبة.

وفي جمادى الأولى منع الأمير جمال الدين من الحكم بين الناس وأمر بالاقتصار على ما يتعلق بالأمور السلطانية، فكان ذلك ابتداء انحطاط منزلته وهو لا يشعر.

ص: 397

وفي جمادى الآخرة مات الأمير باش باي رأس نوبة الكبير وكان معه نظر الشيخونية.

وفي أواخر رجب فر المماليك الذين كانوا في السجن بدمشق لما بلغهم خلاص نوروز من أسر التركمان وتوجهوا إليه منهم تمربغا المشطوب، وركب شيخ في طلبهم فلم يلحقهم.

وفيها فر شمس الدين ابن التباني إلى الشام فقرره شيخ نائبها في نظر الجامع الأموي وغير ذلك من الوظائف وقربه وأدناه وذلك في رجب، ثم نقل الناصر عنه شيء أغضبه فهم بالقبض على أخيه شرف الدين، ففر أيضاً إلى شيخ بالشام فولاه خطابة الجامع الأموي بعد أن كان صرف عنه الباعوني وقرر فيه ناصر الدين البارزي وكان قد فر من حماة من يشبك بن أزدمر واتصل بشيخ، فاختص به ونادمه وولاه الخطابة، وقرر ابن التباني في قضاء الشام للحنفية، وفيه ألزم النائب أهل دمشق بعمارة مساكنهم والأوقاف التي داخل البلد وضرب فلوساً جدداً نودي عليها كل ثمانية وأربعين بدرهم، وفي شعبان وصل يشبك الموساوي رسولاً من الناصر إلى شيخ يطلب منه بعض الأمراء الذين كانوا خامروا عليه، فاعتذر فأعاد عنه الجواب بما سنذكره بعد.

وفي رمضان بلغ النائب أن يشبك الموساوي نقل عنه للناصر أنه ساع في العصيان عليه، فأرسل نجم الدين ابن حجي قاضي الشام بكتب ومحاضر تشهد له بأنه مستمر على الطاعة وأن يشبك كذب عليه فيما نقله عنه، فوصل ابن حجي بالكتب عنه فقبل عذره وكتب أجوبته واقترح عليه بأن يرسل من عنده من الأمراء المسجونين، وأنه إن تباطأ في إرسالهم حتى يمر شهر ثبت عليه ما نقل عنه من العصيان، فامتنع من إرسالهم وشرع الناصر في التجهيز إلى الشام بهذا السبب.

وفي هذه السنة أعيد التجديد بالقدس وبالرملة للأربع قضاة.

ص: 398

وفيها قتل الناصر أينال الأجرود وتمربغا، وكانا أميرين من أخوة بيغوت، وقتل بالإسكندرية عدة أمراء منهم سودون من زاده صاحب المدرسة المتقدم ذكرها وكذلك بيغوت، وفي ذي القعدة قتل عمر بن علي بن فضل أمير آل جرم بحيلة من نائب الكرك محمّد التركماني وكان عمر قد عصى وخالف، فغدر به محمّد المذكور وأرسل برأسه إلى مصر فطيف به.

وفيها في ثالث رجب أكمل جمال الدين يوسف البيري البجاسي أستادار السلطان مدرسته بالقاهرة برحبة العيد ورتب فيها مدرسين على المذاهب الأربعة ودرس حديث، فالشافعي همام الدين الخوارزمي وهو شيخ الصوفية، والمالكي.....، والحنفي بدر الدين محمود بن الشيخ زاده، والحنبلي فتح الدين أبو الفتح ابن الباهي، ومدرس الحديث كاتبه، ومد في أول يوم سماطاً هائلاً وملأ الفسقية بالسكر المكرر واستمر حضور المدرسين في كل يوم، يحضر واحد ويخلع عليه عند فراغه، فلما كان بعد أسبوع جدد فيها درس تفسير وقرر المدرس قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وعمل له إجلاساً في قوله تعالى:" إنما يعمر مساجد الله " واستمر بعد ذلك يدرس من هذا الموضع،

ص: 399

وبعد قليل نم بعض الناس على جمال الدين بأنه عمل مدرسة وبالغوا في وصفها وما بها من الرخام والزخرفة وأنه ما اكتفى بذلك حتى شرع في أخرى بباب زويلة، فاستفسره الناصر عن ذلك ففهم من أين أتى فقال: إنما شرعت في عمل صهريج ومسجد وفيه مدرس على اسم مولانا السلطان ليختص بثواب ذلك، فأرضاه بذلك وقد لزم غلطه فصيره له حقيقة فلم يكمل جمال الدين من ذلك الوقت سنة حتى قبض عليه وأهلك كما سيأتي.

وفيها كملت مدرسة الخواجا علاء الدين الطرابلسي بسويقة صاروجا بدمشق.

وفيها نودي في شعبان بالقاهرة أن لا يركب أحد الخيل والبغال إلا الأجناد الذين في خدمة السلطان أو الأمراء خاصة، ثم سعى للقضاة فأذن لبعضهم ثم صار يؤذن بمراسيم سلطانية للواحد بعد الواحد من ديوان الإنشاء، واشتد الأمر في ذلك فصار المماليك ينزلون من رأوه راكباً فرساً إلا أن أخرج لهم المرسوم؛ ثم بطل ذلك في أواخر السنة.

وفي سادس عشر رجب صرف ناصر الدين ابن العديم من قضاء الحنفية واستقر أمين الدين الطرابلسي بعناية جمال الدين الأستادار.

وفي عاشر شعبان جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطيس أماكن عديدة وسقطت قلعة بلاطيس، فمات تحت الردم خمسة عشر نفساً وخربت شعر بكاس كلها وقلعتها، ومات جميع

ص: 400

أهلها إلا نحو خمسين نفساً، وانشقت الأرض وانقلبت قدر بريد من القصير إلى سلقوهم، وهي بلد فوق جبل، فانتقلت عنه قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها ليلاً ولم يشعروا بذلك، وكانت الزلزلة بقبرص، فخرب منها أماكن كثيرة، وكانت بالجبال والمناهل، وشوهد ثلج على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ؛ وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر الملح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر، ثم عاد الماء كما كان ولم يتضرر أحد.

وفيها ألزم القضاة أن يخففوا من نوابهم فاستقر للشافعي أربعة وللحنفي ثلاثة وللمالكي كذلك وللحنبلي اثنان، فدام ذلك قليلاً ثم بطل.

وفيها تجهز الناصر إلى دمشق فأمر قبل خروجه بقتل من بالإسكندرية وغيرها من المسجونين؛ فقتل بيبرس ابن أخت الظاهر وبيغوت وسودون المارداني في آخرين، وفي أواخر السنة قتل فخر الدين ابن غراب غيلة وكان في سجن جمال الدين الأستادار وكان يسمى ماجداً فسمي في أيام وزارته وعظمة أخيه محمّداً، وكان سيئ السيرة جداً، وكان يلثغ لثغة قبيحة، يجعل الجيم زاياً والشين المعجمة مهملة، وأخرج من السجن بيت الشهاب ابن الطبلاوي ميتاً، وقتل في السجن أيضاً ناصر الدين محمّد بن كلفت الذي ولى إمرة الإسكندرية وشد الدواوين وولاية القاهرة مرات، وفي رمضان نودي بالقاهرة أن لا يتعامل أحد بالذهب البتة ومنع من بيع الذهب المصبوغ والمطرز، وكتب جمال الدين على أهل الأسواق قسامات بذلك ولقي الناس من ذلك تعباً، ثم سعى جمال الدين في ذلك إلى أن بطل ونودي أن يكون المثقال بمائة فأخفاه أكثر الناس ولم يظهر بيد أحد من الناس فوقف الحال ثم نودي أن يكون بمائة وعشرين بعد أن كان بلغ مائة وسبعين.

ص: 401

وفي ذي القعدة بعد امتناع شيخ من إرسال الأمراء المطلوبين إلى السلطان راسل نوروز في الصلح وراسل سودون الجلب بالكرك يستميله، وكان دمرداش اهتم بحرب نوروز وجمع عليه الطوائف، فانكسر نوروز عن عينتاب واستولى دمرداش ورجع إلى حلب.

وفيها نازل شيخ نائب طرابلس تمربغا المشطوب بحلب، فانحصر تمربغا بالقلعة وتوجه شيخ لجهة أنطاكية، ثم بلغه أن نوروز توجه إلى حلب فرجع من أنطاكية إلى جهة دمشق، فكانت الوقعة بالقرب من

وفي يوم الجمعة ثاني عشري ربيع الآخر اتفق أهل التنجيم على أن الشمس تكسف قريب الزوال ويتغطى منها نحو نصف الجرم، فاتفق أن كانت ذلك اليوم بدمشق مغيمة والمطر نازلاً فلم يظهر صحة ما قالوه بمصر، فاتفق أن خطيب الجامع الأموي شهاب الدين ابن الباعوني بعد صلاة الجمعة جمع الناس وصلى بهم صلاة الكسوف؛ فأنكر الناس عليه ذلك لأنه اعتمد قول المنجمين، وعلى تقدير صحة قولهم فكانت الشمس قد انجلت، ثم إنه كبر في أول ركعة ثلاث تكبيرات سهواً، وأعجب من ذلك أن السماء كانت بالقاهرة في ذلك اليوم صاحية ولم يظهر أثر كسوف البتة.

وفيها في رجب مات باش باي رأس نوبة فقرر مكانه في وظيفته أينال الساقي وفي هذه السنة قدم الحاج في ثاني عشر المحرم وأميرهم بيسق وكان قد قبض بمكة على قرقماس أمير الركب الشامي، فتخوف أن يبلغ خبره أهل الشام فيبعث إليه من يستنقذه منه بين أيلة ومصر، فبادر وترك زيارة المدينة وأعنف الناس في السير حتى هلك جمع كثير من الناس.

ص: 402

وفيها فوض الناصر إلى حسن بن عجلان سلطنة الحجاز، فاتفق موت ثابت بن نعير وقرر حسن مكانه أخاه عجلان بن نعير، فثار عليهم جماز بن هبة الدي وكان أمير المدينة وأرسل إلى الخدام بالمدينة يستدعيهم فامتنعوا، فدخل المسجد النبوي وأخذ ستارتي باب الحجرة وطلب من الخدام تسعة آلاف درهم على أن لا يتعرض للحاصل فامتنعوا، فضرب كبيرهم وكسر القفل وأخذ عشر حوايج خاناة وصندوقين كبيرين وصندوقاً صغيراً بما في ذلك من المال وخمسة آلاف شقة بطائق وصادر بعض الخدام ونزح عنها، فدخل عجلان بن نعير ومعه آل منصور فنودي بالأمان، ثم قدم عقبه أحمد بن حسن بن عجلان ومعه عسكر وصحبتهم أبو حامد بن المطري متولياً قضاء المدينة عوضاً عن الشيخ أبي بكر بن حسين وباشر في ذلك في أثناء السنة فلم تطل مدته ومات في آخرها؛ وفيها جهز الدينار الناصري على زنة الأفلوري وتعامل به الناس.

وفي شعبان صرف ابن حجي عن القضاء وأعيد ابن الإخنائي.

وفي شوال قبض على الإخنائي ونقم عليه مكاتبة نوروز فبرطل بثلاثمائة ثوب بعلبكي فأطلق، ثم قدم توقيع ابن حجي فعاد إلى القضاء وصرف الإخنائي وصرف الباعوني عن خطابة دمشق، وقرر فيها القاضي ناصر الدين البارزي.

وفي التسع منه قدم يشبك الموساوي دمشق فتلقاه شيخ وأكرمه وتوجه من عنده إلى حلب، ثم رجع في أواخر رمضان فأكرمه شيخ وأعاده إلى القاهرة، وفي نصف شعبان قرئ كتاب الناصر بدمشق بإلزام الناس بعمارة ما خرب من المدارس بدمشق، وفيه استقر ناظر الجيش بدمشق ناظراً على القدس والخليل وناظر أوقافهما، وفيه قرر شيخ الطنبغا القرمشي حاجب الحجاب بدمشق عوضاً عن برسباي بحكم تسحبه.

ص: 403

وفيه في العشر الأخير من رمضان خرج شيخ إلى جامع دمشق فدخله حافياً متواضعاً وتصدق بصدقات كثيرة، وذلك في ليلة الحادي والعشرين منه، وأصبح يطلب أرباب السجون، فأدى عنهم وأطلقهم.

وفيها غلب قرا يوسف على تبريز فملكها انتزاعاً من أيدي التمرية وكانت بيده قبل ذلك.

وفيها حج بالناس من القاهرة أحمد بن الأمير جمال الدين الأستادار وغرم جمال الدين على حجة ولده هذه أربعين ألف دينار وزيادة، وفي ذي القعدة هبت رياح شديدة عاصفة بالقاهرة، وانسلخت هذه السنة والناصر على العزم على العود إلى دمشق لمحاربة شيخ وأعدائه منها.

وفيها نازل قرا يلك عثمان بن قطلوبك التركماني صاحب آمد ماردين وبها الصالح أحمد بن إسكندر بن الصالح الأرتقي آخر ملوك بني أرتق فاستنجد بقرا يوسف فأنجده ثم طلب منه أن يقايضه بالموصل عوضاً عن ماردين فتراضيا على ذلك وأعطاه عشرة آلاف دينار وألف فرس وعشرة آلاف شاة وزوجه بابنته فتحول إلى الموصل واستولى نواب قرا يوسف على ماردين وزالت منها دولة الأرتقية بعد أكثر من ثلاثمائة سنة وانتهت بذلك دولة بني أرتق من ماردين، ثم لم يلبث الصالح بالموصل سوى ثلاثة أيام ومات فجأة هو وزوجته جميعاً، فيقال إنه دس عليهم سم، وتحول أولاده محمّد وأحمد وعلي ومحمود إلى سنجار، فأقاموا بها إلى أن ماتوا سنة 14 بالطاعون.

ص: 404