المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْفَال وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة غير - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

[الفيروزآبادي]

الفصل: وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْفَال وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة غير

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْفَال وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} فَأَنَّهَا نزلت بِالْبَيْدَاءِ فِي غَزْوَة بدر قبل الْقِتَال آياتها سِتّ وَتسْعُونَ وكلماتها ألف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَأَرْبع وَتسْعُونَ حرفا

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

ص: 145

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن‌

‌ الْأَنْفَال}

يَقُول يَسْأَلك أَصْحَابك الْغَنَائِم يَوْم بدر وَعَن صلَة {قُلِ} يَا مُحَمَّد لَهُم {الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول} الْغَنَائِم يَوْم بدر لله وَلِلرَّسُولِ لَيْسَ لكم فِيهِ شَيْء وَيُقَال لله وَأمر الرَّسُول فِيهِ جَائِز {فَاتَّقُوا الله} فِي أَخذ الْغَنَائِم {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} مَا بَيْنكُم من الْمُخَالفَة فليؤد الْغَنِيّ إِلَى الْفَقِير وَالْقَوِي إِلَى الضَّعِيف والشاب إِلَى الشَّيْخ {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الصُّلْح {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} بِاللَّه وَالرَّسُول

ص: 145

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذَا ذُكِرَ الله} إِذا أمروا بِأَمْر من قبل الله مثل أَمر الصُّلْح وَغَيره {وَجِلَتْ} خَافت {قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ} قُرِئت {عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ} فِي الصُّلْح {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} يَقِينا بقول الله وَيُقَال صدقا وَيُقَال تكريراً {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على الْغَنَائِم

ص: 145

{الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون فِي طَاعَة الله وَيُقَال يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم

ص: 145

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} صدقا يَقِينا {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ} فَضَائِل {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْآخِرَة {وَمَغْفِرَةٌ} للذنوب فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

ص: 145

{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} امْضِ يَا مُحَمَّد على مَا أخرجك رَبك {مِن بَيْتِكَ} من الْمَدِينَة (بِالْحَقِّ) بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِالْحَرْبِ {وَإِنَّ فَرِيقاً} طَائِفَة {مِّنَ الْمُؤمنِينَ لَكَارِهُونَ} لِلْقِتَالِ

ص: 145

{يجادلونك} يخاصمونك {فِي الْحق} فِي الْحَرْب {بعد مَا تَبَيَّنَ} لَهُم أَنَّك لَا تصنع وَلَا تَأمر إِلَّا مَا أَمرك رَبك {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنظُرُونَ} إِلَيْهِ

ص: 145

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} الفئتين العير أَو الْعَسْكَر {أَنَّهَا لَكُمْ} غنيمَة {وَتَوَدُّونَ} تتمنون {أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة} الشدَّة وَالْحَرب {تَكُونُ لَكُمْ} غنيمَة يَعْنِي غنيمَة العير {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أَن يظْهر دينه الْإِسْلَام بنصرته وتحقيقه {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافرين} أصل الْكَافرين وأثرهم

ص: 145

{لِيُحِقَّ الْحق} ليظْهر دينه الْإِسْلَام بِمَكَّة {وَيُبْطِلَ الْبَاطِل} يهْلك الشّرك وَأَهله {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} وَإِن كره الْمُشْركُونَ أَن يكون ذَلِك

ص: 145

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} تدعون {رَبَّكُمْ} يَوْم بدر بالنصرة {فَاسْتَجَاب لَكُمْ} الدُّعَاء {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} معينكم {بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ} مُتَتَابعين بالنصرة لكم

ص: 145

{وَمَا جَعَلَهُ الله} يَعْنِي المدد {إِلَاّ بشرى} لكم بالنصرة {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} بالمدد {قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْر} بِالْمَلَائِكَةِ {إِلَاّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ والهزيمة وَحكم لكم بالنصرة وَالْغنيمَة

ص: 145

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس} ألْقى عَلَيْكُم النّوم {أَمَنَةً} لكم {مِّنْهُ} من الله من الْعَدو وَهِي منَّة من الله لكم {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء}

ص: 145

مَطَرا {لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} بالمطر من الْأَحْدَاث والجنابة {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَان} وَسْوَسَة الشَّيْطَان {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} وليحفظ قُلُوبكُمْ بِالصبرِ {وَيُثَبِّتَ بِهِ} بالمطر {الْأَقْدَام} على الرمل أَي يشد الرمل حَتَّى يثبت عَلَيْهِ الْأَقْدَام

ص: 146

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَة} ألهم رَبك وَيُقَال أَمر رَبك {أَنِّي مَعَكُمْ} معينكم {فَثَبِّتُواْ الَّذين آمَنُواْ} فِي الْحَرْب وَيُقَال فبشروا الَّذين آمنُوا بالنصر {سَأُلْقِي} سأقذف {فِي قُلُوبِ الَّذين كفرُوا الرعب} المخافة من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} رُءُوسهم {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} مفصل

ص: 146

{ذَلِك} الْقِتَال لَهُم {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {وَمَن يُشَاقِقِ الله} يُخَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب

ص: 146

{ذَلِكُم} الْعَذَاب لكم {فَذُوقُوهُ} فِي الدُّنْيَا {وَأَنَّ للْكَافِرِينَ} فِي الْآخِرَة {عَذَاب النَّار}

ص: 146

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ} يَوْم بدر {زَحْفاً} مزاحفة {فَلَا تُوَلُّوهُمُ} أَي فَلَا توَلّوا مِنْهُم {الأدبار} منهزمين

ص: 146

{وَمَن يُوَلِّهِمْ} يتول عَنْهُم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم بدر {دُبُرَهُ} ظَهره مُنْهَزِمًا {إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} مستطرداً لِلْقِتَالِ وَيُقَال للكرة {أَوْ مُتَحَيِّزاً} أَو ينحاز {إِلَى فِئَةٍ} ينصرونه ويمنعونه {فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله} فقد رَجَعَ واستوجب بسخط من الله {وَمَأْوَاهُ} مصيره {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير} صَار إِلَيْهِ

ص: 146

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} يَوْم بدر {وَلَكِن الله قَتَلَهُمْ} بجبرائيل وَالْمَلَائِكَة {وَمَا رَمَيْتَ} مَا بلغت التُّرَاب إِلَى وُجُوه الْمُشْركين {إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِن الله رمى} بلغ {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤمنِينَ} ليصنع بِالْمُؤْمِنِينَ {مِنْهُ} من رمي التُّرَاب {بلَاء} صنيعاً {حَسَناً} بالنصرة وَالْغنيمَة {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بنصرتكم

ص: 146

{ذَلِكُم} النُّصْرَة وَالْغنيمَة لكم {وَأَنَّ الله} بِأَن الله {مُوهِنُ} مضعف {كَيْدِ الْكَافرين} صَنِيع الْكَافرين

ص: 146

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ} تستنصروا {فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْح} النُّصْرَة لمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه عَلَيْكُم حَيْثُ دَعَا أَبُو جهل قبل الْقِتَال والهزيمة فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر أفضل الدينَيْنِ وَأكْرم الدينَيْنِ وأحبهما إِلَيْك فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَنصر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه عَلَيْهِم {وَإِن تَنتَهُواْ} عَن الْكفْر والقتال {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْكفْر والقتال {وَإِن تعودوا} إِلَى قتال مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {نَعُدْ} إِلَى قتلكم وهزيمتكم مثل يَوْم بدر {وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} جماعتكم {شَيْئاً} من عَذَاب الله {وَلَوْ كَثُرَتْ} فِي الْعدَد {وَأَنَّ الله مَعَ الْمُؤمنِينَ} معِين الْمُؤمنِينَ بالنصرة

ص: 146

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الصُّلْح {وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ} عَن أَمر الله وَرَسُوله {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} مواعظ الْقُرْآن وَأمر الصُّلْح

ص: 146

{وَلَا تَكُونُواْ} فِي الْمعْصِيَة وَيُقَال فِي الطَّاعَة {كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا} أَطعْنَا وهم بَنو عبد الدَّار وَالنضْر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه

ص: 146

{وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} لَا يطيعون وَنزل فيهم أَيْضا

ص: 147

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ} الْخلق والخليقة {عِندَ الله الصم} عَن الْحق {الْبكم} عَن الْحق {الَّذين لَا يَعْقِلُونَ} لَا يفقهُونَ أَمر الله وتوحيده

ص: 147

{وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ} فِي بني عبد الدَّار {خَيْراً} سَعَادَة {لأَسْمَعَهُمْ} لأكرمهم بِالْإِيمَان {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} أكْرمهم بِالْإِيمَان {لَتَوَلَّواْ} عَنهُ عَن الْإِيمَان لعلم الله فيهم {وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ

ص: 147

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {اسْتجِيبُوا لِلَّهِ} أجِيبُوا لله {وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} إِلَى مَا يكرمكم ويعزكم ويصلحكم من الْقِتَال وَغَيره {وَاعْلَمُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله يَحُولُ} يحفظ {بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ} بَين الْمُؤمن بِأَن يحفظ قلب الْمُؤمن على الْإِيمَان حَتَّى لَا يكفر ويحفظ قلب الْكَافِر على الْكفْر حَتَّى لَا يُؤمن {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ} إِلَى الله فِي الْآخِرَة {تُحْشَرُونَ} فيجزيكم بأعمالكم

ص: 147

{وَاتَّقوا فِتْنَةً} كل فتْنَة تكون {لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} وَلَكِن تصيب الظَّالِم والمظلوم {وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} إِذْ عاقب

ص: 147

{واذْكُرُوا} يَا معشر الْمُهَاجِرين {إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} فِي الْعدَد {مُّسْتَضْعَفُونَ} مقهورون {فِي الأَرْض} أَرض مَكَّة {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاس} أَن يطردكم أهل مَكَّة أَو يأسروكم {فَآوَاكُمْ} بِالْمَدِينَةِ {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} يَعْنِي أعانكم وقواكم بنصرته يَوْم بدر {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} من الْغَنَائِم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته بالنصرة وَالْغنيمَة يَوْم بدر

ص: 147

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي مَرْوَان وَأَبا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر {لَا تَخُونُواْ الله} فِي الدّين {وَالرَّسُول} فِي الْإِشَارَة إِلَى بني قُرَيْظَة أَن لَا تنزلوا على حكم سعد بن معَاذ {وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} وَلَا تخونوا فِي فَرَائض الله وَهِي أَمَانَة عَلَيْكُم {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} تِلْكَ الْخِيَانَة

ص: 147

{وَاعْلَمُوا} يَعْنِي بِهِ أَبَا لبَابَة {أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ} الَّتِي فِي بني قُرَيْظَة {فِتْنَةٌ} بلية لكم {وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة بِالْجِهَادِ

ص: 147

{يِا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا إَن تَتَّقُواْ الله} فِيمَا أَمركُم ونهاكم {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} نصْرَة وَنَجَاة {وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} دون الْكَبَائِر {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} سَائِر الذُّنُوب {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} على عباده بالمغفرة وَالْجنَّة

ص: 147

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} فِي دَار الندوة {الَّذين كَفَرُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لِيُثْبِتُوكَ} ليحبسوك سجناً وَهُوَ مَا قَالَ عَمْرو بن هِشَام {أَوْ يَقْتُلُوكَ} جَمِيعًا وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو جهل بن هِشَام {أَوْ يُخْرِجُوكَ} طرداً وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو البحتري بن هِشَام {وَيَمْكُرُونَ} يُرِيدُونَ قَتلك وهلاكك يَا مُحَمَّد {وَيَمْكُرُ الله} يُرِيد الله قَتلهمْ وهلاكهم يَوْم بدر {وَالله خَيْرُ الماكرين} أقوى المهلكين

ص: 147

{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على النَّضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالُواْ قَدْ سمعنَا} مَا قَالَ مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} مثل مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ أَسَاطِيرُ} أَحَادِيث {الْأَوَّلين} وأخبارهم

ص: 147

{وَإِذْ قَالُواْ} قَالَ ذَلِك النَّضر {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا}

ص: 147

الَّذِي يَقُول مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {هُوَ الْحق مِنْ عِندِكَ} أَن لَيْسَ لَك ولد وَلَا شريك {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا} على النَّضر {حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فَقتل يَوْم بدر صبرا

ص: 148

{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ} ليهلكهم أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَأَنتَ فِيهِمْ} مُقيم {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ} مهلكهم {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا

ص: 148

{وَمَا لَهُمْ أَلَاّ يُعَذِّبَهُمُ الله} أَن لَا يُهْلِكهُمْ الله بعد مَا خرجت من بَين أظهرهم {وهم يصدون} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} ويطوفون حوله عَام الْحُدَيْبِيَة {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُ} أَوْلِيَاء الْمَسْجِد {إِنْ أولياؤه} مَا أولياؤه {إِلَّا المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ

ص: 148

{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ} لم تكن عِبَادَتهم {عِندَ الْبَيْت إِلَاّ مُكَآءً} صفيراً كصفير المكاء {وَتَصْدِيَةً} تصفيقاً {فَذُوقُواْ الْعَذَاب} يَوْم بدر {بِمَا كُنتُمْ تكفرون} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن

ص: 148

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} وهم المطعمون يَوْم بدر أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَكَانُوا ثَلَاثَة عشر رجلا {يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ} ليصرفوا النَّاس {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {فَسَيُنفِقُونَهَا} فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} ندامة فِي الْآخِرَة {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} يقتلُون ويهزمون يَوْم بدر {وَالَّذين كفرُوا} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} يَوْم الْقِيَامَة

ص: 148

{لِيَمِيزَ الله الْخَبيث مِنَ الطّيب} الْكَافِر من الْمُؤمن وَالْمُنَافِق من المخلص والطالح من الصَّالح {وَيَجْعَلَ الْخَبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ} إِلَى بعض (فَيَرْكُمَهُ) فيجمعه {جَمِيعاً} الْخَبيث {فَيَجْعَلَهُ} فيطرحه {فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

ص: 148

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِلَّذِينَ كفرُوا} أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِن يَنتَهُواْ} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَإِن يعودوا} إِلَى قتال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} خلت سيرة الْأَوَّلين بالنصرة لأوليائه على أعدائه مثل يَوْم بدر

ص: 148

{وَقَاتِلُوهُمْ} يَعْنِي كفار أهل مَكَّة {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام فِي الْحرم {وَيَكُونَ الدِّينُ} فِي الْحرم وَالْعِبَادَة {كُلُّهُ لله} حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا دين الْإِسْلَام {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِير}

ص: 148

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان {فاعلموا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَوْلَاكُمْ} حافظكم وناصركم عَلَيْهِم {نِعْمَ الْمولى} الْوَلِيّ بِالْحِفْظِ والنصرة {وَنِعْمَ النصير} الْمَانِع

ص: 148

{وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} من الْأَمْوَال {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} يخرج خمس الْغَنِيمَة لقبل الله {وَلِلرَّسُولِ} لقبل الرَّسُول {وَلِذِي الْقُرْبَى} ولقبل قرَابَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم {واليتامى} ولقبل الْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب {وَالْمَسَاكِين} ولقبل الْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب

ص: 148

{وَابْن السَّبِيل} ولقبل الضَّيْف والمحتاج كَائِنا من كَانَ وَكَانَ يقسم الْخمس فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم على خَمْسَة أسْهم سهم للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سهم الله وَسَهْم لِلْقَرَابَةِ لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْطي قرَابَته لقبل الله وَسَهْم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل فَلَمَّا مَاتَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سقط سهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي كَانَ يعْطى لِلْقَرَابَةِ لقَوْل أبي بكر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لكل نَبِي طعمة فِي حَيَاته فَإِذا مَاتَ سَقَطت فَلم يكن بعده لأحد وَكَانَ يقسم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي فِي خلافتهم الْخمس على ثَلَاثَة أسْهم سهم لِلْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب وَسَهْم للْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل للضيف والمحتاج {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {آمَنْتُمْ بِاللَّه وَمَآ أَنزَلْنَا} وَبِمَا أنزلنَا {على عَبدنَا} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {يَوْمَ الْفرْقَان} يَوْم الدولة والنصرة لمُحَمد وَأَصْحَابه وَيُقَال يَوْمَ الْفرْقَان يَوْم فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل وَهُوَ يَوْم بدر حكم بالنصرة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ} جمع مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَجمع أبي سُفْيَان {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من النُّصْرَة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {قَدِيرٌ}

ص: 149

{إِذْ أَنتُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} الْقُرْبَى إِلَى الْمَدِينَة دون الْوَادي {وَهُم} يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {بالعدوة القصوى} البعدى من الْمَدِينَة من خلف الْوَادي {والركب} العير أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {أَسْفَلَ مِنكُمْ} على شط الْبَحْر بِثَلَاثَة أَمْيَال {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ} فِي الْمَدِينَة لِلْقِتَالِ {لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} فِي الْمَدِينَة بذلك {وَلَكِن لِّيَقْضِيَ الله} ليمضي الله {أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} كَائِنا بالنصرة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} يَقُول ليهلك على الْكفْر من أَرَادَ الله أَن يهْلك {عَن بَيِّنَةٍ} بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {وَيحيى} وَيثبت على الْإِيمَان {مَنْ حَيَّ} من أَرَادَ الله أَن يثبت {عَن بَيِّنَةٍ} بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال ليهلك ليكفر من هلك من أَرَادَ الله أَن يكفر عَن بَيِّنَة بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن من أَرَادَ الله أَن يُؤمن من بعد الْبَيَان {وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بإجابتكم ونصرتكم

ص: 149

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} يَوْم بدر {إِذِ التقيتم} لَقِيتُم {فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} حَتَّى أجرأكم عَلَيْهِم {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعينهم} حَتَّى اجترءوا عَلَيْكُم {لِيَقْضِيَ الله أَمْراً} ليمضي الله أمرا بالنصرة وَالْغنيمَة لمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {كَانَ مَفْعُولاً} كَائِنا {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

ص: 149

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} جمَاعَة من الْكفَّار يَوْم بدر {فاثبتوا} مَعَ نَبِيكُم فِي الْحَرْب {واذْكُرُوا الله كَثِيراً} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان بالتهليل وَالتَّكْبِير {لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وَتنصرُوا

ص: 149

{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الْحَرْب {وَلَا تَنَازَعُواْ} لَا تختلفوا فِي أَمر الْحَرْب {فَتَفْشَلُواْ} فتجبنوا {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} شدتكم وَالرِّيح النُّصْرَة {واصبروا} فِي الْقِتَال مَعَ نَبِيكُم {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} معِين الصابرين فِي الْحَرْب

ص: 149

{وَلَا تَكُونُواْ} فِي الْمعْصِيَة {كَالَّذِين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم} مَكَّة {بَطَراً} أشراً {وَرِئَآءَ النَّاس} سمعة النَّاس {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَالله بِمَا يَعْمَلُونَ} فِي الْخُرُوج على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْحَرب {مُحِيطٌ} عَالم

ص: 149

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} إِبْلِيس خُرُوجهمْ {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ} عَلَيْكُم {الْيَوْم مِنَ النَّاس} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} معِين لكم {فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان} الْجَمْعَانِ جمع الْمُؤمنِينَ وَجمع الْكَافرين وَرَأى إِبْلِيس جِبْرِيل مَعَ الْمَلَائِكَة {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ} رَجَعَ إِلَى خَلفه

ص: 149

{وَقَالَ} لَهُم {إِنِّي بَرِيء مِّنْكُمْ} وَمن قتالكم {إِنِّي أرى مَا لَا تَرَوْنَ} أرى جِبْرِيل وَلم تروه {إِنِّي أَخَافُ الله وَالله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب خَافَ أَن يَأْخُذهُ جِبْرِيل فيعرفه إِلَيْهِم فَلَا يطيعوه بعد ذَلِك

ص: 150

{إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ} الَّذين ارْتَدُّوا ببدر {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف وَسَائِر الْكفَّار {غر هَؤُلَاءِ} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه {دِينُهُمْ} توحيدهم {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فِي النُّصْرَة {فَإِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لمن توكل عَلَيْهِ كَمَا نصر نبيه صلى الله عليه وسلم يَوْم بدر

ص: 150

{وَلَوْ ترى} لَو رَأَيْت يَا مُحَمَّد {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذين كَفَرُواْ} يقبض أَرْوَاحهم {الْمَلَائِكَة} يَوْم بدر {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} على وُجُوههم {وَأَدْبَارَهُمْ} على ظُهُورهمْ {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد

ص: 150

{ذَلِك} الْعَذَاب {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيكُمْ} فِي الشّرك {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم

ص: 150

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِكِتَاب الله وَرَسُوله يُقَال كفار مَكَّة كفرُوا بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن كَمَا كفر فِرْعَوْن وَقَومه وَالَّذين من قبلهم بالكتب وَالرسل {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بِالْأَخْذِ {شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب

ص: 150

{ذَلِك} الْعقُوبَة {بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ} بِالْكتاب وَالرَّسُول والأمن {حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} بترك الشّرك {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بإجابتكم

ص: 150

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} بالكتب وَالرسل كَمَا كذب أهل مَكَّة {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ} وَقَومه {وَكُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {كَانُواْ ظَالِمِينَ} كَافِرين

ص: 150

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ} الْخلق والخليقة {عِندَ الله الَّذين كَفَرُواْ} بَنو قُرَيْظَة وَغَيرهم {فَهُمْ لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن

ص: 150

ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ} مَعَهم مَعَ بني قُرَيْظَة {ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} حِين {وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} عَن نقض الْعَهْد

ص: 150

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} تأسرنهم {فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِم} فنكل بهم {مَّنْ خَلْفَهُمْ} لكَي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون فيجتنبون نقض الْعَهْد

ص: 150

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} تعلمن {مِن قَوْمٍ} من بني قُرَيْظَة {خِيَانَةً} بِنَقْض الْعَهْد {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} فنابذهم على بَيَان {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الخائنين} بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره من بني قُرَيْظَة وَغَيرهم

ص: 150

{وَلَا تحسبن} لَا تَظنن يَا مُحَمَّد

ص: 150

{الَّذين كَفَرُوا} بني قُرَيْظَة وَغَيرهم {سبقوا} فاتوا من عذابنا بِمَا قَالُوا وصنعوا {إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} لَا يفوتون من عذابنا

ص: 151

{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} لبني قُرَيْظَة وَغَيرهم {مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} من سلَاح {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيل} من الْخَيل الروابط الْإِنَاث {تُرْهِبُونَ بِهِ} تخوفون بِالْخَيْلِ {عَدْوَّ الله} فِي الدّين {وَعَدُوَّكُمْ} بِالْقَتْلِ {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} من دون بني قُرَيْظَة وَسَائِر الْعَرَب وَيُقَال كفار الْجِنّ {لَا تَعْلَمُونَهُمُ} لَا تعلمُونَ عدتهمْ {الله يَعْلَمُهُمْ} يعلم عدتهمْ {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ} من مَال {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله على السِّلَاح وَالْخَيْل {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يوف لكم ثَوَابه لَا ينقص {وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} لَا تنقصون من ثوابكم

ص: 151

{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ} إِن مَال بَنو قُرَيْظَة إِلَى الصُّلْح فأرادوا الصُّلْح {فاجنح لَهَا} مل إِلَيْهَا أَو ردهَا {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فِي نقضهم ووفائهم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بنقضهم ووفائهم

ص: 151

{وَإِن يُرِيدُوا} بَنو قُرَيْظَة {أَن يَخْدَعُوكَ} بِالصُّلْحِ {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} الله حَسبك وكافيك {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ} قواك وأعانك {بِنَصْرِهِ} يَوْم بدر {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} بالأوس والخزرج

ص: 151

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} جمع بَين قُلُوبهم وكلمتهم بِالْإِسْلَامِ {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْض جَمِيعاً} من الذَّهَب وَالْفِضَّة {مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} وكلمتهم {وَلَكِن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} بَين قُلُوبهم بِالْإِيمَان {إِنَّهُ عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

ص: 151

{يَا أَيهَا النَّبِي حَرِّضِ الْمُؤمنِينَ} حض وحث الْمُؤمنِينَ {عَلَى الْقِتَال} يَوْم بدر {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} فِي الْحَرْب محتسبون {يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} يقاتلوا مِائَتَيْنِ من الْمُشْركين {وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ يغلبوا} يقاتلوا {أَلْفاً مِّنَ الَّذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيده

ص: 151

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ {أَن يَكُونَ لَهُ أسرى} أُسَارَى من الْكفَّار {حَتَّى يُثْخِنَ} يغلب {فِي الأَرْض} بِالْقِتَالِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} بِفِدَاء أُسَارَى يَوْم بدر {وَالله يُرِيدُ الْآخِرَة وَالله عَزِيزٌ}

ص: 151

بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لأوليائه

ص: 152

{لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} لَوْلَا حكم من الله بتحليل الْغَنَائِم لأمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال بالسعادة لأهل بدر {لَمَسَّكُمْ} لأصابكم {فِيمَآ أَخَذْتُمْ} من الْفِدَاء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد

ص: 152

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ} من الْغَنَائِم غَنَائِم بدر {حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الْغلُول {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بِمَا كَانَ بَيْنكُم يَوْم بدر من الْفِدَاء

ص: 152

{يَا أَيهَا النَّبِي قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى} يَعْنِي عباساً {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} تَصْدِيقًا وإخلاصاً {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {خَيْراً} أفضل {مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ} من الْفِدَاء {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن آمن بِهِ

ص: 152

{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} بِالْإِيمَان يَا مُحَمَّد {فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ} أَي من قبل هَذَا بترك الْإِيمَان وَالْمَعْصِيَة (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أظهرك عَلَيْهِم يَوْم بدر {وَالله عَلِيمٌ} بِمَا فِي قُلُوبهم من الْخِيَانَة وَغَيرهَا {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم

ص: 152

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله {وَالَّذين آووا} وطنوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ {ونصروا} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام يَوْم بدر {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عيه الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَلَمْ يُهَاجِرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {مَا لَكُمْ مِّن وَلَايَتِهِم} من ميراثهم {مِّن شَيْءٍ} وَمَا من ميراثكم لَهُم من شَيْء {حَتَّى يُهَاجِرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَإِنِ استنصروكم فِي الدّين} استعانوكم على عدوهم فِي الدّين {فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} على عدوهم {إِلَاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} فَلَا تعينوهم عَلَيْهِم وَلَكِن أصلحوا بَينهم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الصُّلْح وَغَيره {بَصِيرٌ}

ص: 152

{وَالَّذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} قسْمَة الْمَوَارِيث كَمَا بيَّن لكم لِذَوي الْقَرَابَة {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْض} بالشرك والارتداد {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} بِالْقَتْلِ وَالْمَعْصِيَة

ص: 152

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَالَّذين آووا} وطنوا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ {ونصروا} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام يَوْم بدر {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} صدقا يَقِينا {لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

ص: 152

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {مِن بَعْدُ} من بعد الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ} الْعَدو {فَأُولَئِك مِنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وأولو الْأَرْحَام} ذَوُو الْقَرَابَة فِي النّسَب الأول فَالْأول

ص: 152

{بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {فِي كِتَابِ الله} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نسخ بِهَذِهِ الْآيَة الْآيَة الأولى {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قسْمَة الْمَوَارِيث وصلاحكم وَغَيرهَا {عَلِيمٌ} يعلم نقض عهود الْمُشْركين وَالله أعلم بأسرار كِتَابه

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التوبه وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وَقد قيل إِلَّا الْآيَتَيْنِ آخرهَا فَإِنَّهُمَا مكيتان وكلماتها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها عشرَة آلَاف

ص: 153

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {بَرَآءَةٌ} هَذِه بَرَاءَة {مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْركين} ثمَّ نقضوا والبراءة هِيَ نقض الْعَهْد يَقُول من كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقد نقضه مِنْهُم فَمنهمْ من كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده دون أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وَمِنْهُم من لم يكن بَينه وَبَين رَسُول الله عهد فنقضوا كلهم إِلَّا من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وهم بَنو كنَانَة فَمن كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَدون أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده أَرْبَعَة أشهر بعد النَّقْض من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده بعد النَّقْض أَرْبَعَة أشهر من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر ترك على ذَلِك وَمن لم يكن لَهُ عهد جعل عَهده خمسين يَوْمًا من يَوْم النَّحْر إِلَى خُرُوج الْمحرم

ص: 153

فَقَالَ لَهُم {فَسِيحُواْ فِي الأَرْض} فامضوا فِي الأَرْض من يَوْم النَّحْر {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} آمِنين من الْقَتْل بالعهد {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْكفَّار {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} غير فائتين من عَذَاب الله بِالْقَتْلِ بعد أَرْبَعَة أشهر {وَأَنَّ الله مُخْزِي الْكَافرين} معذب الْكَافرين بعد أَرْبَعَة أشهر بِالْقَتْلِ

ص: 153

{وَأَذَانٌ مِّنَ الله} وَهَذَا إِعْلَام من الله {وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاس} للنَّاس {يَوْمَ الْحَج الْأَكْبَر} يَوْم النَّحْر {أَن الله بَرِيء مِّنَ الْمُشْركين} وَدينهمْ وَعَهْدهمْ الَّذِي نقضوا {وَرَسُولُهُ} أَيْضا بَرِيء من ذَلِك {فَإِن تُبْتُمْ} من الشّرك وآمنتم بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الشّرك {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فاعلموا} يَا معشر الْمُشْركين {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} غير فائتين من عَذَاب الله {وَبَشِّرِ الَّذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يَعْنِي الْقَتْل بعد أَرْبَعَة أشهر

ص: 153

{إِلَاّ الَّذين عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْركين} يَعْنِي بني كنَانَة بعد عَام الْحُدَيْبِيَة {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً} لم ينقضوا عَهدهم مِمَّن كَانَ لَهُم تِسْعَة أشهر {وَلَمْ يُظَاهِرُواْ} وَلم يعاونوا {عَلَيْكُمْ أَحَداً} من عَدوكُمْ {فَأتمُّوا إِلَيْهِمْ} لَهُم {عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} إِلَى وَقت أَجلهم تِسْعَة أشهر {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد

ص: 153

{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} فَإِذا خرج شهر الْمحرم من بعد يَوْم النَّحْر {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} من كَانَ عَهدهم خمسين يَوْمًا {حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فِي الْحل وَالْحرم وَالْأَشْهر الْحرم {وَخُذُوهُمْ} اؤسروهم {واحصروهم} احبسوهم عَن الْمبيت {واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} على كل طَرِيق يذهبون ويجيئون فِيهِ للتِّجَارَة {فَإِن تَابُواْ} من الشّرك وآمنوا بِاللَّه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أقرُّوا بالصلوات الْخمس {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أقرُّوا بأَدَاء الزَّكَاة {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} إِلَى الْبَيْت {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 153

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْركين استجارك} استأمنك {فَأَجِرْهُ} فَأَمنهُ {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الله} قراءتك لكَلَام الله {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} وَطنه حَيْثُمَا جَاءَ إِن لم يُؤمن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْلَمُونَ} أَمر الله وتوحيده {كَيْفَ} على وَجه التَّعَجُّب

ص: 153

بعد عَام الْحُدَيْبِيَة وهم بَنو كنَانَة {فَمَا استقاموا لَكُمْ} بِالْوَفَاءِ {فاستقيموا لَهُمْ} بالتمام {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد

ص: 154

{كَيْفَ} على وَجه التَّعَجُّب كَيفَ يكون بَيْنكُم وَبينهمْ عهد {وَإِن يَظْهَرُوا} يغلبوا {عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} لَا يحفظوكم {إِلاًّ} لقبل الْقَرَابَة وَيُقَال لقبل الله {وَلَا ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم {وتأبى} تنكر {قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ} كلهم {فَاسِقُونَ} ناقضون الْعَهْد

ص: 154

{اشْتَروا بآيَات الله} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون من الكتمان وَغَيره وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود

ص: 154

{لَا يَرْقُبُونَ} لَا يحفظون {فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ} قرَابَة وَيُقَال إلاًّ هُوَ الله {وَلَا ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {وَأُولَئِكَ هُمُ المعتدون} من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره

ص: 154

{فَإِن تَابُواْ} من الشّرك وآمنوا بِاللَّه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أقرُّوا بالصلوات {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أقرُّوا بِالزَّكَاةِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّين} فِي الْإِسْلَام {وَنُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ويصدقون

ص: 154

{وَإِن نكثوا} أهل مَكَّة {أَيْمَانَهُم} عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ) عابوكم فِي دين الْإِسْلَام {فَقَاتلُوا أَئِمَّةَ الْكفْر} قادة الْكفْر أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} لَا عهد لَهُم {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} لكَي ينْتَهوا عَن نقض الْعَهْد

ص: 154

{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً} مَا لكم لَا تقاتلون قوما يَعْنِي أهل مَكَّة {نكثوا أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُول} أَرَادوا قتل الرَّسُول حَيْثُ دخلُوا دَار الندوة {وهم بدؤوكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} بِنَقْض الْعَهْد مِنْهُم حَيْثُ أعانوا بني بكر حلفاءهم على بني خُزَاعَة حلفاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم {أَتَخْشَوْنَهُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ أتخشون قِتَالهمْ {فَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} فِي ترك أمره {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {مُّؤُمِنِينَ}

ص: 154

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} بسيوفكم بِالْقَتْلِ {وَيُخْزِهِمْ} يذلهم بالهزيمة {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} بالغلبة {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} يفرح قُلُوب بني خُزَاعَة عَلَيْهِم بِمَا أحل لَهُم الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة سَاعَة فِي الْحرم

ص: 154

{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} حنق قُلُوبهم {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} على من تَابَ مِنْهُم {وَالله عَلِيمٌ} بِمن تَابَ وبمن لم يتب مِنْهُم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم وَيُقَال حكم بِقَتْلِهِم وهزيمتهم

ص: 154

{أَمْ حَسِبْتُمْ} أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تُتْرَكُواْ} أَن تهملوا وَأَن لَا تؤمروا بِالْجِهَادِ {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} وَلم ير الله {الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} فِي سَبِيل الله {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤمنِينَ} المخلصين {وَلِيجَةً} بطانة من الْكفَّار {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجِهَاد وَغَيره

ص: 154

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله} الْمَسْجِد الْحَرَام {مَنْ آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَأَقَامَ الصَّلَاة} أتم الصَّلَوَات الْخمس {وَآتى الزَّكَاة} أدّى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة {وَلَمْ يَخْشَ} وَلم يعبد {إِلَاّ الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين} بدين الله وحجته وَعَسَى من الله وَاجِب

ص: 155

ثمَّ نزلت فِي رجل من الْمُشْركين أسر يَوْم بدر فافتخر على عَليّ أَو على رجل من أهل بدر فَقَالَ نَحن نسقي الْحَاج ونعمر الْمَسْجِد الْحَرَام ونفعل كَذَا فَقَالَ الله {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاج} أقلتم إِن سقِِي الْحَاج {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاللَّه} كَإِيمَانِ من آمن بِاللَّه يَعْنِي البدري {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَجَاهَدَ فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر {لَا يَسْتَوُونَ عِندَ الله} فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {وَالله لَا يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين من لم يكن أَهلا لذَلِك

ص: 155

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالهم وبخروج أنفسهم {أَعْظَمُ دَرَجَةً} فَضِيلَة {عِندَ الله} من غَيرهم {وَأُولَئِكَ هُمُ الفائزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

ص: 155

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ} بنجاة {مِّنْهُ} من الله من الْعَذَاب {وَرِضْوَانٍ} بِرِضا رَبهم عَنْهُم {وَجَنَّاتٍ} بجنات {لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} دَائِم لَا يَنْقَطِع

ص: 155

{خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} لَا يموتون وَلَا يخرجُون {إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر لمن آمن بِهِ

ص: 155

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الَّذين بِمَكَّة من الْكفَّار {أَوْلِيَآءَ} فِي الدّين {إِنِ استحبوا الْكفْر عَلَى الْإِيمَان} اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} فِي الدّين {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ مثلهم وَيُقَال يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ من الْمُؤمنِينَ الَّذين بِمَكَّة الَّذين منعوكم عَن الْهِجْرَة أَوْلِيَآءَ فِي العون والنصرة إِنِ استحبوا الْكفْر اخْتَارُوا دَار الْكفْر يَعْنِي مَكَّة عَلَى الْإِيمَان على دَار الْإِسْلَام يَعْنِي الْمَدِينَة وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فِي العون والنصرة فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ الضارون بِأَنْفسِهِم

ص: 155

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} قومكم الَّذين هم بِمَكَّة {وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} اكتسبتموها {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أَن لَا تنْفق بِالْمَدِينَةِ {وَمَسَاكِنُ} منَازِل {تَرْضَوْنَهَآ} تشتهون الْجُلُوس فِيهَا {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله} من طَاعَة الله {وَرَسُولِهِ} وَمن الْهِجْرَة إِلَى رَسُوله {وَجِهَادٍ} وَمن جِهَاد {فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} بعذابه يَعْنِي الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة ثمَّ هَاجرُوا بعد ذَلِك {وَالله لَا يهدي} يرشد إِلَى دينه

ص: 155

{الْقَوْم الْفَاسِقين} الْكَافرين من لم يكن أَهلا لدينِهِ

ص: 156

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} فِي مشَاهد كَثِيرَة عِنْد الْقِتَال {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} خَاصَّة وَهُوَ وَاد بَين مَكَّة والطائف (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) كَثْرَة جموعكم وَكَانُوا عشرَة آلَاف رجل {فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ} كثرتكم من الْهَزِيمَة {شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْض} من الْخَوْف {بِمَا رَحُبَتْ} بسعتها {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} منهزمين من الْعَدو وَكَانَ عَددهمْ أَرْبَعَة آلَاف رجل

ص: 156

{ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً} من السَّمَاء {لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة بالنصرة لكم {وَعذَّبَ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْقَتْلِ والهزيمة يَعْنِي قوم مَالك بن عَوْف الدهماني وَقوم كنَانَة ابْن عبد يَا ليل الثَّقَفِيّ {وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافرين} فِي الدُّنْيَا

ص: 156

{ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذَلِك} الْقِتَال والهزيمة {على مَن يَشَآءُ} على من تَابَ مِنْهُم {وَالله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

ص: 156

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نَجَسٌ} قذر {فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِد الْحَرَام} بِالْحَجِّ وَالطّواف {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} عَام الْبَرَاءَة يَوْم النَّحْر {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} الْفقر وَالْحَاجة {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} من رزقه من وَجه آخر {إِن شَآءَ} حَيْثُ شَاءَ ويغنيكم عَن تِجَارَة بكر بن وَائِل {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بأرزاقكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْكُم

ص: 156

{قَاتِلُواْ الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} وَلَا بنعيم الْجنَّة {وَلَا يُحَرِّمُونَ} فِي التَّوْرَاة {مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحق} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ {مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَة عَن يَدٍ} عَن قيام من يَد فِي يَد {وَهُمْ صَاغِرُونَ} ذليلون

ص: 156

{وَقَالَتِ الْيَهُود} يهود أهل الْمَدِينَة {عُزَيْرٌ ابْن الله وَقَالَتْ النَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {الْمَسِيح ابْن الله ذَلِك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم {يُضَاهِئُونَ} يشابهون {قَوْلَ الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} من قبلهم يَعْنِي أهل مَكَّة لِأَن أهل مَكَّة قَالُوا اللات والعزى وَمَنَاة بَنَات الله وَكَذَلِكَ قَالَت الْيَهُود عَزِيز ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى قَالَ بَعضهم الْمَسِيح ابْن الله وَقَالَ بَعضهم شَرِيكه وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم ثَالِث ثَلَاثَة {قَاتَلَهُمُ الله} لعنهم الله {أَنى يُؤْفَكُونَ} من أَيْن يكذبُون

ص: 156

{اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ} علماءهم يَعْنِي الْيَهُود {وَرُهْبَانَهُمْ} واتخذت النَّصَارَى أَصْحَاب الصوامع {أَرْبَاباً} أطاعوهم بالمعصية {مِّن دُونِ الله والمسيح ابْن مَرْيَمَ} وَاتَّخذُوا الْمَسِيح بن مَرْيَم إِلَهًا {وَمَآ أمروا} فِي جملَة الْكتب {إِلَاّ ليعبدوا} ليوحدوا {إِلَهًا وَاحِداً لَاّ إِلَه إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ}

ص: 156

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ} يبطلوا {نُورَ الله} دين الله

ص: 156

{بِأَفْوَاهِهِمْ} بتكذيبهم وَيُقَال بألسنتهم {ويأبى الله} لَا يتْرك الله {إِلَاّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} إِلَّا أَن يظْهر دينه الْإِسْلَام {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره {الْكَافِرُونَ} أَن يكون ذَلِك

ص: 157

{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {بِالْهدى} بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَان {وَدِينِ الْحق} دين الْإِسْلَام شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ} ليظْهر دين الْإِسْلَام على الْأَدْيَان كلهَا من قبل أَن تقوم السَّاعَة {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره (الْمُشْركُونَ) أَن يكون ذَلِك

ص: 157

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْأَحْبَار} عُلَمَاء الْيَهُود {والرهبان} أَصْحَاب الصوامع {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاس بِالْبَاطِلِ} بالرشوة وَالْحرَام {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَالَّذين يَكْنِزُونَ} يجمعُونَ {الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنفِقُونَهَا} يَعْنِي الْكُنُوز {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله وَيُقَال وَلَا يؤدون زَكَاتهَا {فَبَشِّرْهُمْ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع

ص: 157

{يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا} على الْكُنُوز وَيُقَال على النَّار {فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا} فَتضْرب بالكنوز {جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا} يُقَال لَهُم عُقُوبَة هَذَا {مَا كَنَزْتُمْ} بِمَا جمعتم من الْأَمْوَال {لأَنْفُسِكُمْ} فِي الدُّنْيَا {فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ} بِمَا كُنْتُم {تَكْنِزُونَ} تجمعون

ص: 157

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُور عِندَ الله} يَقُول السّنة بالشهور عِنْد الله يَعْنِي شهور السّنة الَّتِي تُؤَدّى فِيهَا الزَّكَاة {اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {يَوْمَ} من يَوْم {خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَآ} من الشُّهُور {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم {ذَلِك الدّين الْقيم} الْحساب الْقَائِم لَا يزِيد وَلَا ينقص {فَلَا تَظْلِمُواْ} فَلَا تضروا {فِيهِنَّ} فِي الشُّهُور {أَنْفُسَكُمْ} بالمعصية وَيُقَال فِي الْأَشْهر الْحرم {وَقَاتِلُواْ الْمُشْركين كَآفَّةً} جَمِيعًا فِي الْحل وَالْحرم {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} جَمِيعًا {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَنقض الْعَهْد والقتال فِي أشهر الْحرم

ص: 157

{إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الْكفْر} يَقُول تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر {يُضَلُّ بِهِ} يغلط بِتَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر {الَّذين كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ} يَعْنِي الْمحرم {عَاماً} فيقاتلون فِيهِ {وَيُحَرِّمُونَهُ} يَعْنِي الْمحرم {عَاماً} فَلَا يُقَاتلُون فِيهِ فَإِذا أحلُّوا الْمحرم حرمُوا صفر بدله {لِّيُوَاطِئُواْ} ليوافقوا {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} أَرْبعا بِالْعدَدِ {فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} يَعْنِي الْمحرم {زين لَهُم} حسن لَهُم {سوء أَعْمَالِهِمْ} قبح أَعْمَالهم {وَالله لَا يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الْكَافرين} من لم يكن أَهلا لذَلِك وَكَانَ الَّذِي يفعل هَذَا رجلا يُقَال لَهُ نعيم بن ثَعْلَبَة

ص: 157

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا} اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله فِي غَزْوَة تَبُوك {اثاقلتم إِلَى الأَرْض} اشتهيتم الْجُلُوس على الأَرْض {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {مِنَ الْآخِرَة فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَاّ قَلِيلٌ}

ص: 157

يسير لَا يبْقى

ص: 158

{إِلَاّ تَنفِرُواْ} إِن لم تخْرجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} خيرا مِنْكُم وأطوع {وَلَا تَضُرُّوهُ} أَي لَا يضر الله جلوسكم {شَيْئاً وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْعَذَاب وَالْبدل {قَدِيرٌ}

ص: 158

{إِلَّا تنصروه} إِن لم تنصرُوا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْخرُوجِ مَعَه إِلَى غَزْوَة تَبُوك {فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} يَعْنِي رَسُول الله وَأَبا بكر {إِذْ هما} رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر رضي الله عنه {فِي الْغَار إِذْ يَقُول} رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {لِصَاحِبِهِ} أبي بكر {لَا تَحْزَنْ} يَا أَبَا بكر {إِنَّ الله مَعَنَا} معيننا {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {عَلَيْهِ} على نبيه {وَأَيَّدَهُ} أَعَانَهُ يَوْم بدر وَيَوْم الْأَحْزَاب وَيَوْم حنين {بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَجَعَلَ كَلِمَةَ} دين {الَّذين كَفَرُواْ السُّفْلى} المغلوبة المذمومة {وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعليا} الْغَالِبَة الممدوحة {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لأوليائه

ص: 158

{انفروا} اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك {خِفَافاً وَثِقَالاً} شباناً وشيوخاً وَيُقَال نشاطاً وَغير نشاط وَيُقَال خفافاً من المَال والعيال وثقالاً بِالْمَالِ والعيال {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {ذَلِكُم} الْجِهَاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْجُلُوس {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} وتصدقون ذَلِك

ص: 158

{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} غنيمَة قريبَة {وَسَفَراً قَاصِداً} هيناً {لَاّتَّبَعُوكَ} إِلَى غَزْوَة تَبُوك بِطيبَة الْأَنْفس {وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} السّفر إِلَى الشَّام {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} لكم إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم الَّذين تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك {لَوِ استطعنا} بالزاد وَالرَّاحِلَة {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} إِلَى غَزْوَة تَبُوك {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} بِالْحلف الكاذبة {وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لأَنهم كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 158

{عَفَا الله عَنكَ} يَا مُحَمَّد {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لِلْمُنَافِقين بِالْجُلُوسِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذين صَدَقُواْ} فِي إِيمَانهم بِالْخرُوجِ مَعَك {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبين} فِي إِيمَانهم بالتخلف عَن الْخُرُوج بِلَا إِذن

ص: 158

{لَا يَسْتَأْذِنُكَ} بعد غَزْوَة تَبُوك {الَّذين يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {أَن يُجَاهِدُواْ} أَن لَا يجاهدوا {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَالله عَلِيمٌ بالمتقين} الْكفْر والشرك

ص: 158

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} بِالْجُلُوسِ عَن الْخُرُوج {الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ {وارتابت} شكت {قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ} فِي شكهم {يَتَرَدَّدُونَ} يتحيرون

ص: 158

{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوج} مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك {لأَعَدُّواْ لَهُ} لِلْخُرُوجِ

ص: 158

{عُدَّةً} قُوَّة من السِّلَاح والزاد {وَلَكِن كَرِهَ الله انبعاثهم} خُرُوجهمْ مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك {فَثَبَّطَهُمْ} فحبسهم عَن الْخُرُوج {وَقِيلَ اقعدوا} تخلفوا {مَعَ القاعدين} مَعَ المتخلفين بِغَيْر عذر وَقع ذَلِك فِي قُلُوبهم

ص: 159

{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم} مَعكُمْ {مَّا زَادُوكُمْ إِلَاّ خَبَالاً} شرا وَفَسَادًا {ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} لساروا على الْإِبِل وسطكم {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة} يطْلبُونَ فِيكُم الشَّرّ وَالْفساد والذلة وَالْعَيْب {وَفِيكُمْ} مَعكُمْ {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} جواسيس للْكفَّار {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} بالمنافقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

ص: 159

{لَقَدِ ابْتَغوا الْفِتْنَة} بغوا لَك الغوائل يَعْنِي طلبُوا لَك الشَّرّ {من قبل} غَزْوَة تَبُوك {وَقَلَّبُواْ لَكَ الْأُمُور} ظهرا لبطن وبطناً لظهر {حَتَّى جَآءَ الْحق} كثر الْمُؤْمِنُونَ {وَظَهَرَ أَمْرُ الله} دين الله الْإِسْلَام {وَهُمْ كَارِهُونَ} ذَلِك

ص: 159

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّن يَقُولُ} وَهُوَ جد بن قيس {ائْذَنْ لِّي} بِالْجُلُوسِ {وَلَا تَفْتِنِّي} فِي بَنَات الْأَصْفَر {أَلا فِي الْفِتْنَة} فِي الشّرك والنفاق {سَقَطُواْ} وَقَعُوا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ} ستحيط {بالكافرين} يَوْم الْقِيَامَة

ص: 159

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} الْفَتْح وَالْغنيمَة مثل يَوْم بدر {تَسُؤْهُمْ} ساءهم ذَلِك يَعْنِي الْمُنَافِقين {وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} الْقَتْل والهزيمة مثل يَوْم أحد {يَقُولُواْ} أَي يَقُول المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} حذرنا بالتخلف عَنْهُم {مِن قَبْلُ} من قبل الْمُصِيبَة {وَيَتَوَلَّواْ} عَن الْجِهَاد {وَّهُمْ فَرِحُونَ} معجبون بِمَا أصَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه يَوْم أحد

ص: 159

{قُل} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {لَّن يُصِيبَنَآ إِلَاّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} قضى الله لنا {هُوَ مَوْلَانَا} أولى بِنَا {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله

ص: 159

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ} تنتظرون بِنَا {إِلَاّ إِحْدَى الحسنيين} الْفَتْح وَالْغنيمَة أَو الْقَتْل وَالشَّهَادَة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ} لهلاككم {أَوْ بِأَيْدِينَا} بسيوفنا لقتلكم {فتربصوا} فانتظروا بِنَا {إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} منتظرون لهلاككم

ص: 159

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {أَنفِقُواْ} أَمْوَالكُم {طَوْعاً} من قبل أَنفسكُم {أَوْ كَرْهاً} جبرا مَخَافَة الْقَتْل {لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} ذَلِك {إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ} منافقين

ص: 159

{فَلَا تُعْجِبْكَ} يَا مُحَمَّد {أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَلَا أَوْلَادُهُمْ} كَثْرَة أَوْلَادهم {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ}

ص: 159

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَمَا هُم مِّنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَلَكنهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} يخَافُونَ من سُيُوفكُمْ

ص: 160

{لَو يَجدونَ ملْجأ} حرْزا يلجئون إِلَيْهِ {أَوْ مَغَارَاتٍ} فِي الْجَبَل {أَوْ مُدَّخَلاً} سرباً فِي الأَرْض {لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ} لذهبوا إِلَيْهِ {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} يهرولون هرولة والجموح مشي بَين مشيين

ص: 160

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين أَبُو الْأَحْوَص وَأَصْحَابه {مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدقَات} يطعن عَلَيْك فِي قسْمَة الصَّدقَات يَقُولُونَ لم يقسم بَيْننَا بِالسَّوِيَّةِ {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا} من الصَّدقَات حظاً وافراً {رَضُواْ} بِالْقِسْمَةِ {وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا} من الصَّدقَات حظاً وافراً {إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} بِالْقِسْمَةِ

ص: 160

{وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله} بِمَا أَعْطَاهُم الله من فَضله {وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} ثقتنا بِاللَّه {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ} سيغنينا الله من فَضله برزقه {وَرَسُولُهُ} بِالْعَطِيَّةِ {إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ} رغبتنا إِلَى الله لَو قَالُوا هَكَذَا لَكَانَ خيرا لَهُم

ص: 160

ثمَّ بيَّن لمن الصَّدقَات فَقَالَ {إِنَّمَا الصَّدقَات لِلْفُقَرَآءِ} لأَصْحَاب الصّفة {وَالْمَسَاكِين} للطوافين {والعاملين عَلَيْهَا} لجابي الصَّدقَات {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} بِالْعَطِيَّةِ أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه نَحْو خَمْسَة عشر رجلا {وَفِي الرّقاب} المكاتبين {والغارمين} لأَصْحَاب الدُّيُون فِي طَاعَة الله {وَفِي سَبِيلِ الله} وللمجاهدين فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل الْمَار بِالطَّرِيقِ {فَرِيضَةً} قسْمَة {مِّنَ الله} لهَؤُلَاء {وَالله عَلِيمٌ} بهؤلاء {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم لهَؤُلَاء

ص: 160

{وَمِنْهُمُ} من الْمُنَافِقين جذام بن خَالِد وَإيَاس بن قيس وَسماك بن يزِيد وَعبيد بن مَالك {الَّذين يُؤْذُونَ النَّبِي} بالطعن والشتم {وَيِقُولُونَ} بَعضهم لبَعض {هُوَ أُذُنٌ} يسمع منا ويصدقنا إِذا قُلْنَا لَهُ مَا قُلْنَا فِيك شَيْئا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} لَا الشَّرّ أَي يسع مِنْكُم ويصدقكم بِالْخَيرِ لَا بِالْكَذِبِ وَيُقَال أذن خير إِن كَانَ أذنا فَهُوَ خير لكم {يُؤْمِنُ بِاللَّه} يصدق قَول الله {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يصدق قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَالَّذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله} بالتخلف عَنهُ فِي غَزْوَة تَبُوك جلاس بن سُوَيْد وَسماك بن عَمْرو ومخشي بن حمير وأصحابهم {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

ص: 160

{أَلَمْ يعلمُوا} يَعْنِي جلاساً وَأَصْحَابه {أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله} يُخَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِك الخزي الْعَظِيم} الْعَذَاب الشَّديد

ص: 160

{يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} على نَبِيّهم {سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ} تخبرهم {بِمَا فِي قُلُوبِهِم} من النِّفَاق {قُلِ} يَا مُحَمَّد لوديعة بن جزام وجد بن قيس وجهير بن حمير {استهزؤوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {إِنَّ الله مُخْرِجٌ}

ص: 160

مظهر {مَّا تَحْذَرُونَ} مَا تكتمون من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه

ص: 161

{وَلَئِن سَأَلتهمْ} يَا مُحَمَّد عَمَّا ذَا ضحكتم {ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض} فَتحدث عَن الركب {وَنَلْعَبُ} نضحك فِيمَا بَيْننَا {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {أبالله وَآيَاتِهِ} الْقُرْآن {وَرَسُولِهِ كُنْتُم تستهزؤون}

ص: 161

{لَا تَعْتَذِرُواْ} بقولكم {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ} جهير بن حمير لِأَنَّهُ لم يستهزىء مَعَهم وَلَكِن ضحك مَعَهم {نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} وَدِيعَة بن جذام وجد بن قيس {بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين فِي السِّرّ

ص: 161

{المُنَافِقُونَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} على دين بعض فِي السِّرّ {يَأْمُرُونَ بالمنكر} بالْكفْر وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف} عَن الْإِيمَان وموافقة الرَّسُول {وَيَقْبِضُونَ} يمسكون {أَيْدِيَهُمْ} عَن النَّفَقَة فِي الْخَيْر {نَسُواْ الله} تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ {فَنَسِيَهُمْ} خذلهم فِي الدُّنْيَا وتركهم فِي الْآخِرَة فِي النَّار {إِنَّ الْمُنَافِقين هُمُ الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ فِي السِّرّ

ص: 161

{وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْكفَّار نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي النَّار {هِيَ حَسْبُهُمْ} مصيرهم {وَلَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم

ص: 161

{كَالَّذِين} كعذاب الَّذين {مِن قَبْلِكُمْ} من الْمُنَافِقين {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ} فَأَكَلُوا بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {فاستمتعتم بِخَلَاقِكُمْ} فأكلتم بنصيبكم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {كَمَا استمتع} كَمَا أكل {الَّذين مِن قَبْلِكُمْ} من الْمُنَافِقين {بِخَلَاقِهِمْ} بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {وَخُضْتُمْ} فِي الْبَاطِل {كَالَّذي خَاضُوا} وكذبتم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فِي السِّرّ كَالَّذِين خَاضُوا وكذبوا أنبياءه يَعْنِي أَنْبيَاء الله {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

ص: 161

{ألم يَأْتهمْ نبأ} خير {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} كَيفَ أهلكناهم {قَوْمِ نُوحٍ} أهلكناهم بِالْغَرَقِ {وَعَادٍ} قوم هود أهلكناهم بِالرِّيحِ {وَثَمُودَ} قوم صَالح أهلكناهم بالرجفة {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} أهلكناهم بالهدم {وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ} قوم شُعَيْب أهلكناهم بالرجفة {والمؤتفكات} المكذبات المنخسفات يَعْنِي قوم لوط أهلكناهم بالخسف وَالْحِجَارَة {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكهم الله {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بهلاكهم {وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} بالْكفْر وَتَكْذيب الْأَنْبِيَاء

ص: 161

{والمؤمنون} المصدقون من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَترك اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 161

{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله} لَا يعذبهم الله {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

ص: 162

{وَعَدَ الله الْمُؤمنِينَ} المصدقين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} منَازِل حَسَنَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان وَيُقَال جميلَة وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال عامرة {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} دَرَجَة الْعليا {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} رضَا رَبهم أعظم مِمَّا هم فِيهِ {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة

ص: 162

{يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار} بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ} اشْدُد {عَلَيْهِمْ} على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} مصيرهم جَهَنَّم {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ

ص: 162

{يَحْلِفُونَ بِاللَّه مَا قَالُواْ} حلف بِاللَّه جلاس بن سُوَيْد مَا قلت الَّذِي قَالَ على عَامر بن قيس {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكفْر} كلمة الْكفَّار لقَوْله حَيْثُ ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عيب الْمُنَافِقين وَمَا فيهم قَالَ وَالله لَئِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فِيمَا يَقُول فِي إِخْوَاننَا لنَحْنُ أشر من الْحمير فَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَامر بن قيس عَن قَوْله فَحلف بِاللَّه مَا قلت فكذبه الله وَقَالَ وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر {وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} أَرَادوا قتل الرَّسُول وَإِخْرَاج الرَّسُول وَلم يقدروا على ذَلِك {وَمَا نقموا} وَمَا طعنوا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} بِالْغَنِيمَةِ {فَإِن يَتُوبُواْ} من الْكفْر والنفاق {يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} من الْكفْر والنفاق {وَإِن يَتَوَلَّوْا} عَن التَّوْبَة {يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْض مِن وَلِيٍّ} حَافظ يحفظهم {وَلَا نَصِيرٍ} مَانع يمنعهُم مِمَّا يُرَاد بهم

ص: 162

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّنْ عَاهَدَ الله} حلف بِاللَّه يَعْنِي ثَعْلَبَة بن حَاطِب بن أبي بلتعة {لَئِنْ آتَانَا} أَعْطَانَا {مِن فَضْلِهِ} المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام {لَنَصَّدَّقَنَّ} فِي سَبِيل الله لنؤدين مِنْهُ حق الله ولنصلن بِهِ الرَّحِم {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحين} من الحامدين

ص: 162

{فَلَمَّآ آتَاهُمْ} الله أَعْطَاهُم {مِّن فَضْلِهِ} المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام {بَخِلُواْ بِهِ} بِمَا وعدوا من حق الله {وَتَوَلَّواْ} عَن ذَلِك {وَّهُمْ معرضون} مكذبون

ص: 162

ص: 162

{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ} فِيمَا بَينهم {وَنَجْوَاهُمْ} خلوتهم {وَأَنَّ الله عَلَاّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد

ص: 162

{الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} يطعنون على عبد الرَّحْمَن وَأَصْحَابه فِي الصَّدقَات يَقُولُونَ مَا جَاءَ هَؤُلَاءِ بالصدقات إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ}

ص: 162

ويطعنون على الَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا طاقتهم وَكَانَ هَذَا أَبَا عقيل عبد الرَّحْمَن بن تيجان لم يجد إِلَّا صَاعا من تمر {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} بقلة الصَّدَقَة يَقُولُونَ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا ليذكر بِهِ وَيُعْطى من الصَّدَقَة أَكثر مِمَّا جَاءَ بِهِ {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة فِي الْآخِرَة يفتح الله لَهُم بَابا إِلَى النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

ص: 163

{اسْتغْفر لَهُمْ} يَقُول إِن تستغفر لعبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا {أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} سَوَاء عَلَيْهِم {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِك} الْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ {وَالله لَا يَهْدِي} لَا يغْفر {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

ص: 163

{فَرِحَ الْمُخَلفُونَ} رَضِي المُنَافِقُونَ {بِمَقْعَدِهِمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {خِلَافَ رَسُولِ الله} خلف رَسُول الله {وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَقَالُواْ} وَقَالَ بَعضهم لبَعض {لَا تَنفِرُواْ فِي الْحر} لَا تخْرجُوا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِلَى غَزْوَة تَبُوك فِي الْحر الشَّديد {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} جمراً {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} يفهمون ويصدقون

ص: 163

{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً} فِي الدُّنْيَا {وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} فِي الْآخِرَة {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي

ص: 163

{فَإِن رَّجَعَكَ الله} من غَزْوَة تَبُوك {إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} من الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ {فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ} إِلَى غَزْوَة أُخْرَى {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} بعد غَزْوَة تَبُوك {وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود} بِالْجُلُوسِ {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي أول مرّة من غَزْوَة تَبُوك {فاقعدوا} عَن الْجِهَاد {مَعَ الخالفين} مَعَ النِّسَاء وَالصبيان

ص: 163

{وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم} من الْمُنَافِقين بعد عبد الله بن أبي {مَّاتَ أَبَداً} وَيُقَال على عبد الله بن أبي {وَلَا تَقُمْ على قَبْرِهِ} وَلَا تقف على قَبره {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ {وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} مُنَافِقُونَ

ص: 163

{وَلَا تُعْجِبْكَ} يَا مُحَمَّد {أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَأَوْلَادُهُمْ} وَلَا كَثْرَة أَوْلَادهم {إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} وَفِي الْآخِرَة {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ} تخرج أَرْوَاحهم {وَهُمْ كَافِرُونَ} مقدم ومؤخر

ص: 163

{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} من الْقُرْآن وَأمرُوا فِيهَا {أَنْ آمِنُواْ بِاللَّه} صدقُوا بإيمانكم بِاللَّه {وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ استأذنك} يَا مُحَمَّد {أُوْلُواْ الطول} ذُو الْغنى {مِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر {وَقَالُواْ ذَرْنَا} يَا مُحَمَّد {نَكُنْ مَّعَ القاعدين} بِغَيْر عذر

ص: 163

{وَطُبِعَ} ختم {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} لَا يصدقون أَمر الله

ص: 164

{لَكِن الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذين آمَنُواْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} فِي سَبِيل الله {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخيرَات} الْحَسَنَات المقبولات فِي الدُّنْيَا وَيُقَال الْجَوَارِي الحسان فِي الْآخِرَة {وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

ص: 164

{أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا

ص: 164

{وَجَآءَ} إِلَيْك يَا مُحَمَّد {المعذرون} مُخَفّفَة من كَانَ لَهُ عذر {مِنَ الْأَعْرَاب} من بني غفار وَإِن قَرَأت المعذرون مُشَدّدَة يَعْنِي من لم يكن لَهُ عذر {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} لكَي يَأْذَن لَهُم رَسُول الله بالتخلف عَن غَزْوَة تَبُوك {وَقَعَدَ الَّذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَيُقَال خالفوا الله وَرَسُوله فِي السِّرّ فِي الْجِهَاد بِغَيْر إِذن {سَيُصِيبُ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

ص: 164

{لَّيْسَ عَلَى الضعفآء} من الشُّيُوخ والزمنى {وَلَا على المرضى} من الشَّبَاب {وَلَا عَلَى الَّذين لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} فِي الْجِهَاد {حَرَجٌ} مأثم بالتخلف {إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ} فِي الدّين {وَرَسُولِهِ} فِي السّنة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل {مِن سَبِيلٍ} من حرج {وَالله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 164

{وَلَا عَلَى الَّذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} إِلَى الْجِهَاد بِالنَّفَقَةِ عبد الله ابْن مُغفل بن يسَار الْمُزنِيّ وَسَالم بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ وأصحابهما {قُلْتَ} لَهُم {لَا أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} إِلَى الْجِهَاد من النَّفَقَة {تَوَلَّوْا} خَرجُوا من عنْدك {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ} تسيل {مِنَ الدمع حَزَناً أَلَاّ يَجِدُواْ} بِأَن لم يَجدوا {مَا يُنْفِقُونَ} فِي الْجِهَاد

ص: 164

{إِنَّمَا السَّبِيل} الْحَرج {عَلَى الَّذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} بالتخلف {وَهُمْ أَغْنِيَآءُ} بِالْمَالِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف} مَعَ النِّسَاء وَالصبيان {وَطَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَمر الله وَلَا يصدقون

ص: 164

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ} من غَزْوَة تَبُوك {إِلَيْهِمْ} إِلَى الْمَدِينَة بِأَنا لم نقدر أَن نخرج مَعَك {قُل} يَا مُحَمَّد لَهُم {لَاّ تَعْتَذِرُواْ} بالتخلف {لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} لن نصدقكم بِمَا تَقولُونَ من الْعِلَل {قَدْ نَبَّأَنَا الله} أخبرنَا الله {مِنْ أَخْبَارِكُمْ} من أسراركم ونفاقكم {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} بعد ذَلِك إِن تبتم {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فِي الْآخِرَة {إِلَى عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا لم يُعلمهُ الْعباد وَيُقَال مَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ {فينبئكم} بخبركم {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 164

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَكُمْ إِذَا انقلبتم} إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك {إِلَيْهِم} بِالْمَدِينَةِ {لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} لتصفحوا عَنْهُم وَلَا تعاقبوهم

ص: 164

{فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ} وَلَا تعاقبوهم {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} نجس قذر {وَمَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الشَّرّ

ص: 165

{الْأَعْرَاب} أَسد وغَطَفَان {أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} هم أَشد على الْكفْر والنفاق من غَيرهم {وَأَجْدَرُ} أَحْرَى أَيْضا {أَلَاّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله} فَرَائض مَا أنزل الله {على رَسُولِهِ} فِي الْكتاب {وَالله عَلِيمٌ} بالمنافقين {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم بالعقوبة وَيُقَال عليم بِجَهْل من ترك التَّعَلُّم حَكِيم حكم أَن من لَا يتَعَلَّم الْعلم يكون جَاهِلا

ص: 165

{وَمِنَ الْأَعْرَاب} يَعْنِي أَسد وغَطَفَان {مَن يَتَّخِذُ} يحْتَسب {مَا يُنفِقُ} فِي الْجِهَاد {مَغْرَماً} غرماً {وَيَتَرَبَّصُ} ينْتَظر {بِكُمُ الدَّوَائِر} الْمَوْت والهلاك {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} منقلبة السوء وعاقبة السوء {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتهم {عَلِيمٌ} بعقوبتهم

ص: 165

{وَمِنَ الْأَعْرَاب} مزينة وجهينة وَأسلم {مَن يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ} فِي الْجِهَاد {قُرُبَاتٍ عِندَ الله} قربَة إِلَى الله فِي الدَّرَجَات {وَصَلَوَاتِ الرَّسُول} دُعَاء الرَّسُول {أَلا إِنَّهَا} يَعْنِي النَّفَقَة {قُرْبَةٌ لَّهُمْ} إِلَى الله فِي الدَّرَجَات {سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ} فِي جنته {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

ص: 165

{وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ مِنَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} بِالْإِيمَان الَّذين صلوا إِلَى قبلتين وشهدوا بَدْرًا {وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بأَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمعاصِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {رضي الله عنهم} بإحسانهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي تحتهَا} من تَحت أشجارها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَالْخمر وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً ذَلِك} الرضْوَان والجنان {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة

ص: 165

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب} أَسد وغَطَفَان {مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {مَرَدُواْ} ثبتوا وجمعوا {عَلَى النِّفَاق لَا تَعْلَمُهُمْ} لَا تعلم نفاقهم {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} نعلم نفاقهم {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} مرّة عِنْد قبض أَرْوَاحهم وَمرَّة فِي الْقُبُور {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} عَذَاب جَهَنَّم

ص: 165

{وَآخَرُونَ} وَمن أهل الْمَدِينَة قوم آخَرُونَ وَدِيعَة بن جذام الْأنْصَارِيّ وَأَبُو لبَابَة ابْن عبد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو ثَعْلَبَة {اعْتَرَفُوا} أقرُّوا {بِذُنُوبِهِمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالحا} خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مرّة {وَآخَرَ سَيِّئاً} تخلفوا مرّة {عَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أَن يتَجَاوَز عَنْهُم {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 165

ثمَّ بَين للنَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا يَأْخُذهُ من أَمْوَالهم لقَولهم خُذ منا أَمْوَالنَا لأَنا تخلفنا عَن غَزْوَة تَبُوك لقبل الْأَمْوَال فَلم يَأْخُذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَين الله لَهُ فَقَالَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أَمْوَال المتخلفين {صَدَقَةً} ثلثا

ص: 165

{تُطَهِّرُهُمْ} من الذُّنُوب {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} تصلحهم بهَا {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} اسْتغْفر لَهُم وادع لَهُم {إِنَّ صَلَاتَكَ} استغفارك ودعاءك {سَكَنٌ لَّهُمْ} طمأنينة لقُلُوبِهِمْ بِأَن تقبل تَوْبَتهمْ {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتهم خُذ منا أَمْوَالنَا {عَلِيمٌ} بتوبتهم ونيتهم

ص: 166

{أَلَمْ يعلمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَة عَنْ عِبَادِهِ} من عباده {وَيَأْخُذُ الصَّدقَات} وَيقبل الصَّدقَات {وَأَنَّ الله هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

ص: 166

{وَقُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {اعْمَلُوا} خيرا بعد التَّوْبَة {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} وَيرى الله وَرَسُوله {والمؤمنون} وَيرى الْمُؤْمِنُونَ {وَسَتُرَدُّونَ} بعد الْمَوْت {إِلَى عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال مَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ {فينبئكم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 166

{وَآخَرُونَ} وَقوم آخَرُونَ من أهل الْمَدِينَة كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة {مرجون لأمر الله} موقوفون محبوسون أنفسهم لأمر الله {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} يتَجَاوَز عَنْهُم بتخلفهم {وَالله عَلِيمٌ} بتوبتهم وتخلفهم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم

ص: 166

{وَالَّذين اتَّخذُوا} بنوا {مَسْجِداً} عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سَبْعَة عشر رجلا {ضِرَاراً} مضرَّة للْمُؤْمِنين {وَكُفْراً} فِي قُلُوبهم ثباتاً على كفرهم يَعْنِي النِّفَاق {وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ} لكَي يصل طَائِفَة فِي مَسْجِدهمْ وَطَائِفَة فِي مَسْجِد الرَّسُول {وَإِرْصَاداً} انتظاراً {لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ} لمن كفر بِاللَّه وَرَسُوله {مِن قَبْلُ} من قبلهم أَبُو عَامر الراهب الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاسِقًا {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا} مَا أردنَا بِبِنَاء الْمَسْجِد {إِلَاّ الْحسنى} إِلَّا الْإِحْسَان إِلَى الْمُؤمنِينَ لكَي يُصَلِّي فِيهِ من فَاتَتْهُ صلَاته فِي مَسْجِد قبَاء {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي حلفهم

ص: 166

{لَا تَقُمْ فِيهِ} لَا تصل فِي مَسْجِد الشقاق {أَبَداً لَّمَسْجِدٌ} وَهُوَ مَسْجِد قبَاء {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} بني على طَاعَة الله وَذكره {من أول يَوْم} دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة وَيُقَال أول مَسْجِد بني بِالْمَدِينَةِ {أَحَقُّ} أصوب {أَن تَقُومَ} تصلي {فِيهِ} فِي مَسْجِد قبَاء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} أَن يغسلوا أدبارهم بِالْمَاءِ {وَالله يُحِبُّ المطهرين} بِالْمَاءِ من الأدناس

ص: 166

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} بني أساسه {على تقوى مِنَ اللَّهِ} على طَاعَة الله وَذكره {وَرِضْوَانٍ} بنوا إِرَادَة رضوَان رَبهم وَهُوَ مَسْجِد قبَاء {خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} بني أساسه وَهُوَ مَسْجِد الشقاق {على شَفَا جُرُفٍ} على طرف هوي وَلَيْسَ لَهُ أصل {هَارٍ} غَار {فانهار بِهِ} فغاربه يَعْنِي بانيه {فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يغْفر لِلْمُنَافِقين وَلَا ينجيهم

ص: 166

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ} بَعْدَمَا هدمت {الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً} حسرة وندامة {فِي قُلُوبِهِمْ إِلَاّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} إِلَّا أَن يموتوا {وَالله عَلِيمٌ} ببنيانهم مَسْجِد الضرار وبنياتهم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم من هدم مَسْجِدهمْ وَحَرقه بعث إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد رُجُوعه من غَزْوَة تَبُوك عَامر بن قيس ووحشيا مولى مطعم ابْن عدي حَتَّى أحرقاه وَهَدَمَاهُ

ص: 166

فِي طَاعَة الله {فَيَقْتُلُونَ} الْعَدو {وَيُقْتَلُونَ} ويقتلهم الْعَدو {وَعْداً عَلَيْهِ} على الله {حَقّاً} وَاجِبا أَن يوفيهم {فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله} وَمن أوفر بوفاء عَهده من الله {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} الله يَعْنِي الْجنَّة {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النَّجَاء الوافر

ص: 167

ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ {التائبون} أَي هم التائبون من الذُّنُوب {العابدون} المطيعون {الحامدون} الشاكرون {السائحون} الصائمون {الراكعون الساجدون} فِي الصَّلَوَات الْخمس {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان {والناهون عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر وَمَا لَا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة {والحافظون لحدود الله} الْفَرَائِض الله {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} بِالْجنَّةِ

ص: 167

{مَا كَانَ للنَّبِي} مَا جَازَ لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {أَن يَسْتَغْفِرُواْ} أَن يدعوا {لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى} فِي الرَّحِم {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أهل النَّار أَي مَاتُوا على الْكفْر

ص: 167

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيمَ} أَي دُعَاء إِبْرَاهِيم {لأَبِيهِ إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ} أَن يسلم {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} أَي حِين مَاتَ على الْكفْر {تَبَرَّأَ مِنْهُ} وَمن دينه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} دعّاء وَيُقَال رَحِيم وَيُقَال سيد وَيُقَال كَانَ يتأوه على نَفسه فَيَقُول أوه من النَّار قبل دُخُول النَّار {حَلِيمٌ} عَن الْجَهْل

ص: 167

{وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً} ليترك قوما بِمَنْزِلَة الضلال وَيُقَال ليبطل عمل قوم {بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} للْإيمَان {حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} الْمَنْسُوخ بالناسخ {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْمَنْسُوخ والناسخ {عَلِيمٌ}

ص: 167

{إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وخزائن الأَرْض مثل الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَمَا لكم من دون الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلَا نَصِيرٍ} مَانع

ص: 167

{لَقَدْ تَابَ الله على النَّبِي} تجَاوز الله عَن النَّبِي {والمهاجرين وَالْأَنْصَار} الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وشهدوا بَدْرًا ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين اتَّبعُوهُ} اتبعُوا النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك {فِي سَاعَةِ الْعسرَة} فِي حِين الْعسرَة والشدة وَكَانَت لَهُم عسرة من الزَّاد وعسرة من الظّهْر وعسرة من الْحر وعسرة من الْعَدو وعسرة من بعد الطَّرِيق {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ} يمِيل {قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ المخلصين عَن الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} تجَاوز عَنْهُم وَثَبت قُلُوبهم حَتَّى خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم {إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم}

ص: 167

قُلُوبهم بِتَأْخِير التَّوْبَة {وظنوا} علمُوا وأيقنوا {أَن لَاّ مَلْجَأَ مِنَ الله} أَن لَا نجاة لَهُم من الله {إِلَاّ إِلَيْهِ} إِلَّا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ من تخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} تجَاوز عَنْهُم وَعَفا عَنْهُم {ليتوبوا} لكَي يتوبوا من تخلفهم {إِنَّ الله هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

ص: 168

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَغَيرهم من الْمُؤمنِينَ {اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقين} مَعَ أبي بكر وَعمر وأصحابهما فِي الْجُلُوس وَالْخُرُوج بِالْجِهَادِ

ص: 168

{مَا كَانَ} مَا جَازَ {لأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب} من مزينة وجهينة وَأسلم {أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله} فِي الْغَزْوَة {وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} لَا يَكُونُوا على أنفسهم أشق من نفس النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيُقَال وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم بِصُحْبَة أنفسهم عَن صُحْبَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْجِهَاد {ذَلِك} الْخُرُوج {بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} عَطش فِي الذّهاب والمجيء {وَلَا نَصَبٌ} وَلَا تَعب {وَلَا مَخْمَصَةٌ} وَلَا مجاعَة {فِي سَبِيل الله} فِي الْجِهَاد {وَلَا يطؤون مَوْطِئاً} لَا يجوزون مَكَانا يظهرون عَلَيْهِم {يَغِيظُ الْكفَّار} بذلك {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} قتلا وهزيمة {إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} ثَوَاب عمل صَالح فِي الْجِهَاد {إِنَّ الله لَا يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد

ص: 168

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} مَا جَازَ للْمُؤْمِنين {لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} يخرجُوا جَمِيعًا فِي السّريَّة ويتركوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَة وَحده {فَلَوْلَا نَفَرَ} فَهَلا خرج {مِن كُلِّ فِرْقَةٍ} جمَاعَة {مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} وَبَقِي طَائِفَة بِالْمَدِينَةِ {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدّين} لكَي يتعلموا أَمر الدّين من النَّبِي صلى الله عليه وسلم {ولينذروا} ليخبروا وليعلموا {قَوْمَهُمْ إِذَا رجعُوا إِلَيْهِمْ} من غزوتهم {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} لكَي يعلمُوا مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني آسد أَصَابَتْهُم سنة فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فأغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات فنهاهم الله عَن ذَلِك

ص: 168

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {قَاتِلُواْ الَّذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكفَّار} من بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ} مِنْكُم {غِلْظَةً} شدَّة {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} معِين الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه بالنصرة على أعدائهم

ص: 168

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} آيَة فَيقْرَأ عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّن يَقُولُ} أَي يَقُول بَعضهم لبَعض {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِه} السُّورَة وَالْآيَة {إِيمَاناً} خوفًا ورجاء ويقيناً بِمَا قَالَ مُحَمَّد {فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه {فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} خوفًا ورجاء ويقيناً {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بِمَا أنزل الله من الْقُرْآن

ص: 168

شكا إِلَى شكهم بِمَا أنزل من الْقُرْآن {وماتوا وهم كافرون} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن فِي السِّرّ

ص: 169

{أَو لَا يَرَوْنَ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} يبتلون بِإِظْهَار مَكْرهمْ وخيانتهم وَيُقَال بِنَقْض عَهدهم {فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ} من صنيعهم وَنقض عَهدهم {وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون

ص: 169

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} نزل جِبْرِيل بِسُورَة فِيهَا عيب الْمُنَافِقين وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عليه وسلم {نَّظَرَ} المُنَافِقُونَ {بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} من المخلصين {ثُمَّ انصرفوا} عَن الصَّلَاة وَالْخطْبَة وَالْحق وَالْهدى {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال مالوا عَن الْحق وَالْهدى فأمال الله قُلُوبهم عَن ذَلِك الِانْصِرَاف {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وَلَا يصدقونه

ص: 169

{لَقَدْ جَآءَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} عَرَبِيّ هاشمي مثلكُمْ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} شَدِيد عَلَيْهِ {مَا عنتم} مَا أتممتم {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} على إيمَانكُمْ {بِالْمُؤْمِنِينَ} بِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ {رؤوف رَحِيم}

ص: 169

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة وَمَا قلت لَهُم {فَقُلْ حَسْبِيَ الله} ثقتي بِاللَّه {لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ} لَا حَافظ وَلَا نَاصِر إِلَّا هُوَ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت ووثقت {وَهُوَ رب الْعَرْش} السرير {الْعَظِيم} الْكَبِير

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُونُس وَهِي كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا آيَة وَاحِدَة عِنْد رَأس لأربعين فَإِنَّهَا نزلت فِي الْيَهُود فَهِيَ مَدَنِيَّة وَهِي قَول الله عز وجل {وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن بِهِ} الْآيَة وآياتها مائَة وتسع آيَات وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَاثْنَانِ وحروفها سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

tit/2 /tit

ص: 169

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام

ص: 169

{أَكَانَ لِلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ} بِأَن أَوْحَينَا {إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} آدَمِيّ مثلهم {أَنْ أَنذِرِ النَّاس} أَن خوف أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {وَبَشِّرِ الَّذين آمنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} ثَوَاب خير وَيُقَال إِيمَانهم فِي الدُّنْيَا قدمهم فِي الْآخِرَة عِنْد رَبهم وَيُقَال إِن لَهُم نَبِي صدق وَيُقَال شَفِيع صدق {عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة {إِنَّ هَذَا} الْقُرْآن {لَسَاحِرٌ} كذب {مُّبِينٌ}

ص: 169

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا أول يَوْم يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم يَوْم الْجُمُعَة طول كل يَوْم ألف سنة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ الْعَرْش {يُدَبِّرُ الْأَمر} أَمر الْعباد وَيُقَال ينظر فِي أَمر الْعباد وَيُقَال يبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {مَا مِن شَفِيعٍ} مَا من ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل يشفع لأحد {إِلَاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} إِلَّا بِإِذن الله {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم

ص: 169

{فاعبدوه} فوحدوه {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون

ص: 170

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {جَمِيعاً وَعْدَ الله حَقّاً} صدقا كَائِنا {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الْمَوْت {لِيَجْزِيَ الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ الْجنَّة {وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ} من مَاء حَار قد انْتهى حره {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم (بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن

ص: 170

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَآءً} للْعَالمين بِالنَّهَارِ {وَالْقَمَر نُوراً} لَهُم بِاللَّيْلِ {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} جعل لَهُ منَازِل {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} حِسَاب الشُّهُور وَالْأَيَّام {مَا خَلَقَ الله ذَلِك إِلَاّ بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {يُفَصِّلُ الْآيَات} يبين الْآيَات من الْقُرْآن لعلامات الوحدانية {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يصدقون

ص: 170

{إِنَّ فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} فِي تقلب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما {وَمَا خَلَقَ الله فِي السَّمَاوَات} وَفِيمَا خلق الله من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانية الرب {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} يطيعون

ص: 170

{إِنَّ الَّذين لَا يَرْجُونَ} لَا يخَافُونَ {لِقَآءَنَا} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال لَا يقرونَ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} اخْتَارُوا مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة {واطمأنوا بِهَا} رَضوا بهَا {وَالَّذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا} عَن مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {غَافِلُونَ} جاحدون تاركون لَهَا

ص: 170

{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ} مصيرهم {النَّار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي الشّرك

ص: 170

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {يَهْدِيهِمْ} يدخلهم {رَبُّهُمْ} الْجنَّة {بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} من تَحت شجرهم ومساكنهم {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {فِي جَنَّاتِ النَّعيم}

ص: 170

{دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم {فِيهَا} فِي الْجنَّة إِن اشتهوا شَيْئا {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} فتأتي لَهُم الخدام بِمَا يشتهون {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم بعد الْأكل وَالشرب {أَنِ الْحَمد للَّهِ رَبِّ الْعَالمين}

ص: 170

{وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرّ} دعاءهم بِالشَّرِّ {استعجالهم بِالْخَيرِ} كاستعجال دُعَائِهِمْ بِالْخَيرِ {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} لهلكوا {فَنَذَرُ الَّذين لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت {فِي طُغْيَانِهِمْ} فِي كفرهم وضلالتهم {يعمهون} يمضون عمهة لَا يبصرون

ص: 170

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضّر} إِذا أصَاب الْكَافِر الشدَّة أَو الْمَرَض وَهُوَ هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي {دَعَانَا لِجَنبِهِ} مُضْطَجعا {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ}

ص: 170

رفعنَا مَا كَانَ بِهِ من الشدَّة وَالْبَلَاء {مَرَّ} اسْتمرّ على ترك الدُّعَاء {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ} إِلَى شدَّة {مَّسَّهُ} أَصَابَهُ {كَذَلِك} هَكَذَا {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} للْمُشْرِكين {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الشّرك من الدُّعَاء فِي الشدَّة وَترك الدُّعَاء فِي الرخَاء

ص: 171

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} حِين كفرُوا {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} يَقُول لم يُؤمنُوا بِمَا كذبُوا بِهِ يَوْم الْمِيثَاق {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ

ص: 171

{ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {خَلَائِفَ} استخلفناكم {فِي الأَرْض مِن بَعْدِهِم} من بعد هلاكهم {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} مَاذَا تَعْمَلُونَ من الْخَيْر

ص: 171

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} تقْرَأ على الْمُسْتَهْزِئِينَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت وهم مستهزئون {ائْتِ} يَا مُحَمَّد {بقرآن غير هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} غَيره فَاجْعَلْ آيَة الرَّحْمَة آيَة الْعَذَاب وَآيَة الْعَذَاب آيَة الرَّحْمَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا يَكُونُ لي} مَا يجوز لي {أَنْ أُبَدِّلَهُ} أَن أغيره {مِن تِلْقَآءِ نَفسِي} من قبل نَفسِي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحى إِلَيَّ} مَا أَقُول وَمَا أعمل إِلَّا بِمَا يُوحى إِلَيّ فِي الْقُرْآن {إِنِّي أَخَافُ} أعلم {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} فبدلته أَن يكون على {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد

ص: 171

{قُل} يَا مُحَمَّد {لَّوْ شَآءَ الله} أَن لَا أكون رَسُولا {مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} مَا قَرَأت الْقُرْآن عَلَيْكُم {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} يَقُول وَلَا أعلمكُم بِهِ بِالْقُرْآنِ {فَقَدْ لَبِثْتُ} مكثت {فِيكُمْ عُمُراً} أَرْبَعِينَ سنة {مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن وَلم أقل من هَذَا شَيْئا {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَيْسَ من تِلْقَاء نَفسِي

ص: 171

{فَمن أظلم} أَعْتَى وَأَجرا على الله {مِمَّن افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بآياته} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {المجرمون} الْمُشْركُونَ من عَذَاب الله

ص: 171

{وَيَعْبُدُونَ} كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لَا يَضُرُّهُمْ} إِن لم يعبدوا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلَا يَنفَعُهُمْ} إِن عبدُوا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ} يعنون الْأَوْثَان {شُفَعَاؤُنَا} يشفعون لنا {عِندَ الله قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَتُنَبِّئُونَ الله} أتخبرون الله {بِمَا لَا يَعْلَمُ} أَن لَيْسَ {فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} إِلَه ينفع أَو يضر غَيره {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

ص: 171

{وَمَا كَانَ النَّاس} فِي زمَان إِبْرَاهِيم وَيُقَال فِي زمن نوح {إِلَاّ أُمَّةً وَاحِدَةً} على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْكفْر فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين {فَاخْتَلَفُوا} فصاروا مُؤمنين وكافرين {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} وَجَبت من رَبك {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لهلكوا {فِيمَا فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

ص: 171

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {آيَة} عَلامَة

ص: 171

{مِّن رَّبِّهِ} على مَا يَقُول {فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْغَيْب} بنزول الْآيَة {لِلَّهِ فانتظروا} هلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} لهلاككم

ص: 172

{وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاس} أعطينا الْكفَّار {رَحْمَةً} نعْمَة {مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ} شدَّة {مَسَّتْهُمْ} أَصَابَتْهُم {إِذَا لَهُم مكر} تَكْذِيب {فِي آيَاتنَا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً} أَشد عُقُوبَة أهلكهم الله يَوْم بدر {إِنَّ رُسُلَنَا} الْحفظَة {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} مَا تَقولُونَ من الْكَذِب وتعملون من الْمعاصِي

ص: 172

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} يحفظكم إِذا سافرتم {فِي الْبر} على الدَّوَابّ {وَالْبَحْر} وَفِي الْبَحْر فِي السفن {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفلك} ركبتم فِي السفن {وَجَرَيْنَ بِهِم} جرت السفن بِأَهْلِهَا {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} لينَة سَاكِنة {وَفَرِحُواْ بِهَا} أعجب الملاحون بِالرِّيحِ الساكنة {جَآءَتْهَا} أَي السفن {رِيحٌ عَاصِفٌ} قاصف شَدِيد {وَجَآءَهُمُ الموج} ركبهمْ الموج {مِن كُلِّ مَكَانٍ} نَاحيَة {وظنوا} علمُوا وأيقنوا {أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أهلكوا {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ بِالدُّعَاءِ {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِه} الرّيح والشدة {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} من الْمُؤمنِينَ المطيعين

ص: 172

{فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ} من الرّيح وَالْغَرق {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} يتطاولون {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق {يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} ظلمكم وتطاولكم فِيمَا بَيْنكُم {على أَنفُسِكُمْ} جِنَايَته {مَّتَاعَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَنَافِع الدُّنْيَا تفنى وَلَا تبقى {ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَنُنَبِّئُكُمْ} نخبركم {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 172

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} فِي بَقَائِهَا وفنائها {كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السمآء} يَعْنِي الْمَطَر {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأَرْض} اخْتَلَط بنبات الأَرْض {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاس} الْحُبُوب وَالثِّمَار {والأنعام} العكوش من النَّبَات والحشيش {حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْض زُخْرُفَهَا} زينتها {وازينت} بالأحمر والأصفر والأخضر {وَظَنَّ أَهْلُهَآ} الحراثون {أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ} على غلاتها {أَتَاهَآ أَمْرُنَا} عذابنا {لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} كَأَنَّمَا داست الْغنم فِي خفافها فأفسد زروع الزارعين {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً} كحصيد الصَّيف {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالْأَمْس} لم تكن بالْأَمْس {كَذَلِك} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن فِي فنَاء الدُّنْيَا {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِي أَمر الدُّنْيَا والاخرة

ص: 172

{وَالله يَدْعُو} الْخلق بِالتَّوْحِيدِ {إِلَى دَارِ السَّلَام} وَالسَّلَام هُوَ الله وَالْجنَّة دَاره {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 172

{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحسنى} وحدوا الْحسنى الْجنَّة {وَزِيَادَةٌ} يَعْنِي النّظر إِلَى وَجه الله وَيُقَال الزِّيَادَة فِي الثَّوَاب

ص: 172

{وَلَا يَرْهَقُ} لَا يَعْلُو {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} سَواد وَلَا كسوف {وَلَا ذِلَّةٌ} وَلَا كآبة {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

ص: 173

{وَالَّذين كَسَبُواْ السَّيِّئَات} الشّرك بِاللَّه {جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} يَقُول جَزَاء قصاص الشّرك بِاللَّه النَّار {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تعلوهم كآبة وكسوف {مَّا لَهُمْ مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} من مَانع {كَأَنَّمَا} من الْحزن {أُغْشِيَتْ} ألبست {وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْل} من السوَاد {مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} دائمون

ص: 173

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} الْكفَّار وآلهتهم {جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ للَّذين أشركوا} بِاللَّه الْأَوْثَان {مَكَانكُمْ} قفوا {أَنْتُم وشركاؤكم} آلهكم {فَزَيَّلْنَا} فرقنا {بَيْنَهُمْ} وَبَين آلِهَتهم فَقَالَ الْكَافِرُونَ أمرنَا هَؤُلَاءِ أَن نعبدهم من دُونك {وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ} آلِهَتهم ردا عَلَيْهِم {مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} بأمرنا فَقَالُوا بلَى أمرتمونا بعبادتكم

ص: 173

فَقَالَت الْآلهَة {فَكفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا} قد كُنَّا {عَنْ عِبَادَتِكُمْ} إيّانا {لَغَافِلِينَ} لجاهلين لم نعلم من ذَلِك شَيْئا

ص: 173

{هُنَالك} عِنْد ذَلِك {تبلو} تعلم وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ تَقول تقْرَأ {كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} مَا عملت من خير أَو شَرّ {وردوا إِلَى الله مَوْلَاهُمُ الْحق} إلههم الْحق {وَضَلَّ عَنْهُمْ} بَطل عَنْهُم واشتغل عَنْهُم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

ص: 173

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار أهل مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات وَالثِّمَار {أم من يَمْلِكُ السّمع والأبصار} يَقُول من يقدر أَن يخلق السّمع والأبصار {وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} من يقدر أَن يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت يَعْنِي النَّسمَة وَالدَّوَاب من النُّطْفَة وَيُقَال الطير من الْبَيْضَة وَيُقَال السنبلة من الْحبّ {وَيُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيّ} النُّطْفَة من النَّسمَة وَالدَّوَاب وَيُقَال الْبَيْضَة من الطير وَيُقَال الْحبَّة من السنبلة {وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمر} من يقدر أَن يدبر أَمر الْعباد وَينظر فِي أَمر الْعباد وَيبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {فَسَيَقُولُونَ الله فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {أَفَلَا تَتَّقُونَ} تطيعون الله

ص: 173

{فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ} فَالَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم {الْحق} هُوَ الْحق وعبادته الْحق {فَمَاذَا بَعْدَ الْحق إِلَاّ الضلال} فَمَاذَا عبادتكم بعد عبَادَة الله إِلَّا عبَادَة الشَّيْطَان {فَأنى تُصْرَفُونَ} من أَيْن تكذبون على الله

ص: 173

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {عَلَى الَّذين فسقوا} كفرُوا {أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

ص: 173

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم {مَّن يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة وَيجْعَل فِيهِ الرّوح {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الْمَوْت يَوْم الْقِيَامَة فَإِن أجابوك وَإِلَّا ف {قُلِ الله يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ثمَّ يحييه يَوْم الْقِيَامَة {فَأنى تُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن تكذبون وَيُقَال انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ

ص: 173

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم {مَّن يهدي إِلَى الْحق} وَالْهدى فَإِن أجابوك وَإِلَّا

ص: 173

{قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ} وَالْهدى {أَفَمَن يهدي إِلَى الْحق} وَالْهدى {أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} أَن يعبد ويطاع {أم من لَاّ يهدي} إِلَى الْحق وَالْهدى {إِلَاّ أَن يهدى} يحمل فَيذْهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئس مَا تقضون بِهِ لأنفسكم

ص: 174

{وَمَا يَتَّبِعُ} يعبد {أَكْثَرُهُمْ} آلِهَة {إِلَاّ ظَنّاً} إِلَّا بِالظَّنِّ {إِنَّ الظَّن} عِبَادَتهم بِالظَّنِّ {لَا يُغْنِي مِنَ الْحق} من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} فِي الشّرك من عبَادَة الْأَوْثَان وَغير ذَلِك

ص: 174

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أَن يفترى} أَن يختلق {مِن دُونِ الله وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته {وَتَفْصِيلَ الْكتاب} تبيان الْقُرْآن بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {لَا رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {مِن رَّبِّ الْعَالمين} من سيد الْعَالمين

ص: 174

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} مثل سُورَة الْقُرْآن {وَادعوا مَنِ اسْتَطَعْتُم} اسْتَعِينُوا على ذَلِك من عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام يختلقه من تِلْقَاء نَفسه

ص: 174

{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} بِمَا لم يدْرك علمهمْ {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ} لم يَأْتهمْ {تَأْوِيلُهُ} عَاقِبَة مَا وعدهم فِي الْقُرْآن {كَذَلِكَ} كَمَا كَذبك قَوْمك بالكتب وَالرسل {كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} بالكتب وَالرسل {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمين} كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين المكذبين بالكتب وَالرسل من عبَادَة الله شَيْئا وَيُقَال وَهَذَا تَعْزِيَة من الله عز وجل لنَبيه صلى الله عليه وسلم كي يصبر على أذاهم

ص: 174

{وَمِنهُمْ} من الْيَهُود {مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن قبل مَوته {وَمِنْهُمْ} من الْيَهُود {مَّن لَا يُؤمن بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَيَمُوت على الْكفْر {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} باليهود بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُشْركين

ص: 174

{وَإِن كَذَّبُوكَ} يَا مُحَمَّد قَوْمك بِمَا تَقول لَهُم {فَقُل لِّي عَمَلِي} وديني {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} ودينكم {أَنْتُم بريئون مِمَّا أعمل} وأدين {وَأَنا بَرِيء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وتدينون

ص: 174

{وَمِنْهُمْ} من الْيَهُود {مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إِلَى كلامك وحديثك وَيُقَال من مُشْركي الْعَرَب من يستمع إِلَى كلامك وحديثك {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ} يَا مُحَمَّد {الصم} من كَأَنَّهُ أَصمّ {وَلَوْ كَانُواْ لَا يَعْقِلُونَ} وَمَعَ ذَلِك لَا يُرِيدُونَ أَن يعقلوا

ص: 174

{وَمِنهُمْ} من الْيَهُود وَيُقَال من الْمُشْركين {مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي} ترشد إِلَى الْهدى {الْعمي} من كَأَنَّهُ أعمى {وَلَوْ كَانُواْ لَا يُبْصِرُونَ} وَمَعَ ذَلِك لَا يُرِيدُونَ أَن يبصروا الْحق وَالْهدى

ص: 174

{إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ النَّاس شَيْئاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يزِيد على سيئاتهم {وَلَكِن النَّاس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك والمعاصي

ص: 174

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا} فِي الْقُبُور {إِلَاّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بَعضهم بَعْضًا فِي بعض المواطن وَلَا يعرف بَعضهم بَعْضًا فِي بعض المواطن {قَدْ خَسِرَ} غبن {الَّذين كَذَّبُواْ بلقاء الله}

ص: 174

بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} من الْكفْر والضلالة

ص: 175

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} يَا مُحَمَّد {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أَن نرينك يَا مُحَمَّد مَا نعدهم من الْعَذَاب {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 175

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {رَّسُولٌ} يَدعُوهُم إِلَى الله وَإِلَى دينه {فَإِذَا جَآءَ} هم {رَسُولُهُمْ} فكذبوا {قُضِيَ بَيْنَهُمْ} وَبَين الرَّسُول {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ بِهَلَاك الْقَوْم وَنَجَاة الرَّسُول {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

ص: 175

{وَيَقُولُونَ} وَقَالَ كل أهل دين لرسولهم {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين

ص: 175

{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَاّ أَمْلِكُ} لَا أقدر {لِنَفْسِي ضَرّاً} دفع الضّر {وَلَا نَفْعاً} وَلَا جر النَّفْع {إِلَاّ مَا شَآءَ الله} من الضّر والنفع {لِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {أَجَلٌ} مهلة وَوقت {إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} قدر سَاعَة بعد الْأَجَل {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل

ص: 175

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} عَذَاب الله {بَيَاتاً} لَيْلًا {أَوْ نَهَاراً} كَيفَ تَصْنَعُونَ {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ} بِمَاذَا يستعجل {مِنْهُ} من عَذَاب الله {المجرمون} الْمُشْركُونَ

ص: 175

قَالُوا نؤمن قُلْ لَهُم يَا مُحَمَّد {أَثُمَّ إِذا مَا وَقع} يَقُول إِذا مَا أنزل عَلَيْكُم الْعَذَاب {آمَنْتُمْ بِهِ} قَالُوا نعم قُلْ لَهُم يَا مُحَمَّد يُقَال لكم {الآنَ} تؤمنون بِالْعَذَابِ {وَقَدْ كُنتُم بِهِ} بِالْعَذَابِ {تَسْتَعْجِلُونَ} قبل هَذَا استهزاء بِهِ

ص: 175

{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} يستخبرونك يَا مُحَمَّد {أَحَقٌّ هُوَ} يَعْنِي الْعَذَاب وَالْقُرْآن {قُلْ إِي وربي} نعم وربي {إِنَّهُ لَحَقٌّ} صدق كَائِن يَعْنِي الْعَذَاب {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله

ص: 175

{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أشركت بِاللَّه {مَا فِي الأَرْض} لَافْتَدَتْ بِهِ لفادت بِهِ نَفسهَا من عَذَاب الله {وَأَسَرُّواْ الندامة} أخفوا الندامة الرؤساء من السفلة {لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَاب} حِين رَأَوْا الْعَذَاب {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وَبَين السفلة {بِالْقِسْطِ} وَالْعدْل {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم شَيْء وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

ص: 175

{هُوَ يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْهِ ترجعون} بعد الْمَوْت

ص: 175

{يَا أَيُّهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ} نهي {مِّن رَّبِّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم فِيهِ {وَشِفَآءٌ} بَيَان {لِّمَا فِي الصُّدُور} من الْعَمى {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين}

ص: 175

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأصحابك {بِفَضْلِ الله} الْقُرْآن الَّذِي أكْرمكُم بِهِ {وَبِرَحْمَتِهِ} الْإِسْلَام الَّذِي وفقكم بِهِ {فَبِذَلِكَ} بِالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَام {فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ} يَعْنِي الْقُرْآن وَالْإِسْلَام {مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مِمَّا يجمع الْيَهُود وَالْمُشْرِكُونَ من الْأَمْوَال

ص: 176

{قل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُم مآ أَنزَلَ الله لَكُمْ} مَا خلق الله لكم {مِّن رِّزْقٍ} من حرث وأنعام {فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ} فقلتم وفعلتم {حَرَاماً} على النِّسَاء مَنْفَعَتهَا يَعْنِي مَنْفَعَة الْبحيرَة والسائبة والحام {وَحَلَالاً} للرِّجَال {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} أَمر ربكُم بذلك {أَمْ عَلَى الله} بل على الله {تَفْتَرُونَ} تختلقون الْكَذِب

ص: 176

{وَمَا تكون} {فِي شَأْن} فِي أَمر {وَمَا تتلو} عَلَيْهِم {مِنْهُ مِن قُرْآنٍ} سُورَة أَو آيَة {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} خير أَو شَرّ {إِلَاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ} وعَلى أَمركُم وتلاوتكم وعملكم {شُهُوداً} عَالما {إِذْ تُفِيضُونَ} تخوضون {فِيهِ} فِي الْقُرْآن بالتكذيب {وَمَا يَعْزُبُ} مَا يغيب {عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} وزن نملة حَمْرَاء من أَعمال الْعباد {فِي الأَرْض وَلَا فِي السمآء وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَلِك} وَلَا أخف من ذَلِك {وَلَا أَكْبَرَ} وَلَا أثقل {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ

ص: 176

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله} الْمُؤمنِينَ {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم

ص: 176

ثمَّ بَين من هم فَقَالَ {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

ص: 176

{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بالرؤيا الصَّالِحَة يرونها أَو ترى لَهُم {وَفِي الْآخِرَة} بِالْجنَّةِ {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} بِالْجنَّةِ {ذَلِك} الْبُشْرَى {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا

ص: 176

{وَلَا يَحْزُنكَ} يَا مُحَمَّد {قَوْلُهُمْ} تكذيبهم إياك {إِنَّ الْعِزَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة {لِلَّهِ جَمِيعاً} بهلاكهم {هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بفعلهم وعقوبتهم

ص: 176

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الأَرْض} من لخلق يحولهم كَيفَ يَشَاء {وَمَا يَتَّبِعُ} يعبد {الَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله شُرَكَآءَ} آلِهَة من الْأَوْثَان {إِن يَتَّبِعُونَ} مَا يعْبدُونَ {إِلَاّ الظَّن} إِلَّا بِالظَّنِّ بِغَيْر يَقِين {وَإِنْ هُمْ} مَا هم يَعْنِي الرؤساء {إِلَاّ يَخْرُصُونَ} يكذبُون للسفلة

ص: 176

{هُوَ الَّذِي} أَي إِلَهكُم هُوَ الَّذِي {جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِيهِ {وَالنَّهَار مُبْصِراً} مضيئاً للذهاب والمجيء {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعبرات {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} مواعظ الْقُرْآن ويطيعون

ص: 176

{قَالُواْ} كفار مَكَّة {اتخذ الله وَلَداً} من الْمَلَائِكَة الْإِنَاث {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {هُوَ الْغَنِيّ} عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب {إِن عنْدكُمْ} ماعندكم {من سُلْطَان} من كتاب وَلَا حجَّة {بِهَذَا} بِمَا تَقولُونَ على الله من الْكَذِب {أَتقُولُونَ عَلَى الله} بل تَقولُونَ على الله {مَا لَا تَعْلَمُونَ} ذَلِك من الْكَذِب

ص: 177

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الَّذين يَفْتَرُونَ} يَخْتَلِفُونَ {على الله الْكَذِب لَا يفلحون} لَا ينجون من عَذَاب الله وَلَا يأمنون

ص: 177

{مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا} يعيشون فِي الدُّنْيَا قَلِيلا {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَاب الشَّديد} الغليظ {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن ويكذبون على الله

ص: 177

{واتل عَلَيْهِمْ} اقْرَأ عَلَيْهِم {نَبَأَ} خبر {نُوحٍ} بِالْقُرْآنِ {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ} عظم عَلَيْكُم {مَّقَامِي} طول مقَامي ومكاني {وَتَذْكِيرِي} وتحذيري إيَّاكُمْ {بِآيَاتِ الله} من عَذَاب الله {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} وثقت وفوضت أَمْرِي إِلَى الله {فَأَجْمعُوا أَمْرَكُمْ} فَاجْتمعُوا على قَول وَأمر وَاحِد {وَشُرَكَآءَكُمْ} اسْتَعِينُوا بآلهتكم {ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} لَا تلبسوا أَمركُم وقولكم على أَنفسكُم {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ} امضوا إِلَيّ {وَلَا تُنظِرُونَ} وَلَا ترقبون

ص: 177

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن الْإِيمَان بِمَا جِئتُكُمْ بِهِ {فَمَا سَأَلْتُكُمْ} عَن الْإِيمَان {مِّنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي بِمَا دعوتكم إِلَى الْإِيمَان {إِلَاّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم

ص: 177

{فَكَذَّبُوهُ} يَعْنِي نوحًا بِمَا أَتَاهُم {فَنَجَّيْنَاهُ} من الْغَرق {وَمَن مَّعَهُ} من الْمُؤمنِينَ {فِي الْفلك} فِي السَّفِينَة {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ} خلفاء وسكان الأَرْض {وأغرقنا الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذرين} كَيفَ صَار آخر أَمر الَّذين أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا

ص: 177

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد هَلَاك قوم نوح {رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} ليصدقوا {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} من قبل يَوْم الْمِيثَاق {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَطْبَعُ} نختم {على قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} من الْحَلَال وَالْحرَام

ص: 177

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ} من بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل {مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} رؤسائه {بِآيَاتِنَا} بكتابنا وَيُقَال بِآيَاتِنَا التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات وَيُقَال الطمس {فاستكبروا} عَن الْإِيمَان بِالْكتاب وَالرَّسُول والآيات {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين

ص: 177

الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بيِّن وَإِن قَرَأت بِالْألف أَرَادوا بِهِ مُوسَى ساحرا كذابا

ص: 178

{قَالَ} لَهُم {مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ} الْكتاب وَالرَّسُول والآيات {لَمَّا جَآءَكُمْ} حِين جَاءَكُم {أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {الساحرون} من عَذَاب الله

ص: 178

{قَالُوا} لمُوسَى {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} لتصرفنا {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} من عبَادَة الْأَوْثَان {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبريآء} الْملك وَالسُّلْطَان {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين

ص: 178

{فَلَمَّآ أَلْقُواْ} عصيهم وحبالهم {قَالَ} لَهُم {مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ} مَا طرحتم {أَسحر} هُوَ السحر {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} سيهلكه {إِنَّ الله لَا يُصْلِحُ} لَا يرضى {عَمَلَ المفسدين} الساحرين

ص: 178

{وَيُحِقُّ الله} يظْهر الله لدينِهِ {الْحق بِكَلِمَاتِهِ} بتحقيقه {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} وَإِن كره الْمُشْركُونَ أَن يكون ذَلِك

ص: 178

{فَمَآ آمَنَ} فَمَا صدق {لمُوسَى} بِمَا جَاءَ بِهِ {إِلَاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} من قوم فِرْعَوْن كَانَ آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إِسْرَائِيل فآمنوا بمُوسَى {على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} رُؤَسَائِهِمْ {أَن يَفْتِنَهُمْ} أَن يقتلهُمْ {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ} لمخالف {فِي الأَرْض} لدين مُوسَى {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} الْمُشْركين

ص: 178

{فَقَالُواْ على الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} الْمُشْركين أَي لَا تسلطهم علينا فيظنون أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل

ص: 178

{وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه} هَارُون {أَن تبوآ} أَن اتخذا {لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} مَسَاجِد فِي جَوف فِي الْبَيْت {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ} مَسَاجِدكُمْ {قِبْلَةً} نَحْو الْقبْلَة {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} بالنصرة والنجاة وَالْجنَّة

ص: 178

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّكَ آتَيْتَ} أَعْطَيْت {فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ} رؤساءه {زِينَةً} زهرَة {وَأَمْوَالاً} كَثِيرَة {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لِيُضِلُّواْ} بذلك عِبَادك {عَن سَبِيلِكَ} عَن دينك وطاعتك {رَبَّنَا اطْمِسْ على أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبهم}

ص: 178

واحفظ قُلُوبهم {فَلَا يُؤْمِنُواْ} فَلَنْ يُؤمنُوا {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} الْغَرق

ص: 179

{قَالَ} الله لمُوسَى وهرون {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما} على الْإِيمَان وَالطَّاعَة لله وتبليغ الرسَالَة {وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ} دين {الَّذين لَا يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله لَا يصدقونه يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه

ص: 179

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {آلآنَ} أَن تؤمن بعد الْغَرق {وَقَدْ عَصَيْتَ} كفرت بِاللَّه {قَبْلُ} أَي من قبل الْغَرق {وَكُنتَ مِنَ المفسدين} فِي أَرض مصر بِالْقَتْلِ والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله

ص: 179

{فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} نلقيك على النجَاة بدرعك {لِتَكُونَ} لكَي تكون {لِمَنْ خَلْفَكَ} من الْكفَّار {آيَةً} عِبْرَة لكَي لَا يقتدوا بمقالتك ويعلموا أَنَّك لست بإله {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} يَعْنِي الْكفَّار {عَنْ آيَاتِنَا} عَن كتَابنَا ورسولنا {لغافلون} لجاحدون

ص: 179

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا} أنزلنَا {بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أَرضًا كَرِيمَة أردن وفلسطين {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} الْمَنّ والسلوى والغنائم {فَمَا اخْتلفُوا} الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {حَتَّى جَآءَهُمُ الْعلم} الْبَيَان مَا فِي كِتَابهمْ فِي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بنعته وَصفته {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

ص: 179

{فَإِن كُنتَ} يَا مُحَمَّد {فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} مِمَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {مِن قَبْلِكَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه فَلم يسْأَل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يكن بذلك شاكاً إِنَّمَا أَرَادَ الله بِمَا قَالَ لِقَوْمِهِ {لَقَدْ جَآءَكَ} يَا مُحَمَّد {الْحق مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ من رَبك فِيهِ خبر الْأَوَّلين {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} الشاكين

ص: 179

{إِنَّ الَّذين حَقَّتْ} وَجَبت {عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {لَا يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

ص: 179

{وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} طلبُوا مِنْك فَلَا يُؤمنُوا {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب

ص: 179

{فَلَوْلَا كَانَتْ} هلا كَانَت {قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أهل قَرْيَة آمَنت عِنْد نزُول الْعَذَاب {فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا} يَقُول لم ينفع إِيمَانهم عِنْد نزُول الْعَذَاب {إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ} نفع إِيمَانهم {لَمَّآ آمَنُواْ} حِين آمنُوا {كَشَفْنَا} صرفنَا {عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي}

ص: 179

الشَّديد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} تركناهم بِلَا عَذَاب إِلَى حِين الْمَوْت

ص: 180

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} كَافِرَة {أَن تُؤْمِنَ} بِاللَّه {إِلَاّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله وتوفيقه {وَيَجْعَلُ الرجس} يتْرك التَّكْذِيب {عَلَى الَّذين} فِي قُلُوب الَّذين {لَا يَعْقِلُونَ} تَوْحِيد الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن أبي طَالب حرص النَّبِي صلى الله عليه وسلم على إيمَانه وَلم يرد الله أَن يُؤمن

ص: 180

{قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {وَالْأَرْض} وماذا فِي الأَرْض من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار كلهَا آيَة لكم ثمَّ قَالَ {وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنّذر} الرُّسُل {عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

ص: 180

{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} فَهَل بَقِي لَهُم آيَة {إِلَاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذين خَلَوْاْ} عَذَاب الَّذين مضوا {مِن قَبْلِهِمْ} من الْكفَّار {قُلْ} يَا مُحَمَّد {فانتظروا} بنزول الْعَذَاب وبهلاكي {إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} بنزول الْعَذَاب عَلَيْكُم وبهلاككم

ص: 180

{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذين آمَنُواْ} بالرسل بعد هَلَاك قَومهمْ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقّاً} وَاجِبا {عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الرُّسُل

ص: 180

{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي} الْإِسْلَام {فَلَا أَعْبُدُ الَّذين تَعْبُدُونَ} تدعون {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَلَكِن أَعْبُدُ الله الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ بعد أَن يميتكم {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ على دينهم

ص: 180

{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أخْلص دينك وعملك لله {حَنِيفاً} مُسلما {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

ص: 180

{وَلَا تَدْعُ} لَا تعبد {مِن دُونِ الله مَا لَا يَنفَعُكَ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن عبدت {وَلَا يَضُرُّكَ} إِن لم تعبده {فَإِن فَعَلْتَ} عبدت {فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمين} من الضارين لنَفسك

ص: 180

{وَإِن يَمْسَسْكَ} يصبك {الله بِضُرٍّ} بِشدَّة وَأمر تكرههُ {فَلَا كَاشِفَ لَهُ} فَلَا رَافع للضر {إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ} يصبك {بِخَيْرٍ} بِنِعْمَة وَأمر تسر بِهِ {فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ} لَا مَانع لعطيته {يُصَيبُ بِهِ} يخص بِالْفَضْلِ {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَهُوَ الغفور} المتجاوز لمن تَابَ {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 180

يَعْنِي ثَوَابه {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْكتاب وَالرَّسُول {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يَعْنِي عَلَيْهَا جِنَايَة ذَلِك {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بكفيل نسختها آيَة الْقِتَال

ص: 181

{وَاتبع} يَا مُحَمَّد {مَا يُوحى إِلَيْكَ} مَا يُؤمر لَك فِي الْقُرْآن من تَبْلِيغ الرسَالَة {واصبر} على ذَلِك {حَتَّى يَحْكُمَ الله} بَيْنكُم وَبينهمْ بِقَتْلِهِم وهلاكهم يَوْم بدر {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمين} بهلاكهم ونصرهم

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا هود وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَعِشْرُونَ وكلماتها ألف وسِتمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ وحروفها سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَخَمْسَة

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 181

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا لله أرى وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {كِتَابٌ} أَن هَذَا كتاب يَعْنِي الْقُرْآن {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي فَلم تنسخ {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بيَّنت {مِن لَّدُنْ} من عِنْد {حَكِيمٍ} حَاكم أَمر أَن لَا يعبد غَيره {خَبِيرٍ} بِمن يعبد وبمن لَا يعبد

ص: 181

{أَلَاّ تعبدوا} بِأَن لَا توحدوا {إِلَاّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ} من النَّار {وَبَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ

ص: 181

{وَأَنِ اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً} يعشكم عَيْشًا {حَسَناً} بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَعْنِي الْمَوْت {وَيُؤْتِ} ويعط {كُلَّ ذِي فَضْلٍ} فِي الْإِسْلَام {فَضْلَهُ} ثَوَابه فِي الْآخِرَة {وَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} عَظِيم

ص: 181

{إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب {قَدِيرٌ}

ص: 181

{أَلا إِنَّهُمْ} يَعْنِي أخنس بن شريق وَأَصْحَابه {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يضمرون فِي قُلُوبهم بغض مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وعداوته {ليستخفوا مِنْهُ} ليستروا من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بغضه وعداوته بِإِظْهَار الْمحبَّة لَهُ والمجالسة مَعَه {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يغطون رؤوسهم بثيابهم {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} فِيمَا بَينهم وَمَا يضمرون فِي قُلُوبهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} من الْقِتَال والجفاء وَيُقَال من الْمحبَّة والمجالسة {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 181

{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْض إِلَاّ عَلَى الله رِزْقُهَا} إِلَّا الله قَائِم برزقها {وَيَعْلَمُ مستقرها} حَيْثُ تأوى بِاللَّيْلِ {ومستودعها} حَيْثُ تَمُوت فتدفن {كُلٌّ} أَي رزق كل دَابَّة وأجلها وأثرها {فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مبيّن مَعْلُوم مُقَدّر ذَلِك عَلَيْهَا

ص: 181

{وَهُوَ الَّذِي} وإلهكم هُوَ الَّذِي {خَلَق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {وَكَانَ عَرْشُهُ} قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَلَى المآء} وَكَانَ الله قبل الْعَرْش وَالْمَاء {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أخْلص عملا {وَلَئِن قُلْتَ} لأهل مَكَّة

ص: 181

{إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ} محيون {مِن بَعْدِ الْمَوْت لَيَقُولَنَّ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {إِلَاّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بيّن لَا يكون

ص: 182

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَاب إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَوْم بدر {لَّيَقُولُنَّ} يَعْنِي أهل مَكَّة {مَا يَحْبِسُهُ} عَنَّا غَدا استهزاء بِهِ {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} الْعَذَاب {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} لَا يصرف عَنْهُم الْعَذَاب {وَحَاقَ} دَار وَوَجَب وَنزل {بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عَذَاب مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن

ص: 182

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {مِنَّا رَحْمَةً} نعْمَة {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أخذناها مِنْهُ {إِنَّهُ ليؤوس} يصير آيس شَيْء وأقنط شَيْء من رَحْمَة الله {كَفُورٌ} كَافِر بِنِعْمَة الله لَا يشْكر

ص: 182

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أصبناه يَعْنِي الْكَافِر {نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} شدَّة أَصَابَته {لَيَقُولَنَّ} يَعْنِي الْكَافِر {ذَهَبَ السَّيِّئَات} الشدَّة {عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ} بطر {فَخُورٌ} بِنِعْمَة الله غير شَاكر

ص: 182

{إِلَّا} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {الَّذين صَبَرُواْ} على الْإِيمَان {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم فَإِنَّهُم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَكِن يصبرون بالشدة ويشكرون بِالنعْمَةِ {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة

ص: 182

{فَلَعَلَّكَ} يَا مُحَمَّد {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ} أَمر لَك فِي الْقُرْآن من تَبْلِيغ الرسَالَة وَسَب آلِهَتهم وعيبها {وضائق بِهِ} بِمَا أمرت {صَدْرُكَ} قَلْبك {أَن يَقُولُواْ} بِمَا يَقُول كفار مَكَّة {لَوْلَا أُنزِلَ} هلا أنزل {عَلَيْهِ} على مُحَمَّد {كَنزٌ} مَال من السَّمَاء فيعيش بِهِ {أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يشْهد لَهُ {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من مقالتهم وعذابهم {وَكِيلٌ} كَفِيل وَيُقَال شَهِيد

ص: 182

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُول كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه فأتا بِهِ {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} مثل سور الْقُرْآن مثل سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وَالتَّوْبَة وَيُونُس وَهود {مفتريات} مختلفات من تِلْقَاء أَنفسكُم {وَادعوا مَنِ اسْتَطَعْتُم} اسْتَعِينُوا بِمن عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقين} أَن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يختلقه من تِلْقَاء نَفسه فَسَكَتُوا عَن ذَلِك

ص: 182

فَقَالَ الله {فَإِن لم يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} لم يجبك الظلمَة {فاعلموا} يَا معشر الْكفَّار {أَنَّمَآ أُنزِلِ} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {بِعِلْمِ الله} وَأمره {وَأَن لَاّ إِلَه إِلَاّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} مقرون بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن

ص: 182

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِعِلْمِهِ الَّذِي افْترض الله عَلَيْهِ {وَزِينَتَهَا} زهرتها {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} نوفر لَهُم ثَوَاب أَعْمَالهم {فِيهَا} فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ فِيهَا} فِي الدُّنْيَا {لَا يُبْخَسُونَ} لَا ينقص من ثَوَاب أَعْمَالهم

ص: 182

{أُولَئِكَ الَّذين} عمِلُوا لغير الله {لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَاّ النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} رد عَلَيْهِم مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَلَا يثابون فِي الْآخِرَة بِمَا كَانُوا يعْملُونَ فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات لأَنهم عمِلُوا لغير الله

ص: 182

{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} على بَيَان نزل من ربه يَعْنِي الْقُرْآن {وَيَتْلُوهُ} يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن {شَاهِدٌ مِّنْهُ} من الله يَعْنِي جِبْرِيل {وَمِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {كِتَابُ مُوسَى} توراة مُوسَى قَرَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل {إَمَاماً} يقْتَدى بِهِ {وَرَحْمَةً} لمن آمن بِهِ {أُولَئِكَ} من آمن بِكِتَاب مُوسَى {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَمن يكفر بِهِ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {مِنَ الْأَحْزَاب} من جَمِيع الْكفَّار {فَالنَّار مَوْعِدُهُ} مصيره {فَلَا تَكُ} يَا مُحَمَّد {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّنْهُ} من مصير من كفر بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ} إِن مصير من كفر بِالْقُرْآنِ النَّار وَيُقَال فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فِي شكّ مِنْهُ من الْقُرْآن إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ نزل بِهِ جِبْرِيل {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يُؤمنُونَ}

ص: 183

{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} يساقون إِلَى رَبهم {وَيَقُولُ الأشهاد} الْمَلَائِكَة والأنبياء {هَؤُلَاءِ} الْكفَّار {الَّذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ الله} عَذَاب الله {عَلَى الظَّالِمين} الْمُشْركين

ص: 183

{الَّذين يَصُدُّونَ} يصرفون {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها زيغاً وَيُقَال غيراً {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون

ص: 183

{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} بفائتين من عَذَاب الله {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} تحفظهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَاب} يَعْنِي الرؤساء {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السّمع} الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من بغضه وَيُقَال بِمَا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السّمع الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد عَليّ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} إِلَى مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام من بغضه وَيُقَال وَمَا كَانُوا يبصرون مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من بغضه

ص: 183

{أُولَئِكَ} الرؤساء هم {الَّذين خسروا أَنْفُسَهُمْ} غبنوا أنفسهم وأهاليهم ومنازلهم وخدمهم فِي الْجنَّة وَورثه غَيرهم من الْمُؤمنِينَ {وَضَلَّ عَنْهُمْ} بَطل واشتغل عَنْهُم بِأَنْفسِهِم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ من دون الله بِالْكَذِبِ

ص: 183

{لَا جَرَمَ} حَقًا {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الأخسرون} المغبونون بذهاب الْجنَّة وَمَا فِيهَا

ص: 183

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وأخبتوا إِلَى رَبهم} أخصلوا لرَبهم وخضعوا لرَبهم وخشعوا من رَبهم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} مقيمون

ص: 183

{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} الْكَافِر وَالْمُؤمن {كالأعمى والأصم} يَقُول مثل الْكَافِر كالأعمى لَا يبصر الْحق وَالْهدى وكالأصم لَا يسمع الْحق وَالْهدى {والبصير والسميع} يَقُول وَمثل الْمُؤمن كَمثل الْبَصِير يبصر الْحق وَالْهدى وكالسميع يسمع الْحق وَالْهدى {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فِي الْمثل يَقُول هَل يَسْتَوِي الْكَافِر مَعَ الْمُؤمن فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بأمثال الْقُرْآن فتؤمنوا

ص: 183

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} فَلَمَّا جَاءَهُم قَالَ لَهُم {إِنَّي لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها

ص: 183

{أَن لَاّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلَاّ الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم بِأَن يكون عَلَيْكُم إِن لم تؤمنوا

ص: 183

{عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وجيع وَهُوَ الْغَرق

ص: 184

{فَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} من قوم نوح {مَا نَرَاكَ} يَا نوح {إِلَاّ بَشَراً} آدَمِيًّا {مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتبعك} آمن بك {إِلَاّ الَّذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} سفلتنا وضعفاؤنا {بَادِيَ الرَّأْي} ظَاهر الرَّأْي الضَّعِيف وَيُقَال سَوء رَأْيهمْ حملهمْ على ذَلِك {وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} بِمَا تَقولُونَ تَأْكُلُونَ وتشربون كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} بِمَا تَقولُونَ

ص: 184

{قَالَ} نوح {يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام (فَعُمِّيَتْ) التبست وَإِن قَرَأت فعميت يَقُول ألبست {عَلَيْكُمْ} نبوتي وديني {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أنلهكموها ونعرفكموها {وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُون} جاحدون

ص: 184

{وَيَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مَالاً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ عَلَى الله وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذين آمنُوا} بقولكم {إِنَّهُمْ ملاقو} معاينوا {رَبِّهِمْ} فيخاصمونني عِنْده {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} أَمر الله

ص: 184

{وَيَا قوم مَن يَنصُرُنِي} من يَمْنعنِي {مِنَ الله} من عَذَاب الله {إِن طَرَدتُّهُمْ} بقولكم {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بِمَا أَقُول لكم فتؤمنوا

ص: 184

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله} مَفَاتِيح خَزَائِن الله فِي الرزق {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْب} مَتى نزُول الْعَذَاب وَمَا غَابَ عني {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} من السَّمَاء {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ} لَا تأخذهم أعينكُم يَقُول يحتقرون فِي أعينكُم {لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً} لن يكرمهم الله بِتَصْدِيق الْإِيمَان {الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} بِمَا فِي قُلُوبهم من التَّصْدِيق {إِنِّي إِذاً} إِن طردتهم {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين بنفسي

ص: 184

{قَالُوا يَا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا} خاصمتنا ودعوتنا إِلَى دين غير دين آبَائِنَا {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} خُصُومَتنَا ودعاءنا {فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} أَنه يأتينا

ص: 184

{قَالَ} نوح {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله} يَقُول يأتيكم الله بعذابكم {إِن شَآءَ} فيعذبكم {وَمَآ أَنْتُم بمعجزين} بقائتين من عَذَاب الله

ص: 184

{وَلَا يَنفَعُكُمْ نصحي} دعائي وتحذيري إيَّاكُمْ من عَذَاب الله {إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أحذركم من عَذَاب الله وأدعوكم إِلَى التَّوْحِيد {إِن كَانَ الله} قد كَانَ الله {يُرِيدُ أَن يغويكم} أَن تضلكم عَن الْهدى {هُوَ رَبُّكُمْ} أولى بكم مني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

ص: 184

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ قوم نوح {افتراه} اختلق نوح بِمَا آتَانَا بِهِ من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا نوح {إِنِ افتريته} اختلقته من تِلْقَاء نَفسِي {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} آثامي {وَأَنَاْ بَرِيء مِّمَّا تُجْرَمُونَ} تأثمون وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 184

{واصنع الْفلك} خُذ فِي علاج السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بِنَظَر منا {وَوَحْيِنَا} بأمرنا {وَلَا تُخَاطِبْنِي} لَا تراجعني {فِي الَّذين ظلمُوا} فِي نجاة الَّذين كفرُوا {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} بالطوفان

ص: 185

{وَيَصْنَعُ الْفلك} أَخذ فِي علاج السَّفِينَة {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ} رُؤَسَاء {مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} هزئوا بمعالجته السَّفِينَة {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} الْيَوْم {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} بعد الْيَوْم {كَمَا تَسْخَرُونَ} الْيَوْم منا

ص: 185

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عَلَيْهِ {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم فِي الْآخِرَة

ص: 185

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} وَقت عذابنا {وَفَارَ التَّنور} نبع المَاء من التَّنور وَيُقَال طلع الْفجْر {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا} فِي السَّفِينَة {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ} من كل صنفين {اثْنَيْنِ} ذكر وَأُنْثَى {وَأَهْلَكَ إِلَاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ} وَجب عَلَيْهِ {القَوْل} بِالْعَذَابِ {وَمَنْ آمَنَ} مَعَك أَيْضا احْمِلْ مَعَك فِي السَّفِينَة {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلَاّ قَلِيلٌ} ثَمَانُون إنْسَانا

ص: 185

{وَقَالَ} لَهُم {اركبوا فِيهَا} فِي السَّفِينَة {بِسْمِ الله مجْراهَا} حَيْثُ تجْرِي {وَمُرْسَاهَا} حَيْثُ تحبس وَإِن قَرَأت مجريها ومرسيها يَقُول الله مجريها حَيْثُ شَاءَ ومرسيها حَيْثُ شَاءَ {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

ص: 185

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} بِأَهْلِهَا {فِي مَوْجٍ} فِي غمر المَاء {كالجبال} كجبل عَظِيم فِي الِارْتفَاع {ونادى نُوحٌ} دَعَا نوح {ابْنه} كنعان {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} فِي نَاحيَة من السَّفِينَة وَيُقَال فِي نَاحيَة الْجَبَل {يَا بني اركب مَّعَنَا} انج مَعنا بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافرين} على دينهم فتغرق بالطوفان

ص: 185

{قَالَ سآوي} سأذهب {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ المآء} من الْغَرق {قَالَ} نوح {لَا عَاصِمَ الْيَوْم} لَا مَانع الْيَوْم {مِنْ أَمْرِ الله} من عَذَاب الله الْغَرق {إِلَاّ مَن رَّحِمَ} الله من الْمُؤمنِينَ {وَحَالَ بَيْنَهُمَا} بَين كنعان ونوح وَيُقَال بَين كنعان والجبل وَيُقَال بَين كنعان والسفينة {الموج} فكبه {فَكَانَ} فَصَارَ {مِنَ المغرقين} بالطوفان

ص: 185

{وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} أنشفى ماءك {وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} احبسي ماءك {وَغِيضَ} نقص {المآء وَقُضِيَ الْأَمر} وَفرغ من هَلَاك الْقَوْم أَي هلك من هلك وَنَجَا من نجا {واستوت} السَّفِينَة {عَلَى الجودي} وَهُوَ جبل بنصيبين فِي الْموصل {وَقِيلَ بُعْداً} سحقاً من رَحْمَة الله {لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} الْمُشْركين قوم نوح

ص: 185

{وَنَادَى نُوحٌ} دَعَا نوح {رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} يَا رب {إِنَّ ابْني} كنعان {مِنْ أَهْلِي} الَّذِي وعدت أَن تنجيه

ص: 185

{وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحق} الصدْق {وَأَنتَ أَحْكَمُ} أعدل {الْحَاكِمين} وَعَدتنِي نجاتي وَنَجَاة أَهلِي

ص: 186

{قَالَ} الله {يَا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الَّذِي وعدتك أَن أنجيه {إِنَّهُ عَمَلٌ} فِي الشّرك {غَيْرُ صَالِحٍ} غير مرضِي وَإِن قَرَأت أَنه عمل غير صَالح يَقُول دعاؤك إيَّايَ بنجاته غير مرضِي {فَلَا تَسْأَلْنِ} نجاة {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {إِنِّي أعظك} أياك {أَن تَكُونَ} أَن لَا تكون {مِنَ الْجَاهِلين} بسؤالك إيَّايَ مَا لم تعلم

ص: 186

{قَالَ} نوح {رَبِّ} يَا رب {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} أمتنع بك {أَنْ أَسْأَلَكَ} نجاة {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي} يَقُول إِن لم تغْفر لي يَعْنِي إِن لم تجَاوز عني {وترحمني} وَلَا ترحمني فتعذبني {أَكُن مِّنَ الخاسرين} بالعقوبة

ص: 186

{قيل يَا نوح اهبط} انْزِلْ من السَّفِينَة {بِسَلَامٍ مِّنَّا} بسلامة منا {وَبَرَكَاتٍ} سعادات {عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ} جمَاعَة {مِّمَّن مَّعَكَ} فِي السَّفِينَة من أهل السَّعَادَة {وَأُمَمٌ} جمَاعَة فِي أصلابهم {سَنُمَتِّعُهُمْ} سنعيشهم بعد خُرُوجهمْ من أصلاب آبَائِهِم {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ} يصيبهم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع بَعْدَمَا كفرُوا وهم أهل الشقاوة قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أوحى الله إِلَى نوح عليه السلام وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ سنة ودعا قومه مائَة وَعشْرين سنة وَركب فِي السَّفِينَة وَهُوَ ابْن سِتّمائَة سنة وعاش بعد مَا ركب فِي السَّفِينَة ثلثمِائة وَخمسين سنة وَبَقِي فِي السَّفِينَة خَمْسَة أشهر وَكَانَ طول السَّفِينَة ثلثمِائة ذِرَاع بذراعه وعرضها خَمْسُونَ ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض حمل فِي الْبَاب الْأَسْفَل السبَاع والهوام وَحمل فِي الْبَاب الْأَوْسَط الوحوش والبهائم وَحمل فِي الْبَاب الْأَعْلَى بني آدم وَكَانُوا ثَمَانِينَ إنْسَانا أَرْبَعُونَ رجلا وَأَرْبَعُونَ امْرَأَة وَكَانَ بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء جَسَد آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَه ثَلَاثَة بَنِينَ سَام وَحَام وَيَافث

ص: 186

{تِلْكَ} هَذِه {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك {نُوحِيهَآ إِلَيْكَ} نرسل جِبْرِيل إِلَيْك يَا مُحَمَّد بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ} يَعْنِي أَخْبَار الْأُمَم {أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} الْقُرْآن {فاصبر} يَا مُحَمَّد على أذاهم وتكذيبهم إياك {إِنَّ الْعَاقِبَة} آخر الْأَمر بالنصرة وَالْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

ص: 186

{وَإِلَى عَادٍ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم بِعبَادة الْأَوْثَان {إِلَاّ مُفْتَرُونَ} كاذبون على الله لم يَأْمُركُمْ بعبادتها

ص: 186

{يَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {أَجْراً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ عَلَى الَّذِي فطرني} خلقني {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ أفليس لكم ذهن الإنسانية

ص: 186

{وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مَطَرا دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} شدَّة إِلَى شدتكم بِالْمَالِ والبنين {وَلَا تَتَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {مجرمين} مُشْرِكين بِاللَّه

ص: 186

{قَالُوا يَا هود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} بِبَيَان مَا تَقول {وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا} عبَادَة آلِهَتنَا {عَن قَوْلِكَ} بِقَوْلِك {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالرسالة

ص: 186

{إِن تَقول} مَا تَقول فِيمَا ننهاك عَنهُ {إِلَاّ اعتراك} يصيبك {بَعْضُ آلِهَتنَا بِسوء} بخبل لِأَنَّك تشتمها {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} بِاللَّه من الْأَوْثَان وَمَا تعبدونها

ص: 186

{مِن دُونِهِ} من دون الله {فَكِيدُونِي} فاعملوا فِي هلاكي أَنْتُم وآلهتكم {جَمِيعاً ثُمَّ لَا تنْظرُون} لَا تؤجلون وَلَا تَشكوا فِي أحدا

ص: 186

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {رَبِّي} خالقي ورازقي {وَرَبِّكُمْ} خالقكم ورازقكم {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} يميتها ويحييها وَيُقَال فِي قَبضته يفعل مَا يَشَاء {إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} عَلَيْهِ ممر الْخلق وَيُقَال يَدْعُو الْخلق إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 187

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} من الرسَالَة ويهلككم {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} خيرا مِنْكُم وأطوع {وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} وَلَا يضر الله هلاككم شَيْئا {إِنَّ رَبِّي على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {حَفِيظٌ} حَافظ شَهِيد

ص: 187

{وَتِلْكَ عَادٌ} وَهَذِه عَاد {جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الَّتِي آتَاهُم بهَا هود {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {وَاتبعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ} قَول كل قتال على الْغَضَب {عَنِيدٍ} معرض عَن الله

ص: 187

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه الدُّنْيَا لَعْنَةً} أهلكوا فِي الدُّنْيَا بِالرِّيحِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} جَحَدُوا رَبهم {أَلَا بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} من رَحْمَة الله

ص: 187

{وَإِلَى ثَمُودَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْض} خَلقكُم من آدم وآدَم من الأَرْض {واستعمركم فِيهَا} عمركم فِي الأَرْض وجعلكم سكانها {فاستغفروه} فوحدوه {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} بالإجابة {مُجيب} لمن وَحده

ص: 187

{قَالُوا يَا صَالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} نرجوك {قَبْلَ هَذَا} قبل أَن تَأْمُرنَا بدين غير دين آبَائِنَا {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من الْأَوْثَان {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ} من دينك {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك بِهِ

ص: 187

{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {فَمَن يَنصُرُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ} عَذَاب {الله إِنْ عَصَيْتُهُ} وَتركت أمره {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} فَمَا ازْدَادَ إِلَّا بَصِيرَة فِي خسارتكم

ص: 187

{وَيَا قوم هَذِه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} عَلامَة {فَذَرُوهَا} فاتركوها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} فِي أَرض الْحجر لَيْسَ عَلَيْكُم مؤنتها {وَلَا تمسوها بِسوء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} بعد ثَلَاثَة أَيَّام

ص: 187

{فَعَقَرُوهَا} قتلوها قَتلهَا قدار بن سالف ومصدع بن زهر وقسموا لَحمهَا على ألف وَخَمْسمِائة دَار {فَقَالَ} لَهُم صَالح بعد قَتلهمْ لَهَا {تَمَتَّعُواْ} عيشوا {فِي دَارِكُمْ} فِي مدينتكم {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع قَالُوا يَا صَالح مَا عَلامَة الْعَذَاب قَالَ أَن تصبحوا الْيَوْم الأول وُجُوهكُم مصفرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّانِي وُجُوهكُم محمرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّالِث وُجُوهكُم مسودة ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع {ذَلِك} الْعَذَاب {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} غير مَرْدُود

ص: 188

{وَأَخَذَ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {الصَّيْحَة} الْعَذَاب {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون أَي صَارُوا رَمَادا

ص: 188

{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ} قوم صَالح {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} كفرُوا برَبهمْ {أَلَا بُعْداً لِّثَمُودَ} لقوم صَالح من رَحْمَة الله

ص: 188

{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة اثْنَا عشر ملكا {إِبْرَاهِيمَ} إِلَى إِبْرَاهِيم {بالبشرى} بالبشارة لَهُ بِالْوَلَدِ {قَالُواْ سَلَاماً} سلمُوا على إِبْرَاهِيم حِين دخلُوا عَلَيْهِ {قَالَ سَلَامٌ} رد عليهم السلام وَإِن قَرَأت سلم يَقُول أَمْرِي سلم من السَّلامَة {فَمَا لَبِثَ} مكث إِبْرَاهِيم {أَن جَآءَ بِعِجْلٍ} سمين {حَنِيذٍ} مشوي فَوَضعه بَين أَيْديهم

ص: 188

{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} إِلَى طَعَامه لأَنهم لم يحتاجوا إِلَى طَعَام {نَكِرَهُمْ} أنكر مِنْهُم ذَلِك {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} وَقع فِي نَفسه خوفًا مِنْهُم وَظن أَنهم لصوص حَيْثُ لم يَأْكُلُوا من طَعَامه فَلَمَّا علمُوا خَوفه {قَالُواْ لَا تَخَفْ} منا يَا إِبْرَاهِيم {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} لنهلكهم

ص: 188

{وَامْرَأَته} سارة {قَائِمَة} بِالْخدمَةِ {فَضَحكت} تعجبت من خوف إِبْرَاهِيم من أضيافه {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} ولدا الْوَلَد فَضَحكت فَحَاضَت مقدم ومؤخر

ص: 188

{قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ} بنت ثَمَان وَتِسْعين سنة للعجوز الْكَبِير ولد كَيفَ هَذَا {وَهَذَا بَعْلِي} زَوجي إِبْرَاهِيم {شَيْخاً} ابْن تسع وَتِسْعين سنة {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} عجب

ص: 188

{قَالُوا} لَهَا {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} من قدرَة الله {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ} سعاداته {عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت إِبْرَاهِيم {إِنَّهُ حَمِيدٌ} بأعمالكم {مَّجِيدٌ} كريم يكرمكم بِولد صَالح

ص: 188

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع} الْخَوْف {وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى} الْبشَارَة بِالْوَلَدِ {يُجَادِلُنَا} يخاصمنا {فِي قَوْمِ لُوطٍ} فِي هَلَاك قوم لوط

ص: 188

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} عَن الْجَهْل (أَوَّاهٌ) رَحِيم {منيب} مقبل إِلَى الله

ص: 188

{يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا} عَن جدالك هَذَا {إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ} عَذَاب رَبك بِهَلَاك قوم لوط {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ} يَأْتِيهم {عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} غير مَصْرُوف عَنْهُم

ص: 188

{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {لُوطاً} إِلَى لوط {سِيءَ بِهِمْ} سَاءَهُ مجيئهم {وَضَاقَ بِهِمْ} اغتم بمجيئهم {ذَرْعاً} اغتماماً شَدِيدا خَافَ عَلَيْهِم من صَنِيع قومه {وَقَالَ} فِي نَفسه

ص: 188

ص: 189

{وَجَآءَهُ قَوْمُهُ} قوم لوط {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون إِلَى دَاره ويهرولون هرولة {وَمِن قَبْلُ} أَي وَمن قبل مَجِيء جِبْرِيل {كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات} عَمَلهم الْخَبيث {قَالَ} لَهُم لوط {يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} وَيُقَال بَنَات قومِي {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أَنا أزوجكم {فَاتَّقُواْ اللًّهَ} فاخشوا الله فِي الْحَرَام {وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} لَا تفضحوني فِي أضيافي {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يدلهم على الصَّوَاب وَيَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر

ص: 189

{قَالَ} لوط فِي نَفسه {لَوْ أَنَّ لِي بكم قُوَّة} بِالْبدنِ وَالْولد {أَو آوي} أقدر أَن أرجع {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} إِلَى عشيرة كَثِيرَة لمنعت نَفسِي مِنْكُم فَلَمَّا علم جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة خوف لوط من تهدد قومه

ص: 189

{قَالُوا يَا لوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ} بِالْهَلَاكِ نَحن نهلكهم {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فسر بأهلك وَيُقَال أدْلج بهم {بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْل} فِي بعض من اللَّيْل آخر اللَّيْل عِنْد السحر {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} لَا يتَخَلَّف مِنْكُم {أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتك} واعلة المنافقة {إِنَّهُ مُصِيبُهَا} سيصيبها {مَآ أَصَابَهُمْ} مَا يصيبهم من الْعَذَاب {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ} بِالْهَلَاكِ {الصُّبْح} عِنْد الصَّباح قَالَ لوط الْآن يَا جِبْرِيل قَالَ جِبْرِيل يَا لوط {أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ} لِأَنَّهُ رَآهُ وَلم ير لوط

ص: 189

{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا لهلاكهم {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} قلبناها وَجَعَلنَا أَسْفَلهَا أَعْلَاهَا وأعلاها أَسْفَلهَا {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} على شذاذها ومسافريها {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من سبخ ووحل مثل الْآجر وَيُقَال من سَمَاء الدُّنْيَا {مَّنْضُودٍ} متتابع بَعْضهَا على أثر بعض

ص: 189

{مُّسَوَّمَةً} مخططة بِالسَّوَادِ والحمرة وَالْبَيَاض وَيُقَال مَكْتُوب عَلَيْهَا اسْم من هلك بهَا {عِندَ رَبِّكَ} من عِنْد رَبك يَا مُحَمَّد تَأتي تِلْكَ الْحِجَارَة {وَمَا هِيَ} يَعْنِي الْحِجَارَة {مِنَ الظَّالِمين بِبَعِيدٍ} لم تخطهم بل أَصَابَتْهُم وَيُقَال مَا هِيَ من ظالمي أمتك بِبَعِيد من يَقْتَدِي بهم أَي يفعلهم

ص: 189

{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {وَلَا تَنقُصُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} بسعة وَمَال وَرخّص السّعر {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إِن لم تؤمنوا بِهِ وَلم توفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} يُحِيط بكم وَلَا ينفلت مِنْكُم أحد من الْقَحْط والجدوبة وَغير ذَلِك

ص: 189

{وَيَا قوم أَوْفُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَآءَهُمْ} لَا تنقصوا حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وبعبادة الْأَوْثَان وَدُعَاء النَّاس إِلَيْهَا وبخس الْكَيْل وَالْوَزْن

ص: 189

{بَقِيَّة الله} ثَوَاب الله على وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن {خَيْرٌ لَّكُمْ} وَيُقَال مَا يبقي الله لكم من الْحَلَال خير لكم مِمَّا تبخسون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين بِمَا أَقُول لكم {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} بكفيل أحفظكم لِأَنَّهُ لم يكن مَأْمُورا بقتالهم

ص: 189

من الْأَوْثَان {أَوْ أَن نَّفْعَلَ} لَا نَفْعل {فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيم الرشيد} السَّفِيه الضال استهزاء بِهِ

ص: 190

{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَأَعْطَانِي مَالا حَلَالا {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يَقُول مَا أُرِيد أَن أفعل مَا أنهاكم عَنهُ من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنْ أُرِيدُ} مَا أُرِيد {إِلَاّ الْإِصْلَاح} الْعدْل بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي} بوفاء الْكَيْل وَالْوَزْن {إِلَاّ بِاللَّه} من الله {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أقبل

ص: 190

{وَيَا قوم لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} لَا يحملنكم {شقاقي} بغضي وعداوتي حَتَّى لَا تؤمنوا وَلَا تؤفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {أَن يُصِيبَكُم} فيصيبكم {مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} يَعْنِي عَذَاب قوم نوح من الْغَرق والطوفان {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} الْهَلَاك بِالرِّيحِ {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} الصَّيْحَة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ} مَا خبر قوم لوط {مِّنكُم بِبَعِيدٍ} قد بَلغَكُمْ مَا أَصَابَهُم

ص: 190

{وَاسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} بِعبَادة الْمُؤمنِينَ {وَدُودٌ} متودد إِلَيْهِم بالمغفرة وَالثَّوَاب وَيُقَال محب لَهُم ويحببهم إِلَى الْخلق وَيُقَال يحبب إِلَيْهِم طَاعَته

ص: 190

{قَالُوا يَا شُعَيْب مَا نَفْقَهُ} مَا نعقل {كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} مِمَّا تَأْمُرنَا {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} ضَرِير الْبَصَر {وَلَوْلَا رَهْطُكَ} قَوْمك {لَرَجَمْنَاكَ} لقتلناك {وَمَآ أَنْت علينا بعزيز} كريم

ص: 190

{قَالَ يَا قوم أرهطي} قومِي {أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله} من كِتَابه وَدينه وَيُقَال عُقُوبَة رهطي أَشد عَلَيْكُم من عُقُوبَة الله {واتخذتموه} نبذتموه {وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} خلف ظهركم مَا جِئْت بِهِ من الْكتاب {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} بعقوبة مَا تَعْمَلُونَ {مُحِيطٌ} عَالم

ص: 190

{وَيَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنِّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ} إِلَى من يَأْتِيهِ {عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} على الله {وارتقبوا} انتظروا لهلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} منتظر لهلاككم

ص: 190

{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} بِنِعْمَة منا {وَأَخَذَتِ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا يَعْنِي قوم شُعَيْب {الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} فصاروا فِي مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين رَمَادا

ص: 190

{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلَا بُعْداً لِّمَدْيَنَ} لقوم شُعَيْب من رَحْمَة الله {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح من رَحْمَة الله وَكَانَ عَذَاب قوم صَالح وَقوم شُعَيْب سَوَاء كِلَاهُمَا كَانَ الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ أَصَابَهُم حر شَدِيد وَقوم صَالح أَتَاهُم من تَحت أَرجُلهم الْعَذَاب وَقوم شُعَيْب أَتَاهُم من فَوق رؤوسهم الْعَذَاب

ص: 190

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة بَيِّنَة والآيات هِيَ حجَّة بَيِّنَة

ص: 191

{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} رؤسائه {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} وَتركُوا قَول مُوسَى {وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ} قَول فِرْعَوْن {بِرَشِيدٍ} بصواب

ص: 191

{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} يتَقَدَّم ويقود قومه {يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمُ النَّار} فأدخلهم النَّار {وَبِئْسَ الْورْد المورود} بئس الْمدْخل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَقَومه وَبئسَ الْمدْخل النَّار

ص: 191

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه لَعْنَةً} أهلكوا فِي هَذِه الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {بِئْسَ الرفد المرفود} يَقُول بئس الْغَرق ورفده النَّار وَيُقَال بئس العون وَبئسَ المعان

ص: 191

{ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت {مِنْ أَنْبَآءِ الْقرى} فِي الدُّنْيَا من أَخْبَار الْقرى الْمَاضِيَة {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرِيل بأخبارها {مِنْهَا قَآئِمٌ} ينظر إِلَيْهَا قد باد أَهلهَا {وَحَصِيدٌ} مِنْهَا مَا قد خرب وَهلك أَهلهَا

ص: 191

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكهم {وَلَكِن ظلمُوا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ} حِين جَاءَ عَذَاب رَبك {وَمَا زَادُوهُمْ} عبَادَة الْأَوْثَان {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} غير تخسير

ص: 191

{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} عَذَاب رَبك {إِذَا أَخَذَ الْقرى} عذب أهل الْقرى {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة {إِنَّ أَخْذَهُ} عَذَابه {أَلِيمٌ} وجيع {شَدِيدٌ}

ص: 191

{إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت لَك {لآيَةً} لعبرة {لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَة} فَلَا يَقْتَدِي بهم {ذَلِك} يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاس} يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {وَذَلِكَ يَوْمٌ مشهود} شهده أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض

ص: 191

{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} يَعْنِي ذَلِك الْيَوْم {إِلَاّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} لوقت مَعْلُوم

ص: 191

{يَوْمَ يَأْتِ} ذَلِك الْيَوْم {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} لَا تشفع نفس صَالِحَة لأحد {إِلَاّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {فَمنهمْ} من النَّاس يؤمئذ {شَقِيٌّ} قد كتب عَلَيْهِ الشقاوة {وَسَعِيدٌ} قد كتب لَهُ السَّعَادَة

ص: 191

{فَأَمَّا الَّذين شَقُواْ} كتب عَلَيْهِم الشقاوة {فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} صَوت كزفير الْحمار فِي صَدره وَهُوَ أول مَا ينهق {وَشَهِيقٌ} كشهيق الْحمار فِي حلقه وَهُوَ آخر مَا يفرغ من نهيقه

ص: 191

{خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي النَّار {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَّا مَا شَاءَ رَبك السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقت كدوام رَبك وَقد يَشَاء رَبك أَن يخلدوا فِي النَّار وَيُقَال يخلد من كتب عَلَيْهِ الشقاوة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَبَنُو آدم إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يحوله من الشقاوة إِلَى السَّعَادَة بقوله يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت وَيُقَال يكونُونَ دائمين فِي النَّار مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء النَّار وَأَرْض النَّار إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يخرجهم من أهل التَّوْحِيد من كَانَت شقاوته بذنب دون الْكفْر فيدخله الْجنَّة بإيمانه خَالِصا {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد

ص: 191

{وَأَمَّا الَّذين سُعِدُواْ} كتب لَهُم السَّعَادَة {فَفِي الْجنَّة خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي الْجنَّة {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} كدوام السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقنَا {إِلَاّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} وَقد شَاءَ رَبك أَن يحوله من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة لقَوْله يمحو الله مَا يَشَاء من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة وَيثبت وَيتْرك وَيُقَال يكونُونَ فِي الْجنَّة دائمين مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء الْجنَّة وَأَرْض الْجنَّة إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يعذبه فِي النَّار قبل أَن يدْخلهُ الْجنَّة ثمَّ يُخرجهُ من النَّار ويدخله الْجنَّة فَيكون بعد ذَلِك دَائِما فِي الْجنَّة {عَطَآءً} ثَوابًا لَهُم {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} غير مَنْقُوص وَغير مَقْطُوع

ص: 191

{مَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} من قبلهم وهلكوا على ذَلِك {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} عقوبتهم {غَيْرَ مَنقُوصٍ} وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ فِي الْقَدَرِيَّة

ص: 192

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {فَاخْتلف فِيهِ} فِي كتاب مُوسَى آمن بِهِ بعض وَكفر بِهِ بعض {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن أمتك {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من هلاكهم ولجاءهم الْعَذَاب {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك

ص: 192

{وَإِنَّ كُلاًّ} كلا الْفَرِيقَيْنِ {لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} يَقُول يوفرهم {رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} ثَوَاب أَعْمَالهم بالْحسنِ حسنا وبالسيء سَيِّئًا {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {خَبِيرٌ}

ص: 192

{فاستقم} على طَاعَة الله {كَمَآ أُمِرْتَ} فِي الْقُرْآن {وَمَن تَابَ مَعَكَ} من الْكفْر والشرك أَيْضا فليستقم مَعَك {وَلَا تَطْغَوْاْ} لَا تكفرُوا وَلَا تعصوا بِمَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِير}

ص: 192

{وَلَا تركنوا} لَا تميلوا {إِلَى الَّذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بالْكفْر والشرك والمعاصي {فَتَمَسَّكُمُ} فتصيبكم {النَّار} كَمَا تصيبهم {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} من أقرباء تحفظكم من عَذَاب الله {ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بكم

ص: 192

{وَأَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة {طَرَفَيِ النَّهَار} صَلَاة الغذاة وَالظّهْر وَيُقَال صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر {وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْل} دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {إِنَّ الْحَسَنَات} الصَّلَوَات الْخمس {يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} يكفرن السَّيِّئَات دون الْكَبَائِر وَيُقَال سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} تَوْبَة للتائبين وَيُقَال كَفَّارَات لذنوب التائبين نزلت فِي شَأْن رجل تمار يُقَال لَهُ أَبُو الْيُسْر بن عَمْرو

ص: 192

{واصبر} يَا مُحَمَّد على مَا أمرت وعَلى أذاهم {فَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

ص: 192

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُون} يَقُول لم يكن من الْقُرُون الْمَاضِيَة {مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفساد فِي الأَرْض} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وَسَائِر الْمعاصِي {إِلَاّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ {وَاتبع الَّذين ظَلَمُواْ} اشْتغل الَّذين أشركوا ب {مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ} بِمَا نعموا فِيهِ فِي الدُّنْيَا من المَال {وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين

ص: 192

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ} أهل {الْقرى بِظُلْمٍ} مِنْهُم {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} فِيهَا من يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَيُقَال وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم مِنْهُ وَأَهْلهَا مصلحون مقيمون على الطَّاعَة مستمسكون بهَا

ص: 192

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعهم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلَا يَزَالُونَ} وَلَكِن لَا يزالون {مُخْتَلِفِينَ} فِي الدّين وَالْبَاطِل

ص: 192

{إِلَاّ مَن رَّحِمَ} عصم {رَبُّكَ} من الْبَاطِل والأديان الْمُخْتَلفَة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَلذَلِك خَلَقَهُمْ} للرحمة خلق أهل الرَّحْمَة وللاختلاف خلق أهل الِاخْتِلَاف {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وَجب قَول رَبك {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أجْمَعِينَ}

ص: 192

{مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُل} أَخْبَار الرُّسُل {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} لكَي نطيب بِهِ قَلْبك أَنه قد فعل بغيرك من الْأَنْبِيَاء مَا فعل بك {وَجَآءَكَ فِي هَذِه} السُّورَة {الْحق} خبر الْحق {وَمَوْعِظَةٌ} من الْمعاصِي {وذكرى} عظة {لِلْمُؤْمِنِينَ}

ص: 193

{وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} بِاللَّه وباليوم الآخر وبالملائكة وبالكتب وبالنبيين {اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنَّا عَامِلُونَ} فِي هلاككم

ص: 193

{وَانْتَظرُوا} هلاكي {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} هلاككم

ص: 193

{وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمر} وَإِلَى الله يرجع أَمر الْعباد {كُلُّهُ} فِي الْآخِرَة {فاعبده} فأطعه {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ثق بِهِ {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ كَمَا لم يغْفل

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُوسُف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ وحروفها سَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَتسْعُونَ

tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit

ص: 193

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَأَن مَا يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم هُوَ كَلَامي وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

ص: 193

{إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} يَقُول إِنَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ

ص: 193

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبين لَك {أَحْسَنَ الْقَصَص} أحسن الْخَبَر من أَخْبَار يُوسُف وَإِخْوَته {بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {هَذَا الْقُرْآن} فِي هَذَا الْقُرْآن {وَإِن كُنتَ} وَقد كنت {مِن قَبْلِهِ} من قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ {لَمِنَ الغافلين} عَن خبر يُوسُف وَإِخْوَته

ص: 193

{إِذْ قَالَ} قد قَالَ {يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْتُ} فِي مَنَام النَّهَار {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} نَزَلْنَ من أماكنهن وسجدن لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهم إخْوَته أحد عشر أَخا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يَقُول رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر نزلا من أمكنتهما وَسجدا لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهما أَبَوَاهُ راحيل وَيَعْقُوب

ص: 193

{قَالَ} يَعْقُوب ليوسف فِي السِّرّ {يَا بني} إِذا رَأَيْت رُؤْيا بعد هَذَا {لَا تَقْصُصْ} لَا تخبر {رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ} لإخوتك {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} فيحتالوا لَك حِيلَة يكون فِيهَا هلاكك {إِنَّ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ} لبني آدم {عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة يحملهم على الْحَسَد

ص: 193

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {يَجْتَبِيكَ} يصطفيك {رَبُّكَ} بِالنُّبُوَّةِ {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} من تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام أَي يُمِيتك على ذَلِك

ص: 193

{وعَلى آلِ يَعْقُوبَ} بك وَيتم نعْمَته على أَوْلَاد يَعْقُوب بك {كَمَآ أَتَمَّهَآ} نعْمَته بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ} من قبلك {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بنعمته {حَكِيمٌ} بإتمامها وَيُقَال عليم برؤياك حَكِيم بِمَا يصيبك

ص: 194

{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} فِي خبر يُوسُف {وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} عبرات {لِّلسَّائِلِينَ} عَن خبرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي حبر من الْيَهُود

ص: 194

{إِذْ قَالُواْ} إخْوَة يُوسُف بَعضهم لبَعض {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} بنيامين {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا} آثر عِنْده {مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب يُوسُف واختياره علينا

ص: 194

ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً} فِي جب {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يَقُول يقبل عَلَيْكُم أبوكم بِوَجْهِهِ {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} من بعد قَتله {قَوْماً صَالِحِينَ} تَائِبين من قَتله وَيُقَال صلحت حالكم مَعَ أبيكم

ص: 194

{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ} من إخْوَة يُوسُف وَهُوَ يهوذا لإخوته {لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ} وَلَكِن اطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب وَيُقَال فِي ظلمته {يَلْتَقِطْهُ} يرفعهُ {بَعْضُ السيارة} مارى الطَّرِيق من الْمُسَافِرين {إِن كُنْتُم فاعلين} بِهِ أمرا ثمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِيهِم

ص: 194

{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ} يذهب وَيَجِيء وينشط {وَيَلْعَبْ} يَله {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} مشفقون

ص: 194

{قَالَ} أبوهم {إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} فَلَا أرَاهُ {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْب} لِأَنَّهُ رأى فِي مَنَامه أَن ذئباً يشْتَد عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَالَ وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} باللعب وَيُقَال مشغولون بعملكم

ص: 194

{قَالُواْ} لأبيهم {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} لعاجزون وَيُقَال مغبونون بترك حُرْمَة الْوَالِد وَالْأَخ

ص: 194

{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} بعد مَا أذن لَهُم بذهابه {وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ} يَقُول اجْتَمعُوا على أَن يطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} إِلَى يُوسُف أرسلنَا إِلَيْهِ جِبْرِيل وَيُقَال ألهمه {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} لتخبرنهم يَا يُوسُف {بِأَمْرِهِمْ} بصنيعهم {هَذَا} بك {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} وهم لَا يعلمُونَ أَنَّك يُوسُف حَتَّى تخبرهم وَيُقَال لَا يعلمُونَ بوحينا إِلَى يُوسُف

ص: 194

{وجاؤوا أَبَاهُمْ} إِلَى أَبِيهِم {عِشَآءً} بعد الظّهْر {يَبْكُونَ} على يُوسُف

ص: 194

{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} ننتضل ونصطاد {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْد متاعنا} ليحفظ {فَأَكَلَهُ الذِّئْب} كَمَا قلت {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ} بمصدق {لنا وَلَو كُنَّا} وَإِن كُنَّا {صَادِقين} فِي قَوْلنَا

ص: 194

{وجاؤوا على قَمِيصِهِ} لطخوا على قَمِيصه

ص: 194

{بِدَمٍ كَذِبٍ} دم جدي وَيُقَال طري إِن قَرَأت بِالدَّال {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} فِي هَلَاك يُوسُف ففعلتم {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فعلى صَبر جميل بِلَا جزع {وَالله الْمُسْتَعَان} مِنْهُ أستعين {على مَا تَصِفُونَ} على صبري على مَا تَقولُونَ من هَلَاكه وَلم يُصدقهُمْ فِي قَوْلهم لأَنهم قَالُوا مرّة أُخْرَى قبل هَذَا قَتله اللُّصُوص

ص: 195

{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} قافلة من الْمُسَافِرين من قبل مَدين يُرِيدُونَ مصر فتحيروا فِي الطَّرِيق فأخطئوا الطَّرِيق فَجعلُوا يهيمون فِي الأَرْض حَتَّى وَقَعُوا فِي الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا الْجب وَهِي أَرض دوثن بَين مَدين ومصر فنزلوا عَلَيْهِ {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فَأرْسل كل قوم طَالب المَاء وَهُوَ ساقيهم فَوَافَقَ جب يُوسُف مَالك بن دعر رجل من الْعَرَب من أهل مَدين ابْن أخي شُعَيْب النَّبِي عليه السلام {فأدلى دَلْوَهُ} فَأرْخى دلوه فِي جب يُوسُف فَتعلق يُوسُف بِهِ فَلم يقدر على نَزعه من الْبِئْر فَنظر فِيهِ فَرَأى غُلَاما قد تعلق بالدلو فَنَادَى أَصْحَابه {قَالَ يَا بشرى} هَذَا بشراي يَا أَصْحَابِي قَالُوا مَا ذَلِك يَا مَالك قَالَ {هَذَا غُلَامٌ} أحسن مَا يكون من الغلمان فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ فأخرجوه من الْجب {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} وكتموه من الْقَوْم وَقَالُوا لقومهم هَذِه بضَاعَة استبضعها أهل المَاء لنبيعه لَهُم بِمصْر {وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} بِيُوسُف يَعْنِي إخْوَة يُوسُف وَيُقَال أهل الْقَافِلَة

ص: 195

{وَشَرَوْهُ} باعوه إخْوَته من مَالك بن دعر {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} نُقْصَان بِالْوَزْنِ وَيُقَال زيوف وَيُقَال حرَام {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} عشْرين درهما وَيُقَال اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما {وَكَانُواْ فِيهِ} فِي ثمن يُوسُف {مِنَ الزاهدين} لم يحتاجوا إِلَيْهِ وَيُقَال كَانَ إخْوَة يُوسُف فِي يُوسُف من الزاهدين لم يعرفوا قدره ومنزلته عِنْد الله تَعَالَى وَيُقَال كَانَ أهل الْقَافِلَة فِي يُوسُف من الزاهدين

ص: 195

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ} اشْترى يُوسُف {مِن مِّصْرَ} فِي مصر وَهُوَ الْعَزِيز خَازِن الْملك وَهُوَ صَاحب جُنُوده وَكَانَ يُسمى قطفير {لاِمْرَأَتِهِ} زليخا {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} قدره ومنزلته {عَسى أَن يَنفَعَنَآ} فِي ضيعتنا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أَو نتبناه وَكَانَ اشْتَرَاهُ من مَالك بن دعر بِعشْرين درهما وحلة ونعلين {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} ملكنا يُوسُف {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَالله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} على مقدوره وَلَا يرد مقدوره أحد {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله غَالب على أمره

ص: 195

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} والأشد من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {آتَيْنَاهُ} أعطيناه {حُكْماً وَعِلْماً} فهما ونبوة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْعلمِ وَالْحكمَة

ص: 195

{وَرَاوَدَتْهُ} طلبته {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أَن تستمكن من نَفسه {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب} عَلَيْهَا وعَلى يُوسُف {وَقَالَتْ} ليوسف {هَيْتَ لَكَ} هَلُمَّ أَنا لَك وَيُقَال تَعَالَى أَنا لَك وَيُقَال تهيأت لَك مَعْنَاهُ إِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَالتَّاء هَلُمَّ لَك وَإِن قَرَأت بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء والهمزة تهيأت لَك وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَرفع التَّاء تَعَالَى أَنا لَك {قَالَ} يُوسُف {مَعَاذَ الله} أعوذ بِاللَّه من هَذَا الْأَمر {إِنَّهُ رَبِّي} سَيِّدي الْعَزِيز {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} قدري ومنزلتي لَا أخونه فِي أَهله {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الزانون من عَذَاب الله

ص: 195

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} الْمَرْأَة {وَهَمَّ بِهَا} يُوسُف {لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} عَذَاب ربه لَازِما على نَفسه وَيُقَال رأى صُورَة أَبِيه وَيُقَال لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم مقدم ومؤخر {كَذَلِك} هَكَذَا {لنصرف عَنهُ السوء} الْقَبِيح {والفحشآء} يَعْنِي الزِّنَا {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} المعصومين من الزِّنَا

ص: 195

{واستبقا الْبَاب} تبادرا إِلَى الْبَاب أَرَادَ يُوسُف ليخرج وأرادت الْمَرْأَة لتغلق الْبَاب على يُوسُف فسبقته الْمَرْأَة {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ} شقَّتْ قَمِيص يُوسُف نِصْفَيْنِ {مِن دُبُرٍ} من الْخلف من وَسطه إِلَى قَدَمَيْهِ {وَأَلْفَيَا} ووجدا {سَيِّدَهَا} زوج الْمَرْأَة وَيُقَال ابْن عَمها {لَدَى الْبَاب} عِنْد الْبَاب {قَالَتْ} الْمَرْأَة لزَوجهَا {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بأهلك سوءا} زنا {إِلَاّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَو يضْرب ضربا وجيعاً

ص: 195

{قَالَ} يُوسُف {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} هِيَ دعتني وَطلبت أَن تستمكن من نَفسِي {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} حكم حَاكم {مِّنْ أَهْلِهَآ} وَهُوَ أَخُوهَا وَيُقَال ابْن عَمها

ص: 195

{إِن كَانَ قَمِيصُهُ} قَمِيص يُوسُف {قُدَّ} شقّ {مِن قُبُلٍ} من قُدَّام {فَصَدَقَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ من الْكَاذِبين}

ص: 196

{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {فَكَذَبَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ} فِي قَوْله إِنَّهَا راودتني

ص: 196

{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {قَالَ} أَخُوهَا {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} من مكركن وصنيعكن {إِنَّ كَيْدَكُنَّ} مكركن وصنيعكن {عَظِيمٌ} يخلص إِلَى البريء والسقيم

ص: 196

ثمَّ قَالَ أَخُوهَا ليوسف {يُوسُفُ} يَعْنِي يَا يُوسُف {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} الْأَمر وَلَا تخبر أحدا ثمَّ أعرض إِلَى الْمَرْأَة وَقَالَ {واستغفري لِذَنبِكِ} استحلي واعتذري إِلَى زَوجك من سوء صنيعك أيتها الْمَرْأَة {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من الخائنين لزوجك فَفَشَا أَمرهمَا بعد ذَلِك فِي الْمَدِينَة

ص: 196

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَة} وَهن أَربع نسْوَة امْرَأَة ساقي الْملك وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه {امْرَأَة الْعَزِيز} زليخا {تُرَاوِدُ فَتَاهَا} تَدْعُو عَبدهَا أَن يستمكنها {عَن نَّفْسِهِ} من نَفسه {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} قد شقّ شغَاف قَلبهَا حب يُوسُف وَيُقَال بَطنهَا حب يُوسُف إِن قَرَأت بالشين وَالْعين {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب عَبدهَا يُوسُف

ص: 196

{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} بقولهن {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} ودعتهن إِلَى الضِّيَافَة {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} وسائد يتكئن عَلَيْهَا إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَإِن قُرِئت مُخَفّفَة يَقُول أترنجة وَجَاءَت بِاللَّحْمِ وَالْخبْز فَوَضَعته بَين أَيْديهم {وَآتَتْ} أَعْطَتْ {كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} تقطع بهَا اللَّحْم لأَنهم كَانُوا لَا يَأْكُلُون من اللَّحْم إِلَّا مَا يقطعون بسكاكينهم {وَقَالَتِ} زليخا ليوسف {اخْرُج عَلَيْهِنَّ} يايوسف {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه {وَقَطَّعْنَ} خدشن وخمشن {أَيْدِيَهُنَّ} بالسكين من الدهشة والتحير مِمَّا رأين من حسن يُوسُف {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} معَاذ الله {مَا هَذَا بشرا} آدَمِيًّا {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} على ربه

ص: 196

{قَالَتْ} زليخا لَهُنَّ {فذلكن الَّذِي لُمْتُنَّنِي} عذلتنني وعيبتنني {فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} دَعوته إِلَى نَفسِي وطلبته لأستمكن من نَفسه {فاستعصم} فَامْتنعَ عني بالعفة {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمره ليسجنن} فِي السجْن {وليكونن مِّن الصاغرين} من الذليلين فِيهِ وقلن هَؤُلَاءِ النسْوَة ليوسف أطع مولاتك

ص: 196

{قَالَ} يُوسُف {رَبِّ} يَا رب {السجْن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} من الزِّنَا {وَإِلَاّ تَصْرِفْ} إِن لم تصرف {عَنِّي كَيْدَهُنَّ} مكرهن {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أمل إلَيْهِنَّ {وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلين} بنعمتك وَيُقَال من الزانين

ص: 196

{فَاسْتَجَاب لَهُ رَبُّهُ} دَعوته {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} مكرهن {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} للدُّعَاء {الْعَلِيم} بالإجابة وَيُقَال السَّمِيع لمقالتهن الْعَلِيم بمكرهن

ص: 196

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم يَعْنِي للعزيز {مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الْآيَات} شقّ الْقَمِيص وَقَضَاء أَخِيهَا {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} إِلَى سِنِين وَيُقَال إِلَى حِين يقطع مقَالَة النَّاس

ص: 196

{وَدَخَلَ مَعَهُ السجْن} بعد دُخُوله إِلَى خمس سِنِين {فَتَيَانَ} عَبْدَانِ للْملك صَاحب شرابه وَصَاحب مطبخه غضب عَلَيْهِمَا وأدخلهما السجْن {قَالَ أَحَدُهُمَآ} وَهُوَ الساقي {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَعْصِرُ خَمْراً} عنباً وأسقي الْملك وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يدْخل كرماً فَرَأى فِي الْكَرم حبلة حَسَنَة فِيهَا ثَلَاث قضبان وعَلى القضبان عناقيد الْعِنَب فاجتنى الْعِنَب فعصره وناوله الْملك فَقَالَ لَهُ يُوسُف أحسن مَا رَأَيْت أما الْكَرم فَهُوَ الْعَمَل الَّذِي كنت فِيهِ وَأما الحبلة فَهِيَ سلطانك على ذَلِك وَأما حسنها فَهُوَ عزك وكرامتك فِي ذَلِك الْعَمَل وَأما ثَلَاثَة قضبان على الحبلة فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن فَتخرج فتعود إِلَى عَمَلك وَأما الْعِنَب الَّذِي عصرت وناولت الْملك فَهُوَ أَن يردك إِلَى عَمَلك ويكرمك وَيحسن إِلَيْك

ص: 196

{وَقَالَ الآخر} وَهُوَ الخباز {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ} وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يخرج من مطبخ الْملك وعَلى رَأسه ثَلَاث سلال من الْخبز فَوَقع طير على أَعْلَاهَا وَأكل مِنْهَا فَقَالَ لَهُ يُوسُف بئس مَا رَأَيْت أما خُرُوجك من المطبخ فَهُوَ أَن تخرج من عَمَلك وَأما ثَلَاث سلال فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن وَأما أكل الطير من رَأسك فَهُوَ أَن يخْرجك الْملك بعد ثَلَاثَة أَيَّام ويصلبك وتأكل الطير من رَأسك وَقَالَ قبل تَعْبِيره {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أخبرنَا بِتَأْوِيل رؤيانا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِلَى أهل السجْن وَيُقَال من الصَّادِقين فِيمَا تَقول

ص: 197

{قَالَ} لَهما يُوسُف وَأَرَادَ أَن يعلمهما علمه بتعبير الرُّؤْيَا {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} تطعمانه {إِلَاّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} بلونه وجنسه {قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا} كَيفَ لَا أعلم تَعْبِير رؤياكما {ذلكما} التَّعْبِير {مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ} لم أتبع دين قوم {لَاّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ كافرون} جاحدون

ص: 197

{وَاتَّبَعت مِلَّةَ آبآئي} اسْتَقَمْت على دين آبَائِي {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ} مَا جَازَ لنا {أَن نُّشْرِكَ بِاللَّه مِن شَيْءٍ} شيأ من الْأَصْنَام {ذَلِك} الدّين الْقيم النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام اللَّذَان أكرمنا الله بهما {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا} منّ من الله علينا {وَعَلَى النَّاس} بإرسالنا إِلَيْهِم وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ بِالْإِيمَان {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لَا يَشْكُرُونَ} لَا يُؤمنُونَ بذلك

ص: 197

{يَا صَاحِبي السجْن} قَالَ هَذَا للسجان وَلأَهل السجْن {أأرباب مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ} يَقُول أعبادة آلِهَة شَتَّى خير {أَمِ الله الْوَاحِد القهار} أم عبَادَة الله الْوَاحِد بِلَا ولد وَلَا شريك القهار الْغَالِب على خلقه

ص: 197

{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ} من دون الله {إِلَاّ أَسْمَآءً} أصناماً أَمْوَاتًا {سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ} الْآلهَة {مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا} بعبادتكم لَهَا {مِن سُلْطَانٍ} من كتاب وَلَا حجَّة {إِنِ الحكم} مَا الحكم بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال مَا الْقَضَاء فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ} فِي الْكتب كلهَا {أَلَاّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلَاّ إِيَّاهُ} إِلَّا الله {ذَلِك} التَّوْحِيد {الدّين الْقيم} وَهُوَ الدّين الْقَائِم الَّذِي يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

ص: 197

ثمَّ بَين تَعْبِير رُؤْيا الفتيين فَقَالَ {يَا صَاحِبي السجْن أَمَّآ أَحَدُكُمَا} وَهُوَ الساقي فَيرجع إِلَى مَكَانَهُ وسلطانه الَّذِي كَانَ فِيهِ {فَيَسْقِي رَبَّهُ} سَيّده الْملك {خَمْراً وَأَمَّا الآخر} وَهُوَ الخباز يخرج من السجْن {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ} ففزعا لتعبير رُؤْيا الخباز وَقَالا جَمِيعًا مَا رَأينَا شَيْئا قَالَ لَهما يُوسُف {قُضِيَ الْأَمر الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} تَسْأَلَانِ فَكَمَا قلتما وَقلت لَكمَا كَذَلِك يكون رَأَيْتُمَا أَو لم تريا

ص: 197

{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ} علم {أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} عِنْد سيدك الْملك أَنِّي مظلوم عدا عليَّ إخوتي فباعوني وَأَنا حر وحبست فِي السجْن وَأَنا مظلوم {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَان ذِكْرَ رَبِّهِ} فأشغله الشَّيْطَان حَتَّى نسي ذكر يُوسُف عِنْد سَيّده الْملك وَيُقَال وسوس لَهُ الشَّيْطَان إِن ذكرت السجْن للْملك يرجعك إِلَى السجْن فَلذَلِك لم يذكرهُ وَيُقَال فأنساه الشَّيْطَان أنسى الشَّيْطَان يُوسُف ذكر ربه حَتَّى ترك ذكر ربه وَذكر مخلوقاً دونه {فَلَبِثَ} فَمَكثَ {فِي السجْن بِضْعَ سِنِينَ} عُقُوبَة بترك ذكر الله وَكَانَ قبل هَذَا فِي السجْن خمس سِنِين

ص: 197

{وَقَالَ الْملك إِنِّي أرى} رَأَيْت فِي الْمَنَام {سبع بقرات سمان} خرجن من نهر {يأكلهن} يبتلعهن {سَبْعٌ عِجَافٌ} بقرات هالكات من الهزال خرجن من بعد السمان وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء {وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}

ص: 197

التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء {يَا أَيهَا الْمَلأ} يَعْنِي العرافين والسحرة والكهنة {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} فِي تَعْبِير رُؤْيَايَ {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تعبرون} تعلمُونَ

ص: 198

{قَالُوا} يَعْنِي العارفين والكهنة والسحرة {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} هَذِه أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مُخْتَلفَة {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام} يَقُول بتعبير رُؤْيا الأحلام {بِعَالِمِينَ}

ص: 198

{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي {وادكر} تذكر يُوسُف {بَعْدَ أُمَّةٍ} سبع سِنِين وَيُقَال بعد النسْيَان إِن قَرَأت بِالْهَاءِ {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} قَالَ للْملك أَنا أخْبرك بتعبير الرُّؤْيَا يَا أَيهَا الْمَلأ {فَأَرْسِلُونِ} إِلَى السجْن فَإِن فِيهِ رجلا وَوصف علمه وحلمه وإحسانه إِلَى أهل السجْن وَصدقه بِتَأْوِيل الرُّؤْيَا

ص: 198

فَأرْسلهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ ليوسف يَا {يُوسُفُ أَيُّهَا الصّديق} الصَّادِق فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا الأولى {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} خرجن من نهر {يَأْكُلُهُنَّ} يبتلعهن {سَبْعٌ عِجَافٌ} هزال هالكات {وَسَبْعِ سنبلات خضر وَأخر يابسات} التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن {لعَلي أَرْجِعُ إِلَى النَّاس} إِلَى الْملك {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} لكَي يعلمُوا رُؤْيا الْملك فَقَالَ يُوسُف نعم أما السَّبع بقرات السمان فهن سبع سِنِين مخصبة وَأما السَّبع سنبلات الْخضر فَهُوَ الخصب والرخص فِي السنين المخصبة وَأما السَّبع بقرات الهزال الهالكات فَهِيَ سبع سِنِين مُجْدِبَة وَأما السَّبع سنبلات اليابسات فَهُوَ الْقَحْط والغلاء فِي السنين المجدبة

ص: 198

ثمَّ علمهمْ يُوسُف كَيفَ يصنعون {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} المخصبة {دَأَباً} دَائِما كل عَام {فَمَا حَصَدتُّمْ} من الزَّرْع {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} فِي كوافره وَلَا تدوسوه لِأَنَّهُ أبقى لَهُ {إِلَاّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} يَقُول بِقدر مَا تَأْكُلُونَ

ص: 198

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد السنين المخصبة {سَبْعٌ شِدَادٌ} سبع سِنِين قحطة {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} مَا رفعتم لَهُنَّ للسنين المجدبة فِي السنين المخصبة {إِلَاّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} تحرزون

ص: 198

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد السنين المجدبة {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاس} أهل مصر بِالطَّعَامِ والمطر {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} الكروم والأدهان وَالزَّيْت فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك بذلك

ص: 198

{وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ} بِيُوسُف {فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُول} وَهُوَ الساقي إِلَى يُوسُف فَقَالَ إِن الْملك يَدْعُوك {قَالَ} لَهُ يُوسُف {ارْجع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى سيدك الْملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسْوَة} يَقُول قل للْملك حَتَّى يسْأَل عَن خبر النسْوَة {اللَّاتِي قَطَّعْنَ} خدشن وخمشن {أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي} سَيِّدي {بِكَيْدِهِنَّ} بمكرهن وصنيعهن {عَلِيمٌ} فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك فَجمع الْملك هَؤُلَاءِ النسْوَة كُلهنَّ وَكن أَربع نسْوَة امْرَأَة سَاقيه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة الْعَزِيز أَيْضا وَلم يكن فِي مصر أعظم مِنْهُنَّ دون الْملك

ص: 198

{قَالَ} لَهُنَّ الْملك {مَا خَطْبُكُنَّ} مَا شأنكن وَمَا حالكن {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} معَاذ الله {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ} مَا رَأينَا مِنْهُ {من سوء} من قَبِيح {قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حَصْحَصَ الْحق} الْآن تبين الْحق ليوسف وَيُقَال الْآن خبر الصدْق {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} أَنا دَعوته إِلَى نَفسِي {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقين} فِي قَوْله إِنَّه لم يراودني

ص: 198

قَالَ يُوسُف {ذَلِك لِيَعْلَمَ} الْعَزِيز {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} فِي امْرَأَته {بِالْغَيْبِ} إِذا غَابَ عني

ص: 198

{وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي} لَا يصوب وَلَا يرضى {كَيْدَ الخائنين} عمل الزانين

ص: 199

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عليه السلام وَلَا حِين هَمَمْت بهَا يَا يُوسُف فَقَالَ يُوسُف {وَمَآ أبرئ نَفسِي} قلبِي من الْهم {إِنَّ النَّفس} يَعْنِي الْقلب {لأمارة} للجسد {بالسوء} بالقبيح من الْعَمَل {إِلَاّ مَا رَحِمَ رَبِّي} عصم رَبِّي {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لما هَمَمْت

ص: 199

{وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أخصه لنَفْسي دون الْعَزِيز {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} بعد مَا جَاءَ إِلَيْهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ {قَالَ} لَهُ الْملك {إِنَّكَ الْيَوْم لَدَيْنَا} عندنَا {مِكِينٌ} لَك قدر ومنزلة {أَمِينٌ} بالأمانة وَيُقَال بِمَا وليتك

ص: 199

{قَالَ اجْعَلنِي على خَزَآئِنِ الأَرْض} على خراج مصر {إِنِّي حَفِيظٌ} بتقديرها {عَلِيمٌ} بساعة الْجُوع حِين يَقع وَيُقَال حفيظ لما وليتني عليم بِجَمِيعِ ألسن الغرباء الَّذين يأتونك

ص: 199

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} هَكَذَا مكنا يُوسُف {فِي الأَرْض} أَرض مصر {يَتَبَوَّأُ} ينزل {مِنْهَا} فِيهَا {حَيْثُ يَشَآءُ} يُرِيد {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} نخص برحمتنا النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام {مَن نَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَلَا نُضِيعُ} لَا نبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

ص: 199

{وَلأَجْرُ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة {خَيْرٌ} من ثَوَاب الدُّنْيَا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} بِاللَّه وَجُمْلَة الْكتب وَالرسل {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

ص: 199

{وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} إِلَى مصر وهم عشرَة {فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ} على يُوسُف {فَعَرَفَهُمْ} يُوسُف أَنهم إخْوَته {وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} لَا يعْرفُونَ أَنه أخوهم يُوسُف

ص: 199

{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} كال لَهُم كيلهم {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ} كَمَا قُلْتُمْ إِن لنا أَخا من أَبينَا عِنْد أَبينَا {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْل} أوفر الْكَيْل وَيُقَال بيَدي كيل الطَّعَام {وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين} أفضل المضيفين

ص: 199

{فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ} بأخيكم من أبيكم {فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي} فِيمَا تستقبلون {وَلَا تَقْرَبُونِ} مرّة أُخْرَى

ص: 199

{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} سنطلبه من أَبِيه ونغري أَبَاهُ {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} لضامنون أَنا سنجيء بِهِ

ص: 199

{وَقَالَ} يُوسُف {لِفِتْيَانِهِ} لخدامه {اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ} دسوا دراهمهم {فِي رِحَالِهِمْ} فِي جواليقهم كي لَا يعلمُونَ {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ} لكَي يعرفوا هَذِه الْكَرَامَة مني وَيُقَال لكَي يعرفوا أَنَّهَا دراهمهم فيردوها لي {إِذَا انقلبوا إِلَى أَهْلِهِمْ} إِذا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} مرّة أُخْرَى

ص: 199

{فَلَمَّا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم} بكنعان {قَالُوا يَا أَبَانَا منع منا الْكَيْل} فِيمَا يسْتَقْبل إِن كم ترسل مَعنا بنيامين {فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا} بنيامين {نَكْتَلْ} يشتر لنَفسِهِ حملا وَيُقَال نشتر لَهُ حملا إِن قَرَأت بالنُّون {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ضامنون برده إِلَيْك

ص: 199

من قبل يُوسُف يَقُول هَل أقدر أَن آخذ عَلَيْكُم الْعَهْد والميثاق أَكثر مِمَّا أخذت عَلَيْكُم فِي يُوسُف {فَالله خَيْرٌ حَافِظاً} مِنْكُم {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وَهُوَ أرْحم بِهِ من وَالِديهِ وَمن إخْوَته

ص: 200

{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} جواليقهم {وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ} دراهمهم ثمن طعامهم {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} مَعَ طعامهم {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} مَا نكذب بِمَا قُلْنَا من إِحْسَان الرجل ولطفه بِنَا وَيُقَال مَا طلبنا هَذَا مِنْهُ {هَذِه بِضَاعَتُنَا} دراهمنا الَّتِي أعطيناه ثمن الطَّعَام {رُدَّتْ إِلَيْنَا} مَعَ الطَّعَام وَهَذَا من إحسانه إِلَيْنَا قَالَ لَهُم أبوهم بل جربكم الرجل بِهَذَا ردوا هَذِه الدَّرَاهِم إِلَيْهِ {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} نمتار أهلنا {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} فِي الذّهاب والمجيء بنيامين {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} وقر بعير إِذْ كَانَ هُوَ مَعنا {ذَلِك كَيْلٌ يَسِيرٌ} حمل يسير نعطي بِسَبَبِهِ وَيُقَال هَذَا أَمر يسير وحاجة هينة نطلب مِنْك

ص: 200

{قَالَ} لَهُم أبوهم {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} بِهَذِهِ الْمقَالة {حَتَّى تُؤْتُونِ} تعطوني {مَوْثِقاً} عهدا {مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} لتردنه عليَّ {إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} إِلَّا أَن ينزل عَلَيْكُم أَمر من السَّمَاء وَيُقَال إِلَّا أَن يُصِيبكُم أَمر من السَّمَاء أَو من الأَرْض {فَلَمَّآ آتَوْهُ} أعْطوا أباهم {مَوْثِقَهُمْ} عهودهم من الله على رده إِلَى أَبِيهِم {قَالَ} يَعْقُوب {الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} شَهِيد وَيُقَال كَفِيل

ص: 200

{وَقَالَ} لَهُم {يَا بني لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ} من سكَّة وَاحِدَة {وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} من سِكَك مُخْتَلفَة {وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله} من قَضَاء الله فِيكُم {مِن شَيْءٍ إِنِ الحكم} مَا الحكم بِالْقضَاءِ فِيكُم {إِلَاّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت وفوضت أَمْرِي وأمركم إِلَيْهِ {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} فليثق الواثقون وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله وَكَانَ خَافَ عَلَيْهِم يعقوبَ من الْعين لأَنهم كَانُوا صباح الْوُجُوه جمالا فَمن ذَلِك خَافَ عَلَيْهِم

ص: 200

{وَلَمَّا دَخَلُواْ} مصر {مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ} كَمَا أَمرهم {أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله} من قَضَاء الله فيهم {مِن شَيْءٍ إِلَاّ حَاجَةً} حزازة {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ} فِي قلب يَعْقُوب {قَضَاهَا} أبداها {وَإِنَّهُ} يَعْنِي يَعْقُوب {لَذُو عِلْمٍ} حفظ {لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} من الَّذِي علمناه من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْقَضَاء وَالْقدر علم أَنه لَا يكون إِلَّا مَا قضى الله {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

ص: 200

{وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ} ضم إِلَيْهِ {أَخَاهُ} من أَبِيه وَأمه وَحبس سَائِر إخْوَته على الْبَاب {قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ} بِمَنْزِلَة أَخِيك الْهَالِك {فَلَا تَبْتَئِسْ} فَلَا تحزن {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بك إخْوَتك من الْجفَاء وَيَقُولُونَ لَك من السب وَالتَّعْبِير

ص: 200

{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} كال لَهُم كيلهم {جَعَلَ السِّقَايَة فِي رَحْلِ أَخِيهِ} دس سقايته الَّتِي كَانَ يشرب فِيهَا ويكيل بهَا فِي رَحل أَخِيه من أَبِيه وَأمه ثمَّ أَمرهم بالرحيل ثمَّ أرسل خَلفهم فَتى {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} نَادَى مُنَاد وَهُوَ فَتى يُوسُف {أَيَّتُهَا العير} أهل الْقَافِلَة {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}

ص: 200

{قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ} يَقُول وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم وَقَالُوا {مَّاذَا تَفْقِدُونَ} مَا تطلبون

ص: 200

{قَالُواْ نَفْقِدُ} نطلب {صُوَاعَ الْملك} إِنَاء الْملك الَّذِي كَانَ يشرب فِيهِ ويكيل بِهِ وَكَانَ إِنَاء من الذَّهَب وَقد اتهمني الْملك {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} كَفِيل قَالَ لَهُم هَذَا القَوْل فَتى يُوسُف

ص: 200

{قَالُواْ تالله} وَالله {لَقَدْ عَلِمْتُمْ} يَا أهل مصر {مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْض} أَرض مصر بِالسَّرقَةِ ومضرة النَّاس {وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} مَا تطلبون

ص: 201

{قَالُواْ} يَعْنِي فَتى يُوسُف {فَمَا جَزَآؤُهُ} يَعْنِي مَا جَزَاء السَّارِق {إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ}

ص: 201

{قَالُواْ جَزَآؤُهُ} السَّارِق {مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} السّرقَة {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} يَقُول الاستعباد جَزَاء سَرقته {كَذَلِك نَجْزِي الظَّالِمين} السارقين بأرضنا

ص: 201

{فَبَدَأَ} فَتى يُوسُف {بِأَوْعِيَتِهِمْ} ففتشها {قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ} فَلم يجدهَا فِيهَا {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} من أَبِيه وَأمه فَقَالَ لَهُ فَتى يُوسُف فرجك الله كَمَا فرجتني (كَذَلِك) هَكَذَا {كِدْنَا} صنعنَا {لِيُوسُفَ} أكرمناه بِالْعلمِ وَالْحكمَة والفهم والنبوة وَالْملك {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ} يَقُول لم يَأْخُذ {أَخَاهُ فِي دِينِ الْملك} فِي قَضَاء الْملك {إِلَاّ أَن يَشَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله أَن لَا يَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك وَكَانَ قَضَاء الْملك للسارق أَنه يضْرب وَيغرم وَيُقَال يقطع وَيغرم وَيُقَال إِلَّا أَن يَشَاء الله إِلَّا مَا علم يُوسُف أَنه يُرْضِي الله من قَضَاء الْملك فَكَأَن يَأْخُذ بذلك {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل {مَّن نَّشَآءُ} كَمَا نرفع فِي الدُّنْيَا {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وَفَوق كل ذِي علم عَالم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله فَلَيْسَ فَوْقه أحد وَيُقَال الله عَالم وَفَوق كل عَالم فَلَيْسَ فَوْقه أحد

ص: 201

{قَالُوا} إخْوَة يُوسُف {إِن يَسْرِقْ} إِن سرق بنيامين سِقَايَة الْملك {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} من قبله أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأمه صنماً {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ} جَوَاب هَذِه الْكَلِمَة {فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} جوابها {قَالَ} فِي نَفسه {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} صنيعاً من يُوسُف {وَالله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} تَقولُونَ من أَمر يُوسُف

ص: 201

{قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} يفرح بِهِ إِن رددناه {فَخُذْ أَحَدَنَا} رهنا {مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ} إِن فعلت ذَلِك {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِلَيْنَا

ص: 201

{قَالَ} لَهُم يُوسُف {مَعَاذَ الله} أعوذ بِاللَّه {أَن نَّأْخُذَ} بِالسَّرقَةِ {إِلَاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ} بِحَبْس من لم نجد متاعنا عِنْده

ص: 201

{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} أيسوا مِنْهُ {خَلَصُواْ نَجِيّاً} خلوا نجياً للمناجاة فِيمَا بَينهم {قَالَ كَبِيرُهُمْ} أفضلهم فِي الْعقل وَهُوَ يهوذا {أَلَمْ تعلمُوا} يَا إخوتاه {أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله} لتردنه عليَّ {وَمِن قَبْلُ} من قبل هَذَا الْغُلَام {مَا فَرَّطتُمْ} مَا تركْتُم عَهده وميثاقه {فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْض} أَرض مصر {حَتَّى يَأْذَن لي أبي} بِالرُّجُوعِ وَيُقَال يَأْذَن لي أبي حَتَّى أناجزهم الْقِتَال {أَوْ يَحْكُمَ الله لِي} فِي رد أخي {وَهُوَ خَيْرُ} أفضل {الْحَاكِمين} فِي رده إِلَى

ص: 201

ثمَّ قَالَ لَهُم يهوذا {ارْجعُوا} يَا إخوتي {إِلَى أبيكم فَقولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنك سَرَقَ} صواع الْملك إِنَاء من ذهب وَيُقَال أَخذ بِالسَّرقَةِ إِن قَرَأت بِضَم السِّين وخفض الرَّاء بِالتَّشْدِيدِ {وَمَا شَهِدْنَآ إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا} رَأينَا أَن السّرقَة أخرجت من رَحْله {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} يَقُول لَو علمنَا الْغَيْب مَا ذَهَبْنَا بِهِ وَيُقَال مَا كُنَّا لَهُ بِاللَّيْلِ حافظين

ص: 201

{واسأل الْقرْيَة} أهل الْقرْيَة {الَّتِي كُنَّا فِيهَا} وَهِي قَرْيَة من قرى مصر {وَالْعير} أهل العير {الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} جِئْنَا مَعَهم وَكَانَ صحبهم قوم من كنعان {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فِيمَا قُلْنَا لَك فَقَالُوا ليعقوب هَذَا القَوْل

ص: 202

{قَالَ} يَعْقُوب لَهُم {بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} ففعلتموه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فعلي صَبر جميل بِلَا جزع {عَسَى الله} لَعَلَّ الله {أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} بِيُوسُف وأخيه من أَبِيه وَأمه بنيامين ويهوذا {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم} بمكانهم {الْحَكِيم} بردهمْ عَليّ

ص: 202

{وَتَوَلَّى عَنْهُم} خرج من بَينهم {وَقَالَ يَا أسفى} يَا حزنا {عَلَى يُوسُفَ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الْحزن} من الْبكاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} مغموم يتَرَدَّد حزنه فِي جَوْفه

ص: 202

{قَالُوا} وَلَده وَولد وَلَده {تالله} وَالله {تفتأ} لَا تزَال {تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} حَتَّى تكون دنفاً {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} بِالْمَوْتِ

ص: 202

{قَالَ} يَعْقُوب {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي} أدفَع غمي {وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} يَقُول أعلم أَن رُؤْيا يُوسُف صَادِقَة وَأَنا لنسجد لَهُ وَيُقَال أعلم من رَحْمَة الله وَجَمِيل نظره وصنعه مَا لَا تعلمُونَ وَيُقَال أعلم أَن يُوسُف حَيّ لم يمت لِأَنَّهُ دخل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ هَل قبضت روح ابْني يُوسُف فِيمَن قبضت قَالَ لَا فَمن ذَلِك

ص: 202

{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على يُوسُف فِي الْمرة الثَّالِثَة {قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مَسَّنَا} أَصَابَنَا {وَأَهْلَنَا الضّر} الْجُوع {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} بِدَرَاهِم لَا تنْفق فِي الطَّعَام وتنفق فِيمَا بَين النَّاس وَيُقَال بمتاع الْجَبَل كالصنوبر والحبة الخضراء وَيُقَال بمتاع الْعَرَب مثل الأقط وَالصُّوف والجبن وَالسمن {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل} يَقُول وفر لنا الْكَيْل كَمَا توفر بالدارهم الْجِيَاد {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ} مَا بَين الثمنين وَيُقَال بَين الكيلين {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

ص: 202

{قَالُوا أئنك لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} من أبي وَأمي {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ} بِالصبرِ {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} فِي النِّعْمَة {وَيِصْبِرْ} فِي الشدَّة {فَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ} ثَوَاب {الْمُحْسِنِينَ} بالتقوى وَالصَّبْر

ص: 202

{قَالُواْ} إخْوَة يُوسُف ليوسف {تالله} وَالله {لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} فضلك الله علينا {وَإِن كُنَّا} وَقد كُنَّا {لَخَاطِئِينَ} مسيئين بك عاصين لله

ص: 202

{قَالَ} لَهُم يُوسُف {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم} يَقُول لَا أعيركم بعد الْيَوْم {يَغْفِرُ الله لَكُمْ} مَا كَانَ مِنْكُم {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} من الْوَالِدين

ص: 202

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} وَكَانَ قَمِيصه كسْوَة من الْجنَّة {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} يرجع بَصيرًا {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} وَكَانُوا نَحْو سبعين إنْسَانا

ص: 203

{وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} خرجت العير من الْعَريش وَهِي قَرْيَة بَين مصر وكنعان {قَالَ أَبُوهُمْ} يَعْقُوب {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ} تسفهونني وتخزونني وتكذبونني فِيمَا أَقُول

ص: 203

{قَالُواْ} وَلَده وَولد وَلَده الَّذين كَانُوا عِنْده {تالله} وَالله {إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيم} فِي خطئك الأول فِي ذكر يُوسُف

ص: 203

ص: 203

{قَالُوا} وَلَده وَولد وَلَده {يَا أَبَانَا اسْتغْفر لَنَا ذُنُوبَنَآ} ادْع الله أَن يغْفر لنا ذنوبنا {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} مسيئين عاصين لله

ص: 203

{قَالَ} لَهُم {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} أَدْعُو لكم رَبِّي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر السحر {إِنَّهُ هُوَ الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

ص: 203

{فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} ضم إِلَيْهِ أَبَاهُ وخالته لِأَن أمه كَانَت مَاتَت قبل ذَلِك {وَقَالَ ادخُلُوا} انزلوا {مِصْرَ إِن شَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله {آمِنِينَ} من الْعَدو وَالسوء وَيُقَال ادخُلُوا مصر آمِنين من الْعَدو وَالسوء إِن شَاءَ الله مقدم ومؤخر

ص: 203

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش} على السرير {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} خضعوا لَهُ بِالسُّجُود أَبَوَاهُ وَإِخْوَته وَكَانَ سجودهم تحيتهم فِيمَا بَينهم كَانَ يسْجد الوضيع للشريف والشاب للشَّيْخ وَالصَّغِير للكبير كَهَيئَةِ الرُّكُوع نَحْو فعل الْأَعَاجِم {وَقَالَ يَا أَبَت هَذَا} السُّجُود {تَأْوِيلُ} تَعْبِير {رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} صدقا {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} إليّ {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجْن} ونجاني من الْعُبُودِيَّة {وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو} من الْبَادِيَة {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ} أفسد {الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي} بِالْحَسَدِ {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ} لما جمع بَيْننَا {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم} بِمَا أَصَابَنَا {الْحَكِيم} بِالْجمعِ والفرقة

ص: 203

{رَبِّ} يَا رب {قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْملك} أَعْطَيْتنِي ملك مصر أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخاً {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} تَعْبِير الرُّؤْيَا {فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض {أَنتَ وَلِيِّي} رَبِّي وخالقي ورازقي وحافظي وناصري {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِماً} مخلصاً بِالْعبَادَة والتوحيد {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} بآبائي الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

ص: 203

{ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت لَك يَا مُحَمَّد من خبر يُوسُف وَإِخْوَته {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} نرسل إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} عِنْدهم {إِذْ أَجمعُوا أَمْرَهُمْ} اجْتَمعُوا على أَن يطْرَحُوا يُوسُف فِي الْجب {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} يُرِيدُونَ بذلك هَلَاك يُوسُف

ص: 203

{وَمَآ أَكْثَرُ النَّاس} أهل مَكَّة {وَلَوْ حَرَصْتَ} لَو جهدت كل الْجهد مقدم ومؤخر {بِمُؤْمِنِينَ} بالكتب وَالرسل

ص: 204

{وَمَا تَسْأَلهُمْ} يَا مُحَمَّد {عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلَاّ ذِكْرٌ} عظة {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس

ص: 204

{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ} من عَلامَة {فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وَمَا فِي الأَرْض من الْجبَال والبحار وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} أهل مَكَّة {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} مكذبون بهَا لَا يتفكرون فِيهَا

ص: 204

{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} أهل مَكَّة {بِاللَّه} فِي السِّرّ وَيُقَال بعبودية الله {إِلَاّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} بوحدانية الله فِي الْعَلَانِيَة

ص: 204

{أفأمنوا} أهل مَكَّة {أَن تَأْتِيَهُمْ} أَن لَا تأتيهم {غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله} عَذَاب من عَذَاب الله مثل يَوْم بدر {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة} عَذَاب السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بنزول الْعَذَاب

ص: 204

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {هَذِه} يَعْنِي مِلَّة إِبْرَاهِيم {سبيلي} ديني {أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَةٍ} على دين وَبَيَان {أَنَاْ} أَدْعُو {وَمَنِ اتبعني} آمن بِي يدعونَ إِلَى الله أَيْضا على بَصِيرَة على دين وَبَيَان {وَسُبْحَانَ الله} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

ص: 204

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {إِلَاّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ} نرسل إِلَيْهِم جِبْرِيل كَمَا أرسل إِلَيْك {مِّنْ أَهْلِ الْقرى} مَنْسُوب إِلَى الْقرى مثلك {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أهل مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} كَيفَ صَار آخر أَمر {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من الْكفَّار {وَلَدَارُ الْآخِرَة} الْجنَّة {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وآمنوا بِاللَّه بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَن الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا وَيُقَال إِن الدُّنْيَا تفنى وَالْآخِرَة تبقى وَيُقَال أَفلا تصدقُونَ بِمَا أصَاب الْأَوَّلين حَيْثُ كذبُوا الرُّسُل

ص: 204

{حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} فَلَمَّا أيس الرُّسُل من إِجَابَة الْقَوْم {وظنوا} علمُوا وأيقنوا يَعْنِي الرُّسُل {أَنَّهُمْ} يَعْنِي قَومهمْ {قد كذبُوا} كذبوهم بِمَا جَاءُوا بِهِ من الله إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَيُقَال وظنوا يَعْنِي الْقَوْم يَعْنِي الرُّسُل قد كذبُوا أخلف وعد الرُّسُل إِن قُرِئت مُخَفّفَة {جَآءَهُمْ نَصْرُنَا} يَعْنِي عذابنا بِهَلَاك قَومهمْ {فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ} يَعْنِي الرُّسُل وَمن آمن بالرسل {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا} عذابنا {عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين

ص: 204

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ} فِي خبرهم خبر يُوسُف وَإِخْوَته {عِبْرَةٌ} آيَة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس {مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى} يَعْنِي الْقُرْآن لَيْسَ بِحَدِيث يختلق {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع وَخبر يُوسُف {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} تبيان كل شَيْء من الْحَلَال وَالْحرَام {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك وَالله أعلم بأسرار كِتَابه

ص: 204

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الرَّعْد وَهِي مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} إِلَى آخرهَا وَقَوله {وَيَقُول الَّذين كفرُوا} إِلَى {وَمن عِنْده علم الْكتاب} فَإِنَّهُمَا مدنيتان آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَخمْس وَخَمْسُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتَّة أحرف

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

ص: 205

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {المر} أَنا الله أعلم وَأرى مَا تَعْمَلُونَ وتقولون وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب} إِن هَذِه السُّورَة آيَات لقرآن {وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحق} يَقُول الْقُرْآن هُوَ الْحق من رَبك {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن

ص: 205

{الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَات} خلق السَّمَوَات ورفعها على الأَرْض {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يَقُول ترونها بِغَيْر عمد وَيُقَال بعمد لَا ترونها {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} كَانَ الله على الْعَرْش قبل أَن رفع السَّمَوَات وَيُقَال اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال اسْتَوَى عِنْده الْقَرِيب والبعيد على معنى الْعلم وَالْقُدْرَة {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر} ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {يُدَبِّرُ الْأَمر} ينظر فِي أَمر الْعباد وَيبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {يُفَصِّلُ الْآيَات} يبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

ص: 205

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْض} بسط الأَرْض على المَاء {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} خلق فِي الأَرْض الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا {وَأَنْهَاراً} أجْرى فِيهَا أَنهَارًا {وَمِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {جَعَلَ فِيهَا} خلق فِيهَا {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الحامض والحلو زوج والأبيض والأحمر زوج {يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار} يُغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ يَقُول يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اخْتِلَاف مَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِيهِ

ص: 205

{وَفِي الأَرْض قِطَعٌ} أمكنة {مُّتَجَاوِرَاتٌ} ملتزقات أَرض سبخَة رَدِيئَة وبجنبها أَرض طيبَة عذبة جَيِّدَة {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ} من كروم {وزروع} حرث {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ} مُجْتَمع أُصُولهَا فِي أصل وَاحِد عشرَة أَو أقل أَو أَكثر {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} مفترق أُصُولهَا وَاحِدَة وَاحِدَة {يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ} بِمَاء الْمَطَر أَو بِمَاء النَّهر {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الْأكل} فِي الْحمل والطعم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اختلافها وألوانها {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنَّهَا من الله

ص: 205

{وَإِن تَعْجَبْ} من تكذيبهم إياك {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فَقَوْلهم أعجب حَيْثُ قَالُوا {أئذا كُنَّا} صرنا {تُرَابا} رميما {أئنا لفي خلق جَدِيد} يجدد بعد الْمَوْت وفنا الرّوح {أُولَئِكَ} أهل إِنْكَار الْبَعْث {الَّذين كَفَرُواْ} هم الَّذين كفرُوا {بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ} أهل الْكفْر {الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ} والسلاسل فِي أَيْمَانهم مشدودة إِلَى أَعْنَاقهم {وَأُولَئِكَ} أهل الأغلال والسلاسل {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا أبدا

ص: 205

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالسَّيِّئَةِ} بِالْعَذَابِ استهزاء {قَبْلَ الْحَسَنَة} قبل الْعَافِيَة لَا يَسْأَلُونَك الْعَافِيَة {وَقَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهِمُ المثلات} الْعُقُوبَات فِيمَن هلك {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} تجَاوز {لِّلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {على ظُلْمِهِمْ} على شركهم إِن تَابُوا وآمنوا {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعقَاب} لمن مَاتَ على الشّرك

ص: 205

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل عَلَيْهِ {آيَةٌ} عَلامَة {مِّن رَّبِّهِ} لنبوته كَمَا أنزل على رسله الْأَوَّلين {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {مُنذِرٌ} رَسُول مخوف {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} نَبِي وَيُقَال دَاع يَدعُوهُم من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى

ص: 206

{الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} كل حَامِل ذكر هُوَ أَو أُنْثَى {وَمَا تَغِيضُ} وَمَا تنقص {الْأَرْحَام} فِي الْحمل من التِّسْعَة {وَمَا تَزْدَادُ} على التِّسْعَة فِي الْحمل {وَكُلُّ شَيْءٍ} من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَخُرُوج الْوَلَد والمكث {عِنْده بِمِقْدَار}

ص: 206

{عَالم الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا يكون وَالشَّهَادَة مَا كَانَ وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الْوَلَد فِي الْأَرْحَام وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي خرج من الْأَرْحَام {الْكَبِير} لَيْسَ شَيْء أكبر مِنْهُ {المتعال} لَيْسَ شَيْء أَعلَى مِنْهُ

ص: 206

{سَوَآءٌ مِّنْكُمْ} عِنْد الله بِالْعلمِ {مَّنْ أَسَرَّ القَوْل} وَالْفِعْل {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} من أعلن بالْقَوْل وَالْفِعْل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} مستتر {وَسَارِبٌ} ظَاهر {بِالنَّهَارِ} بقول أَو عمل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ

ص: 206

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أَيْضا مَلَائِكَة يعقب بَعضهم بَعْضًا يعقب مَلَائِكَة اللَّيْل مَلَائِكَة النَّهَار وملائكة النَّهَار مَلَائِكَة اللَّيْل {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} مقدم ومؤخر {مِنْ أَمْرِ الله} بِأَمْر الله ويدفعونه إِلَى الْمَقَادِير {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من أَمن ونعمة {حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بترك الشُّكْر {وَإِذَا أَرَادَ الله بِقوم سوءا} عذَابا وهلاكاً {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} لقَضَاء الله فيهم {وَمَا لَهُمْ} لمن أَرَادَ الله هلاكهم {مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن وَالٍ} من مَانع من عَذَاب الله وَيُقَال من ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ

ص: 206

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْق} الْمَطَر {خَوْفاً} للْمُسَافِر بالمطر أَن تبتل ثِيَابه {وَطَمَعاً} للمقيم أَن يسْقِي حرثه {وَيُنْشِئُ} يخلق وَيرْفَع {السَّحَاب الثقال} بالمطر

ص: 206

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْد بِحَمْدِهِ} بأَمْره وَهُوَ ملك وَيُقَال صَوت السَّمَاء {وَالْمَلَائِكَة} وتسبح الْمَلَائِكَة {مِنْ خِيفَتِهِ} وهم خائفون من الله {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِق} يَعْنِي النَّار {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} فَيهْلك بالنَّار من يَشَاء يَعْنِي زيد بن قيس أهلكه الله بالنَّار وَأهْلك صَاحبه عَامر ابْن الطُّفَيْل بطعنة فِي خاصرته {وَهُمْ يُجَادِلُونَ} يُخَاصِمُونَ {فِي الله} فِي دين الله مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ شَدِيدُ الْمحَال} شَدِيد الْعقَاب

ص: 206

{لَهُ دَعْوَةُ الْحق} دين الْحق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي كلمة الْإِخْلَاص {وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} ينفع إِن دعوهم {إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} إِلَّا كماد يَدَيْهِ {إِلَى المآء} من بعد {لِيَبْلُغَ فَاهُ} لكَي يبلغ المَاء إِلَى فِيهِ {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} بِتِلْكَ الْحَال المَاء إِلَى فِيهِ أبدا يَقُول كَمَا لَا يبلغ المَاء فَاه هَذَا الرجل كَذَلِك لَا تَنْفَع الْأَصْنَام من عَبدهَا {وَمَا دُعَآءُ الْكَافرين} عبَادَة الْكَافرين {إِلَاّ فِي ضَلَالٍ} فِي بَاطِل يضل عَنْهُم

ص: 206

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} يُصَلِّي ويعبد {مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {طَوْعاً} أهل السَّمَاء لِأَن عِبَادَتهم بِغَيْر مشقة {وَكَرْهاً} أهل الأَرْض لِأَن عِبَادَتهم بالمشقة وَيُقَال طَوْعًا لأهل الْإِخْلَاص وَكرها لأهل النِّفَاق وَيُقَال طَوْعًا لمن ولد فِي الْإِسْلَام وَكرها لمن أَدخل فِي الْإِسْلَام جبرا {وَظِلالُهُم} ظلال من يسْجد لله أَيْضا تسْجد {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} غدْوَة وَعَشِيَّة غدْوَة عَن أَيْمَانهم وَعَشِيَّة عَن شمائلهم

ص: 206

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَن رَّبُّ} من خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} خالقهما {قُلْ} يَا مُحَمَّد {أفاتخذتم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا من الْآلهَة {لَا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا}

ص: 206

جر النَّفْع {وَلَا ضرا} دَافع الضّر {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات والنور} يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان {أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ} وصفوا لله {شُرَكَآءَ} من الْآلهَة {خَلَقُواْ} خلقا {كَخَلْقِهِ} كخلق الله {فَتَشَابَهَ الْخلق} فتشابه كل الْخلق {عَلَيْهِمْ} فَلَا يَدْرُونَ خلق الله من خلق آلِهَتهم {قُلِ} يَا مُحَمَّد {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ لَا الْآلهَة لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {وَهُوَ الْوَاحِد القهار} الْغَالِب على خلقه

ص: 207

ثمَّ ضرب مثل الْحق وَالْبَاطِل فَقَالَ {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} يَقُول أنزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَبَين فِيهِ الْحق وَالْبَاطِل {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} فاحتملت الْقُلُوب المنورة الْحق بِقدر سعتها ونورها {فَاحْتمل السَّيْل} الْقُلُوب الْمظْلمَة {زَبَداً رَّابِياً} بَاطِلا كثيرا بهواها {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّار} وَهَذَا مثل آخر يَقُول وَمِمَّا تطرحون فِي النَّار من الذَّهَب وَالْفِضَّة فِيهِ حَيْثُ مثل زبد الْبَحْر الْملح {ابتغآء} طلب {حِلْيَةٍ} تلبسونها يَقُول مثل الْحق مثل الذَّهَب وَالْفِضَّة ينْتَفع بهما كَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل مثل خبث الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا ينْتَفع بِهِ كَذَلِك لَا ينْتَفع بِالْبَاطِلِ صَاحبه {أَوْ مَتَاعٍ} أَو حَدِيد أَو نُحَاس {زَبَدٌ مِّثْلُهُ} يَقُول يكون لَهُ خبث مثله مثل زبد المَاء وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْحق كَمثل الْحَدِيد والنحاس ينْتَفع بهما فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل كَمثل خبث الْحَدِيد والنحاس لَا ينْتَفع بِهِ كَمَا لَا ينْتَفع بخبث الْحَدِيد والنحاس {كَذَلِك يَضْرِبُ الله} يبين الله الْحق وَالْبَاطِل {فَأَمَّا الزّبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً} يَقُول يذهب كَمَا جَاءَ لَا ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْبَاطِل لَا ينْتَفع بِهِ {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاس} وَهُوَ المَاء الصافي وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس {فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض} ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ {كَذَلِك يَضْرِبُ الله الْأَمْثَال} يبين الله أَمْثَال الْحق وَالْبَاطِل

ص: 207

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} بِالتَّوْحِيدِ فِي الدُّنْيَا {الْحسنى} لَهُم الْجنَّة فِي الْآخِرَة {وَالَّذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ} لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض} من الذَّهَب وَالْفِضَّة {جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لَافْتَدَوْاْ بِهِ} لفادوا بِهِ أنفسهم {أُولَئِكَ لَهُم سوء الْحساب} شدَّة الْعَذَاب {وَمَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} الْفراش والمصير

ص: 207

{أَفَمَن يَعْلَمُ} يصدق {أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {الْحق} هُوَ الْحق {كَمَنْ هُوَ أعمى} كَافِر {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ بِمَا أنزل إِلَيْك من الْقُرْآن {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

ص: 207

{الَّذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} يتمون فَرَائض الله {وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاق} لَا يتركون فَرَائض الله

ص: 207

{وَالَّذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الْأَرْحَام وَيُقَال من الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يعْملُونَ لرَبهم {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} شدَّة الْعَذَاب

ص: 207

{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} على أَمر الله والمرازي {ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} طلب رضَا رَبهم {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وأنفقوا من مَا رَزَقْنَاهُمْ} تصدقوا مِمَّا أعطيناهم {سِرّاً} فِيمَا بَينهم وَبَين الله {وَعَلَانِيَةً} فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يدْفَعُونَ بالْكلَام الْحسن الْكَلَام السيء إِذا أورد عَلَيْهِم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة من قَوْله إِنَّمَا يتَذَكَّر إِلَى هَهُنَا {لَهُمْ عُقبى الدَّار} يَعْنِي الْجنَّة

ص: 207

ثمَّ بَين أَي الجنات لَهُم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن وَهِي مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ

ص: 207

{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} من وحد {مِنْ آبَائِهِمْ} يدْخلُونَهَا أَيْضا {وَأَزْوَاجِهِمْ} من وحد من أَزوَاجهم يدْخلُونَهَا أَيْضا {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} من وحد من ذرياتهم يدْخلُونَ أَيْضا جنَّات عدن {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} يُقَال لكل وَاحِد مِنْهُم خيمة من در مجوفة لَهَا أَرْبَعَة آلَاف بَاب لكل بَاب مصراع يدْخل عَلَيْهِم من كل بَاب ملك

ص: 208

يَقُولُونَ {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} هَذِه الْجنَّة بِمَا صَبَرْتُمْ على أَمر الله والمرازي {فَنِعْمَ عُقبى الدَّار} نعم الْجنَّة لكم

ص: 208

{وَالَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} يتركون فَرَائض الله {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} تغليظه وتشديده وتأكيده {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الْأَرْحَام وَالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بالْكفْر والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {لَهُمُ اللَّعْنَة} السخطة فِي الدُّنْيَا {وَلَهُمْ سوء الدَّار} يَعْنِي النَّار فِي الْآخِرَة

ص: 208

{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ} قَالَ ابْن عَبَّاس وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا الْبسط وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا التقتير وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم أَي يُوسع المَال على من يَشَاء فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مكرمته {وَيَقَدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} رَضوا بِمَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من النَّعيم وَالسُّرُور {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة من النَّعيم وَالسُّرُور {فِي الْآخِرَة} عِنْد نعيم الْآخِرَة فِي الْبَقَاء {إِلَاّ مَتَاعٌ} إِلَّا شَيْء قَلِيل كمتاع الْبَيْت مثل السكرجة والقدح وَالْقدر وَغير ذَلِك

ص: 208

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {آيَةٌ} عَلامَة {مِّن رَّبِّهِ} لنبوته كَمَا كَانَت للرسل الْأَوَّلين بِزَعْمِهِ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيهْدِي} يرشد {إِلَيْهِ} إِلَى دينه {مَنْ أَنَابَ} من أقبل إِلَى الله

ص: 208

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} وترضى وتسكن قُلُوبهم {بِذِكْرِ الله} الْقُرْآن وَيُقَال بِالْحلف بِاللَّه {تطمئِن الْقُلُوب} أَي تسكن وتوضى الْقُلُوب

ص: 208

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {طُوبَى لَهُمْ} غِبْطَة لَهُم وَيُقَال طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة سَاقهَا من ذهب وورقها الْحلَل وَثَمَرهَا من كل لون وَأَغْصَانهَا مُتَوَالِيَات فِي الْجنَّة وتحتها كُثْبَان الْمسك والعنبر والزعفران {وَحُسْنُ مَآبٍ} الْمرجع فِي الْجنَّة

ص: 208

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ} يَقُول هَكَذَا أَرْسَلْنَاك إِلَى أمة {قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهَآ أُمَم لتتلو عَلَيْهِمُ} لتقرأ عَلَيْهِم {الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرَائِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب {قُلْ} الرَّحْمَن {هُوَ رَبِّي لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت ووثقت {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} الْمرجع فِي الْآخِرَة

ص: 208

ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه لقَولهم أذهب عَنَّا جبال مَكَّة بقرآنك وأنبع فِيهَا الْعُيُون كَمَا كَانَ لداود عين الْقطر بزعمك وائتنا برِيح نركب عَلَيْهَا إِلَى الشَّام ونجى عَلَيْهَا كَمَا كَانَت لِسُلَيْمَان بزعمك وأحي مَوتَانا كَمَا أحيى عِيسَى بن مَرْيَم بزعمك فَقَالَ الله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً} غير قُرْآن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {سُيِّرَتْ بِهِ الْجبَال} أذهبت بِهِ الْجبَال عَن وَجه الأَرْض {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْض} أَي قصد بِهِ الْبعد {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أَو أحيى بِهِ الْمَوْتَى لَكَانَ بقرآن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بَل لِلَّهِ الْأَمر جَمِيعاً} بل الله يفعل ذَلِك جَمِيعًا إِن شَاءَ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذين آمنُوا} أفلم يعلم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً} لأكرم النَّاس كلهم بِدِينِهِ {وَلَا يَزَالُ الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل يَعْنِي كفار مَكَّة {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} فِي كفرهم {قَارِعَةٌ} سَرِيَّة وَيُقَال صَاعِقَة {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً}

ص: 208

أَو تنزل مَعَ أَصْحَابك قَرِيبا {مِّن دَارِهِمْ} من مدينتهم مَكَّة بعسفان {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله} فتح مَكَّة {إِنَّ الله لَا يُخْلِفُ الميعاد} فتح مَكَّة وَيُقَال الْبَعْث بعد الْمَوْت

ص: 209

{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك قُرَيْش {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} فأمهلت للَّذين كفرُوا بعد الِاسْتِهْزَاء {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بِالْعَذَابِ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} انْظُر كَيفَ كَانَ تعييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ

ص: 209

{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ} يَقُول الله قَائِم على حفظ كل نفس {بِمَا كسبت} من الْخَيْر وَالشَّر والرزق وَالدَّفْع {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} وصفوا لله {شُرَكَآءَ} من الْآلهَة يعبدونها {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {سَمُّوهُمْ} سموا منفعتهم وتدبيرهم إِن كَانَ لَهُم شركَة مَعَ الله {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ} أتخبرونه {بِمَا لَا يَعْلَمُ} بِمَا يعلم أَن لَيْسَ {فِي الأَرْض} أحد ينفع ويضر من دون الله {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْل} بل بباطل من القَوْل والزور وَالْكذب عبدوهم {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {مَكْرُهُمْ} قَوْلهم وفعلهم {وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيل} صرفُوا عَن الدّين {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من موفق

ص: 209

{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ يَوْم بدر {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَقُّ} أَشد من عَذَاب الدُّنْيَا {وَمَا لَهُم مِّنَ الله} من عَذَاب الله {من واق} من مَانع وملجأ يلجئون إِلَيْهِ

ص: 209

{مَّثَلُ الْجنَّة} صفة الْجنَّة {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} ثَمَرهَا دَائِم لَا يفنى {وِظِلُّهَا} دَائِم لَا خلل فِيهِ {تِلْكَ} الْجنَّة {عُقبى} مأوى {الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَّعُقْبَى} مأوى {الْكَافرين النَّار}

ص: 209

{وَالَّذين آتَيْنَاهُمُ} أعطيناهم {الْكتاب} علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} من ذكر الرَّحْمَن {وَمِنَ الْأَحْزَاب} يَعْنِي الْيَهُود {من يُنكر بعضه} بعض الْقُرْآن مَا فِيهِ ذكر الرَّحْمَن {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} مخلصاً {وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} شَيْئا {إِلَيْهِ أَدْعُو} خلقه {وَإِلَيْهِ مَآبِ} مرجعي فِي الْآخِرَة

ص: 209

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ} هَكَذَا أنزلنَا جِبْرَائِيل بِالْقُرْآنِ {حُكْماً} الْقُرْآن كُله حكم الله {عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم} دينهم وقبلتهم {بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم} الْبَيَان بدين إِبْرَاهِيم وقبلته {مَا لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعك {وَلَا وَاقٍ} لَا مَانع يمنعك

ص: 209

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} كَمَا أَرْسَلْنَاك {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً} أَكثر من أَزوَاجك مثل دَاوُد وَسليمَان {وَذُرِّيَّةً} أَكثر من ذريتك مثل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود لقَولهم لَو كَانَ مُحَمَّد نَبيا لشغلته النُّبُوَّة عَن التَّزَوُّج {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ} بعلامة {إِلَاّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لكل كتاب أجل مهلة مقدم ومؤخر

ص: 209

من ديوَان الْحفظَة مَالا ثَوَاب وَلَا عِقَاب لَهُ {وَيثبت} يتْرك مَاله الثَّوَاب وَالْعِقَاب {وَعِندَهُ أُمُّ الْكتاب} أصل الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لَا يُزَاد فِيهِ وَلَا ينقص مِنْهُ

ص: 210

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب فِي حياتك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} نقبضنك قبل أَن نريك {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {وَعَلَيْنَا الْحساب} الثَّوَاب وَالْعِقَاب

ص: 210

(أَو لم يَرَوْاْ) ينْظرُوا أهل مَكَّة {أَنَّا نَأْتِي الأَرْض} نَأْخُذ الأَرْض {ننقصها} نفتحها لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {مِنْ أَطْرَافِهَا} من نَوَاحِيهَا وَيُقَال هُوَ موت الْعلمَاء {وَالله يَحْكُمُ} بِفَتْح الْبلدَانِ وَمَوْت الْعلمَاء {لَا مُعَقِّبَ} لَا مغير {لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

ص: 210

{وَقَدْ مَكَرَ} صنع {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل أهل مَكَّة مثل نمْرُود بن كنعان بن سنجاريب بن كوش وَأَصْحَابه {فَلِلَّهِ الْمَكْر جَمِيعاً} عِنْد الله عُقُوبَة مَكْرهمْ جَمِيعًا {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ} يعلم الله مَا تكسب {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة من خير أَو شَرّ {وَسَيَعْلَمُ الْكفَّار} يَعْنِي الْيَهُود وَسَائِر الْكفَّار {لِمَنْ عُقْبَى الدَّار} يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال الدولة يَوْم بدر وَلمن تكون مَكَّة

ص: 210

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن الْيَهُود وَغَيرهم {لَسْتَ مُرْسَلاً} من الله يَا مُحَمَّد وَإِلَّا فائتنا بِشَهِيد يشْهد لَك فَقَالَ الله {قُلْ كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بِأَنِّي رَسُوله وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه {وَمَنْ عِنْده علم الْكتاب} يَعْنِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال هُوَ آصف ابْن برخيا لقَوْله تَعَالَى {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} وَمن عِنْده من عِنْد الله علم الْكتاب تبيان الْقُرْآن إِن قَرَأت بالخفض وَهُوَ الْكتاب الَّذِي أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا إِبْرَاهِيم وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وآياتها خَمْسُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وحروفها ثَلَاث آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 210

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {كِتَابٌ} أَي هَذَا كتاب {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {لِتُخْرِجَ النَّاس} لتدعو أهل مَكَّة {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم تدعوهم {إِلَى صِرَاطِ} إِلَى دين {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله

ص: 210

{الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب {وَوَيْلٌ} وَاد فِي جَهَنَّم من أَشدّهَا حرا وأضيقها مَكَانا وأبعدها قعراً فَتَقول يَا رب قد اشْتَدَّ حرى وضاق مَكَاني وَبعد قعري فَأذن لي حَتَّى أنتقم مِمَّن عصاك وَلَا تجْعَل شَيْئا ينْتَقم مني {لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} غليظ

ص: 210

{الَّذين يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يختارون الدُّنْيَا {عَلَى الْآخِرَة وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها غيراً {أُولَئِكَ} الْكفَّار {فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فِي خطأ بيّن

ص: 210

بلغَة قومه {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} بلغتهم مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال بِلِسَان يقدرُونَ أَن يتعلموا مِنْهُ {فَيُضِلُّ الله} عَن دينه {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَهْدِي} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه وَيُقَال الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم بالإضلال وَالْهدى

ص: 211

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ} التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} أَن ادْع قَوْمك {مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} بأيام عَذَاب الله وَيُقَال بأيام رَحْمَة الله {إِنَّ فِي ذَلِك} فبمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} على النِّعْمَة

ص: 211

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} وَقد قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ بني إِسْرَائِيل {اذْكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} منَّة الله عَلَيْكُم {إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْن} من فِرْعَوْن وَقَومه القبط {يسومونكم سوء الْعَذَاب} يعذبونكم بأشد الْعَذَاب {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيُونَ} يستخدمون {نِسَآءَكُمْ} كبارًا {وَفِي ذَلِكُم} فِي ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء {بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ} بلية من ربكُم عَظِيمَة ابتلاكم بهَا وَيُقَال وَفِي ذَلِكُم فِي إنجاء الله لكم بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ نعْمَة من ربكُم عَظِيمَة أنعمكم بهَا

ص: 211

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} قَالَ ربكُم وَاعْلَم ربكُم فِي الْكتاب {لَئِن شَكَرْتُمْ} بالتوفيق والعصمة والكرامة وَالنعْمَة {لأَزِيدَنَّكُمْ} تَوْفِيقًا وعصمة وكرامة ونعمة {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} بِي أَو بنعمتي {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} لمن كفر

ص: 211

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا أهل مَكَّة {نَبَأُ} خبر {الَّذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ} يَعْنِي قوم هود {وَثَمُود} يَعْنِي قوم صَالح {وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم صَالح قوم شُعَيْب وَغَيرهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد التَّكْذِيب {لَا يَعْلَمُهُمْ} لَا يعلم عَددهمْ وعذابهم أحد {إِلَاّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَردُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} على أَفْوَاههم يَقُول ردوا على الرُّسُل مَا جَاءُوا بِهِ وَيُقَال وضعُوا أَيْديهم على أفواهههم وَقَالُوا للرسل اسْكُتُوا وَإِلَّا سكتم {وَقَالُوا} للرسل {إِنَّا كَفَرْنَا} جحدنا {بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} من الْكتاب والتوحيد {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ} من الْكتاب والتوحيد {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك فِيمَا تَقولُونَ

ص: 211

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ} أَفِي وحدانية الله شكّ {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض يَدْعُوكُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {مِّن ذُنُوبِكُمْ} فِي الْجَاهِلِيَّة {وَيُؤَخِّرَكُمْ} يؤجلكم بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَعْنِي الْمَوْت {قَالُوا} للرسل {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم {إِلَاّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا} تصرفون {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا} من الْأَصْنَام

ص: 211

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ} مَا نَحن {إِلَاّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ} يَقُول خلق مثلكُمْ {وَلَكِن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَمَا كَانَ لَنَآ} مَا يَنْبَغِي لنا {أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ} بِكِتَاب وَحجَّة {إِلَاّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} يَقُول وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله فَقَالُوا للرسل توكلوا أَنْتُم على الله حَتَّى تروا مَا يفعل بكم

ص: 212

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ} من مدينتنا {أَوْ لَتَعُودُنَّ} تدخلن {فِي مِلَّتِنَا} فِي ديننَا {فَأوحى إِلَيْهِمْ} إِلَى الرُّسُل {رَبُّهُمْ} أَن اصْبِرُوا {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين

ص: 212

{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ} لننزلنكم {الأَرْض} أَرضهم وديارهم {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد هلاكهم {ذَلِك} التسكين {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} الْقيام بَين يَدي {وَخَافَ وَعِيدِ} عَذَابي

ص: 212

{واستفتحوا} استنصر كل قوم على نَبِيّهم {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ} خسر عِنْد الدُّعَاء من النُّصْرَة كل متكبر ختال {عَنِيدٍ} معرض عَن الْحق وَالْهدى

ص: 212

{مِّن وَرَآئِهِ} من قُدَّام هَذَا الْجَبَّار بعد الْمَوْت {جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} مِمَّا يخرج من جُلُودهمْ من الْقَيْح وَالدَّم

ص: 212

{يَتَجَرَّعُهُ} يسْتَمْسك الصديد فِي حلقه {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} يُجِيزهُ {وَيَأْتِيهِ الْمَوْت} غم الْمَوْت {مِن كُلِّ مَكَانٍ} من تَحت كل شَعْرَة وَيُقَال تَأْخُذهُ النَّار من كل مَكَان من كل نَاحيَة {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} من ذَلِك الْعَذَاب {وَمِن وَرَآئِهِ} من بعد الصديد {عَذَابٌ غَلِيظٌ} شَدِيد أَشد من الصديد

ص: 212

{مَّثَلُ الَّذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ} يَقُول مثل أَعمال الَّذين كفرُوا برَبهمْ {كَرَمَادٍ اشتدت} ذرت {بِهِ الرّيح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} قاصف شَدِيد من الرّيح {لَاّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ} يَقُول لَا يَجدونَ ثَوَاب شَيْء مِمَّا عمِلُوا من الْخَيْر فِي الْكفْر كَمَا لَا يُوجد من الرماد شَيْء إِذا ذرته الرّيح {ذَلِك} الْكفْر وَالْعَمَل لغير الله {هُوَ الضلال الْبعيد} الْخَطَأ الْبعيد عَن الْحق وَالْهدى

ص: 212

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد خَاطب بذلك نبيه وَأَرَادَ بِهِ قومه {أَنَّ الله خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم أَو يمتكم يَا أهل مَكَّة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يخلق خلقا آخر خيرا مِنْكُم وأطوع لله

ص: 212

{وَمَا ذَلِك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بشديد يَقُول لَيْسَ على الله بشديد أَن يهلككم ويخلق خلقا آخر

ص: 212

{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ} خَرجُوا من الْقُبُور بِأَمْر الله {جَمِيعاً} القادة والسفلة {فَقَالَ الضُّعَفَاء} السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} عَن الْإِيمَان وهم القادة {إِنَّا كُنَّا لكم تبعا}

ص: 212

مُطِيعِينَ فِيمَا أمرتمونا {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ} حاملون {عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ} شَيْئا من عَذَاب الله {قَالُواْ} يَعْنِي القادة {لَوْ هَدَانَا الله} لدينِهِ {لَهَدَيْنَاكُمْ} لدعوناكم إِلَى دينه {سَوَآءٌ عَلَيْنَآ} الْعَذَاب {أَجَزِعْنَآ} أصحنا وتضرعنا {أَمْ صَبَرْنَا} سكتنا {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} من مغيث وملجأ

ص: 213

{وَقَالَ الشَّيْطَان} يَقُول الشَّيْطَان وَهُوَ إِبْلِيس {لَمَّا قضي الْأَمر} أَدخل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار فَيَقُول لأهل النَّار فِي النَّار {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحق} أَن الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب وَالْمِيزَان والصراط حق {وَوَعَدتُّكُمْ} أَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب وَلَا ميزَان وَلَا صِرَاط {فَأَخْلَفْتُكُمْ} كذبت لكم {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} من حجَّة وَعذر ومقدرة {إِلَاّ أَن دَعَوْتُكُمْ} إِلَى طَاعَتي {فاستجبتم لِي} طَاعَتي {فَلَا تَلُومُونِي} فِي دَعْوَتِي لكم {ولوموا أَنفُسَكُمْ} بإجابتكم إيَّايَ {مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} بمغيثكم ومنجيكم من النَّار {وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بمغيثي ومنجي من النَّار {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ} بِالَّذِي أشركتموني بِهِ {مِن قَبْلُ} من قبل أَن أشركتموني بِهِ وَيُقَال إِنِّي كفرت الْيَوْم بِمَا أشركتموني يَقُول تبرأت مِنْكُم وَمن دينكُمْ وإجابتكم من قبل هَذَا من قبل فِي الدُّنْيَا {إِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

ص: 213

{وَأدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {تَحِيَّتُهُمْ} كرامتهم {فِيهَا} فِي الْجنَّة {سَلَامٌ} يسلم بَعضهم على بعض إِذا تلاقوا

ص: 213

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} يَقُول كَيفَ بَين الله صفة كلمة طيبَة وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} وَهِي الْمُؤمن {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} يَقُول قلب الْمُؤمن المخلص ثَابت بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَفَرْعُهَا فِي السمآء} يَقُول بهَا يقبل عمل الْمُؤمن المخلص

ص: 213

{تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} يَقُول يعْمل الْمُؤمن المخلص كل حِين طَاعَة لله وَخيرا {بِإِذْنِ رَبِّهَا} يَقُول بِأَمْر رَبهَا وَيُقَال صفة كلمة طيبَة فِي النَّفْع والمدحة كشجرة طيبَة وَهِي النَّخْلَة شَجَرَة طيبَة ثَمَرهَا كَذَلِك الْمُؤمن أَصْلهَا ثَابت يَقُول أصل الشَّجَرَة ثَابت فِي الأَرْض بعروقها فَكَذَلِك الْمُؤمن ثَابت بِالْحجَّةِ والبرهان وفرعها فِي السَّمَاء يَقُول أَغْصَان النَّخْلَة ترفع نَحْو السَّمَاء وَكَذَلِكَ عمل الْمُؤمن المخلص يُوقع إِلَى السَّمَاء تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ يَقُول تخرج ثَمَرهَا كل سِتَّة أشهر بِإِذن رَبهَا بِإِرَادَة رَبهَا فَكَذَلِك الْمُؤمن المخلص يعْمل كل حِين طَاعَة وَخير بِأَمْر ربه {وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَال} هَكَذَا يبيّن الله الْأَمْثَال صفة توحيده {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا وَيرغبُوا فِي توحيده فِي قَول الله جلّ ذكره

ص: 213

{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} وَهُوَ الشّرك بِاللَّه {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} وَهُوَ الْمُشرك يَقُول الشّرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة كَمَا أَن الْمُشرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة وَيُقَال كشجرة خبيثة وَهِي الحنظلة لَيْسَ لَهَا مَنْفَعَة وَلَا حلاوة فَكَذَلِك الشّرك لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا مِدْحَة {اجتثت} اقتلعت {مِن فَوْقِ الأَرْض مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} من ثبات على وَجه الأَرْض كَذَلِك الْمُشرك لَيْسَ لَهُ حجَّة يَأْخُذ بهَا كَمَا أَن لَيْسَ لشَجَرَة الحنظلة أصل تثبت عَلَيْهِ وَلَا يقبل مَعَ الشّرك عمل

ص: 213

{يثبت الله الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال آمنُوا يَوْم الْمِيثَاق بِطيبَة الْأَنْفس وهم أهل السَّعَادَة {بالْقَوْل الثَّابِت} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} لكَي لَا يرجِعوا عَنْهَا {وَفِي الْآخِرَة} يَعْنِي فِي الْقَبْر إِذا سُئِلَ عَنْهَا {وَيُضِلُّ الله} يصرف الله {الظَّالِمين} الْمُشْركين عَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا لكَي لَا يَقُولُوا بِطيبَة النَّفس وَلَا فِي الْقَبْر وَلَا إِذا أخرجُوا من الْقُبُور وهم أهل الشقاوة {وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآءُ}

ص: 213

من الإضلال والتثبت وَيُقَال من صرف مُنكر وَنَكِير

ص: 214

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله} غيروا منَّة الله بِالْكتاب وَالرسل {كُفْراً} بالْكفْر أَي كفرُوا بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن وهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة المطعمون يَوْم بدر {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ} أنزلوا أهل مَكَّة {دَارَ الْبَوَار} دَار الْهَلَاك يَعْنِي دَار بدر وَيُقَال جَهَنَّم

ص: 214

ثمَّ قَالَ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة {وَبِئْسَ الْقَرار} الْمنزل والمصير جَهَنَّم

ص: 214

{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} قَالُوا ووصفوا لله {أَندَاداً} أعدالاً من الْأَوْثَان فعبدوها {لِّيُضِلُّواْ} بذلك {عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {تَمَتَّعُواْ} عيشوا فِي كفركم {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار} يَوْم الْقِيَامَة

ص: 214

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّعِبَادِيَ الَّذين آمَنُواْ} بِي وبالكتب وَالرسل {يُقِيمُواْ الصَّلَاة} الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَيُنْفِقُواْ} يتصدقوا {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} مَا أعطيناهم من الْأَمْوَال {سِرّاً} خفِيا {وَعَلانِيَةً} جَهرا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَاّ بَيْعٌ فِيهِ} لَا فدَاء فِيهِ {وَلَا خِلَالٌ} لَا مخالة للْكَافِرِ والصالح تَنْفَعهُ خلته

ص: 214

ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجَ بِهِ} فأنبت بالمطر {مِنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {رِزْقاً لَّكُمْ} طَعَاما لكم ولسائر الْخلق {وَسَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ الْفلك} يَعْنِي السفن {لِتَجْرِيَ} الْفلك {فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ وإرادته {وسخر} ذلل {لكم الْأَنْهَار} تجْرِي حَيْثُ تشاءون

ص: 214

{وَسَخَّر لَكُمُ} ذلل لكم {الشَّمْس وَالْقَمَر دَآئِبَينَ} دائمين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {وَسَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ اللَّيْل وَالنَّهَار} يَجِيء وَيذْهب

ص: 214

{وَآتَاكُم} أَعْطَاكُم {مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وَمَا لم تحسنوا أَن تسألوا {وَإِن تعدوا نعْمَة الله} منَّة الله {لَا تُحْصُوهَا} لَا تحفظوها وَلَا تشكروها {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {لَظَلُومٌ} مُشْرك {كَفَّارٌ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته

ص: 214

{وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {إِبْرَاهِيمُ} بعد مَا بني الْبَيْت {رَبِّ} يَا رب {اجْعَل هَذَا الْبَلَد} مَكَّة {آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ ويأمن فِيهِ الْخَائِف {واجنبني} احفظني {وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَام} من عبَادَة الْأَصْنَام والنيران وَيُقَال اعصمني

ص: 214

{رَبِّ} يَا رب {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} أَي أضلّ بِهن كثير من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس {فَمَن تَبِعَنِي} تبع ديني وأطاعني {فَإِنَّهُ مِنِّي} على ديني {وَمَنْ عَصَانِي} فَخَالف ديني {فَإِنَّكَ غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم أَي يَتُوب عَلَيْهِم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 214

{رَّبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنِّي أَسْكَنتُ} أنزلت {مِن ذُرِّيَّتِي} إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر {بِوَادٍ} فِي وَاد {غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} لَيْسَ بِهِ زرع وَلَا نَبَات {عِندَ بَيْتِكَ الْمحرم} يَعْنِي مَكَّة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لِيُقِيمُواْ الصَّلَاة} لكَي يتموا الصَّلَاة نَحْو الْكَعْبَة {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاس} قُلُوب بعض النَّاس {تهوي إِلَيْهِمْ} تشتاق وتنزع إِلَيْهِم كل سنة {وارزقهم مِّنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} لكَي يشكروا نِعْمَتك {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا

ص: 214

{إِنَّك تعلم مَا نخفي} من حب إِسْمَعِيل {وَمَا نُعْلِنُ} من حب إِسْحَاق وَيُقَال مَا نخفي من وجد إِسْمَاعِيل وَمَا نعلن من الْجفَاء لَهُ {وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ} من عمل خير أَو شَرّ {فَي الأَرْض وَلَا فِي السمآء}

ص: 214

{الْحَمد لله}

ص: 214

الشُّكْر لله {الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكبر} بعد الْكبر {إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} وَكَانَ ابْن مائَة سنة وَامْرَأَته سارة بنت تسع وَتِسْعين سنة حَيْثُ ولدهما {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء} مُجيب الدُّعَاء

ص: 215

{رَبِّ} يَا رب {اجْعَلنِي مُقِيمَ الصَّلَاة} متم الصَّلَاة {وَمِن ذُرِّيَتِي} أَيْضا يَقُول أكرمني وَأكْرم ذريتي بإتمام الصَّلَاة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَتَقَبَّلْ دُعَاء} عبادتي

ص: 215

{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {اغْفِر لِي} ذُنُوبِي {وَلِوَالِدَيَّ} لآبائي الْمُؤمنِينَ {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ولسائر الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات {يَوْمَ يَقُومُ الْحساب} يَوْم يكون الْحساب وَتقوم الْحَسَنَة والسيئة فَمن زَادَت لَهُ الْحَسَنَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن زَادَت لَهُ السَّيئَة وَجَبت لَهُ النَّار وَمن اسْتَوَت لَهُ حَسَنَة وسيئة فَهُوَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف

ص: 215

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} يَقُول تَارِك عُقُوبَة مَا يعْمل الْمُشْركُونَ {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار} أبصار الْكفَّار وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

ص: 215

{مُهْطِعِينَ} مُسْرِعين قَاصِدين ناظرين إِلَى الدَّاعِي {مُقْنِعِي رؤوسهم} مطأطىء رؤوسهم وَيُقَال رافعي رؤوسهم وَيُقَال مادي أَعْنَاقهم {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} لَا يرجع إِلَيْهِم أَبْصَارهم من الهول والفزع {وَأَفْئِدَتُهُمْ} قُلُوبهم {هَوَآءٌ} خَالِيَة من كل خير وَيُقَال لَا عَائِدَة وَلَا خَارِجَة

ص: 215

{وَأَنذِرِ النَّاس} خوف أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب} من يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُولُ الَّذين ظلمُوا} أشركوا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} مثل أجل الدُّنْيَا {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} إِلَى التَّوْحِيد {وَنَتَّبِعِ الرُّسُل} نطع الرُّسُل بالإجابة فَيَقُول الله لَهُم {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ} حلفتم {مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا فِي الدُّنْيَا {مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} من الدُّنْيَا وَلَا بعث

ص: 215

{وَسَكَنتُمْ} نزلتم {فِي مسَاكِن} فِي منَازِل {الَّذين ظلمُوا أَنفُسَهُمْ} بالشرك والتكذيب فَلم يتعظوا بهلاكهم {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} فِي الدُّنْيَا {وَضَرَبْنَا} بَينا {لَكُمُ الْأَمْثَال} فِي الْقُرْآن من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد وَالرَّحْمَة وَالْعَذَاب

ص: 215

{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} صَنَعُوا صنيعهم بالتكذيب بالرسل {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} عُقُوبَة صنيعهم {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجبَال} لكَي تَخِر مِنْهُ الْجبَال إِن قَرَأت بخفض اللَّام الأولى وَنصب اللَّام الْأُخْرَى وَيُقَال وَإِن كَانَ مَكْرهمْ وَقد كَانَ مَكْرهمْ مكر نمروذ الْجَبَّار لتزول مِنْهُ الْجبَال لتخر مِنْهُ الْجبَال حَيْثُ سمع دوِي التابوت والنسور إِن قَرَأت بِنصب اللَّام الأولى وَرفع اللَّام الْأُخْرَى

ص: 215

{فَلَا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} لرسله بنجاتهم وهلاك أعدائهم {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {ذُو انتقام} ذُو نقمة من أعدائه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

ص: 215

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض} أَي فِي يَوْم تغير الأَرْض {غَيْرَ الأَرْض} على حَال سوى هَذِه الْحَال وتبديلها أَن يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا ويسوى جبالها وأوديتها وَيُقَال تبدل الأَرْض غير هَذِه الأَرْض {وَالسَّمَاوَات} مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ} خَرجُوا وظهروا لله {الْوَاحِد الْقَهَّارِ} لخلقه بِالْمَوْتِ

ص: 215

{وَتَرَى الْمُجْرمين} الْمُشْركين {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {مُّقَرَّنِينَ} مسلسلين وَيُقَال مقيدين {فِي الأصفاد} فِي الْقُيُود مَعَ الشَّيَاطِين

ص: 215

{سَرَابِيلُهُم} قمصهم {مِّن قَطِرَانٍ} من نَار سَوْدَاء كالقطران وَيُقَال من قطران من صفر حَار قد انْتهى حره {وتغشى} تعلو {وُجُوهَهُمْ النَّار}

ص: 215

{لِيَجْزِيَ الله} وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول وبرزوا لله الْوَاحِد القهار ليجزي الله {كُلَّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَّا كَسَبَتْ} من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 215

{إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

ص: 216

{هَذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ} أبلغهم عَن الله وَيُقَال بَيَان لَهُم بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} لكَي يخوفوا بِالْقُرْآنِ {وليعلموا} لكَي يعلمُوا ويقروا {أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَلِيَذَّكَّرَ} ولكي يتعظ بِالْقُرْآنِ {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْحجر وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وكلماتها سِتّمائَة وَخَمْسُونَ وَأَرْبع وحروفها أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَسَبْعُونَ

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 216

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول انا الله ارى قسم أقسم بِالْألف وَاللَّام وَالرَّاء {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْكتاب {وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} يَقُول وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

ص: 216

{رُبمَا يود} يتَمَنَّى {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} فِي الدُّنْيَا يَقُول رُبمَا يَأْتِي على الْكَافرين يَوْم يتَمَنَّى أَنه كَانَ مُسلما وَلِهَذَا كَانَ الْقسم وَذَلِكَ إِذا أخرج الله من النَّار من كَانَ مُؤمنا مخلصاً بإيمانه وَأدْخلهُ الْجنَّة فَعِنْدَ ذَلِك يتَمَنَّى الْكَافِر أَنه كَانَ مُسلما فِي الدُّنْيَا

ص: 216

{ذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {يَأْكُلُواْ} بِلَا حجَّة وَلَا همة مَا فِي الْغَد {وَيَتَمَتَّعُواْ} يعيشوا فِي الْكفْر وَالْحرَام {وَيُلْهِهِمُ الأمل} ويشغلهم الأمل الطَّوِيل عَن طَاعَة الله {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقَبْر وَيَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يفعل بهم

ص: 216

{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} فِيهِ أجل مَعْلُوم مُؤَقّت لهلاكهم

ص: 216

{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يَقُول لَا تَمُوت وَلَا تهْلك أمة قبل أجلهَا {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} وَلَا تَأَخّر أمة عَن أجلهَا

ص: 216

{وَقَالُواْ} عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {يَا أَيهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ بزعمك {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} تختلق

ص: 216

{لَّوْ مَا تَأْتِينَا} هلا تَأْتِينَا {بِالْمَلَائِكَةِ} من السَّمَاء فيشهدوا لَك أَنَّك رَسُول الله {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} فِي مَقَالَتك

ص: 216

قَالَ الله {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَة} من السَّمَاء {إِلَاّ بِالْحَقِّ} بِالْهَلَاكِ وَقبض أَرْوَاحهم {وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} مؤجلين إِذا نزلت عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة

ص: 216

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {وَإِنَّا لَهُ} لِلْقُرْآنِ {لَحَافِظُونَ} من الشَّيَاطِين حَتَّى لَا يزِيدُوا فِيهِ وَلَا ينقصوا مِنْهُ وَلَا يُغيرُوا حكمه وَيُقَال إِنَّا لَهُ لمُحَمد صلى الله عليه وسلم لحافظون من الْكفَّار وَالشَّيَاطِين

ص: 216

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد الرُّسُل {فِي شِيَعِ الْأَوَّلين} فِي فرق الْأَوَّلين

ص: 216

{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ} مُرْسل إِلَيْهِم {إِلَاّ كَانُوا بِهِ} بالرسول {يستهزؤون} يستسخرون

ص: 216

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَسْلُكُهُ} نَتْرُك التَّكْذِيب {فِي قُلُوبِ الْمُجْرمين} الْمُشْركين

ص: 216

{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} لكَي لَا يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن ونزول الْعَذَاب عَلَيْهِم {وَقَدْ خَلَتْ} مَضَت {سُنَّةُ الْأَوَّلين} سيرة الْأَوَّلين بتكذيب الرُّسُل كَمَا كَذبك قَوْمك وَمَضَت سيرة الله فيهم بِالْعَذَابِ والهلاك من الله لَهُم عِنْد التَّكْذِيب

ص: 216

ص: 216

{فظلوا فِيهِ} فصاروا فِيهِ {يَعْرُجُونَ} يصعدون وينزلون يَعْنِي كالملائكة

ص: 217

{لَقَالُواْ} كفار مَكَّة {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أخذت أَعيننَا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} مغلوبو الْعقل قد سحرنَا

ص: 217

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً} قصوراً وَيُقَال نجوماً وَهِي النُّجُوم الَّتِي يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر {وَزَيَّنَّاهَا} يَعْنِي السَّمَاء بالكواكب {لِلنَّاظِرِينَ} إِلَيْهَا وَهِي النُّجُوم الَّتِي زينت بهَا السَّمَاء

ص: 217

{وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} مَلْعُون مطرود بالنجوم الَّتِي يزجرون بهَا عَن اسْتِمَاع الْمَلَائِكَة يَعْنِي الشَّيَاطِين

ص: 217

{إِلَاّ مَنِ اسْترق السّمع} إِلَّا من اختلس خلسة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} يلْحقهُ نجم مضيء حَار متوقد

ص: 217

{وَالْأَرْض مَدَدْنَاهَا} بسطناها على المَاء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا} على الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت أوتاداً لَهَا {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا} فِي الْجبَال وَيُقَال فِي الأَرْض {مِن كُلِّ شَيْءٍ} من النَّبَات وَالثِّمَار {مَّوْزُونٍ} مَقْدُور مقسوم مَعْلُوم وَيُقَال من كل شَيْء مَوْزُون يُوزن مثل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والصفر والرصاص وَغير ذَلِك

ص: 217

{وَجَعَلْنَا} خلقنَا {لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} فِي الأَرْض من النَّبَات وَالثِّمَار وَمَا تَأْكُلُونَ وتشربون وتلبسون {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} يَقُول ويرزق من لَسْتُم لَهُ برازقين يَعْنِي الطير والوحش وَيُقَال الأجنة فِي الْبُطُون

ص: 217

{وَإِن مِّن شَيْءٍ} وَمَا من شَيْء من النَّبَات وَالثِّمَار والأمطار {إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} مفاتيحه يَقُول بيدنا مفاتيحه لَا بِأَيْدِيكُمْ {وَمَا نُنَزِّلُهُ} يَعْنِي الْمَطَر {إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} بكيل وَوزن مَعْلُوم بِعلم الْخزَّان

ص: 217

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِحَ} تلقح الشّجر والسحاب {فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً} مَطَرا {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} فِي الأَرْض {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ} للمطر {بِخَازِنِينَ} بفاتحين

ص: 217

{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي} للبعث {وَنُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَنَحْنُ الوارثون} المالكون على مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض بعد موت أَهلهَا وَقبل موت أَهلهَا

ص: 217

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ} يَعْنِي الْأَمْوَات من الْآبَاء والأمهات وَيُقَال الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم فِي الصَّفّ الأول {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} يَعْنِي الْأَحْيَاء من الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَيُقَال الْمُسْتَأْخِرِينَ فِي الصَّفّ الآخر

ص: 217

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} الْأَوَّلين والآخرين {إِنَّهُ حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بالحشر {عَلِيمٌ} بحشرهم وبثوابهم وعقابهم

ص: 217

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ} من طين {مَّسْنُونٍ} منتن وَيُقَال مُصَور

ص: 217

{والجآن} أَبَا الْجِنّ {خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل آدم عليه السلام {مِن نَّارِ السمُوم} من نَار لَا دُخان لَهَا

ص: 217

{وَإِذ قَالَ} وَقد قَالَ {رَبك للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض وهم كَانُوا عشرَة آلَاف {إِنِّي خَالِقٌ} أخلق {بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} من طين منتن

ص: 217

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} سويت خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين وَغير ذَلِك {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} جعلت الرّوح فِيهِ {فَقَعُواْ لَهُ} فَخَروا لَهُ {سَاجِدِينَ} بالتحية

ص: 217

{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة} لآدَم صلوَات الله عَلَيْهِ {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}

ص: 217

{إِلَاّ إِبْلِيسَ} رئيسهم {أَبى} تعظم {أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} بِالسُّجُود لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام

ص: 217

{قَالَ} الله تَعَالَى {يَا إِبْلِيس} يَا آيس من رَحْمَتي {مَا لَكَ أَلَاّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} بِالسُّجُود لآدَم

ص: 218

{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} من طين منتن يَقُول لَا يَنْبَغِي لي أَن أَسجد للطين

ص: 218

{قَالَ} الله لَهُ {فَاخْرُج مِنْهَا} من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال من كَرَامَتِي ورحمتي وَيُقَال من الأَرْض {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مَلْعُون مطرود من رَحْمَتي

ص: 218

{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَة} لَعْنَتِي ولعنة الْمَلَائِكَة وَالْخَلَائِق {إِلَى يَوْمِ الدّين} يَوْم الْحساب

ص: 218

{قَالَ} إِبْلِيس {رَبِّ} يَا رب {فَأَنظِرْنِي} فأمهلني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور وَأَرَادَ الملعون أَن لَا يَذُوق الْمَوْت

ص: 218

{قَالَ} الله {فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} من المؤجلين

ص: 218

{قَالَ رَبِّ} يَا رب {بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} كَمَا أضللتني عَن الْهدى {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} لبني آدم {فِي الأَرْض} الشَّهَوَات وَاللَّذَّات {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم {أَجْمَعِينَ} عَن الْهدى

ص: 218

{إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} المعصومين مني وَيُقَال الْمُوَحِّدين إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام

ص: 218

ثمَّ {قَالَ} الله تَعَالَى {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} كريم شرِيف وَيُقَال على ممر من أطاعك وممر من دخل مَعَك وَيُقَال هَذَا صِرَاط طَرِيق مُسْتَقِيم قَائِم بِرِضَاهُ وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال هَذَا صِرَاط عَليّ رفيع إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام وَرفع الْبَاء

ص: 218

{إِنَّ عِبَادِي} الْمُؤمنِينَ {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ملك وَلَا مقدرَة {إِلَاّ مَنِ اتبعك} إِلَّا على من أطاعك {مِنَ الغاوين} من الْكَافرين

ص: 218

{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ} مصيرهم مِمَّن أطاعك {أَجْمَعِينَ}

ص: 218

{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} بَعْضهَا أَسْفَل من بعض أَعْلَاهَا جَهَنَّم وأسفلها الهاوية {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من الْكفَّار {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} حَظّ مَعْلُوم

ص: 218

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش يَعْنِي أَبَا بكر وَعمر وأصحابهما {فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

ص: 218

{ادخلوها} يَقُول الله تَعَالَى لَهُم يَوْم الْقِيَامَة ادخُلُوا الْجنَّة {بِسَلامٍ} مَعَ سَلام وتحية وَيُقَال بسلامة وَنَجَاة منا {آمِنِينَ} من الْمَوْت والزوال

ص: 218

{وَنَزَعْنَا} أخرجنَا {مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وغش وعداوة كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا {إِخْوَاناً} فِي الْآخِرَة {على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة

ص: 218

{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا} لَا يصيبهم فِي الْجنَّة {نَصَبٌ} تَعب وَلَا مشقة {وَمَا هُمْ مِّنْهَا} من الْجنَّة {بِمُخْرَجِينَ}

ص: 218

{نَبِّئْ عِبَادِي} خبر عبَادي {أَنِّي أَنَا الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 218

{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع لمن لم يتب وَمَات على الْكفْر

ص: 218

{وَنَبِّئْهُمْ} أخْبرهُم {عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} عَن أضياف إِبْرَاهِيم جِبْرِيل واثني عشر ملكا مَعَه

ص: 218

{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم {فَقَالُواْ سَلاماً} سلمُوا عَلَيْهِ {قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم حِين لم يطعموا من طَعَامه {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون

ص: 218

{قَالُواْ لَا تَوْجَلْ} لَا تفرق يَا إِبْرَاهِيم منا {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} بِولد {عَلِيمٍ} فِي صغره حَلِيم فِي كبره

ص: 218

{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي} بِالْوَلَدِ {على أَن مَّسَّنِيَ الْكبر} بعد مَا أصابني الْكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} فَبِأَي شَيْء تبشرون الْآن

ص: 219

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {وَمَن يَقْنَطُ} ييأس {مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضآلون} الْكَافِرُونَ بِاللَّه أَو بنعمته

ص: 219

{قَالَ} إِبْرَاهِيم لجبريل وأعوانه {فَمَا خَطْبُكُمْ} فَمَا شَأْنكُمْ وبماذا جئْتُمْ {أَيُّهَا المُرْسَلُونَ}

ص: 219

{قَالُوا إنآ أرسلنآ إِلَى قوم مجرمين} مُشْرِكين اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث يعنون قوم لوط

ص: 219

{إِلَاّ آلَ لُوطٍ} ابْنَتَيْهِ زاعورا وريثا وَامْرَأَته الصَّالِحَة {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} من الْهَلَاك {أَجْمَعِينَ}

ص: 219

{إِلَاّ امْرَأَته} واعلة المنافقة {قَدَّرْنَآ} عَلَيْهَا {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} لمن البَاقِينَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ

ص: 219

{فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ} إِلَى لوط {المُرْسَلُونَ} جِبْرِيل وأعوانه

ص: 219

{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} فِي بلدنا هَذَا لم نعرفكم وَلم نَعْرِف سلامكم فَمن أجل ذَلِك قَالَ إِنَّكُم قوم منكرون يَعْنِي جِبْرِيل وأعوانه

ص: 219

{وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَي جئْنَاك بِخَبَر الْعَذَاب {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فِي مقالتنا أَن الْعَذَاب نَازل عَلَيْهِم

ص: 219

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فأدلج بأهلك {بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْل} بِبَعْض من آخر اللَّيْل عِنْد السحر {وَاتبع أَدْبَارَهُمْ} امش وَرَاءَهُمْ نَحْو صعر {وَلَا يَلْتَفِتْ} لَا يتَخَلَّف {مِنكُمْ أَحَدٌ وامضوا} سِيرُوا {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} نَحْو صعر

ص: 219

{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمر} أمرناه الْإِتْيَان إِلَى صعر وَيُقَال أخبرناه {أَنَّ دَابِرَ} غابر {هَؤُلآءِ} قوم لوط {مَقْطُوعٌ} مستأصل {مُّصْبِحِينَ} عِنْد الصَّباح

ص: 219

{وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَة} إِلَى دَار لوط {يَسْتَبْشِرُونَ} بعملهم الْخَبيث

ص: 219

{قَالَ} لَهُم لوط {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي} أَي أضيافي {فَلَا تَفْضَحُونِ} فيهم

ص: 219

{وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الْحَرَام {وَلَا تخزون} لَا تذلوني فِي أضيافي

ص: 219

{قَالُوا أَو لم نَنْهَكَ} يَا لوط {عَنِ الْعَالمين} عَن ضِيَافَة الغرباء

ص: 219

{قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي} وَيُقَال بَنَات قومِي أَنا أزوجكم {إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} متزوجين

ص: 219

{لعمرك} أقسم بعمر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال بِدِينِهِ {إِنَّهُمْ} يَعْنِي قوم لوط {لَفِي سَكْرَتِهِمْ} لفي جهلهم {يَعْمَهُونَ} لَا يبصرون

ص: 219

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {مُشْرِقِينَ} عِنْد طُلُوع الشَّمْس

ص: 219

{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا وأسفلها أَعْلَاهَا {وأمطرنا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومساهيرهم {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من سَمَاء الدُّنْيَا وَيُقَال من سبخ ووحل مطبوخ كالآجر

ص: 219

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات وعبرات {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين وَيُقَال للمتفكرين وَيُقَال للناظرين وَيُقَال للمعتبرين

ص: 219

{إِنَّهَا} يَعْنِي قريات لوط {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} طَرِيق دَائِم يَمرونَ عَلَيْهَا

ص: 219

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي هلاكهم {لآيَةً} لعبرة {للْمُؤْمِنين}

ص: 220

{وَإِن كَانَ} يَعْنِي وَقد كَانَ {أَصْحَابُ الأيكة} يَعْنِي أَصْحَاب الغيضة والأيكة الشّجر وهم قوم شُعَيْب {لَظَالِمِينَ} لمشركين

ص: 220

{فانتقمنا مِنْهُمْ} فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ {وَإِنَّهُمَا} يَعْنِي قريات لوط وَشُعَيْب {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق وَاضح يَمرونَ عَلَيْهَا

ص: 220

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحجر} قوم صَالح {الْمُرْسلين} صَالحا وَجُمْلَة الْمُرْسلين

ص: 220

{وَآتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم {آيَاتِنَا} النَّاقة وَغَيرهَا {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} مكذبين بهَا

ص: 220

{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجبَال} فِي الْجبَال {بُيُوتاً آمِنِينَ} من أَن تقع عَلَيْهِم وَيُقَال آمِنين من الْعَذَاب

ص: 220

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {مُصْبِحِينَ} عِنْد الصَّباح

ص: 220

{فَمَآ أغْنى عَنْهُم} من عَذَاب الله {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون ويعبدون من دون الله

ص: 220

{وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بينهمآ} من الْخلق والعجائب {إِلَاّ بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل وَالْحجّة عَلَيْهِم {وَإِنَّ السَّاعَة لآتِيَةٌ} لكائنة {فاصفح الصفح الْجَمِيل} أعرض عَنْهُم إعْرَاضًا جميلاً بِلَا فحش وَلَا جزع وَهِي مَنْسُوخَة بِآيَة الْقِتَال

ص: 220

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الْبَاعِث لمن آمن بِهِ وَلمن لم يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بثوابهم وعقابهم

ص: 220

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} يَقُول أكرمناك بِسبع آيَات من الْقُرْآن تثني فِي كل رَكْعَة وسجدتين وَهِي فَاتِحَة الْكتاب وَيُقَال أكرمناك بأسباع الْقُرْآن لِأَن الْقُرْآن كُله مثان أَمر وَنهي ووعد ووعيد وحلال وَحرَام وناسخ ومنسوخ وَحَقِيقَة ومجاز ومحكم ومتشابه وَخبر مَا كَانَ وَمَا يكون ومدحة لقوم ومذمة لقوم {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} يَقُول وأكرمناك بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم الْكَرِيم الشريف كَمَا أنزلنَا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل على المقتسمين الْيَهُود وَالنَّصَارَى

ص: 220

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} لَا تنظرن بالرغبة {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} أعطينا من الْأَمْوَال {أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} رجَالًا من بني قُرَيْظَة وَالنضير وَيُقَال من قُرَيْش لِأَن مَا أكرمناك بِهِ من النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام وَالْقُرْآن أعظم مِمَّا أعطيناهم من الْأَمْوَال {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على هلاكهم إِن لم يُؤمنُوا {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} لين جَانِبك للْمُؤْمِنين يَقُول كن رحِيما عَلَيْهِم

ص: 220

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النذير الْمُبين} الرَّسُول الْمخوف بلغَة تعرفونها من عَذَاب الله

ص: 220

{كَمَآ أَنْزَلْنَا} يَوْم بدر {عَلَى المقتسمين} أَصْحَاب الْعقبَة وَهُوَ أَبُو جهل ابْن هِشَام والوليد ابْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة وَسَائِر أَصْحَابهم الَّذين قتلوا يَوْم بدر

ص: 220

{الَّذين جَعَلُواْ الْقُرْآن عِضِينَ} قَالُوا فِي الْقُرْآن أقاويل مُخْتَلفَة قَالَ بَعضهم سحر وَقَالَ بَعضهم شعر وَقَالَ بَعضهم كهَانَة وَقَالَ بَعضهم أساطير الْأَوَّلين وَقَالَ بَعضهم كذب يختلقه من تِلْقَاء نَفسه

ص: 220

{فوربك} يَا مُحَمَّد أقسم بِنَفسِهِ {لنسألنهم} يَوْم الْقِيَامَة {أَجْمَعِينَ}

ص: 220

{عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال عَن تَركهم لَا إِلَه إِلَّا الله

ص: 220

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} رفعنَا عَنْك مُؤنَة الْمُسْتَهْزِئِينَ

ص: 220

{الَّذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} يَقُولُونَ مَعَ الله آلِهَة شَتَّى {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم فأهلكهم الله فِي يَوْم وَلَيْلَة كل وَاحِد مِنْهُم بِعَذَاب غير عَذَاب صَاحبه وَكَانُوا خَمْسَة مِنْهُم الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي لدغه شَيْء فَمَاتَ مَكَانَهُ أبعده الله وَمِنْهُم الْحَارِث بن قيس السَّهْمِي أكل حوتاً مالحاً وَيُقَال طرياً فَأَصَابَهُ الْعَطش فَشرب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى انْشَقَّ بَطْنه فَمَاتَ مَكَانَهُ أتعسه الله وَمِنْهُم الْأسود بن الْمطلب ضرب جِبْرِيل رَأسه على شَجَرَة وَضرب وَجهه بالشوك حَتَّى مَاتَ نكسه الله وَمِنْهُم الْأسود بن عبد يَغُوث خرج فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَأَصَابَهُ السمُوم فاسود حَتَّى عَاد حَبَشِيًّا فَرجع إِلَى بَيته فَلم يفتحوا لَهُ الْبَاب فنطح رَأسه بِبَابِهِ حَتَّى مَاتَ خذله الله وَمِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أصَاب أكحله نبل فَمَاتَ من ذَلِك طرده الله وَكلهمْ كَانُوا يَقُولُونَ قتلني رب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 220

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ} يَا مُحَمَّد {بِمَا يَقُولُونَ} من التَّكْذِيب وبأنك شَاعِر وساحر وَكَذَّاب وكاهن

ص: 220

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} مَعَ الساجدين وَيُقَال مَعَ المطيعين

ص: 220

{واعبد رَبَّكَ} اسْتَقِم على طَاعَة رَبك {حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} يَعْنِي الْمَوْت وَهُوَ الموقن

ص: 220

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا النَّحْل وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير أَربع آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ قَوْله {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} إِلَى آخِره {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه} إِلَى آخر وَقَوله {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا} إِلَى آخر الْآيَة وَقَوله {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا} إِلَى آخر الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات ألأربع مدنيات آياتها مائَة وَعِشْرُونَ وثمان آيَات وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعين وحروفها سِتَّة آلَاف وَسَبْعمائة وَسَبْعَة أحرف

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 221

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزل قَوْله اقْتَرَبَ للنَّاس حِسَابهمْ إِلَى آخر الْآيَة وَقَوله اقْتَرَبَتْ السَّاعَة إِلَى آخر الْآيَة فَمَكَثُوا على ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يمكثوا وَلم يتَبَيَّن لَهُم شَيْء فَقَالُوا يَا مُحَمَّد مَتى يأتينا مَا تعدنا من عَذَاب فَأنْزل الله {أَتَى أَمْرُ الله} أَتَى عَذَاب الله وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَالِسا فَقَامَ لَا يشك أَن الْعَذَاب قد أَتَى فَقَالَ الله {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} بِالْعَذَابِ فَجَلَسَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

ص: 221

{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَة} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {بِالروحِ مِنْ أَمْرِهِ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب بأَمْره {على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي مُحَمَّدًا وَغَيره من الْأَنْبِيَاء {أَنْ أنذروا} خوفوا بِالْقُرْآنِ واقرءوا حَتَّى يَقُولُوا {أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَاّ أَنَاْ فاتقون} فأطيعوني ووحدوني

ص: 221

{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق وَيُقَال للزوال والفناء {تَعَالَى} تَبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} من الْأَوْثَان

ص: 221

{خَلَقَ الْإِنْسَان} أبيّ بن خلف الجُمَحِي {مِن نُّطْفَةٍ} مُنْتِنَة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جدل بِالْبَاطِلِ {مُّبِينٌ} ظَاهر الْجِدَال لقَوْله {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم}

ص: 221

{والأنعام} يَعْنِي الْإِبِل {خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} الإدفاء من الأكسية وَغَيرهَا {وَمَنَافِعُ} فِي ظُهُورهَا وَأَلْبَانهَا {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} من لحومها تَأْكُلُونَ

ص: 221

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} منظر حسن {حِينَ تُرِيحُونَ} من الرَّعْي {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} إِلَى الرَّعْي

ص: 221

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أمتعتكم وزادكم {إِلَى بَلَدٍ} يَعْنِي مَكَّة {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الْأَنْفس} إِلَّا بتعب النَّفس {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ} بِمن آمن {رَّحِيمٌ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْكُم

ص: 221

{وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير} يَقُول خلق الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير {لِتَرْكَبُوهَا} فِي سَبِيل الله {وَزِينَةً} لكم فِيهَا منظر حسن {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يَقُول خلق من الْأَشْيَاء مَالا تعلمُونَ مِمَّا لم يسمه لكم

ص: 221

{وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل} هِدَايَة الطَّرِيق فِي الْبر وَالْبَحْر {وَمِنْهَا} من الطَّرِيق {جَآئِرٌ} مائل لَا يهتدى بِهِ {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} إِلَى الطَّرِيق فِي الْبَحْر وَالْبر وَيُقَال {وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل} الْهدى إِلَى التَّوْحِيد {وَمِنْهَا} من الْأَدْيَان {جَآئِرٌ} مائل لَيْسَ بعادل مثل الْيَهُودِيَّة والنصرانية والمجوسية {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} لدينِهِ

ص: 221

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَآءً} مَطَرا {لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} مَا يسْتَقرّ فِي الأَرْض فِي الركايا والغدران {وَمِنْهُ شَجَرٌ} بِهِ ينْبت الشّجر والنبات {فِيهِ تُسِيمُونَ} ترعون أنعامكم

ص: 221

{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ} بالمطر {الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل وَالْأَعْنَاب} يَعْنِي الكروم {وَمِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي ألوان مَا ذكرت وَفِي طعمه {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يتفكرون}

ص: 221

{وَسَخَّرَ لَكُمُ} ذلل لكم {اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ} مذللات {بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي تسخير مَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يعلمُونَ ويصدقون أَن تسخيرها من الله

ص: 222

{وَمَا ذَرَأَ} يَقُول وَمَا خلق {لَكُمْ فِي الأَرْض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} أجناسه من النَّبَات وَالثِّمَار وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي ألوان مَا خلقت {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون بِمَا فِي الْقُرْآن

ص: 222

{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ} ذلل {الْبَحْر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً} يَعْنِي سمكًا {طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ} من الْبَحْر {حِلْيَةً} زهرَة من اللُّؤْلُؤ وَغَيره {تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك} يَعْنِي السفن {مَوَاخِرَ} مقبلة ومدبرة {فِيهِ} فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {وَلِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {مِن فَضْلِهِ} من عمله وَيُقَال من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا {فِيهِ} فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {وَلِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {مِن فَضْلِهِ} من عمله وَيُقَال من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته

ص: 222

{وَألقى فِي الأَرْض رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت {أَن تَمِيدَ} لكَي لَا تميد {بِكُمْ} الأَرْض {وَأَنْهَاراً} وأجرى فِيهَا أَنهَار لمنافعكم {وَسُبُلاً} جعل فِيهَا طرقاً {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تعرفوا الطَّرِيق

ص: 222

{وَعَلامَاتٍ} من الْجبَال وَغير ذَلِك للمسافرين {وبالنجم} وبالفرقدين والجدي {هُمْ} يَعْنِي الْمُسَافِرين {يَهْتَدُونَ} بهما فِي الْبر وَالْبَحْر

ص: 222

{أَفَمَن يَخْلُقُ} وَهُوَ الله {كَمَن لَاّ يَخْلُقُ} لَا يقدر أَن يخلق يَعْنِي الْأَصْنَام {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون فِيمَا خلق الله لكم

ص: 222

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَآ} لَا تحفظوها وَيُقَال لَا تشكروها {إِنَّ الله لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

ص: 222

{وَالله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا تُعْلِنُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

ص: 222

{وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً} لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا شَيْئا كخلقنا {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ينحتون مخلوقة منحوتة

ص: 222

{أَمْواتٌ} أصنام أموات {غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ} يَعْنِي الْآلهَة {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور فيحاسبون وَيُقَال مَا يعلم الْكفَّار مَتى يحاسبون وَيُقَال مَا تعلم الْمَلَائِكَة مَتى يحاسبون

ص: 222

{إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} يعلم ذَلِك لَا الْآلهَة {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} بِالتَّوْحِيدِ {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عَن الْإِيمَان

ص: 222

{لَا جَرَمَ} لَا جرم حقّاً {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} مَا يخفون من البغض والحسد وَالْمَكْر والخيانة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الشتم والطعن والقتال {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المستكبرين} عَن الْإِيمَان

ص: 222

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} للمقتسمين {مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من ربكُم {قَالُواْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم

ص: 222

{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} آثامهم {كَامِلَةً} وافرة {يَوْمَ الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَارِ} مثل آثام {الَّذين يُضِلُّونَهُمْ}

ص: 222

يصرفونهم عَن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَالْإِيمَان {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة {أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} بئس مَا يحملون من الذُّنُوب يَعْنِي المقتسمين

ص: 223

{قَدْ مَكَرَ الَّذين مِنْ قَبْلِهِمْ} بِأَنْبِيَائِهِمْ كَمَا مكر المقتسمون بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَهُوَ نمروذ الْجَبَّار الَّذِي بنى الصرح {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ} قلع بنيانهم الصرح {مِّنَ الْقَوَاعِد} من الأساس {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السّقف} فَوَقع عَلَيْهِم الصرح {مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَاب} بالهدم {مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ

ص: 223

{ثُمَّ} هُوَ {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} يعذبهم ويذلهم {وَيَقُول} لله يَوْم الْقِيَامَة {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} يَعْنِي الْآلهَة الَّتِي زعمتم أَنهم شركائي (الَّذين كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تخالفون لقبلهم وتعادون أنبيائي لقبلهم {قَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {إِنَّ الخزي الْيَوْم} الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {وَالسوء} النَّار والشدة {عَلَى الْكَافرين}

ص: 223

{الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَوْم بدر {ظالمي أنفسهم} بالْكفْر {فَألْقوا السّلم} ردو الْجَواب وَيُقَال خضعوا لله {مَا كُنَّا نَعْمَلُ من سوء} نعْبد من شَيْء من دون الله وَمَا كُنَّا مُشْرِكين بِاللَّه {بلَى} يَقُول الله بلَى {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون وتعبدون من دون الله

ص: 223

{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل الْكَافرين جَهَنَّم

ص: 223

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عبد الله بن مَسْعُود وَأَصْحَابه {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام من ربكُم {قَالُواْ خَيْراً} توحيداً وصلَة {لِّلَّذِينَ أَحْسنُوا} وحدوا {فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة {وَلَدَارُ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {خَيْرٌ} من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش الْجنَّة

ص: 223

{جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن {يَدْخُلُونَهَا} يَوْم الْقِيَامَة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا يَشَآؤونَ} مَا يشتهون ويتمنون {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

ص: 223

{الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة {طَيِّبِينَ} طاهرين من الشّرك {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} من الله {ادخُلُوا الْجنَّة} بإيمانكم واقتسموها {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا

ص: 223

{هَل ينظرُونَ} مَا ينتظرون أهل مَكَّة إِذْ لَا يُؤمنُونَ {إِلَاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَة} لقبض أَرْوَاحهم {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} عَذَاب رَبك بهلاكهم {كَذَلِكَ} كَمَا فعل بك قَوْمك كَذبُوك وشتموك {فَعَلَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك بِأَنْبِيَائِهِمْ كذبوهم وشتموهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بهلاكهم {وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك وَتَكْذيب الرُّسُل

ص: 223

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} عُقُوبَة مَا عمِلُوا وَقَالُوا من الْمعاصِي

ص: 223

{وَحَاقَ بِهِم} دَار وَنزل بهم وَوَجَب عَلَيْهِم {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالأنبياء وَيُقَال الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا بِهِ يستهزءون

ص: 224

{وَقَالَ الَّذين أَشْرَكُواْ} بِاللَّه الْأَوْثَان يَعْنِي أهل مَكَّة {لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} من الْأَصْنَام {نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا} قبلنَا {وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ} من دون الله {مِن شَيْءٍ} من الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام وَلَكِن حرم الله وأمرنا بذلك {كَذَلِك} كَمَا فعل كذب قَوْمك على الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام {فَعَلَ} كذب {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} على الله {فَهَلْ عَلَى الرُّسُل} مَا على الرُّسُل {إِلَاّ الْبَلَاغ} عَن الله رِسَالَة الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها ظَاهِرَة

ص: 224

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ} إِلَى كل قوم {رَّسُولاً} كَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَى قَوْمك {أَنِ اعبدوا الله} وحدوا الله {وَاجْتَنبُوا الطاغوت} اتْرُكُوا عبَادَة الْأَصْنَام وَيُقَال الشَّيْطَان وَيُقَال الكاهن {فَمِنْهُم} من أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل {مَّنْ هَدَى الله} لدينِهِ فَأجَاب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ} وَجَبت {عَلَيْهِ الضَّلَالَة} فَلم يجب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان {فَسِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا} فاعتبرا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين} آخر أَمر المكذبين بالرسل

ص: 224

{إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ} على توحيدهم {فَإِنَّ الله لَا يَهْدِي} لدينِهِ {مَن يُضِلُّ} خلقه عَن دينه وَلَا يكون أَهلا لدينِهِ {وَمَا لَهُمْ} لكفار مَكَّة {مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

ص: 224

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} حلفوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد حلف جهد يَمِينه {لَا يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} بعد الْمَوْت {بلَى وَعْداً عَلَيْهِ} على الله {حَقّاً} كَائِنا وَاجِبا أَن يبْعَث من يَمُوت {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

ص: 224

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} لأهل مَكَّة {الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} يخالفون فِي الدّين {وَلِيَعْلَمَ} لكَي يعلم {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} فِي الدُّنْيَا بِأَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب

ص: 224

{وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي الله} فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {من بعد مَا ظُلِمُواْ} من بعد مَا عذبهم أهل مَكَّة يَعْنِي عمار ابْن يَاسر وبلالاً وصهيباً وأصحابهم {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا} لننزلنهم فِي الْمَدِينَة {حَسَنَةً} أَرضًا كَرِيمَة آمِنَة ذَات غنيمَة حَلَال {وَلأَجْرُ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة {أَكْبَرُ} أعظم من ثَوَاب الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَقد كَانُوا يعلمُونَ

ص: 224

{الَّذين صَبَرُواْ} على أَذَى الْكفَّار {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على غَيره يَعْنِي عماراً وَأَصْحَابه

ص: 224

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد الرُّسُل {إِلَاّ رِجَالاً} آدَمِيًّا مثلك {نوحي إِلَيْهِمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فاسألوا أَهْلَ الذّكر} أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن لله لم يُرْسل الرُّسُل إِلَّا إنسياً

ص: 224

{بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {الزبر} خبر كتب الْأَوَّلين {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}

ص: 224

مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن

ص: 225

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ} أَو لَا يَأْخُذهُمْ {فِي تَقَلُّبِهِمْ} فِي ذهابهم ومجيئهم فِي التِّجَارَة {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله

ص: 225

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ} أَو لَا يَأْخُذهُمْ {على تَخَوُّفٍ} على تنقص رُؤَسَائِهِمْ وأصحابهم {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} لمن تَابَ وَيُقَال بِتَأْخِير الْعَذَاب

ص: 225

{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} أهل مَكَّة {إِلَى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ} من الشّجر وَالدَّوَاب {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ} يتقلب ظلاله {عَنِ الْيَمين} غدْوَة {والشمآئل} وَعَن الشَّمَائِل عَشِيَّة {سُجَّداً لِلَّهِ} يَسْجُدُونَ لله وظلالهم غدْوَة وَعَشِيَّة أَيْضا تسْجد لله {وَهُمْ دَاخِرُونَ} مطيعون

ص: 225

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {وَمَا فِي الأَرْض مِن دَآبَّةٍ} من الدَّوَابّ والطيور {وَالْمَلَائِكَة} فِي السَّمَاء يَسْجُدُونَ لله {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَن السُّجُود لله

ص: 225

{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ} الَّذِي فَوْقهم على الْعَرْش {وَيَفْعَلُونَ} يَعْنِي وَيَقُولُونَ {مَا يُؤْمَرُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة

ص: 225

{وَقَالَ الله لَا تَتَّخِذُواْ} لَا تعبدوا {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} نَفسه والأصنام {إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَإيَّايَ فارهبون} فخافون فِي عبَادَة الْأَصْنَام

ص: 225

{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} فَمن قبل الله لَا من قبل الْأَصْنَام {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضّر} أَصَابَتْكُم الشدَّة {فَإِلَيْهِ} إِلَى الله {تَجْأَرُونَ} تتضرعون وتدعون

ص: 225

{لِيَكْفُرُواْ} حَتَّى يكفروا {بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النَّعيم فيقولوا بشفاعة آلِهَتنَا هَذَا {فَتَمَتَّعُواْ} فعيشوا فِي الْكفْر وَالْحرَام {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم

ص: 225

{وَيَجْعَلُونَ} يَقُولُونَ {لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً} حظاً للرِّجَال دون النِّسَاء وَيُقَال لما لَا يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ يَعْنِي الْأَصْنَام {مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ} من الْحَرْث والأنعام وَيَقُولُونَ الله أمرنَا بِهَذَا {تالله} وَالله {لتسألن} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ} تكذبون على الله

ص: 225

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات} يَقُولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} مَا يختارون من الذُّكُور

ص: 225

صَار وَجهه مسوداً من الْغم {وَهُوَ كَظِيمٌ} مكروب يتَرَدَّد الْغم فِي جَوْفه

ص: 226

{يتَوَارَى مِنَ الْقَوْم} يكتم من قومه {مِن سوء} من كره {مَا بُشِّرَ بِهِ} بِالْأُنْثَى كَرَاهِيَة الْإِظْهَار {أَيُمْسِكُهُ} أيحفظه {على هُونٍ} على هوان ومشقة {أَمْ يَدُسُّهُ} يدفنه {فِي التُّرَاب} حَيا {أَلَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ الذُّكُور وَللَّه الْبَنَات

ص: 226

{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مَثَلُ السوء} يَعْنِي النَّار {وَلِلَّهِ الْمثل الْأَعْلَى} الصّفة الْعليا الألولهية والربوبية بِلَا ولد وَلَا شريك {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر أَن لَا يعبد غَيره

ص: 226

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس بِظُلْمِهِمْ} بشركهم {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} على ظهر الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} من الْجِنّ وَالْإِنْس أحدا {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} إِلَى وَقت هلاكهم {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} لَا يتركون عَن الْأَجَل قدر سَاعَة {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} لَا يهْلكُونَ قبل الْأَجَل

ص: 226

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} يَقُولُونَ لله الْبَنَات مَالا يرضون لأَنْفُسِهِمْ {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِب} يَقُولُونَ بألسنتهم الْكَذِب {أَنَّ لَهُمُ الْحسنى} يَعْنِي الذُّكُور وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى من أَيْن لَهُم الْجنَّة {لَا جَرَمَ} حَقًا {أَنَّ لَهُمُ النَّار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} متروكون وَيُقَال منسيون وَيُقَال مفرطون بالْقَوْل وَالْفِعْل وَإِن قَرَأت بِكَسْر الرَّاء

ص: 226

{تالله} وَالله {لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} دينهم فَلم يُؤمنُوا {فَهُوَ وليهم الْيَوْم} فيالدنيا وقرينهم فِي النَّار {وَلَهُمْ} فِي الْآخِرَة {عَذَابٌ أَلِيم} وجيع

ص: 226

{وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {إِلَاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتلفُوا} خالفوا {فِيهِ} فِي الدّين {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِهِ

ص: 226

{وَالله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بعد موتهآ} قحطها ويبوستها {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إحْيَاء مَا ذكرت {لآيَةً} لعلامة {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يطيعون ويصدقون

ص: 226

{وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل وَالْأَعْنَاب} يَعْنِي الكروم {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} مُسكرا وَهَذَا مَنْسُوخ وَيُقَال طَعَاما {وَرِزْقاً حَسَناً} حَلَالا من الْخلّ والدبس وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت لكم {لآيَةً} لعلامة {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون

ص: 226

ص: 226

{أَنِ اتخذي مِنَ الْجبَال بُيُوتاً} فِي الْجبَال مسكنا {وَمِنَ الشّجر} وَفِي الشّجر أَيْضا {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} يبنون

ص: 227

{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ} فادخلي طرق رَبك {ذُلُلاً} مذللاً مسخراً لَك {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} من بطُون النَّحْل {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} الْأَحْمَر والأصفر والأبيض {فِيهِ} فِي الْعَسَل {شِفَآءٌ لِلنَّاسِ} من الدَّاء وَيُقَال فِيهِ فِي الْقُرْآن شِفَاء بَيَان للنَّاس {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلقت

ص: 227

{وَالله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم عِنْد انْقِضَاء آجالكم {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} أَسْفَل الْعُمر {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ} حَتَّى لَا يفقه {بَعْدَ عِلْمٍ} الْعلم الأول {شَيْئاً إِنَّ الله عَلِيمٌ} بتحويل الْخلق {قَدِيرٌ} على تحويلهم من حَال إِلَى حَال

ص: 227

{وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل نَجْرَان حِين قَالُوا الْمَسِيح ابْن الله فَنزل قَوْله {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} فِي المَال والخدم {فَمَا الَّذين فُضِّلُواْ} بِالْمَالِ والخدم {بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ} هَل يُعْطون مَالهم {على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} لعبيدهم وإمائهم {فَهُمْ} يَعْنِي الْمَالِك والمملوك {فِيهِ} فِي المَال {سَوَآءٌ} شرع قَالُوا لَا نَفْعل ذَلِك وَلَا نرضى فَقَالَ الله {أفبنعمة الله يجحدون} أفترضون لي مَالا ترْضونَ لأنفسكم وتكفرون بوحدانية الله

ص: 227

{وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {أَزْوَاجاً} نسَاء {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم} من نِسَائِكُم {بَنِينَ وَحَفَدَةً} يَعْنِي ولد الْوَلَد وَيُقَال خدما وعبيدا وَيُقَال أختاناً {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَات} جعل أرزاقكم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} أفبالشيطان والأصنام يُؤمنُونَ ويصدقون {وبنعمة الله} بوحدانية الله وَدينه {هُمْ يَكْفُرُونَ}

ص: 227

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَمْلِكُ} مَا لَا يقدر {لَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات {شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} لَا يقدرُونَ على ذَلِك

ص: 227

{فَلَا تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الْأَمْثَال} فَلَا تصفوا لله ولدا وَلَا شَرِيكا وَلَا شَبِيها {إِنَّ الله يَعْلَمُ} أَن لَا ولد وَلَا شريك لَهُ {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ذَلِك يَا معشر الْكفَّار

ص: 227

ثمَّ ضرب مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر فَقَالَ {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً} بَين الله صفة عبد مَمْلُوك {لَاّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من النَّفَقَة وَالْإِحْسَان وَهُوَ مثل الْكَافِر لَا يَجِيء مِنْهُ خير {وَمَن رَّزَقْنَاهُ} أعطيناه {مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} مَالا كثيرا {فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً} فِيمَا بَينه وَبَين الله {وَجَهْراً} فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس فِي سَبِيل الله وَهَذَا مثل الْمُؤمن المخلص {هَلْ يَسْتَوُونَ} فِي الثَّوَاب وَالطَّاعَة {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لَا يَعْلَمُونَ} أَمْثَال الْقُرْآن وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَرجل من الْعَرَب يُقَال لَهُ أَبُو الْعيص بن أُميَّة

ص: 227

ثمَّ ضرب مثله وَمثل الْأَصْنَام فَقَالَ {وَضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله صفة {رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ} أخرس {لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من الْكَلَام وَهُوَ الصَّنَم {وَهُوَ كَلٌّ} ثقل {على مَوْلاهُ} على وليه وقرابته عِيَال على عائله

ص: 227

{أَيْنَمَا يوجهه} ويدعوه من شَرق أَو عرب {لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} لَا يُجيب من يَدعُوهُ بِخَير وَهَذَا مثل الصَّنَم {هَلْ يَسْتَوِي} فِي النَّفْع وَدفع الضّر {هُوَ} يَعْنِي الصَّنَم {وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بِالتَّوْحِيدِ {وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يَدْعُو إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم وَهُوَ الله

ص: 228

{وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَمَآ أَمْرُ السَّاعَة} أَمر قيام السَّاعَة فِي السرعة {إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَر} كطرف الْبَصَر {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بل هُوَ أقرب {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْبَعْث وَغَيره {قدير}

ص: 228

{وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} من الْأَشْيَاء وَيُقَال كل شَيْء {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} تَسْمَعُونَ بهَا الْخَيْر {والأبصار} تبصرون بهَا الْخَيْر {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب تعقلون بهَا الْخَيْر {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته وتؤمنوا بِهِ

ص: 228

{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم تنظروا يَا أهل مَكَّة حَتَّى تعلمُوا قدرَة الله ووحدانيته {إِلَى الطير مُسَخَّرَاتٍ} مذللات {فِي جَوِّ السمآء} فِي وسط السَّمَاء أَي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يطرن {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ الله} بعد الطيران {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إمساكهن من الْهَوَاء {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانية الله {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون أَن إمساكهن من الله

ص: 228

ثمَّ ذكر نعْمَته لكَي يشكروا بذلك ويؤمنوا بِهِ فَقَالَ {وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ} بيُوت الْمدر {سَكَناً} مسكنا وقراراً {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الْأَنْعَام} من أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا {بُيُوتاً} يَعْنِي الْخيام والفساطيط {تَسْتَخِفُّونَهَا} تستخفون حملهَا {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} يَوْم سفركم {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} يَوْم نزولكم {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أصواف الْغنم {وَأَوْبَارِهَا} أوبار الْإِبِل {وَأَشْعَارِهَآ} أشعار الْمعز {أَثَاثاً} مَالا {وَمَتَاعاً} مَنْفَعَة {إِلَى حِينٍ} إِلَى حِين الفناء والإبلاء

ص: 228

{وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ} من الْأَشْجَار والحيطان وَالْجِبَال أكنانا {ظِلَالاً} كُنَّا لكم من الْحر {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجبَال} فِي الْجبَال {أَكْنَاناً} يَعْنِي الغيران والأسراب {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} يَعْنِي القمص {تَقِيكُمُ الْحر} فِي الصَّيف وَالْبرد فِي الشتَاء {وَسَرَابِيلَ} يَعْنِي الدروع {تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} سلَاح عَدوكُمْ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} لكَي تقروا وَيُقَال تسلموا من الْجراحَة إِن قَرَأت بِنصب التَّاء وَاللَّام

ص: 228

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ الْمُبين} التَّبْلِيغ عَن الله بلغَة تعلمونها فَلَمَّا ذكر لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذِه النعم قَالُوا نعم يَا مُحَمَّد هَذِه كلهَا من الله

ص: 228

ثمَّ أَنْكَرُوا بعد ذَلِك وَقَالُوا بشفاعة آلِهَتنَا فَقَالَ الله {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله} يقرونَ أَن هَذِه النعم كلهَا من الله {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} فَيَقُولُونَ بشفاعة آلِهَتنَا {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} كلهم كافرون بِاللَّه

ص: 228

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ} نخرج من كل قوم {شَهِيداً} نَبيا عَلَيْهِم شَهِيدا بالبلاغ {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} فِي الْكَلَام {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا

ص: 228

لَا يرفع عَنْهُم {وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} يؤجلون من عَذَاب الله

ص: 229

{وَإِذَا رَأى الَّذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ} آلِهَتهم {قَالُواْ رَبنَا} يَا رَبنَا {هَؤُلَاءِ شركاؤنا} آلِهَتنَا {الَّذين كُنَّا نَدْعُو} نعْبد {مِن دُونِكَ} أمرونا بعبادتهم {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القَوْل} ردوا إِلَيْهِم الْجَواب يَعْنِي الْأَصْنَام {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مَقَالَتَكُمْ مَا أمرناكم وَمَا كُنَّا نعلم بعبادتكم

ص: 229

{وَأَلْقَوْاْ إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السّلم} استسلم العابد والمعبود لله تَعَالَى {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} بَطل افتراؤهم على الله وَيُقَال اشْتغل بِأَنْفسِهِم آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

ص: 229

{الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً} عَذَاب الْحَيَّات والعقارب والجوع والعطش والزمهرير وَغير ذَلِك {فَوْقَ الْعَذَاب} فَوق عَذَاب النَّار {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي والشرك

ص: 229

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ} نخرج من كل جمَاعَة {شَهِيداً} نَبيا {عَلَيْهِمْ} شَهِيدا بالبلاغ {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} آدَمِيًّا مثلهم {وَجِئْنَا بِكَ} يَا مُحَمَّد {شَهِيدا على هَؤُلَاءِ} على أمتك وَيُقَال مزكياً لَهُم {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} الْجنَّة

ص: 229

{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بِالتَّوْحِيدِ {وَالْإِحْسَان} بأَدَاء الْفَرَائِض وَيُقَال بِالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاس {وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي صلَة الرَّحِم {وَينْهى عَنِ الْفَحْشَاء} عَن الْمعاصِي كلهَا {وَالْمُنكر} مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة {وَالْبَغي} الاستطالة وَالظُّلم {يَعِظُكُمْ} يَنْهَاكُم عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا بأمثال الْقُرْآن

ص: 229

{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي كِنْدَة وَمُرَاد وَيُقَال أَتموا العهود بِاللَّه إِذا حلفتم بِاللَّه بِالْوَفَاءِ {وَلَا تَنقُضُواْ الْأَيْمَان} يَعْنِي العهود فِيمَا بَيْنكُم {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} تغليظها وتشديدها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} يَعْنِي شَهِيدا وَيُقَال حفيظاً مَعْنَاهُ وَقد قُلْتُمْ الله شَهِيد علينا بِالْوَفَاءِ على كلا الْفَرِيقَيْنِ {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من النَّقْض وَالْوَفَاء

ص: 229

{وَلَا تَكُونُواْ} فِي نقض الْعَهْد {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} يَعْنِي رابطة الحمقاء {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} إبرام وإحكام {أَنكَاثاً} أنقاضاً {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ} عهودكم {دَخَلاً} مكراً وخديعة {بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} بِأَن تكون جمَاعَة {هِيَ أَرْبَى} أَكثر {مِنْ أُمَّةٍ} من جمَاعَة {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} يختبركم بِالْكَثْرَةِ وَيُقَال بِنَقْض الْعَهْد {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة مَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين {تختلفون} تخالفون

ص: 229

{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعكم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ}

ص: 229

لدينِهِ من كَانَ أَهلا لذَلِك {ولتسألن} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْكفْر وَالْإِيمَان وَيُقَال من النَّقْض وَالْوَفَاء

ص: 230

{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ} عهودكم {دَخَلاً} دغلاً ومكراً وخديعة {بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ} فتزلوا عَن طَاعَة الله كَمَا تزل قدم الرجل {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} قِيَامهَا {وتذوقوا السوء} النَّار {بِمَا صَدَدتُّمْ} بِمَا صرفتم النَّاس {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد فِي الْآخِرَة

ص: 230

{وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً} بِالْحلف بِاللَّه كَاذِبًا عرضا يَسِيرا من الدُّنْيَا {إِنَّمَا عِنْدَ الله} من الثَّوَاب {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} مِمَّا عنْدكُمْ من المَال {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} ثَوَاب الله وَيُقَال إِن كُنْتُم تصدقُونَ بِثَوَاب الله

ص: 230

{مَا عِندَكُمْ} من الْأَمْوَال {يَنفَدُ} يفنى {وَمَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {بَاقٍ} يبْقى {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذين صَبَرُوا} عَن الْيَمين وأقروا بِالْحَقِّ {أجرهم} ثوابهم فِي الْآخِرَة {بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بأحسنهم فِي الدُّنْيَا

ص: 230

{من عمل صَالحا} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَأقر بِالْحَقِّ {مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} فِي الطَّاعَة وَيُقَال فِي القناعة وَيُقَال فِي الْجنَّة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} ثوابهم فِي الْآخِرَة {بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بإحسانهم فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَبْدَانِ بن الأشوع وامرىء الْقَيْس الْكِنْدِيّ فِي خُصُومَة كَانَت بَينهمَا فِي أَرض

ص: 230

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن} فَإِذا أردْت يَا مُحَمَّد أَن تقْرَأ الْقُرْآن فِي أول افْتِتَاح الصَّلَاة أَو غير الصَّلَاة {فاستعذ بِاللَّه} فَقل أعوذ بِاللَّه {مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم} اللعين المرجوم بِالنَّجْمِ المطرود من رَحْمَة الله

ص: 230

{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} سَبِيل وَغَلَبَة {على الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ} لاعلى غَيره ويفوضون أُمُورهم إِلَيْهِ

ص: 230

{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} سَبيله وغلبته {على الَّذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يطيعونه {وَالَّذين هُم بِهِ} بِاللَّه {مُشْرِكُونَ}

ص: 230

{وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً} نزلنَا جِبْرِيل بِآيَة ناسخة {مَّكَانَ آيَةٍ} مَنْسُوخَة {وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} بصلاح مَا يَأْمر الْعباد {قَالُوا} كفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {مُفْتَرٍ} مختلق من تِلْقَاء نَفسك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَن الله لَا يَأْمر عباده إِلَّا بِمَا يصلح لَهُم

ص: 230

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {نَزَّلَهُ} يَعْنِي نزل الْقُرْآن وَإِنَّمَا شدده لِكَثْرَة نُزُوله {رُوحُ الْقُدس} جِبْرِيل الْمَطَر {مِن رَّبِّكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بالناسخ والمنسوخ {لِيُثَبِّتَ} ليطيب ويطمئن إِلَيْهِ قُلُوب {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} بِالْجنَّةِ

ص: 230

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ} يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {بَشَرٌ} جبر ويسار {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} يميلون ويشبهون وينسبون إِلَيْهِ {أَعْجَمِيٌّ} عبراني {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ} يَقُول الْقُرْآن على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {مُّبِينٌ} بلغَة يعلمونها

ص: 230

{إِنَّ الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد عليه السلام وَالْقُرْآن {لَا يَهْدِيهِمُ الله} لدينِهِ من لم يكن أَهلا لدينِهِ وَيُقَال لَا يهْدِيهم إِلَى الْحجَّة وَلَا ينجيهم من النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

ص: 230

وجيع

ص: 231

{إِنَّمَا يَفْتَرِي} يختلق {الْكَذِب} على الله {الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} على الله

ص: 231

{مَن كَفَرَ بِاللَّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ} بِاللَّه فَعَلَيهِ غضب من الله {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ} إِلَّا من أجبر على الْكفْر {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان} مُعْتَقد على الْإِيمَان نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} تكلم بالْكفْر طَائِعا {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله} سخط من الله {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} شَدِيد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح {ذَلِك} الْعَذَاب

ص: 231

{بِأَنَّهُمُ استحبوا الْحَيَاة} اخْتَارُوا {الدُّنْيَا على الْآخِرَة} وَالْكفْر على الْإِيمَان {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي} لدينِهِ وَلَا يُنجي من عَذَابه {الْقَوْم الْكَافرين} من لم يكن أَهلا لذَلِك

ص: 231

{أُولَئِكَ الَّذين طَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} عَن أَمر الْآخِرَة تاركون لَهَا وَيُقَال غافلون عَن التَّوْحِيد جاحدون بِهِ

ص: 231

{لَا جَرَمَ} حَقًا يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الخاسرون} المغبونون نزلت فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ

ص: 231

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {من بعد مَا فُتِنُواْ} عذبُوا عذبهم أهل مَكَّة عمار بن يَاسر وَأَصْحَابه {ثُمَّ جَاهَدُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله {وصبروا} مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم على المرازي {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد الْهِجْرَة {لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بهم

ص: 231

{يَوْمَ تَأْتِي} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {تُجَادِلُ} تخاصم {عَن نَّفْسِهَا} لقبل نَفسهَا وَيُقَال مَعَ شيطانها وَيُقَال مَعَ روحها {وَتوفى} توفر {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَا عملت} بِمَا عملت من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

ص: 231

{وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً} بَين الله تَعَالَى صفة أهل مَكَّة أبي جهل والوليد وأصحابهما {كَانَتْ آمِنَةً} كَانَ أَهلهَا آمِنين من الْعَدو والقتال والجوع والسبي {مُّطْمَئِنَّةً} مُقيما أَهلهَا {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا} يحمل إِلَيْهَا من الثمرات {رَغَداً} موسعاً {من كل مَكَان} نَاحيَة أَرض يحمل إِلَيْهَا {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} فَكفر أَهلهَا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف} فعاقب الله أَهلهَا بِالْجُوعِ سبع سِنِين وَالْخَوْف من خوف حَرْب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} يَقُولُونَ ويعملون بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم من الْجفَاء

ص: 231

{وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {مِّنْهُمْ} من نسبهم عَرَبِيّ قرشي مثلهم {فَكَذَّبُوهُ} مِمَّا جَاءَهُم بِهِ {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب} عَذَاب الله بِالْجُوعِ وَالْقَتْل والسبي {وَهُمْ ظَالِمُونَ} كافرون

ص: 231

{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من الْحَرْث والأنعام وَالنَّعِيم {حَلالاً طَيِّباً واشكروا} واذْكُرُوا {نِعْمَةَ الله إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إِن كُنْتُم إِيَّاه تُرِيدُونَ عبَادَة الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام فاستحلوا فَإِن عبَادَة الله فِي تَحْلِيله

ص: 231

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْميتَة} الَّتِي أَمر بذبحها {وَالدَّم} دم المسفوح {وَلَحْمَ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} وَمَا ذبح بِغَيْر اسْم الله عمدا أَو الْأَصْنَام {فَمَنِ اضْطر} أجهد إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِ {غَيْرَ بَاغٍ} على الْمُسلمين وَيُقَال غير مستحل لأكل الْميتَة {وَلَا عَادٍ} قَاطع الطَّرِيق وَيُقَال متعمد للْأَكْل بِغَيْر الضَّرُورَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} بِأَكْل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة {رَّحِيمٌ} إِذْ رخص لَهُ الْأكل عِنْد الضَّرُورَة

ص: 232

{وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِب} لَا تَقولُوا بألسنتكم الْكَذِب {هَذَا} يَعْنِي الْحَرْث والأنعام {حَلَالٌ} على الرِّجَال {وَهَذَا حَرَامٌ} على النِّسَاء {لِّتَفْتَرُواْ} لتختلقوا {على الله الْكَذِب} بذلك {إِنَّ الَّذين يَفْتَرُونَ} يختلقون {على الله الْكَذِب لَا يُفْلِحُونَ} لَا ينجون وَلَا يأمنون من عَذَاب الله

ص: 232

{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} عيشهم فِي الدُّنْيَا قَلِيل {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

ص: 232

{وعَلى الَّذين هَادُواْ} مالوا عَن الْإِسْلَام يَعْنِي الْيَهُود {حَرَّمْنَا} عَلَيْهِم {مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ} مَا سمينا لَك {مِن قَبْلُ} من قبل هَذِه السُّورَة فِي سُورَة الْأَنْعَام {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بِمَا حرمنا عَلَيْهِم من الشحوم واللحوم {وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يضرون أَي بِذُنُوبِهِمْ حرم الله عَلَيْهِم

ص: 232

{ثمَّ إِن رَبك} يَا حمد {للَّذين عمِلُوا السوء بِجَهَالَةٍ} بتعمد وَإِن كَانَ جَاهِلا بركوبها {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ} السوء {وَأَصْلحُوا} الْعَمَل فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {مِن بَعْدِهَا} من بعد التَّوْبَة {لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بهم

ص: 232

{إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} إِمَّا مَا يقْتَدى بِهِ {قَانِتاً} مُطيعًا {لِلَّهِ حَنِيفاً} مُسلما مخلصاً {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

ص: 232

{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} شاكراً لما أنعم الله عَلَيْهِ {اجتباه} اصطفاه بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثبته على طَرِيق قَائِم يرضيه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 232

{وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} ولدا صَالحا وَيُقَال ثَنَاء حسنا وَيُقَال الذّكر وَالثنَاء الْحسن فِي النَّاس كلهم {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين} مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

ص: 232

{ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أمرناك يَا مُحَمَّد {أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أَن اسْتَقِم على دين إِبْرَاهِيم {حَنِيفاً} مُسلما {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

ص: 232

ص: 232

{ادْع إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} إِلَى دين رَبك {بالحكمة} بِالْقُرْآنِ {وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة} عظهم بمواعظ الْقُرْآن {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمن ضل عَن سَبيله} عَن دينه {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ

ص: 232

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} مثلتم {فَعَاقِبُواْ} فمثلوا {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} مثلتم {بِهِ} بالأموات {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} عَن الْمثلَة {لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} فِي الْآخِرَة

ص: 233

{واصبر} يَا مُحَمَّد على أذاهم {وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بِاللَّه} بِتَوْفِيق الله {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْهَلَاكِ {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ} وَلَا يضيق صدرك {مِمَّا يمكرون} بِمَا يَقُولُونَ ويصنعون بك

ص: 233

{إِنَّ الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَالَّذين هُم مُّحْسِنُونَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل موحدون

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا بَنو إِسْرَائِيل وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَات مِنْهَا خبر وَفد ثَقِيف وَخبر مَا قَالَت لَهُ الْيَهُود لَيست هَذِه بِأَرْض الْأَنْبِيَاء فَنزل {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض} إِلَى قَوْله {أدخلني مدْخل صدق} إِلَى آخر الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات آياتها مائَة وَعشر آيَات وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتَّة آلَاف واربعمائة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 233

وباسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تعال {سُبْحَانَ} يَقُول تعظم وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} سير عَبده وَيُقَال أدْلج عَبده مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {لَيْلاً} أول اللَّيْل {مِّنَ الْمَسْجِد الْحَرَام} من الْحرم من بَيت أم هانى بنت أبي طَالب {إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} أبعد من الأَرْض وَأقرب إِلَى السَّمَاء يَعْنِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} بِالْمَاءِ وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار {لنريه} لكَي نرى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {مِنْ آيَاتِنَآ} من عجائبنا فَكل مَا رأى تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَ من عجائب الله {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة قُرَيْش {الْبَصِير} بهم ويسير عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 233

{وَآتَيْنَآ مُوسَى الْكتاب} أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} من الضَّلَالَة {أَلَاّ تَتَّخِذُواْ} أَن لَا تعبدوا {مِن دُونِي وَكيلا} رَبًّا

ص: 233

{ذُرِّيَّةَ} يَا ذُرِّيَّة {مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} فِي السَّفِينَة فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء {إِنَّهُ} يَعْنِي نوحًا {كَانَ عَبْداً شَكُوراً} شاكراً كَانَ إِذا أكل أَو شرب أَو اكتسى قَالَ الْحَمد لله

ص: 233

{وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} بَينا لبني إِسْرَائِيل {فِي الْكتاب} فِي التَّوْرَاة {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض} لتعصن فِي الأَرْض {مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} لتعتن عتواً كَبِيرا وَيُقَال لتقهرن قهرا شَدِيدا

ص: 233

{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} أول العذابين وَيُقَال أول الفسادين {بَعَثْنَا} سلطنا {عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ} بخْتنصر وَأَصْحَاب ملك بابل {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذَوي قتال شَدِيد {فَجَاسُواْ خِلَالَ الديار} فقتلوكم وسط الديار فِي الْأَزِقَّة {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} مَقْدُورًا كَائِنا لَئِن فَعلْتُمْ لَأَفْعَلَنَّ بكم فَكَانُوا تسعين سنة فِي الْعَذَاب أسرى فِي يَد بخْتنصر قبل أَن ينصرهم الله بكورش الْهَمدَانِي

ص: 233

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة} الدولة {عَلَيْهِمْ} بِظُهُور كورش الْهَمدَانِي على بخْتنصر وَيُقَال ثمَّ عطفنا عَلَيْكُم العطفة بالدولة {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أعطيناكم أَمْوَالًا وبنين {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} رجَالًا وعدداً

ص: 233

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ} وحدتم بِاللَّه {أَحْسَنْتُمْ} وحدتم {لأَنْفُسِكُمْ} ثَوَاب ذَلِك الْجنَّة

ص: 233

{وَإِنْ أَسَأْتُمْ} أشركتم بِاللَّه {فَلَهَا} فعلَيْهَا عُقُوبَة ذَلِك فَكَانُوا فِي النَّعيم وَالسُّرُور وَكَثْرَة الرِّجَال وَالْعدَد وَالْغَلَبَة على الْعَدو مِائَتَيْنِ وَعشْرين سنة قبل أَن يُسَلط عَلَيْهِم قطوس {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة} آخر الفسادين وَآخر العذابين {ليسوؤوا} ليقبحوا {وُجُوهكُم} بِالْقَتْلِ والسبي يَعْنِي قطوس بن أسبيانوس الرُّومِي {وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِد} بَيت الْمُقَدّس {كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة} بخْتنصر وَأَصْحَابه {وَلِيُتَبِّرُواْ} يخربوا {مَا عَلَوْاْ} مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ {تَتْبِيراً} تخريباً

ص: 234

{عَسى رَبُّكُمْ} لَعَلَّ ربكُم {أَن يَرْحَمَكُمْ} بعد ذَلِك {وَإِنْ عُدتُّمْ} إِلَى الْفساد {عُدْنَا} إِلَى الْعَذَاب وَيُقَال إِن عدتم إِلَى الْإِحْسَان عدنا إِلَى الرَّحْمَة {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} سجناً ومحبسا

ص: 234

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يِهْدِي} يدل {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أصوب شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال أبين {وَيُبَشِّرُ الْمُؤمنِينَ} المخلصين بإيمَانهمْ {الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} ثَوابًا عَظِيما وافراً فِي الْجنَّة

ص: 234

{ويدع الْإِنْسَان} يَعْنِي النَّضر ابْن الْحَارِث {بِالشَّرِّ} باللعن وَالْعَذَاب على نَفسه وَأَهله {دُعَآءَهُ بِالْخَيرِ} كدعائه بالعافية وَالرَّحْمَة {وَكَانَ الْإِنْسَان} يَعْنِي النَّضر {عَجُولاً} مستعجلاً بِالْعَذَابِ

ص: 234

{وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} علامتين يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر {فَمَحَوْنَآ آيَةَ اللَّيْل} ضوء آيَة اللَّيْل يَعْنِي الْقَمَر {وَجَعَلْنَآ} تركنَا {آيَةَ النَّهَار مُبْصِرَةً} يَعْنِي الشَّمْس مبصرة مضيئة {لِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} بِطَلَب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلِتَعْلَمُواْ} لكَي تعلمُوا بِزِيَادَة الْقَمَر ونقصانه {عَدَدَ السنين والحساب} حِسَاب الْأَيَّام والشهور {وَكُلَّ شَيْءٍ} من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} بَيناهُ فِي الْقُرْآن تبييناً

ص: 234

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} ألزقناه {طَآئِرَهُ} كتاب إجَابَته فِي الْقَبْر لمنكر وَنَكِير {فِي عُنُقِهِ} وَيُقَال خَيره وشره لَهُ أَو عَلَيْهِ وَيُقَال سعادته وشقاوته لَهُ أَو عَلَيْهِ {وَنُخْرِجُ لَهُ} نظهر لَهُ {يَوْمَ الْقِيَامَة كِتَاباً يَلْقَاهُ} يعطاه {مَنْشُوراً} مَفْتُوحًا فِيهِ حَسَنَاته وسيئاته

ص: 234

{مَّنِ اهْتَدَى} آمن {فَإِنَّمَا يَهْتَدي} يُؤمن {لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَن ضَلَّ} كفر {فَإِنَّمَا يَضِلُّ} يجب {عَلَيْهَا} على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة ذَنْب أُخْرَى بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بِالْقصاصِ وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} قوما بِالْهَلَاكِ {حَتَّى نَبْعَثَ} إِلَيْهِم {رَسُولا} لَا تخاذ الْحجَّة عَلَيْهِم

ص: 234

{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} جبابرتها ورؤساءها بِالطَّاعَةِ إِن قَرَأت بِنصب الْألف مخففاً وَيَقُول كَثرْنَا رؤساءها وجبابرتها وأغنياءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف ممدوداً وَيُقَال سلطنا جبابرتها ورؤساءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف وَتَشْديد الْمِيم {فَفَسَقُواْ فِيهَا} فعملوا فِيهَا بِالْمَعَاصِي {فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْل} وَجب القَوْل عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} فأهلكناها إهلاكا

ص: 234

{مِن بَعْدِ نُوحٍ} من بعد قوم نوح {وَكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} بهلاكهم وَإِن لم نبين لَك وَتعلم ذنوبهم وعذابهم

ص: 235

{مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة} يَعْنِي الدُّنْيَا بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا} أعطيناه فِي الدُّنْيَا {مَا نَشَآءُ} أَن نُعْطِيه {لِمَن نُّرِيدُ} أَن نهلكه فِي الْآخِرَة {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} أَوجَبْنَا لَهُ {يَصْلاهَا} يدخلهَا {مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} مقصياً من ثَوَاب كل خير نزلت هَذِه الْآيَة فِي مرْثَد بن ثُمَامَة

ص: 235

{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ {وسعى لَهَا سَعْيَهَا} عمل للجنة عَملهَا {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم} عَمَلهم {مَّشْكُوراً} مَقْبُولًا نزلت هَذِه الْآيَة فِي بِلَال الْمُؤَذّن

ص: 235

{كُلاًّ نُّمِدُّ} نعطي بالرزق {هَؤُلَاءِ} أهل الطَّاعَة {وَهَؤُلَاء} أهل الْمعْصِيَة يمدون {مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ} رزق رَبك {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ} رزق رَبك {محذورا} مَحْبُوسًا عَن الْبر والفاجر

ص: 235

{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ والخدم {وَلَلآخِرَةُ} وَفِي الْآخِرَة {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل للْمُؤْمِنين {وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} فَضَائِل للْمُؤْمِنين ثَوابًا فِي الدَّرَجَات

ص: 235

{لَاّ تَجْعَل} لَا تقل {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً} ملوماً تلوم نَفسك {مَّخْذُولاً} يخذلك معبودك

ص: 235

{وَقضى رَبُّكَ} أَمر رَبك {أَلَاّ تعبدوا إِلَاّ إِيَّاهُ} أَن لَا توحدوا إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى {وبالوالدين إِحْسَاناً} برا بهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكبر أَحَدُهُمَا} أحد الْأَبَوَيْنِ {أَوْ كِلَاهُمَا} كلا الْأَبَوَيْنِ {فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} كلَاما رديئاً وَلَا تقذرهما {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} وَلَا تغلظ لَهما فِي الْكَلَام {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} لينًا حسنا

ص: 235

{واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل} لين جَانِبك لَهما {مِنَ الرَّحْمَة} كن رحِيما عَلَيْهِمَا {وَقُل رَّبِّ ارحمهما} إِن كَانَا مُسلمين {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} عالجاني فِي الصغر

ص: 235

{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} بِمَا فِي قُلُوبكُمْ من الْبر والكرامة بالوالدين {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} بارين بالوالدين {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} للراجعين من الذُّنُوب {غَفُوراً} متجاوزاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي سعد بن أبي وَقاص

ص: 235

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أعْط ذَا الْقَرَابَة حَقه يَقُول أَمر بصلَة الْقَرَابَة (والمسكين) أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمِسْكِين {وَابْن السَّبِيل} أَمر بإكرام الضَّيْف النَّازِل بِهِ حَقه ثَلَاثَة أَيَّام {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} لَا تنْفق مَالك فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا وَيُقَال فِي غير طَاعَة الله

ص: 235

{إِنَّ المبذرين} المنفقين أَمْوَالهم فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا {كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين} أعوان الشَّيَاطِين {وَكَانَ الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُوراً} لرَبه كَافِرًا

ص: 235

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} عَن الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين حَيَاء وَرَحْمَة {ابتغآء رَحْمَةٍ} انْتِظَار رَحْمَة {مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} أَن تَأْتِيك وَيُقَال قدوم مَال غَائِب عَنْك

ص: 235

{فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} فعدهم عدَّة حَسَنَة أَي سأعطيكم

ص: 236

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} يَقُول لَا تمسك يدك عَن النَّفَقَة والعطية بِمَنْزِلَة المغلولة يَده إِلَى عُنُقه {وَلَا تَبْسُطْهَا} فِي الْعَطِيَّة النَّفَقَة {كُلَّ الْبسط} فِي السَّرف يَقُول لَا تعط جَمِيع ماهو لَك مِسْكينا وَاحِدًا أَو قرَابَة وَاحِدَة وتترك الآخرين {فَتَقْعُدَ} فَتبقى {مَلُوماً} يلومك النَّاس يَعْنِي الْفُقَرَاء والقرابة {مَّحْسُوراً} مُنْقَطِعًا عَنْك الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين ذَاهِبًا الَّذِي لَك من المَال وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي امْرَأَة استكست قَمِيص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَمِيصه وَجلسَ عَارِيا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ وَلَا تبسطها كل الْبسط فِي السَّرف حَتَّى تنْزع ثَوْبك فَتَقْعُدَ مَلُوماً يلومك النَّاس مَّحْسُوراً عَارِيا لَا تقدر أَن تخرج من العري

ص: 236

{إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لمن يشآء} على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} بصلاح عباده {خَبِيراً بَصِيراً} بالبسط والتقتير

ص: 236

{وَلَا تقتلُوا أَوْلادَكُمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي خُزَاعَة كَانُوا يدفنون بناتهم أَحيَاء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَقَالَ وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم لَا تدفنوا بناتكم أَحيَاء {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} مَخَافَة الذل والفقر {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ} يَعْنِي بناتكم {وَإِيَّاكُم إنَّ قَتلهمْ} دفنهم أَحيَاء {كَانَ خطأ كَبِيراً} ذَنبا عَظِيما فِي الْعقُوبَة

ص: 236

{وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى} سرا وَعَلَانِيَة {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} مَعْصِيّة ذَنبا {وَسَآءَ سَبِيلاً} بئس مسلكاً

ص: 236

{وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفس} المؤمنة {الَّتِي حَرَّمَ الله} قَتلهَا {إِلَاّ بِالْحَقِّ} بِالرَّجمِ أَو الْقود أَو الارتداد {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً} بالتعمد {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ} لوَلِيّ الْمَقْتُول {سُلْطَاناً} عذرا وَحجَّة على الْقَاتِل إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَإِن شَاءَ آخذه بِالدِّيَةِ {فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْل} إِن قتلت قَاتل وليك وَيُقَال لَا تقتل غير الْقَاتِل حمية إِن قَرَأت بِالْجَزْمِ وَيُقَال لَا تقتل لقتل نفس وَاحِدَة عشرَة {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} يقتل وَلَا يعفي

ص: 236

{وأوفوا بالعهد} أَتموا الْعَهْد بِاللَّه فِيمَا بَيْنكُم وَبَين النَّاس {إِنَّ الْعَهْد} نَاقض الْعَهْد {كَانَ مَسْؤُولاً} من نقضه يَوْم الْقِيَامَة {وَأَوْفُوا} أَتموا {الْكَيْل إِذا كِلْتُمْ} لغيركم {وَزِنُواْ بالقسطاس الْمُسْتَقيم} بميزان الْعدْل {ذَلِك} الْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن والعهد {خَيْرٌ} من النَّقْض والبخس {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عَاقِبَة

ص: 236

{وَلَا تَقْفُ} وَلَا تقل {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فَتَقول علمت وَلم تعلم وَرَأَيْت وَلم تَرَ وَسمعت وَلم تسمع {إِنَّ السّمع} ماتسمعون {وَالْبَصَر} مَا تبصرون {والفؤاد} مَا تتمنون {كُلُّ أُولَئِكَ} عَن كل ذَلِك {كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} يَوْم الْقِيَامَة

ص: 236

{وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْض مَرَحاً} بالتكبر وَالْخُيَلَاء {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْض} تجَاوز الأَرْض بخيلائك {وَلَن تَبْلُغَ الْجبَال طُولاً} وَلنْ تحازي الْجبَال

ص: 236

{كُلُّ ذَلِك} كل مَا نهيتك عَنهُ {كَانَ سَيِّئُهُ} سَيِّئًا {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} عِنْد رَبك مقدم ومؤخر

ص: 236

{ذَلِكَ} الَّذِي أَمرتك {مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ} أَمرك {رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَة} فِي الْقُرْآن {وَلَا تَجْعَلْ} لَا تقل {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتلقى} فتطرح {فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً} تلومك نَفسك {مَّدْحُوراً} مقصياً من كل خير

ص: 236

{أَفَأَصْفَاكُمْ} اختاركم {رَبُّكُم بالبنين} بالذكور

ص: 236

{وَاتخذ} لنَفسِهِ {مِنَ الْمَلَائِكَة إِنَاثاً} الْبَنَات {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ} على الله {قَوْلاً عَظِيماً} فِي الْعقُوبَة وَيُقَال فِي الْفِرْيَة على الله

ص: 237

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بَينا {فِي هَذَا الْقُرْآن} الْوَعْد والوعيد {لِيذكرُوا} لكَي يتعظوا {وَمَا يزيدهم} وَعبد الْقُرْآن {إِلَاّ نُفُوراً} تباعداً عَن الْإِيمَان

ص: 237

{سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} تَبرأ وارتفع {عَمَّا يَقُولُونَ} من الشّرك {عُلُوّاً} على كل شَيْء {كَبِيراً} كَبِير كل شَيْء

ص: 237

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمَن فِيهِنَّ} من الْخلق {وَإِن مِّن شَيْءٍ} مَا من شَيْء من النَّبَات {إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} بأَمْره {وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} بِأَيّ لُغَة هُوَ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} بعباده إِذْ لَا يعجلهم بالعقوبة {غَفُوراً} متجاوزاً لمن تَابَ

ص: 237

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن} بِمَكَّة {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {حِجَاباً مَّسْتُوراً} محجوباً

ص: 237

{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} لكَي لَا يفقهوا الْحق {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} صمماً {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن وَحْدَهُ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ} رجعُوا إِلَى أصنامهم وعطفوا إِلَى عبَادَة آلِهَتهم {نُفُوراً} تباعداً عَن قَوْلك

ص: 237

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إِلَى قراءتك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَإِذْ هُمْ نجوى} فِي أَمرك يَقُول بَعضهم سَاحر وَيَقُول بَعضهم كَاهِن وَيَقُول بَعضهم مَجْنُون وَيَقُول بَعضهم شَاعِر {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ بَعضهم لبَعض {إِن تَتَّبِعُونَ} مُحَمَّدًا مَا تتبعون {إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} مغلوب الْعقل

ص: 237

{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَال} كَيفَ شبهوك بالمسحور {فضلوا} فأخطئوا فِي الْمقَالة {فَلَا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} مخرجا عَن مقالتهم وَيُقَال حجَّة على مَا قَالُوا

ص: 237

{وَقَالُوا} يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أئذا كُنَّا} صرنا {عِظَاماً} بالية {وَرُفَاتاً} تُرَابا رميماً {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون {خَلْقاً جَدِيداً} تجدّد بعد الْمَوْت فِينَا الرّوح

ص: 237

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كُونُواْ حِجَارَةً} لَو كُنْتُم حِجَارَة أَو أَشد من الْحِجَارَة {أَوْ حَدِيداً} أَو أقوى من الْحَدِيد

ص: 237

{أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} يَعْنِي الْمَوْت لبعثتم {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} يحيينا {قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {الَّذِي فَطَرَكُمْ} خَلقكُم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي بطُون أُمَّهَاتكُم {فَسَيُنْغِضُونَ} يهزون {إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} تَعَجبا لِقَوْلِك {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} مَتى هَذَا الَّذِي تعدنا {قُلْ عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ قَرِيباً}

ص: 237

ثمَّ بَين لَهُم فَقَالَ

ص: 237

{يَوْمَ} فِي يَوْم {يَدْعُوكُمْ} إسْرَافيل فِي الصُّور {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} فتستجيبون دَاعِي الله بأَمْره {وَتَظُنُّونَ} تحسبون {إِن لَّبِثْتُمْ} فِي الْقُبُور {إِلَاّ قَلِيلاً}

ص: 238

{وَقُل لِّعِبَادِي} عمر وَأَصْحَابه {يَقُولُواْ} للْكفَّار بِالْكَلِمَةِ {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِالسَّلَامِ واللطف {إِنَّ الشَّيْطَان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يفْسد بَينهم إِن جئْتُمْ بالجفاء {إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} ظَاهر الْعَدَاوَة وَهَذَا قبل أَن أمروا بِالْقِتَالِ

ص: 238

{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ بصلاحهم {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيين على بعض} بالخلة وَالْكَلَام {وآتينا} وأعطينا {دَاوُد زَبُوراً} كتابا ومُوسَى التَّوْرَاة وَعِيسَى الْإِنْجِيل ومحمداً صلى الله عليه وسلم الْفرْقَان

ص: 238

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لخزاعة الَّذين كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ وظنوا أَنهم الْمَلَائِكَة {ادعوا الَّذين زَعَمْتُم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِهِ} من دون الله عِنْد الشدَّة {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّر عَنْكُمْ} رفع الشدَّة عَنْكُم {وَلَا تَحْوِيلاً} إِلَى غَيْركُمْ

ص: 238

{أُولَئِكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {الَّذين} هم الَّذين {يَدْعُونَ} يعْبدُونَ رَبهم {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة} يطْلبُونَ بذلك إِلَى رَبهم الْقرْبَة والفضيلة {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} إِلَى الله {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} جنته {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} لم يَأْتهمْ الْأمان

ص: 238

{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ} مَا من قَرْيَة {إِلَاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} نميت أَهلهَا {قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً} بِالسَّيْفِ والأمراض {كَانَ ذَلِك} الْهَلَاك وَالْعَذَاب {فِي الْكتاب مَسْطُوراً} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا أَن يكون

ص: 238

{وَمَا مَنَعَنَآ} لم يمنعنا {أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ} بالعلامات الَّتِي طلبوها {إِلَاّ أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَولونَ} إِلَّا تَكْذِيب الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب أَي نهلكهم إِن كذبُوا بهَا كَمَا أهلكنا الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقة} أعطينا قوم صَالح نَاقَة عشراء {مُبْصِرَةً} مبينَة عَلامَة لنبوة صَالح {فَظَلَمُواْ بِهَا} جَحَدُوا بهَا فَعَقَرُوهَا {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ} بالعلامات {إِلَاّ تَخْوِيفاً} بِالْعَذَابِ لنهلكهم إِن لم يُؤمنُوا بهَا

ص: 238

{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} عَالم بِأَهْل مَكَّة بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} مَا أريناك الرُّؤْيَا {الَّتِي أَرَيْنَاكَ} فِي الْمِعْرَاج {إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} بلية لأهل مَكَّة مقدم ومؤخر {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} مَا ذكرنَا شَجَرَة الزقوم فِي الْقُرْآن {وَنُخَوِّفُهُمْ} بشجرة الزقوم {فَمَا يَزِيدُهُمْ} الْوَعيد {إِلَاّ طُغْيَاناً كَبِيراً} تمادياً فِي الْمعْصِيَة

ص: 238

{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض

ص: 238

{اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس قَالَ أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} لطيني

ص: 239

{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} فضلت عَليّ بِالسُّجُود {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} أجلتني {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة لأَحْتَنِكَنَّ} لأستزلن ولأستملكن ولأستولين {ذُرِّيَّتَهُ إِلَاّ قَلِيلاً} المعصومين مني

ص: 239

{قَالَ اذْهَبْ} قَالَ الله أعلم {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} فِي دينك {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} نَصِيبا وافراً

ص: 239

{واستفزز} استنزل {مَنِ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} بدعوتك وَيُقَال بِصَوْت المزامير والغناء وَسَائِر الْمَنَاكِير {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} اجْمَعْ عَلَيْهِم وَيُقَال اسْتَعِنْ عَلَيْهِم {بِخَيْلِكَ} بخيل الْمُشْركين {ورجلك} رجفلة الْمُشْركين {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال} أَمْوَال الْحَرَام {وَالْأَوْلَاد} أَوْلَاد الْحَرَام {وَعِدْهُمْ} أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلَاّ غُرُوراً} بَاطِلا

ص: 239

{إِنَّ عِبَادِي} المعصومين مِنْك {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} سَبِيل وَغَلَبَة {وَكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} كَفِيلا بِمَا وعد وَيُقَال حفيظاً

ص: 239

{رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ} يسير لكم {الْفلك} السفن {فِي الْبَحْر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا من رزقه وَيُقَال من علمه {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} بِتَأْخِير الْعَذَاب وَيُقَال بِمن تَابَ مِنْكُم

ص: 239

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضّر} الشدَّة والهول {فِي الْبَحْر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ} تتركون من تَعْبدُونَ من الْأَوْثَان فَلَا تسْأَلُون مِنْهُ النجَاة {إِلَاّ إِيَّاهُ} يَقُول تسْأَلُون من الله النجَاة {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبر أَعْرَضْتُمْ} عَن الشُّكْر والتوحيد {وَكَانَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {كَفُوراً} كَافِرًا بنعم الله

ص: 239

{أَفَأَمِنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {أَن يَخْسِفَ بِكُمْ} أَن لَا يغور بكم {جَانِبَ الْبر} كَمَا خسف بقارون {أَوْ يُرْسِلَ} أَن لَا يُرْسل {عَلَيْكُمْ حَاصِباً} حِجَارَة كَمَا أرسل على قوم لوط {ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} مَانِعا

ص: 239

{أَمْ أَمِنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} فِي الْبَحْر {تَارَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى يخرجكم إِلَيْهِ {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرّيح} ريحًا شَدِيدا {فَيُغْرِقَكُم} فِي الْبَحْر {بِمَا كَفَرْتُمْ} بِاللَّه وبنعمته {ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ} بغرقكم {تَبِيعاً} ثائراً أَو طَالبا

ص: 239

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} بِالْأَيْدِي والأرجل {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبر} على الدَّوَابّ {وَالْبَحْر} فِي الْبَحْر على السفن {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} جعلنَا أَرْزَاقهم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ {وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا} من الْبَهَائِم {تَفْضِيلاً} بالصورة وَالْأَيْدِي والأرجل

ص: 239

{يَوْمَ نَدْعُواْ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم}

ص: 239

نَبِيّهم وَيُقَال بِكِتَابِهِمْ وَيُقَال بداعيهم إِلَى الْهدى وَإِلَى الضَّلَالَة {فَمَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ} حسناتهم {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم قدر فتيل وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يكون فِي شقّ النواة وَيُقَال هُوَ الْوَسخ الَّذِي فتلت بَين أصبعيك

ص: 240

{وَمَن كَانَ فِي هَذِه} النعم {أعمى} عَن الشُّكْر {فَهُوَ فِي الْآخِرَة} فِي نعيم الْجنَّة {أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} طَرِيقا وَيُقَال من كَانَ فِي هَذِه الدُّنْيَا أعمى عَن الْحجَّة وَالْبَيَان فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى أَشد عمى وأضل سَبِيلا عَن الْحجَّة

ص: 240

{وَإِن كَادُوا} وَقد كَادُوا {لَيَفْتِنُونَك} ليصرفونك وليستزلونك {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} من كسر آلِهَتهم {لِتفْتَرِيَ} لتقول {عَلَيْنَا غَيْرَهُ} غير الَّذِي أَمرتك من كسر آلِهَتهم {وَإِذاً لَاّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} صفياً بمتابعتك إيَّاهُم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف

ص: 240

{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ} عصمناك وحفظناك {لَقَدْ كِدتَّ} هَمَمْت {تَرْكَنُ} تميل {إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فِيمَا طلبوك

ص: 240

{إِذاً} أَو أَعْطَيْت مَا طلبوك {لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاة} عَذَاب الدُّنْيَا {وَضِعْفَ الْمَمَات} عَذَاب الْآخِرَة {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} مَانِعا

ص: 240

{وَإِن كَادُواْ} وَقد كَادُوا يَعْنِي الْيَهُود {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليستزلونك {مِنَ الأَرْض} أَرض الْمَدِينَة {لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا} إِلَى الشأم {وَإِذاً} لَو أخرجوك من الْمَدِينَة {لَاّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَاّ قَلِيلاً} يَسِيرا حَتَّى نهلكهم

ص: 240

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} أهلكنا قَومهمْ إِذا خرج الرُّسُل من بَين أظهرهم {وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا} لعذابنا {تَحْوِيلاً} تغييراً

ص: 240

{أَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة يَا مُحَمَّد {لِدُلُوكِ الشَّمْس} بعد زَوَال الشَّمْس صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {إِلَى غَسَقِ اللَّيْل} وَبعد دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَقُرْآنَ الْفجْر} صَلَاة الْغَدَاة {إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر} صَلَاة الْغَدَاة {كَانَ مَشْهُوداً} تشهدها مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار

ص: 240

{وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن والتهجد بعد النّوم {نَافِلَةً} فَضِيلَة {لَّكَ} وَيُقَال خَاصَّة لَك {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} أَن يقيمك رَبك مقَاما مَحْمُودًا مقَام الشَّفَاعَة مَحْمُودًا يحمدك الْأَولونَ وَالْآخرُونَ

ص: 240

{وَقُل رَّبِّ} يَا رب {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يَقُول أدخلني فِي الْمَدِينَة إِدْخَال صدق وَكَانَ خَارِجا من الْمَدِينَة {وَأَخْرِجْنِي} من الْمَدِينَة {مُخْرَجَ صِدْقٍ} إِخْرَاج صدق بعد مَا كنت فِيهَا فَأَدْخلنِي مَكَّة وَيُقَال أدخلني فِي الْقَبْر مدْخل صدق إِدْخَال صدق وأخرجني من الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة مخرج صدق إِخْرَاج صدق {وَاجعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {سُلْطَاناً نَّصِيراً} مَانِعا بِلَا ذل وَلَا رد قَول

ص: 240

{وَقل جَاءَ الْحق} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ وَيُقَال ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَزَهَقَ الْبَاطِل} هلك الشَّيْطَان والشرك وَأَهله {إِنَّ الْبَاطِل} الشَّيْطَان والشرك وَأَهله {كَانَ زَهُوقاً} هَالكا

ص: 240

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآن} نبين فِي الْقُرْآن {مَا هُوَ شِفَآءٌ} بَيَان من الْعَمى وَيُقَال بَيَان من الْكفْر والشرك والنفاق {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمين} الْمُشْركين بِمَا نزل من الْقُرْآن {إَلَاّ خَسَاراً} غبناً

ص: 240

{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر من كَثْرَة مَاله ومعيشته {أَعْرَضَ} عَن الدُّعَاء وَالشُّكْر {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} تبَاعد عَن الْإِيمَان {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} أَصَابَته الشدَّة والفقر

ص: 240

{كَانَ يؤوسا} أيساً من رَحْمَة الله نزلت فِي عتبَة بن ربيعَة

ص: 241

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {كُلٌّ} كل وَاحِد مِنْكُم {يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} على نِيَّته وَأمره الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَيُقَال على ناحيته وجبلته {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدى سَبِيلاً} أصوب دينا

ص: 241

{ويسألونك} يَا مُحَمَّد {عَنِ الرّوح} سَأَلَ أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {قُلِ الرّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} من عجائب رَبِّي وَقَالَ من علم رَبِّي {وَمَآ أُوتِيتُم} أعطيتم {مِّنَ الْعلم} فِيمَا عِنْد الله {إِلَاّ قَلِيلاً}

ص: 241

{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} بِحِفْظ الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} كَفِيلا وَيُقَال مَانِعا

ص: 241

{إِلَاّ رَحْمَةً} نعْمَة (مِّن رَّبِّكَ) حفظ الْقُرْآن فِي قَلْبك {إِنَّ فَضْلَهُ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً} عَظِيما

ص: 241

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَّئِنِ اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} بِمثل هَذَا الْقُرْآن بَالغا فِيهِ الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وَخبر مَا كَانَ وَمَا يكون {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} معينا

ص: 241

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ} بَينا لأهل مَكَّة {فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد {فَأبى أَكْثَرُ النَّاس إِلَاّ كُفُوراً} لم يقبلُوا وثبتوا على الْكفْر

ص: 241

{وَقَالُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدقك {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا} تشقق لنا {مِنَ الأَرْض} أَرض مَكَّة {يَنْبُوعاً} عيُونا وأنهاراً

ص: 241

{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} بُسْتَان {مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ} كرم {فَتُفَجِّرَ} فتشقق {الْأَنْهَار خِلالَهَا} وَسطهَا {تفجيرا} تشقيقا

ص: 241

{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} من ذهب وَفِضة {أَوْ ترقى فِي السمآء} أَو تصعد إِلَى السَّمَاء فَتَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ يشْهدُونَ أَنَّك رَسُول من الله إِلَيْنَا {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} لصعودك إِلَى السَّمَاء {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً} من الله إِلَيْنَا {نَّقْرَؤُهُ} فِيهِ أَنَّك رَسُول الله إِلَيْنَا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {سُبْحَانَ رَبِّي} أنزه رَبِّي عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {هَلْ كُنتُ إَلَاّ بَشَراً رَّسُولاً} يَقُول مَا أَنا إِلَّا بشر رَسُول كَسَائِر الرُّسُل

ص: 241

{وَمَا مَنَعَ النَّاس} أهل مَكَّة {أَن يُؤمنُوا} بِاللَّه {إِذْ جَاءَهُم الْهدى} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ {إِلَاّ أَن قَالُوا} إِلَّا قَوْلهم {أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً} إِلَيْنَا

ص: 241

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَوْ كَانَ فِي الأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ} فِي الأَرْض يمضون {مُطْمَئِنِّينَ} مقيمين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً} لأَنا لَا نرسل إِلَى الْمَلَائِكَة الرُّسُل إِلَّا الْمَلَائِكَة وَإِلَى الْبشر إِلَّا الْبشر

ص: 241

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}

ص: 241

بِأَنِّي رَسُوله إِلَيْكُم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} بإرسال الرَّسُول إِلَى عباده {خَبِيراً بَصِيراً} بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن

ص: 242

{وَمَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَهُوَ المهتد} لدينِهِ {وَمَن يُضْلِلْ} عَن دينه {فَلَن تَجِدَ لَهُمْ} لأهل مَكَّة {أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} من دون الله يوفقونهم للهدى {وَنَحْشُرُهُمْ} نسحبهم {يَوْمَ الْقِيَامَة على وُجُوهِهِمْ} إِلَى النَّار {عُمْياً} لَا يبصرون شَيْئا {وَبُكْماً} خرصاً لَا يَتَكَلَّمُونَ بِشَيْء {وَصُمّاً} لَا يسمعُونَ شَيْئا {مَّأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكنت النَّار وَسكن لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} وقودا

ص: 242

{ذَلِكَ} الْعَذَاب {جَزَآؤُهُم} نصِيبهم {بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَقَالُوا} كفار مَكَّة {أئذا كُنَّا} صرنا {عِظَاماً} بالية {وَرُفَاتاً} تُرَابا رميماً {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون {خَلْقاً جَدِيداً} يجدد فِينَا الرّوح هَذَا مَا لَا يكون أبدا

ص: 242

{أَو لم يَرَوْاْ} أهل مَكَّة {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ} يحيي {مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً} وقتا {لَاّ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ عِنْد الْمُؤمنِينَ {فَأبى الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {إَلَاّ كُفُوراً} لم يقبلُوا واستقاموا على الْكفْر

ص: 242

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} مَفَاتِيح رزق رَبِّي {إِذاً لأمْسَكْتُمْ} عَن النَّفَقَة {خَشْيَةَ الْإِنْفَاق} مَخَافَة الْفقر {وَكَانَ الْإِنْسَان} الْكَافِر {قَتُوراً} ممسكاً بَخِيلًا مقترا

ص: 242

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مبينات الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وطمس الْأَمْوَال {فاسأل بَنِي إِسْرَائِيلَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {إِذْ جَآءَهُمْ} مُوسَى {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأظنك يَا مُوسَى مَسْحُوراً} مغلوب الْعقل

ص: 242

{قَالَ} لَهُ مُوسَى {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا فِرْعَوْن {مَآ أَنزَلَ} على مُوسَى {هَؤُلَاءِ} الْآيَات {إِلَاّ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَآئِرَ} بَيَانا وعلامة لنبوتي {وَإِنِّي لأظنك} أعلم واستيقن {يَا فِرْعَوْن مَثْبُوراً} ملعوناً كَافِرًا

ص: 242

{فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم} يستزلهم {مِّنَ الأَرْض} أَرض الْأُرْدُن وفلسطين {فَأَغْرَقْنَاهُ} فِي الْبَحْر {وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا}

ص: 242

{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد هَلَاكه {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا} انزلوا {الأَرْض} أَرض الْأُرْدُن وفلسطين {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة} الْبَعْث بعد الْمَوْت وَيُقَال نزُول عِيسَى بن مَرْيَم {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} جَمِيعًا

ص: 242

{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ} بِالْقُرْآنِ أنزلنَا جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وبالحق نَزَلَ} بِالْقُرْآنِ نزل {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلَاّ مُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار

ص: 242

{وَقُرْآناً} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {فَرَقْنَاهُ} بَيناهُ بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاس على مكث}

ص: 242

مهل وهينة وَترسل {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} بَيناهُ تبياناً وَيُقَال نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ تَنْزِيلا مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وَكَذَا وَكَذَا

ص: 243

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آمِنُواْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {أَوْ لَا تؤمنوا} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {إِنَّ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ بِصفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته {مِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {إِذَا يُتْلَى} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ} الْقُرْآن {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} على الْوُجُوه {سُجَّداً} يَسْجُدُونَ لله

ص: 243

{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} نزهوا الله عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {إِن كَانَ} قد كَانَ {وَعْدُ رَبِّنَا} فِي مبعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {لمفعولا} كَائِنا صدقا

ص: 243

{ويخرون للأذقان} للسُّجُود و {يَبْكُونَ} فِي السُّجُود {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} تواضعاً نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

ص: 243

{قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {ادعوا الله أَوِ ادعوا الرَّحْمَن أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات الْعليا مثل الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر فَادعوهُ بهَا {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} يَقُول لَا تجْهر بصوتك بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي صَلَاتك لكَي لَا يُؤْذِيك الْمُشْركُونَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وَلَا تسر بِقِرَاءَة الْقُرْآن فَلَا تسمع أَصْحَابك {وابتغ} اطلب {بَيْنَ ذَلِك} بَين الرّفْع والخفض {سَبِيلاً} طَرِيقا وسطا

ص: 243

{وَقُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والألوهية لله {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} من الْمَلَائِكَة والآدميين فيرث ملكه {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْملك} فيعاديه {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ} معِين {مَّنَ الذل} من أهل الذل يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهم أذلّ النَّاس وَيُقَال لم يذل حَتَّى يحْتَاج إِلَى ولي من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} يَعْنِي عظمه تَعْظِيمًا عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَالله أعلم بأسرار كِتَابه

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْكَهْف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ مدنيتين ذكر فيهمَا عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وآياتها مائَة واحدى عشرَة وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها سِتَّة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ حرفا

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 243

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله والإلهية لله {الَّذِي أنزل على عَبده} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} لم ينزله مُخَالفا للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته نزلت فِي شَأْن الْيَهُود حِين قَالُوا الْقُرْآن مُخَالف لسَائِر الْكتب

ص: 243

{قَيِّماً} على الْكتب وَيُقَال مُسْتَقِيمًا {لِّيُنْذِرَ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ {بَأْساً} عذَابا {شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ} من عِنْده {وَيُبَشِّرَ} مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ {الْمُؤمنِينَ} المخلصين {الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} ثَوابًا كَرِيمًا فِي الْجنَّة

ص: 243

{مَّاكِثِينَ فِيهِ} مقيمين فِي الثَّوَاب لَا يموتون وَلَا يخرجُون {أبدا}

ص: 243

{وينذر} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ {الَّذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَعض الْمُشْركين

ص: 243

{مَّا لَهُمْ بِهِ} من مقالتهم {مِنْ عِلْمٍ} من حجَّة وَلَا بَيَان {وَلَا لآبَائِهِمْ} كَانَ علم ذَلِك {كَبُرَتْ كَلِمَةً} عظمت كلمة الشّرك {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} تظهر على أَفْوَاههم {إِن يَقُولُونَ} مَا يَقُولُونَ {إِلَاّ كَذِباً} على الله

ص: 243

{فَلَعَلَّكَ} يَا مُحَمَّد {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} قَاتل نَفسك

ص: 243

{على آثَارِهِمْ} لأجلهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الحَدِيث} بِأَن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن {أَسَفاً} حزنا

ص: 244

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْض} من الرِّجَال وَالنِّسَاء {زِينَةً لَّهَا} زهرَة للْأَرْض {لِنَبْلُوَهُمْ} لنختبرهم {أَيُّهُم} من هم {أَحْسَنُ} أخْلص {عَمَلاً} وَيُقَال إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض من النَّبَات وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَالنَّعِيم زِينَة لَهَا زهرَة للْأَرْض لنختبر أَيهمْ أزهد فِي الدُّنْيَا وأترك لَهَا

ص: 244

{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} مغيرون {مَا عَلَيْهَا} من الزهرة {صَعِيداً} تُرَابا {جُرُزاً} أملس لَا نَبَات فِيهَا

ص: 244

{أَمْ حَسِبْتَ} أظننت يَا مُحَمَّد {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْف والرقيم} والكهف هُوَ الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار والرقيم هُوَ اللَّوْح من رصاص فِيهِ أَسمَاء الْفتية وقصتهم وَيُقَال الرقيم هُوَ الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْكَهْف وَيُقَال الرقيم هُوَ مَدِينَة {كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا} من عجائبنا {عَجَباً} الشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض والنجوم وَالْجِبَال والبحار أعجب من ذَلِك

ص: 244

{إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} دخل غلمة فِي غَار الْكَهْف {فَقَالُواْ} حِين دخلُوا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أَي ثبتنا على دينك {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رشدا} مخرجا

ص: 244

{فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ} ألقينا عَلَيْهِم النّوم وأنمناهم {فِي الْكَهْف سِنِين عددا} ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين

ص: 244

{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} أيقظناهم كَمَا نَامُوا {لِنَعْلَمَ} لكَي نرى {أَيُّ الحِزْبَيْنِ} أَي الْفَرِيقَيْنِ الْمُؤْمِنُونَ والكافرون {أحصى لِمَا لَبِثُواْ} أحفظ لما مَكَثُوا فِي الْكَهْف {أَمَداً} أَََجَلًا

ص: 244

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبين لَك {نبَأَهُم} خبرهم {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} غلمة {آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} بَصِيرَة فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم على الْإِيمَان

ص: 244

{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} حفظنا قُلُوبهم بِالْإِيمَان وَيُقَال ألهمناهم الصَّبْر {إِذْ قَامُواْ} إِذْ خَرجُوا من عِنْد الْملك دقيانوس الْكَافِر {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ} لن نعْبد من دون الله {إِلَهًا} ربّاً {لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} كذبا وزوراً على الله

ص: 244

{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخذُوا مِن دُونِهِ} عبدُوا من دون الله {آلِهَةً} من الْأَوْثَان {لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم} هلا يأْتونَ على عِبَادَتهم {بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} بِحجَّة بَيِّنَة أَن الله أمرَهم بذلك {فَمَنْ أَظْلَمُ} فَلَيْسَ أحد أظلم {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً} بِأَن لَهُ شَرِيكا

ص: 244

{وَإِذِ اعتزلتموهم} تركتموهم وتركتم دينهم {وَمَا يَعْبُدُونَ} من دون الله من الْأَوْثَان فَلَا تعبدوا {إِلَاّ الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف} فادخلوا هَذَا الْغَار {يَنْشُرْ لَكُمْ} يهب لكم {رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ} من نعْمَته {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} مَا يرفق بكم غَدا وَهَذَا كُله قَول الفتيه

ص: 244

{وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ} تميل {عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمين} يَمِين الْغَار {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تتركهم {ذَاتَ الشمَال} شمال الْغَار {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} فِي نَاحيَة من الْكَهْف وَيُقَال فِي فضاء مِنْهُ من الضَّوْء {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من قصتهم {مِنْ آيَاتِ الله} من عجائب الله {مَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَهُوَ المهتد} لدينِهِ {وَمَن يُضْلِلْ} عَن دينه {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً}

ص: 244

موفقاً يوفقه للهدى

ص: 245

{وتحسبهم} يَا مُحَمَّد {أيقاظا} عير نيام {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمين وَذَاتَ الشمَال} فِي كل عَام مرّة لكَي لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم {وَكَلْبُهُمْ} قطمير {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} بِفنَاء الْبَاب {لَوِ اطَّلَعت} هجمت {عَلَيْهِمْ} فِي تِلْكَ الْحَال {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ} لأدبرت عَنْهُم {فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} لأخذت مِنْهُم خوفًا {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا

ص: 245

{بعثناهم} أيقظناهم بعد مَا مضى ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين {لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ} ليتحدثوا فِيمَا بَينهم {قَالَ قَائِل مِنْهُم} سيدهم وَكَبِيرهمْ وهم مكسلميا {كَم لَبِثْتُمْ} مكثتم فِي هَذَا الْغَار بعد النّوم {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً} فَلَمَّا خَرجُوا فنظروا إِلَى الشَّمْس وَقد بَقِي مِنْهَا شَيْء قَالُوا {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ} يَعْنِي مكسلمينا {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} بعد النّوم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ} تمليخا {بِوَرِقِكُمْ هَذِه} بدراهمكم هَذِه {إِلَى الْمَدِينَة} مَدِينَة أفسوس {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} أَكثر طَعَاما وَيُقَال أطيب خبْزًا وَأحل ذَبِيحَة {فَلْيَأْتِكُمْ برزق مِنْهُ} بِطَعَام مِنْهُ {وليتلطف} يرفق فِي الشِّرَاء {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ} لَا يعلمن بكم {أَحَداً} من الْمَجُوس

ص: 245

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ} يطلعوا {عَلَيْكُمْ} الْمَجُوس {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ} يرجعوكم {فِي مِلَّتِهِمْ} فِي دينهم الْمَجُوسِيَّة {وَلَن تُفْلِحُوا} لن تنجوا من عَذَاب الله {إِذاً أَبَداً} إِذا رجعتم إِلَى دينهم

ص: 245

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَعْثَرْنَا} أطْلعنَا {عَلَيْهِمْ} أهل مَدِينَة أفسوس الْمُؤمنِينَ الْكَافرين وَكَانَ ملكهم يؤمئذ مُسلما يُسمى يُسْتَفَاد وَمَات ملكهم الْمَجُوسِيّ دقيانوس قبل ذَلِك {ليعلموا} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين {أَنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن {وَأَنَّ السَّاعَة لَا رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِيهَا {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} إِذْ يَخْتَلِفُونَ فِي قَوْلهم فِيمَا بَينهم {فَقَالُواْ} يَعْنِي الْكَافرين {ابْنُوا عَلَيْهِم بنيانا} كَنِيسَة لأَنهم على ديننَا {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} على قَوْلهم وهم الْمُؤْمِنُونَ {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً} لأَنهم على ديننَا وَكَانَ اخْتلَافهمْ فِي هَذَا

ص: 245

{سَيَقُولُونَ} نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَأَصْحَابه وهم النسطورية {ثَلاثَةٌ} هم ثَلَاثَة {رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} قطمير {وَيَقُولُونَ} العاقب وَأَصْحَابه وهم الْمَار يعقوبية {خَمْسَةٌ} هم خَمْسَة {سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ} ظنا بِالْغَيْبِ بِغَيْر علم {وَيَقُولُونَ} أَصْحَاب الْملك وهم الملكانية {سَبْعَةٌ} هم سَبْعَة {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قطمير {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} بعددهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ} من الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنا من ذَلِك الْقَلِيل هم ثَمَانِيَة سوى الْكَلْب {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ} فَلَا تجَادل مَعَهم فِي عَددهمْ {إِلَاّ مِرَآءً ظَاهِراً} إِلَّا أَن تقْرَأ الْقُرْآن عَلَيْهِم ظَاهرا {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} لَا تسْأَل أحدا مِنْهُم عَن عَددهمْ يَكْفِيك مَا بَين الله لَك

ص: 245

{وَلَا تَقْولَنَّ} يَا مُحَمَّد {لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِك غَداً} أَو قَائِل

ص: 245

{إِلَاّ أَن يَشَآءَ الله} إِلَّا أَن تَقول إِن شَاءَ الله

ص: 245

{وَاذْكُر رَبك} بالاستنثاء {إِذَا نَسِيتَ} وَلَو بعد حِين {وَقُلْ عَسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي} يدلني ويرشدني {لأَقْرَبَ} لأصوب {مِنْ هَذَا رَشَداً} صَوَابا ويقيناً نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ لمشركي أهل مَكَّة غَدا أَقُول لكم فَلم يقل إِن شَاءَ الله فِيمَا سَأَلُوهُ عَن خبر الرّوح

ص: 246

{وَلَبِثُوا} مَكَثُوا {فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً} تسع سِنِين وَهَذَا قبل أَن أيقظهم الله

ص: 246

{قُلِ} يَا مُحَمَّد {الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} بِمَا مَكَثُوا بعد ذَلِك {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} مَا أبصره وأعلمه بهم وشأنهم {مَا لَهُم مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن ولي} يحفظهم وَيُقَال مَالهم لأهل مَكَّة من دونه من عَذَاب الله من ولي قريب يَنْفَعهُمْ {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ} فِي حكم الْغَيْب {أَحَداً}

ص: 246

{واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} يَقُول اقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَلَا تزد فِيهِ وَلَا تنقص مِنْهُ {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} لَا مغير لكلماته {وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ} من دون الله {مُلْتَحَداً} ملْجأ

ص: 246

{واصبر نَفْسَكَ} احْبِسْ نَفسك {مَعَ الَّذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} يعْبدُونَ رَبهم {بِالْغَدَاةِ والعشي} غدْوَة وَعَشِيَّة يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يُرِيدُونَ بذلك وَجه الله وَرضَاهُ {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} لَا تجَاوز عَيْنَاك عَنْهُم {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يُرِيدُونَ الزِّينَة {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} عَن توحيدنا {وَاتبع هَوَاهُ} فِي عبَادَة الْأَصْنَام {وَكَانَ أَمْرُهُ} قَوْله {فُرُطاً} ضائعاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ

ص: 246

{وَقُلِ} لعيينة {الْحق} لَا إِلَه إِلَّا الله {مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} هَذَا وَعِيد من الله وَيُقَال فَمن شَاءَ فليؤمن يَقُول من شَاءَ الله لَهُ الْإِيمَان آمن وَمن شَاءَ فليكفر من شَاءَ الله لَهُ الْكفْر كفر {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} لعيينة وَأَصْحَابه {نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} سرادق النَّار يُحِيط بهم {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} للغصة بِالْمَاءِ {يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمهْلِ} كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة {يَشْوِي الْوُجُوه} ينضج الْوُجُوه {بِئْسَ الشَّرَاب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً} منزلا يَقُول بئس الدَّار دَار رفقائهم الشَّيَاطِين وَالْكفَّار

ص: 246

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {إِنَّا لَا نُضِيعُ} لَا نبطل {أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} ثَوَاب من أخْلص عملا

ص: 246

{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة الرَّحْمَن {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} أَي من تَحت شجرهم ومساكنهم {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} أقلبة ذهب {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سندس} مالطف من الديباج {وإستبرق} مَا ثخن من الديباج {متكئين فِيهَا} جالسين فِيهَا فِي الْجنَّة {عَلَى الأرآئك} فِي الحجال {نِعْمَ الثَّوَاب} الْجَزَاء الْجنَّة {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} منزلا يَقُول حسنت الدَّار دَار رفقائهم الْأَنْبِيَاء والصالحون

ص: 246

{وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً} بيّن لأهل مَكَّة صفة {رَّجُلَيْنِ} أَخَوَيْنِ فِي بني إِسْرَائِيل أَحدهمَا مُؤمن وَهُوَ يهوذا وَالْآخر كَافِر وَهُوَ أَبُو فطروس {جعلنَا لأَحَدهمَا} الْكَافِر {جَنَّتَيْنِ} بساتين {مِنْ أَعْنَابٍ} من كروم {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أحطناهما بِنَخْل {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} بَين الْبَسَاتِين {زرعا} مزرعا

ص: 247

{كِلْتَا الجنتين} الْبَسَاتِين {آتَتْ أُكُلَهَا} أخرجت ثَمَرهَا كل عَام {وَلَمْ تَظْلِمِ} لم تنقص {مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا} وسطهما {نَهَراً}

ص: 247

{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} يَعْنِي ثَمَرَة الْبُسْتَان إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال مَال إِن قَرَأت بِالضَّمِّ {فَقَالَ لَصَاحِبِهِ} الْمُؤمن يهوذا {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يفاخر بِالْمَالِ {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أَكثر خدما

ص: 247

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} بستانه {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالْكفْر {قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} أَن تهْلك {هَذِه أبدا}

ص: 247

{وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَة قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِن رُّدِدتُّ} رجعت {إِلَى رَبِّي} كَمَا تَقول {لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا} من هَذِه الْجنَّة {مُنْقَلَباً} مرجعاً

ص: 247

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} الْمُؤمن {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يُرَاجِعهُ عَن كفره {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} من نُطْفَة أَبِيك {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} معتدل الْقَامَة

ص: 247

{لَّكِنَّا} لَكِن أَنا أَقُول {هُوَ الله رَبِّي} خالقي ورازقي {وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} من الْأَوْثَان

ص: 247

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ} فَهَلا دخلت {جَنَّتَكَ} بستانك {قُلْتَ مَا شَآءَ الله} هَذَا من الله لَيْسَ مني {لَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّه} هَذَا بِقُوَّة الله لَا بقوتي {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً} وخدماً فِي الدُّنْيَا

ص: 247

{فَعَسَى رَبِّي} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يُؤْتِيَنِ} أَن يعطيني فِي الْآخِرَة {خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ} من بستانك فِي الدُّنْيَا {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} على جنتك {حُسْبَاناً} نَارا {مِّنَ السمآء فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} تصير تُرَابا أملس

ص: 247

{أَوْ يُصْبِحَ} أَو يصير {مَآؤُهَا غَوْراً} غائراً لَا تناله الدلاء {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً} حِيلَة

ص: 247

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أهلكت ثَمَرَته إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال أهلك مَاله إِن قَرَأت بِالضَّمِّ {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} يضْرب يَدَيْهِ بَعْضهَا على بعض ندامة {عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا} فِي الْجنَّة وَيُقَال على مَا كَانَ فيهمَا من غلتهما {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عُرُوشِهَا} على سقوفها {وَيَقُول} يَوْم الْقِيَامَة {يَا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} من الْأَوْثَان

ص: 247

{وَلم تكن لَهُ فِئَة} مِنْهُ {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} مُمْتَنعا بِنَفسِهِ من عَذَاب الله

ص: 247

أَي يَوْم الْقِيَامَة الْملك وَالسُّلْطَان لله {الْحق} الْعدْل {هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً} خير من أثاب {وَخَيْرٌ عُقْباً} من أعقب

ص: 248

{وَاضْرِبْ لَهُم} بَين لأهل مَكَّة {مَّثَلَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} فِي بَقَائِهَا وفنائها {كَمَآءٍ} كمطر {أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأَرْض} فاختلط المَاء بنبات الأَرْض {فَأَصْبَحَ هَشِيماً} فَصَارَ يَابسا {تَذْرُوهُ الرِّيَاح} ذرته الرّيح وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء كَذَلِك الدُّنْيَا تذْهب وَلَا يبْقى مِنْهَا شَيْء كَمَا لَا يبْقى من الهشيم شَيْء {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من فنَاء الدُّنْيَا وَبَقَاء الْآخِرَة {مُّقْتَدِراً} قَادِرًا

ص: 248

ثمَّ ذكر مَا فِيهَا من الزهرة فَقَالَ {المَال والبنون زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى الهشيم {والباقيات الصَّالِحَات} الصَّلَوَات الْخمس وَيُقَال الْبَاقِيَات مَا يبْقى ثَوَابه والصالحات سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً} جَزَاء {وَخَيْرٌ أَمَلاً} خير مَا يَرْجُو بِهِ الْعباد من أَعْمَالهم الصَّلَاة

ص: 248

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجبَال} عَن وَجه الأَرْض {وَتَرَى الأَرْض بَارِزَةً} خَارِجَة من تَحت الْجبَال وَيُقَال ظَاهِرَة {وَحَشَرْنَاهُمْ} للبعث {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} فَلَا نَتْرُك مِنْهُم أحدا

ص: 248

{وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ} سبقوا إِلَى رَبك {صَفَّاً} جَمِيعًا فَيَقُول الله لَهُم {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} بِلَا مَال وَلَا ولد {بَلْ زَعَمْتُمْ} قُلْتُمْ فِي الدُّنْيَا {أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً} أَََجَلًا للبعث

ص: 248

{وَوُضِعَ الْكتاب} فِي الْأَيْمَان وَالشَّمَائِل وتطايرت الْكتب إِلَى أَيدي الْخلق مثل الثَّلج {فَتَرَى الْمُجْرمين} الْمُشْركين وَالْمُنَافِقِينَ {مُشْفِقِينَ} خَائِفين {مِمَّا فِيهِ} فِي الْكتاب {وَيَقُولُونَ يَا ويلتنا مَا لهَذَا الْكتاب لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً} من أَعمالنَا {وَلَا كَبِيرَة} وَيُقَال الصَّغِير التبسم والكبيرة القهقهة {إِلَاّ أَحْصَاهَا} حفظهَا وكتبها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} من خير وَشر {حَاضِراً} مَكْتُوبًا {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد وَيُقَال لَا ينقص من حَسَنَة مُؤمن وَلَا يتْرك من سَيِّئَة كَافِر

ص: 248

{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} رئيسهم {كَانَ مِنَ الْجِنّ} من قَبيلَة الْجِنّ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} فتعظم وتمرد عَن طَاعَة ربه وأبى عَن السُّجُود لآدَم {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} تعبدونه {وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {مِن دُونِي} من دون الله {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} ظَاهر الْعَدَاوَة {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين مني {بَدَلاً} فِي الطَّاعَة وَيُقَال بئس مَا استبدلوا عبَادَة الله بِعبَادة الشَّيْطَان وَيُقَال ولَايَة الله بِولَايَة الشَّيْطَان

ص: 248

{مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين {خَلْقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} حِين خلقهما {وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} حِين خلقتهمْ وَيُقَال مَا استعنت من الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا فِي خلق أنفسهم {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين} الْكَافرين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعَبدَة الْأَوْثَان {عضدا} عونا

ص: 248

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَقُولُ} لعبدة الْأَوْثَان {نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذين} يَعْنِي آلِهَتكُم {زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ وقلتم إِنَّهُم شركائي حَتَّى يمنعوكم من عَذَابي {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فَلم يجيبوا لَهُم {وَجَعَلنَا بَينهم} بَين العابد والمعبود {مَّوْبِقاً} وَاديا فِي النَّار وَجَعَلنَا مَا بَينهم من الْوَصْل والود فِي الدُّنْيَا موبقاً مهْلكا فِي الْآخِرَة

ص: 248

{وَرَأَى المجرمون} الْمُشْركُونَ {النَّار فظنوا} فَعَلمُوا وأيقنوا {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} دَاخِلُوهَا يَعْنِي النَّار {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً} مهرباً

ص: 249

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بيّنا {فِي هَذَا الْقُرْآن لِلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد لكَي يتعظوا فيؤمنوا {وَكَانَ الْإِنْسَان} أبي بن خلف الجُمَحِي {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} فِي الْبَاطِل وَيُقَال لَيْسَ شَيْء أجدل من الْإِنْسَان

ص: 249

{وَمَا مَنَعَ النَّاس} أهل مَكَّة المطعمين يَوْم بدر {أَن يُؤمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {إِذْ جَاءَهُم الْهدى} مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام بِالْقُرْآنِ {وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ} يتوبوا من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {إِلَاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلين} عَذَاب الْأَوَّلين بهلاكهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَاب} بِالسَّيْفِ {قُبُلاً} مُعَاينَة يَوْم بدر

ص: 249

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسلين إِلَاّ مُبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين {وَمُنذِرِينَ} عَن النَّار للْكَافِرِينَ {وَيُجَادِلُ} يُخَاصم {الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل {بِالْبَاطِلِ} بالشرك {لِيُدْحِضُواْ} ليبطلوا {بِهِ} بِالْبَاطِلِ {الْحق} وَالْهدى {وَاتَّخذُوا آيَاتِي} كتابي ورسلي {وَمَا أُنْذِرُواْ} خوفوا من الْعَذَاب {هُزُواً} سخرية واستهزاء

ص: 249

{وَمَنْ أَظْلَمُ} لَيْسَ أحد أظلم {مِمَّن ذُكِّرَ} وعظ {بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} فصرف عَنْهَا جاحداً بهَا {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ترك ذكر مَا عملت يَدَاهُ من الذُّنُوب {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} لكَي لَا يفقهوا الْحق وَالْهدى {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} صمماً لكَي لَا يسمعوا الْحق وَالْهدى {وَإِن تَدْعُهُمْ} يَا مُحَمَّد {إِلَى الْهدى} إِلَى التَّوْحِيد {فَلَنْ يهتدوا} فَلَنْ يُؤمنُوا {إِذاً أَبَداً}

ص: 249

{وَرَبُّكَ الغفور} المتجاوز {ذُو الرَّحْمَة} بِتَأْخِير الْعَذَاب {لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ} بشركهم {لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَاب} فِي الدُّنْيَا {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ} أجل لهلاكهم {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ} من عَذَاب الله {مَوْئِلاٍ} ملْجأ

ص: 249

{وَتِلْكَ الْقرى} أهل الْقرى الْمَاضِيَة {أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} حِين كفرُوا {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم} لهلاكهم {مَّوْعِداً} أَََجَلًا

ص: 249

ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر وَكَانَ مُوسَى وَقع فِي قلبه أَن لَيْسَ فِي الأَرْض أحد أعلم مني فَقَالَ الله يَا مُوسَى إِن لي فِي الأَرْض عبدا أعبد لي مِنْك وَأعلم وَهُوَ الْخضر فَقَالَ مُوسَى يَا رب دلَّنِي عَلَيْهِ فَقَالَ الله لَهُ خُذ سمكًا مالحا وامض على شاطى الْبَحْر حَتَّى تلقى صَخْرَة عِنْدهَا عين الْحَيَاة فانضح على السَّمَكَة مِنْهَا حَتَّى تحيا السَّمَكَة فثم تلقى الْخضر فَقَالَ الله {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} لشاجرده يُوشَع بن نون وَكَانَ من أَشْرَاف بني إِسْرَائِيل وَإِنَّمَا سمي فتاه لِأَنَّهُ كَانَ يتبعهُ ويخدمه {لَا أَبْرَح} لاأزال أمضي {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرين} العذب والمالح بَحر فَارس وَالروم {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} سِنِين وَيُقَال دهرا

ص: 249

{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} بَين الْبَحْرين {نَسِيَا حُوتَهُمَا} خبر حوتهما {فَاتخذ سَبِيلَهُ} طَرِيقه {فِي الْبَحْر سَرَباً} يَابسا

ص: 249

{فَلَمَّا جَاوَزَا} من الصَّخْرَة {قَالَ لِفَتَاهُ} لشاجرده {آتِنَا غَدَآءَنَا} أعطنا غداءنا {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}

ص: 249

تعبا ومشقة

ص: 250

{قَالَ} يُوشَع {أَرَأَيْتَ} يَا مُوسَى {إِذْ أَوَيْنَآ} انتهينا {إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوت} خبر الْحُوت {وَمَآ أَنْسَانِيهُ} وَمَا شغلنيه {إِلَاّ الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرَهُ} لَك {وَاتخذ سَبِيلَهُ} طَرِيقه {فِي الْبَحْر عَجَباً} يَابسا

ص: 250

{قَالَ} مُوسَى {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} نطلب دلَالَة لنا من الله على الْخضر {فارتدا} رجعا {على آثَارِهِمَا} خلفهمَا {قَصَصاً} يقصان أثرهما

ص: 250

{فَوَجَدَا} هُنَاكَ عِنْد الصَّخْرَة {عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ} يَعْنِي خضرًا {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} يَقُول أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} علم الكوائن

ص: 250

{قَالَ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أَن ترى مني شَيْئا لَا تصبر عَلَيْهِ

ص: 250

قَالَ مُوسَى أَصْبِر قَالَ خضر {وَكَيْفَ تَصْبِرُ} يَا مُوسَى {على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} على مَا لم تعلم بِهِ {خُبْراً} بَيَانا

ص: 250

{قَالَ ستجدني} يَا خضر {إِن شَآءَ الله صَابِراً} على مَا أرى مِنْك {وَلَا أَعْصِي لَكَ أمْراً} لَا أترك أَمرك

ص: 250

{قَالَ} خضر {فَإِنِ اتبعتني} صحبتني يَا مُوسَى {فَلَا تَسْأَلْني عَن شَيءٍ} فعلته {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ} حَتَّى أبين لَك {مِنْهُ ذِكْراً} بَيَانا

ص: 250

{فَانْطَلقَا} فمضيا مُوسَى وخضر عليهما السلام {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة} عِنْد العبر {خَرَقَهَا} ثقبها الْخضر {قَالَ} لَهُ مُوسَى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ} يَعْنِي لكَي يغرق {أَهْلَهَا} إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَيُقَال لتغرق لتهلك إِن قَرَأت بِضَم التَّاء {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} لقد فعلت شَيْئا مُنْكرا شَدِيدا على الْقَوْم

ص: 250

{قَالَ} لَهُ الْخضر {أَلَمْ أَقُلْ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}

ص: 250

{قَالَ} مُوسَى {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} تركت من وصيتك {وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} يَعْنِي لَا تكلفني من أَمْرِي شدَّة

ص: 250

{فَانْطَلقَا} فمضيا {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً} بَين قريتين {فَقَتَلَهُ} الْخضر {قَالَ} مُوسَى (أَقَتَلْتَ) يَا خضر {نَفْساً زَكِيَّةً} بَريَّة {بِغَيْرِ نَفْسٍ} بِغَيْر قتل نفس {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} فعلت فعلا مُنْكرا عَظِيما

ص: 250

{قَالَ} الْخضر {أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} إِنَّك ترى مني شَيْئا لَا تصبر على ذَلِك

ص: 250

{قَالَ} مُوسَى {إِن سَأَلْتُكَ} يَا خضر {عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا} بعد قتل هَذِه النَّفس {فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} قد أعذرت مني بترك الصُّحْبَة

ص: 250

{فَانْطَلقَا} فمضيا {حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ} يُقَال لَهَا أنطاكية {استطعمآ أَهْلَهَا} طلبا من أَهلهَا الْخبز

ص: 250

{فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} يعطوهما الطَّعَام {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً} حَائِطا مائلاً {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أَن يسْقط {فَأَقَامَهُ} فسواه الْخضر {قَالَ} مُوسَى {لَوْ شِئْتَ} يَا خضر {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} جعلا خبْزًا نأكله

ص: 251

{قَالَ} الْخضر {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} يَا مُوسَى {سَأُنَبِّئُكَ} أخْبرك {بِتَأْوِيلِ} بتفسير {مَا لَمْ تستطع عَلَيْهِ صبرا} مالم تصبر عَلَيْهِ

ص: 251

{أَمَّا السَّفِينَة} الَّتِي ثقبتها {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر} فيعبرون بِالنَّاسِ {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أشينها {وَكَانَ وَرَآءَهُم} قدامهم {مَّلِكٌ} يُقَال لَهُ جلندى {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} فَلذَلِك ثقبتها

ص: 251

{وَأَمَّا الْغُلَام} الَّذِي قتلته {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} من عُظَمَاء تِلْكَ الْقرْيَة {فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا} فَعلم رَبك أَن يكلفهما {طُغْيَاناً وَكُفْراً} بطغيانه وكفره ومعصيته بِالْحلف الْكَاذِب فَقتلته

ص: 251

{فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} ولدا {خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً} صَالحا {وَأَقْرَبَ رُحْماً} أوصل رحما فرزق الله لَهما جَارِيَة فَتزَوج بهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَولدت نَبيا من الْأَنْبِيَاء فهدى الله على يَدَيْهِ أمة من النَّاس وَكَانَ الْغُلَام رجلا كَافِرًا لصاً قتالاً فَمن ذَلِك قَتله الْخضر وَكَانَ اسْمه جيسور

ص: 251

{وَأَمَّا الْجِدَار} الَّذِي سويته {فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} وَكَانَ اسمهما أَصْرَم وصريم {فِي الْمَدِينَة} فِي مَدِينَة أنطاكية {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} لوح من الذَّهَب فِيهِ علم وَحِكْمَة مَكْتُوب فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عجبت لمن يُوقن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح وَعَجِبت لمن يُوقن بِالْقدرِ كَيفَ يحزن وَعَجِبت لمن يُوقن بِزَوَال الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} ذُو أَمَانَة يُقَال لَهُ كاشح {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا} أَن يحتلما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} يَعْنِي اللَّوْح {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} نعْمَة لَهما من رَبك وَيُقَال وَحيا من رَبك فعلته {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} من قبل نَفسِي {ذَلِك تَأْوِيلُ} تَفْسِير {مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} مالم تصبر عَلَيْهِ

ص: 251

{وَيَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {عَن ذِي القرنين} عَن خبر ذِي القرنين {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {سأتلو عَلَيْكُم} سأقرأ عَلَيْكُم مِّنْهُ من خَبره {ذِكْراً} بَيَانا

ص: 251

{فَأَتْبَعَ سَبَباً} فَأخذ طَرِيقا

ص: 251

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْس} حَيْثُ تغرب {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} حارة وَيُقَال طِينَة سَوْدَاء مُنْتِنَة إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف {وَوجد عِنْدهَا قوما} كفَّارًا {قُلْنَا يَا ذَا القرنين} ألهمناه {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ} تقتل حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله {وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} مَعْرُوفا تَعْفُو عَنْهُم وتتركهم

ص: 251

{قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ} كفر بِاللَّه {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ} فِي الْآخِرَة {فَيُعَذِّبُهُ} بالنَّار {عَذَاباً نُّكْراً} شَدِيدا

ص: 251

{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا {فَلَهُ جَزَآءً الْحسنى} الْجنَّة فِي الْآخِرَة {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} مَعْرُوفا

ص: 252

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أَخذ طَرِيقا نَحْو الْمشرق

ص: 252

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا} بَينهم وَبَين الشَّمْس {سِتْراً} جبلا وَلَا شَجرا وَلَا ثوبا قوم عماة عُرَاة عَن الْحق يُقَال لَهُم تارج وتاويل ومنسك

ص: 252

{كَذَلِك} كَمَا بلغ إِلَى الْمغرب بلغ إِلَى الْمشرق {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} قد علمنَا بِمَا كَانَ عِنْده من الْخَبَر وَالْبَيَان

ص: 252

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أَخذ طَرِيقا إِلَى الْمشرق نَحْو الرّوم

ص: 252

{قَالُوا} للترجمان {يَا ذَا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} يفسدون أَرْضنَا يَأْكُلُون رطبنا ويحملون يابسنا وَيقْتلُونَ أَوْلَادنَا وَيُقَال يفسدون فِي الأَرْض أَي يَأْكُلُون النَّاس ويأجوج كَانَ رجلا وَمَأْجُوج كَانَ رجلا وَكَانَا من بني يافث وَيُقَال سمي يَأْجُوج وَمَأْجُوج لكثرتهم {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} جعلا وَيُقَال أجرا إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} حاجزاً

ص: 252

{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ} مَا ملكني عَلَيْهِ {رَبِّي} وَأَعْطَانِي {خَيْرٌ} مِمَّا تعرضون عَليّ من الْجعل {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} قَالُوا أَي الْقُوَّة تُرِيدُ منا قَالَ آلَة الحدادين {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ردما} سدا

ص: 252

{آتُونِي} أعطوني {زُبَرَ الْحَدِيد} فلق الْحَدِيد {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصدفين} طرفِي الْجَبَل {قَالَ} لَهُم {انفخوا} فنفخوا فِيهِ النَّار {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً} يَقُول صَار الْحَدِيد كنار فَذهب بعضه فِي بعض {قَالَ آتوني} أعطوني {أُفْرِغْ عَلَيْهِ} أصب على الْحَائِط {قِطْراً} صفراً

ص: 252

{فَمَا اسطاعوا} فَلم يقدروا {أَن يَظْهَرُوهُ} من أَعْلَاهُ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} من أَسْفَله

ص: 252

{قَالَ هَذَا} الْحَائِط {رَحْمَةٌ} نعْمَة {مِّن رَّبِّي} عَلَيْكُم {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي} بِخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج {جعله دكا} كسراً {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي} بخروجهم {حَقّاً} صدقا كَائِنا

ص: 252

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْخُرُوج وَيُقَال يَوْم الرُّجُوع من الرّوم حَيْثُ لم يقدروا على الْخُرُوج مِنْهُ {يَمُوجُ} يجول {فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} جَمِيعًا

ص: 252

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} كشفنا جَهَنَّم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْكَافِرِينَ} قبل دُخُولهمْ {عَرْضاً} كشفاً

ص: 252

{الَّذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ} فِي عمى {عَن ذِكْرِي} عَن توحيدي وكتابي {وَكَانُواْ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} الِاسْتِمَاع إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن من بغض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 252

{أفحسب} أفيظن {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي} أَن يعبدوا عبَادي {مِن دوني أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا بِأَن ينفعوهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال أفحسب أفيكفي إِن قَرَأت بِضَم الْبَاء وَجزم السِّين الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي أَن يعبدوا عبَادي من دوني من دون طَاعَتي أَوْلِيَاء أَرْبَابًا

ص: 252

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {هَلْ نُنَبِّئُكُم} نخبركم {بالأخسرين أَعْمَالاً} فى الْآخِرَة

ص: 253

{الَّذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ} بَطل عَمَلهم {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وهم الْخَوَارِج وَيُقَال أَصْحَاب الصوامع {وَهُمْ يَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} يعْملُونَ عملا صَالحا

ص: 253

{أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَلِقَائِهِ} الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} حسناتهم {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ} لأعمالهم {يَوْمَ الْقِيَامَة وَزْناً} ميزاناً وَيُقَال لَا يُوزن يَوْم الْقِيَامَة من أَعْمَالهم قدر ذرة

ص: 253

{ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَاتَّخذُوا آيَاتِي} كتابي {وَرُسُلِي} مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام وَغَيره {هُزُواً} سخرية واستهزاء

ص: 253

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس} أَعْلَاهَا دَرَجَة {نزلا} منزلا

ص: 253

{خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا {لَا يَبْغُونَ} لَا يطْلبُونَ {عَنْهَا حِوَلاً} تحويلاً

ص: 253

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} آدَمِيّ مثلكُمْ {يُوحى إِلَيَّ} جِبْرِيل {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ} يخَاف الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} لَا يرائي وَلَا يخالط بِعبَادة ربه أحدا وَيُقَال بِطَاعَة ربه أحدا نزلت هَذِه الْآيَة فِي جُنْدُب بن زُهَيْر العامرى

tit/2 وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مَرْيَم وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَتسْعُونَ وكلماتها تِسْعمائَة وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وثلثمائة وحرفان / tit

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 253

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {كهيعص} قَالَ هُوَ ثَنَاء أثنى بِهِ على نَفسه يَقُول كَاف هاد عَالم صَادِق وَيُقَال كَاف كَاف لخلقه هاهادى لخلقه يَا يدالله على خلقه وَعين عَالم بأمرهم صَاد صَادِق بوعده وَيُقَال الْكَاف من كريم وَالْهَاء من هاد وَالْيَاء من حَلِيم وَالْعين من عليم وَالصَّاد من صَادِق وَيُقَال من صَدُوق وَيُقَال هُوَ قسم أقسم بِهِ

ص: 253

{ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} يَقُول هَذَا ذكر رَبك {عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} رَحمته بِولد مقدم ومؤخر

ص: 253

{إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دَعَا زَكَرِيَّا ربه فِي الْمِحْرَاب {نِدَاء خفِيا} أشره وأخفاه من قومه

ص: 253

يَقُول لم أكن عنْدك بدعائي يَا رب خائبا

ص: 254

{وَإِنِّي خِفْتُ الموَالِي} يَعْنِي الْوَرَثَة {مِن وَرَآئِي} أَن لَا يكون من بعدِي وَارِث يَرث حبورتي ومكاني وَيُقَال قلت ورثتي إِن قَرَأت بِنصب الْخَاء وَكسر الْفَاء {وَكَانَتِ امْرَأَتي} صَارَت امْرَأَتي حنة أُخْت أم مَرْيَم بنت عمرَان بن ماثان {عَاقِراً} عقيماً من الْوَلَد {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {وَلِيّاً} ولدا

ص: 254

{يَرِثُنِي} يَرث حبورتي ومكاني {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} إِن كَانَ لَهُم حبورة وَملك وَكَانَ آل يَعْقُوب أخوال يحيى {واجعله رَبِّ رَضِيّاً} مرضيا صَالحا

ص: 254

فناداه جِبْرِيل فَقَالَ {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ} بِولد {اسْمه يحيى} يُسمى يحيى باحيائه رحم أمه {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} أَي لم نجْعَل لزكريا من قبل يحيى سمياً ولدا يُسمى يحيى وَيُقَال لم يكن قبل يحيى أحد يُسمى يحيى

ص: 254

{قَالَ} زَكَرِيَّا لجبريل {رَبِّ} يَا رب وسيدي {أَنى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} من أَيْن يكون لي ولد {وَكَانَتِ امْرَأَتي} صَارَت امْرَأَتي {عَاقِراً} عقيماً من الْوَلَد {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكبر عِتِيّاً} يبوساً وَيُقَال سني اثْنَان وَسَبْعُونَ سنة إِن قَرَأت بِكَسْر الْعين

ص: 254

{قَالَ} لَهُ جِبْرِيل {كَذَلِك} هَكَذَا كَمَا قلت لَك {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أَي خلقه هُوَ عَليّ هَين {وَقَدْ خَلَقْتُكَ} وَقد جعلتك يَا زَكَرِيَّا {مِن قَبْلُ} من قبل يحيى {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}

ص: 254

{قَالَ رَبِّ} يَا رب {اجْعَل لي آيَةً} عَلامَة إِذا حبلت امْرَأَتي {قَالَ آيَتُكَ} علامتك {أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاس} لَا تقدر أَن تكلم النَّاس {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} صَحِيحا بِلَا خرس وَلَا مرض

ص: 254

{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَاب} من الْمَسْجِد {فَأوحى إِلَيْهِمْ} فَأَشَارَ إِلَيْهِم وَيُقَال كتب لَهُم على الأَرْض {أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} صلوا لَهُ غدْوَة وَعَشِيَّة

ص: 254

{يَا يحيى} قَالَ الله ليحيى بعد مَا بلغ وَأدْركَ {خُذِ الْكتاب} اعْمَلْ بِمَا فِي الْكتاب التَّوْرَاة {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه يَعْنِي يحيى {الحكم} الْفَهم وَالْعلم {صَبِيّاً} فِي صغره

ص: 254

{وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} أعطيناه رَحْمَة من عندنَا لِأَبَوَيْهِ {وَزَكَاةً} صَدَقَة لَهما وَيُقَال صلاحا فِي دينه {وَكَانَ تَقِيّاً} مُطيعًا لرَبه

ص: 254

{وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} لطيفاً بِوَالِديهِ {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً} فِي دينه قتالاً فِي الْغَضَب {عَصِيّاً} عَاصِيا لرَبه

ص: 254

{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ} سَلامَة ومغفرة وسعادة منا على يحيى {يَوْمَ وُلِدَ} حِين ولد {وَيَوْمَ يَمُوتُ} حِين يَمُوت {وَيَوْمَ يُبْعَثُ} حِين يبْعَث من الْقَبْر {حَيا}

ص: 254

{وَاذْكُر} يَا مُحَمَّد {فِي الْكتاب} فِي الْقُرْآن {مَرْيَمَ} خبر مَرْيَم {إِذِ انتبذت} انْفَرَدت وتنحت {من أَهلهَا مَكَانا شرقيا} مشرقة دَرَاهِم

ص: 254

{فاتخذت مِن دُونِهِم} فَأَرختْ من دون أَهلهَا {حِجَاباً} سترا لكَي تَغْتَسِل فِيهِ من الْحيض {فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ} بعد مَا فرغت {رُوحَنَا} رَسُولنَا جِبْرِيل {فَتَمَثَّلَ لَهَا} فتشبه لَهَا {بَشَراً سَوِيّاً} فِي صُورَة شَاب لم ينقص

ص: 254

{قَالَتْ} مَرْيَم {إِنِّي أَعُوذُ} أمتنع {بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} مُطيعًا للرحمن وَيُقَال التقي كَانَ اسْم رجل سوء فظنت أَنه هُوَ ذَلِك الرجل فَمن ذَلِك تعوذت مِنْهُ

ص: 254

{قَالَ} لَهَا جِبْرِيل {إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأَهَبَ لَكِ} لكَي يهب الله لَك {غُلَاماً زَكِيّاً} ولدا صَالحا

ص: 254

{قَالَتْ} مَرْيَم لجبريل عليه السلام {أَنى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} من أَيْن يكون لي ولد

ص: 254

{قَالَ} لَهَا جِبْرِيل {كَذَلِك} هَكَذَا كَمَا قلت لَك {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} خلقه عَليّ هَين بِلَا أَب {وَلِنَجْعَلَهُ} لكَي نجعله {آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلْنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب {وَرَحْمَةً مِّنَّا} لمن آمن بِهِ {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} قَضَاء كَائِنا أَن يكون ولدا بِلَا أَب

ص: 255

{فَحَمَلَتْهُ} مَرْيَم وَكَانَ حمله تِسْعَة أشهر وَيُقَال يَوْم وَاحِد {فانتبذت} فانفردت {بِهِ} بولادتها إِيَّاه {مَكَاناً قَصِيّاً} بَعيدا من النَّاس

ص: 255

{فَأَجَآءَهَا الْمَخَاض} فألجأها الطلق {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَة} إِلَى أصل نَخْلَة يابسة {قَالَت يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا} الْوَلَد وَيُقَال قبل هَذَا الْيَوْم {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} شَيْئا متروكاً لم يذكر وَيُقَال حَيْضَة ملقاة وَيُقَال سقطة

ص: 255

{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ} من تَحت أَسْفَلهَا يَعْنِي جِبْرِيل {أَلَاّ تَحْزَنِي} يَا مَرْيَم على ولادَة عِيسَى {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} نَبيا وَيُقَال فناداها من تحتهَا إِن قَرَأت بِنصب الْمِيم يَعْنِي عِيسَى أَن لَا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سرياً نَهرا صَغِيرا

ص: 255

{وهزى إِلَيْكِ} خذي إِلَيْك {بِجِذْعِ النَّخْلَة} بِأَصْل النَّخْلَة فحركيها {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} غضاً طريا

ص: 255

{فَكُلِي} من الرطب {واشربي} من النَّهر {وَقَرِّي عَيْناً} طيبي نفسا بِوِلَادَة عِيسَى عليه السلام {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبشر} من الْآدَمِيّين {أَحَداً} بعد هَذَا الْيَوْم {فَقولِي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} صمتا {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْم إِنسِيّاً} آدَمِيًّا ثمَّ اسكتي بعد ذَلِك حَتَّى يتَكَلَّم بعذرك عِيسَى

ص: 255

{فَأَتَتْ بِهِ} بِعِيسَى {قَوْمَهَا} إِلَى قَومهَا {تَحْمِلُهُ} وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا {قَالُوا يَا مَرْيَم لقد جِئْت شَيْئا فريا} مُنْكرا عَظِيما

ص: 255

{يَا أُخْت هَارُون} يَا شَبيهَة هرون فى الْعِبَادَة وَكَانَ هرون رجلا صَالحا من أمثل النَّاس وَيُقَال كَانَ هرون رجل سوء فضربوها بِهِ وَيُقَال كَانَ هرون أخاها من أَبِيهَا {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأ سَوْءٍ} رجلا زَانيا {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} فاجرة

ص: 255

{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إِلَى عِيسَى عليه السلام أَن كَلمُوهُ {قَالُواْ} لَهَا {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد} فِي الْحجر وَيُقَال فِي السرير {صَبِيّاً} صَغِيرا ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَتكلم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام

ص: 255

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكتاب} عَلمنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي بطن أُمِّي {وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} بعد الْخُرُوج من بطن أُمِّي

ص: 255

{وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً} معلما للخير {أَيْنَ مَا كُنتُ} حَيْثُمَا كنت وأقمت {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ} بإتمام الصَّلَاة {وَالزَّكَاة} الصَّدَقَة {مَا دُمْتُ حَيّاً} مَا حييت

ص: 255

{وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} لطيفاً بوالدتي {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً} فِي ديني قتالاً فِي الْغَضَب {شَقِيّاً} عَاصِيا لربى

ص: 255

{وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} السَّلامَة عَليّ حِين ولدت من لُمزَة الشَّيْطَان {وَيَوْمَ أَمُوتُ} حِين أَمُوت من ضغطة الْقَبْر {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} حِين أبْعث من الْقَبْر حَيا

ص: 255

{ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَمَ} خبر عِيسَى ابْن مَرْيَم {قَوْلَ الْحق} خبر الْحق {الَّذِي فِيهِ} فِي عِيسَى {يَمْتُرُونَ} يَشكونَ يَعْنِي النَّصَارَى وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه

ص: 255

{مَا كَانَ لِلَّهِ} مَا يَنْبَغِي لله {أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {إِذَا قضى أَمْراً}

ص: 255

إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب {فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} ولدا بِلَا أَب مثل عِيسَى فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بالرسالة إِلَى قومه قَالَ إِنِّي عبد الله ومسيحه

ص: 256

{وَإِنَّ الله} هُوَ {رَبِّي} خالقي ورازقي {وَرَبُّكُمْ} خالقكم ورازقكم {فاعبدوه} وحدوه {هَذَا} التَّوْحِيد الَّذِي آمركُم بِهِ {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 256

{فَاخْتلف الْأَحْزَاب} الْكفَّار {مِن بَيْنِهِمْ} فِيمَا بَينهم فَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه {فَوْيْلٌ} الويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال فويل فشدة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} تحزبوا فِي عِيسَى {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} من عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة

ص: 256

{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} مَا أسمعهم وَمَا أبصرهم {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه {لَكِن الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {الْيَوْم} فِي الدُّنْيَا {فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بيّن بقَوْلهمْ إِن عِيسَى هُوَ الله أَو وَلَده أَو شَرِيكه

ص: 256

{وَأَنْذِرْهُمْ} يَا مُحَمَّد خوفهم {يَوْمَ الْحَسْرَة} الندامة {إِذْ قُضِيَ الْأَمر} فرغ من الْحساب وَأدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار وَذبح الْمَوْت {وهم فِي غَفلَة} فى جهلة وسمى عَن ذَلِك {وهم لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَآله وَالْقُرْآن والبعث بعد الْمَوْت

ص: 256

{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْض} نملك الأَرْض {وَمَنْ عَلَيْهَا} نملك من عَلَيْهَا وَيُقَال نميت من فِيهَا ونرث من عَلَيْهَا نميتهم ونحييهم {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة فأجزيهم بأعمالهم الْحَسَنَة بِالْحَسَنَة والسيئة بِالسَّيِّئَةِ

ص: 256

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيمَ} خبر إِبْرَاهِيم {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً} مُصدقا بإيمانه {نَّبِيّاً} مُرْسلا يخبر عَن الله

ص: 256

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر {يَا أَبَت لِمَ تَعْبُدُ} من دون الله {مَا لَا يَسْمَعُ} إِن دَعوته {وَلَا يَبْصِرُ} إِن عبدته {وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} من عَذَاب الله

ص: 256

{يَا أَبَت إِنِّي قَدْ جَآءَنِي} من الله {مِنَ الْعلم} الْبَيَان {مَا لم يأتك} مالم يجىء إِلَيْك أَن من عبد غير الله يعذبه الله تَعَالَى بالنَّار {فاتبعني} فِي دين الله {أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أدلك إِلَى طَرِيق عدل قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 256

{يَا أَبَت لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَان} لَا تُطِع الشَّيْطَان فِي عبَادَة الْأَصْنَام {إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ للرحمن عَصِيّاً} كَافِرًا

ص: 256

{يَا أَبَت إِنِّي أَخَافُ} أعلم {أَن يَمَسَّكَ} يصيبك {عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن} إِن لم تؤمن بِهِ {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} قريناً فِي النَّار

ص: 256

{قَالَ} آزر {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي} عَن عبَادَة آلهتى {يَا إِبْرَاهِيم لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عَن مَقَالَتك {لأَرْجُمَنَّكَ} لأسبنك وَيُقَال لأَقْتُلَنك {واهجرني مَلِيّاً} واعتزلني مَا دمت حَيا وَيُقَال اتركني وَلَا تكلمني طَويلا وَيُقَال دهرا

ص: 256

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} أَدْعُو لَك رَبِّي {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} عَالما إِن أَرَادَ أَن يستجيب دَعْوَتِي

ص: 256

{وَأَعْتَزِلُكُمْ} أترككم {وَمَا تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَأَدْعُو رَبِّي} أعبد رَبِّي {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَلَاّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي} بِعبَادة رَبِّي {شَقِيّاً} خائباً

ص: 256

{فَلَمَّا اعتزلهم} تَركهم {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ}

ص: 256

الضاحك {وَيَعْقُوبَ} ولد الْوَلَد {وَكُلاًّ} إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب {جَعَلْنَا نَبِيّاً} أكرمناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام

ص: 257

{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا} من نعمتنا ولدا صَالحا ومالاً حَلَالا {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} أكرمناهم بالثناء الْحسن

ص: 257

{وَاذْكُر فِي الْكتاب مُوسَى} خبر مُوسَى {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً} مَعْصُوما من الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَيُقَال مخلصاً بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام {وَكَانَ رَسُولاً} إِلَى بني إِسْرَائِيل {نَّبِيّاً} يخبر عَن الله تَعَالَى

ص: 257

{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطّور} الْجَبَل {الْأَيْمن} عَن يَمِين مُوسَى {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} أَي قربناه حَتَّى سمع صرير الْقَلَم وَيُقَال كلمناه من قريب

ص: 257

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِسْمَاعِيل} خبر إِسْمَعِيل {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْد} إِذا وعد أنْجز {وَكَانَ رَسُولاً} مُرْسلا إِلَى قومه {نَّبِيّاً} يخبر عَن الله

ص: 257

{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} قومه {بِالصَّلَاةِ} بإتمام الصَّلَاة {وَالزَّكَاة} بِإِعْطَاء الزَّكَاة الصَّدَقَة {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مرضيا} صَالحا

ص: 257

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِدْرِيسَ} خبر إِدْرِيس {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً} مُصدقا بإيمانه {نَّبِيَّاً} يخبر عَن الله

ص: 257

{أُولَئِكَ الَّذين} ذكرتهم إِبْرَاهِيم وإسمعيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب ومُوسَى وَهَارُون وَعِيسَى وَإِدْرِيس وَسَائِر الْأَنْبِيَاء {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيين} أكْرمهم الله بِالنُّبُوَّةِ والرسالة وَالْإِسْلَام {من ذُرِّيَّة آدم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} من ذُرِّيَّة نوح أَوْلَاده {وَمن ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم} إِسْمَعِيل وَإِسْحَاق {وَإِسْرَائِيلَ} وَمن ذُرِّيَّة يَعْقُوب يُوسُف وَإِخْوَته {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} أكرمنا بِالْإِيمَان {واجتبينآ} اصْطَفَيْنَا بِالْإِسْلَامِ ومتابعة النبى صلى الله عليه وسلم يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} إِذا تقْرَأ عَلَيْهِم {آيَاتُ الرَّحْمَن} بِالْأَمر وَالنَّهْي {خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} يَسْجُدُونَ ويبكون من مَخَافَة الله

ص: 257

{فَخَلَفَ} فَبَقيَ {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {خَلْفٌ} سوء {أَضَاعُواْ الصَّلَاة} تركُوا الصَّلَاة وَكَفرُوا بِاللَّه {وَاتبعُوا الشَّهَوَات} اشتغلوا باللذات فِي الدُّنْيَا وَتزَوج الْأَخَوَات من الْأَب وهم الْيَهُود {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} وَاديا فِي جَهَنَّم

ص: 257

{إِلَاّ مَن تَابَ} من الْيَهُود {وَآمَنَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

ص: 257

{لَاّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لَغْواً} حلفا بَاطِلا {إِلَّا سَلاما} لَكِن يسلم بَعضهم على بعض للإكرام {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا} طعامهم فِي الْجنَّة {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} على مِقْدَار بكرَة وَعَشِيَّة فِي الدُّنْيَا

ص: 257

{تِلْكَ الْجنَّة} هَذِه الْجنَّة {الَّتِي نُورِثُ}

ص: 257

ننزل {مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} من الْكفْر والشرك وَيُقَال مُطيعًا لرَبه

ص: 258

{وَمَا نَتَنَزَّلُ} من السَّمَاء {إِلَاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل ذَلِك حِين حبس الله عَنهُ الْوَحْي فِيمَا سَأَلته قُرَيْش عَن الرّوح وَذي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَنَا} من أَمر الدُّنْيَا {وَمَا بَيْنَ ذَلِك} مَا بَين النفختين {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} لم ينْسك رَبك مُنْذُ أُوحِي إِلَيْك

ص: 258

{رب} خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} من الْخلق والعجائب هُوَ الله {فاعبده} فأطعه {واصطبر لِعِبَادَتِهِ} اصبر على عِبَادَته {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أحدا يُسمى الله

ص: 258

{وَيَقُولُ الْإِنْسَان} أبي بن خلف الجُمَحِي بانكار الْبَعْث {أئذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} من الْقَبْر بعد الْمَوْت هَذَا مَالا يكون

ص: 258

{أَوَلَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ} أَو لَا يتعظ أبي بن خلف الجُمَحِي {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا من نُطْفَة مُنْتِنَة {وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} فَإِنِّي قَادر على أَن أحييه

ص: 258

{فَوَرَبِّكَ} أقسم بِنَفسِهِ {لَنَحْشُرَنَّهُمْ} يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي أَبَيَا وَأَصْحَابه {وَالشَّيَاطِين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ} لنجمعنهم {حَوْلَ جَهَنَّمَ} وسط جَهَنَّم {جِثِيّاً} جَمِيعًا

ص: 258

{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ} لَنخْرجَنَّ {مِن كُلِّ شِيعَةٍ} من كل أهل دين {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيّاً} جرْأَة بِالْقُرْآنِ

ص: 258

ص: 258

{وَإِن مِّنكُمْ} وَمَا مِنْكُم من أحد {إِلَاّ وَارِدُهَا} داخلها يَعْنِي النَّار غير النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} قَضَاء كَائِنا وَاجِبا أَن يكون

ص: 258

{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَّنَذَرُ} نَتْرُك {الظَّالِمين} الْمُشْركين {فِيهَا} فِي جَهَنَّم {جِثِيّاً} جَمِيعًا دَائِما

ص: 258

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} تقْرَأ عَلَيْهِم على النَّضر وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن والبعث يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {لِلَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} أهل دينين منا ومنكم {خَيْرٌ مَّقَاماً} منزلا {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} مَجْلِسا

ص: 258

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قُرَيْش {مِّن قَرْنٍ} من أُمَم خَالِيَة {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً} أَكثر أَمْوَالًا وأولادا {ورئيا} أحسن منْظرًا

ص: 258

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَن كَانَ فِي الضَّلَالَة} فِي الْكفْر والشرك {فَلْيَمْدُدْ} فليزدد {لَهُ الرَّحْمَن مَدّاً} زِيَادَة فِي المَال وَالْولد فانظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {إِمَّا الْعَذَاب} يَوْم بدر بِالسَّيْفِ {وَإِمَّا السَّاعَة} وَإِمَّا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة بالنَّار {فَسَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً} منزلا فِي الْآخِرَة وضيقاً فِي الدُّنْيَا {وَأَضْعَفُ جُنداً} أَهْون ناضراً

ص: 258

{وَيَزِيدُ الله الَّذين اهتدوا} بِالْإِيمَان {هُدًى} بالشرائع وَيُقَال وَيزِيد الله الَّذين اهتدوا بالناسخ هدى بالمنسوخ {والباقيات الصَّالِحَات} والصلوات الْخمس {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً} خير مَا يثيب الله بِهِ الْعباد الصَّلَوَات

ص: 258

{وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أفضل مرجعاً فِي الْآخِرَة

ص: 259

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي {وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد فِي الْآخِرَة حَقًا لَأُعْطيَن مَالا وَولدا فى الْآخِرَة

ص: 259

فَرد الله عَلَيْهِ وَقَالَ {أَطَّلَعَ الْغَيْب} أنظر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن لَهُ مَا يَقُول {أَمِ اتخذ} اعْتقد {عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً} بِلَا إِلَه إِلَّا الله فَيكون لَهُ مَا يَقُول

ص: 259

{كَلَاّ} رد عَلَيْهِ لَا يكون لَهُ مَا يَقُول {سَنَكْتُبُ} سنحفظ {مَا يَقُولُ} من الْكَذِب {ونمد لَهُ} نزيل لَهُ {مِنَ الْعَذَاب مَدّاً} زِيَادَة

ص: 259

{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} فِي الْجنَّة ونعطي غَيره من الْمُؤمنِينَ {وَيَأْتِينَا} يَوْم الْقِيَامَة {فَرْداً} وحيداً خَالِيا من المَال وَالْولد وَالْخَيْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي خباب بن الْأَرَت وَصَاحبه فِي خُصُومَة كَانَت بَينهمَا

ص: 259

{وَاتَّخذُوا} عبدُوا أهل مَكَّة {مِن دُونِ الله آلِهَةً} يَعْنِي الْأَصْنَام {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عِزّاً} مَنْفَعَة من عَذَاب الله

ص: 259

{كَلَاّ} رد عَلَيْهِم لَا يكون لَهُم مَنْفَعَة من عَذَاب الله {سيكفرون بعبادتهم} سيتبرءون يَعْنِي الْأَصْنَام من عبَادَة الْكفَّار {وَيَكُونُونَ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عَلَيْهِمْ} على الْكفَّار {ضِدّاً} عوناً بِالْعَذَابِ

ص: 259

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين} سلطنا الشَّيَاطِين {عَلَى الْكَافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} تزعجهم إِلَى مَعْصِيّة الله إزعاجاً وتغريهم إغراء

ص: 259

{فَلَا تَعْجَلْ} فَلَا تستعجل {عَلَيْهِمْ} بِالْعَذَابِ {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} يَعْنِي النَّفس بعد النَّفس

ص: 259

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {إِلَى الرَّحْمَن} إِلَى جنَّة الرَّحْمَن {وَفْداً} ركباناً على النوق

ص: 259

{وَنَسُوقُ الْمُجْرمين} الْمُشْركين {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} عطاشاً

ص: 259

{لَاّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة} لَا تشفع الْمَلَائِكَة لأحد {إِلَاّ مَنِ اتخذ} من اعْتقد {عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً} بِلَا إِلَه إِلَّا الله

ص: 259

{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {اتخذ الرَّحْمَن وَلَداً} عُزَيْرًا ابْنا

ص: 259

{لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} قُلْتُمْ قولا مُنْكرا عَظِيما

ص: 259

{تَكَادُ السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن {مِنْهُ} من قَوْلهم {وَتَنشَقُّ الأَرْض} تتصدع الأَرْض {وَتَخِرُّ الْجبَال} تسير الْجبَال {هَدّاً} كسراً

ص: 259

{أَن دَعَوْا} بِأَن دعوا {للرحمن وَلَداً} عُزَيْرًا ابْنا

ص: 259

{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول مَا من أحد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {إِلَاّ آتِي الرَّحْمَن عَبْداً} إِلَّا مقرا للرحمن بالعبودية مُطيعًا لَهُ غير الْكَافِر

ص: 259

{لقد أحصاهم} حفظهم {وعدهم عدا} عَالم بعددهم

ص: 259

{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} يَجِيء إِلَى الله {يَوْمَ الْقِيَامَة فَرْداً} وحيداً بِلَا مَال وَلَا ولد

ص: 259

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَن وُدّاً} يُحِبهُمْ ويحببهم إِلَى الْمُؤمنِينَ

ص: 259

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} هونا عَلَيْك قِرَاءَة الْقُرْآن {لِتُبَشِّرَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَتُنْذِرَ} تخوف {بِهِ} بِالْقُرْآنِ {قَوْماً لُّدّاً} جدلاً بِالْبَاطِلِ

ص: 259

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد

ص: 259